واسط فی العصر العباسی

اشارة

واسط فی العصر العباس:
سرشناسه : معاضیدی، عبدالقادر سلمان
Maadidi, Abd al - Qadir Salman
عنوان و نام پدیدآور : واسط فی العصر العباس: دراسة فی تنظیماتها ... ۶۵۶ - ۳۲۴ق م‌۱۲۵۸ - ۹۳۵/ عبدالقادر سلمان المعاضیدی
مشخصات نشر : بغداد : دارالحریة للطباعة ، ۱۹۸۳م. = ۱۴۰۴ق. = ۱۳۶۲.
مشخصات ظاهری : ص ۴۵۹
وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی
یادداشت : کتابنامه: ص. ۴۵۹ - ۴۱۹
موضوع : واسط -- تاریخ - ق‌۶۵۶ - ۳۲۴
رده بندی کنگره : DS۷۹/۹/و۲م‌۶ ۱۳۶۲
شماره کتابشناسی ملی : م‌۸۱-۲۴۶۴۱

الإهداء

إلی زوجتی الفاضلة أم أوس التی کانت رفیقة الدرب فی أثناء دراستی الماجستیر و الدکتوراه، وضحّت بالکثیر من أجل حصولی علی العلم.
المؤلف
واسط فی العصر العباسی، ص: 7
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم نطاق البحث و تحلیل المصادر

المقدمة

أ- نطاق البحث‌

: لقد تطلبت حرکات التحریر و الفتح العربیة الإسلامیة إنشاء مدن یتخذها العرب قواعد عسکریة یقومون منها بحملاتهم العسکریة و فتوحاتهم، ثم أصبحت هذه المدن فیما بعد مراکز إداریة رئیسة للأقالیم، و قد سکنتها القبائل العربیة منذ إنشائها، فأصبح تنظیمها الاجتماعی یقوم علی أساس النظام القبلی.
إن وجود الأمراء و کبار الموظفین و الأغنیاء فی هذه المدن، و توزیع العطاء علی مقاتلتها أدی إلی ارتفاع القوة الشرائیة لعدد کبیر من سکانها، و ارتفاع مستوی معیشتهم، مما أدی إلی زیادة طلبهم علی المواد الاستهلاکیة الضروریة منها و الکمالیة، فشجع ذلک عددا من الناس علی الاشتغال بالتجارة و الصناعة لسد حاجة هؤلاء. کما أن الموقع التجاری لبعض هذه المدن، و تشجیع الدولة للتجارة، و خصوبة الأراضی الزراعیة المحیطة بها، کل ذلک أدی لأن تصبح هذه المدن مراکز هامة للحیاة الاقتصادیة، و قد جذبت حیاة المدن عددا کبیرا من الناس من مختلف
واسط فی العصر العباسی، ص: 8
العناصر، اختلطوا بالسکان الأصلیین و ساهموا فی الحیاة الاقتصادیة فی هذه المدن مما أدی إلی ضعف التمییز الاجتماعی الذی کان قائما علی العنصر، و أصبحت الثروة من الأسس الرئیسة التی تحدد مرکز الشخص الاجتماعی، کما أصبحت هذه المدن مراکز للعلم و الثقافة، فقد ظهر فیها عدد من العلماء و القراء و المحدثین و الفقهاء و الأدباء و الشعراء.
و إضافة إلی ما تقدم فإن هذه المدن کانت قد لعبت دورا هاما بسبب وجود مراکز القوی السیاسیة فیها و من ورائهم المقاتلة، القوة الضاربة و الفعالة فی الأحداث. و من هذا المنطلق فإن التاریخ العربی هو فی حقیقته تاریخ المدن.
و من جانبنا فقد بحثنا إحدی هذه المدن و هی مدینة واسط فی مرحلة الماجستیر و کان بحثنا آنذاک محاولة لدراسة الأحوال و التطورات الإداریة و الاقتصادیة فی هذه المدینة منذ إنشائها سنة 81 ه/ 700 م حتی نهایة الحکم الأموی سنة 132 ه/ 749 م. و من خلال دراستنا لها و اطّلاعنا علی أخبارها تأکد لنا أن الحیاة فی هذه المدینة کانت قد تطورت و تبدلت من جرّاء تبدل الأحوال السیاسیة، و الاجتماعیة و الاقتصادیة للدولة العربیة الإسلامیة فی الفترة ما بین 324 ه- 656 ه/ 953- 1258 م، فقد حدث بواسط و منطقتها فی هذه الفترة تطورات خطیرة، فالتقسیمات الإداریة للعراق کانت قد ألغیت فی القرن الرابع الهجری/ العاشر المیلادی، و حلت محلها تقسیمات إداریة جدیدة أعارت أهمیة کبیرة للمراکز الحضاریة العربیة الإسلامیة، فأصبحت واسط إحدی ولایات العراق، و قد احتفظت بأهمیتها الإداریة طیلة هذه الفترة، حیث کانت تشرف علی إدارة منطقة واسعة تضم عددا من المدن و القری. و قد ساعد موقعها الجغرافی علی المشارکة الفعالة فی معظم الأحداث السیاسیة المهمة التی حدثت فی
واسط فی العصر العباسی، ص: 9
العراق طیلة العصور العباسیة المتأخرة، و اتسعت المدینة علی جانبی دجلة اتساعا کبیرا، و ظلت محتفظة بازدهار العمران فیها و اتساع رقعتها طیلة هذه الفترة، و قد حدث فیها تطور فی الحیاة الاجتماعیة، کما أصبحت أحد المراکز الثقافیة المهمة فی العالم الإسلامی. و بما أن واسط لم تحظ بعنایة المؤرخین المحدثین رأینا أن نستکمل دراستنا لها لکی تتضح لدی القاری‌ء العربی عموما و المؤرخ المختصّ خاصة صورة کاملة عنها فی عصورها العربیة الإسلامیة المختلفة.
لقد واجهتنا فی هذه الدراسة صعوبات: فالمادة التی جاءت عن واسط مبعثرة و مشتتة و ناقصة، و من أهم أسباب ذلک هو أن الکتب التی ألفت عنها لم یصل إلینا منها سوی کتاب واحد و هو متقدم علی فترة دراستنا. ثم إن المعلومات عن واسط جاءت إلینا من مؤرخی و جغرافیی العصر العباسی و هؤلاء تجنبوا ذکر المعالم و المنجزات الأمویة فی هذه المدینة. و هناک صعوبة ثانیة ناجمة عن عدم إجراء تنقیبات واسعة فی هذه المدینة، فالکشف عن آثارها یساعدنا کثیرا فی معرفة جوانب الحیاة المختلفة فیها، و یسد النقص الموجود فیما کتبه المؤلفون عنها، و لکننا استطعنا التغلب علی هذه الصعوبات بعد أن رجعنا إلی مصادر کثیرة و متنوعة فجمعنا منها النصوص التی تتعلق بواسط، و قمنا بتنظیمها و تحلیلها و مقارنتها فاستخلصنا منها صورة للحیاة فیها. أما النقاط التی ظلت غامضة و مبهمة فقد استعنّا لتوضیحها بالمعلومات المتوفرة عن المدن الأخری، خاصة الکوفة، و البصرة، و بغداد قدر الإمکان دون تحمیل النصوص ما لا تحتمل.
لقد جعلنا هذا البحث فی خمسة فصول، تناول الفصل الأول الحیاة السیاسیة بواسط فی العصور العباسیة المتأخرة، و قد تتبعنا فی هذا الفصل مشارکة واسط فی الأحداث السیاسیة التی وقعت فی العراق خلال فترة البحث ثم بینّا الدور الذی لعبه ولاة هذه المدینة فی تلک الأحداث. و مع أن هذا الفصل هو تمهید لموضوع الدراسة إلا أن طول الفترة التی تناولتها
واسط فی العصر العباسی، ص: 10
الدراسة و التی تزید علی ثلاثة قرون، و مشارکة واسط فی الأحداث السیاسیة أدت إلی سعة هذا الفصل.
أما الفصل الثانی فقد خصص لدراسة تخطیط مدینة واسط و تطورها العمرانی و قد تناولنا بالبحث أقسام المدینة فتحدثنا عن المحلات، و الشوارع و الأسواق و السور، کذلک تحدثنا عن المنشآت الدینیة و دار الإمارة و قد حددنا مواقع هذه الأقسام من المدینة اعتمادا علی الإشارات القلیلة التی جاءت فی المصادر.
أما ما یتعلق بالتطور العمرانی بواسط فقد بینا أن هذه المدینة فی هذه الفترة کانت قد اتحدت مع مدینة کسکر و أصبحتا مدینة واحدة أطلق علیها اسم واسط، و اتسعت علی جانبی دجلة اتساعا کبیرا، و أنها ظلت محتفظة بازدهارها العمرانی طیلة فترة البحث.
و یتناول الفصل الثالث إدارة ولایة واسط، و یبدأ هذا الفصل بتحدید الولایة، ثم ینتقل إلی معالجة التقسیم الإداری فی الولایة، و قد بینا أن العرب لم یتبعوا التقسیمات الإداریة الساسانیة القدیمة فی إدارتهم للقسم الجنوبی من العراق، و إنما ألغوا هذه التقسیمات و أحلوا محلها تقسیمات إداریة جدیدة أصبحت بموجبها واسط مرکزا لإدارة منطقة واسعة کانت مقسمة إلی خمس مناطق إداریة یطلق علیها «أعمال» تضم کل منطقة منها مجموعة من المدن و القری. و تضمّن هذا الفصل أیضا علاقة واسط بالسلطة المرکزیة ببغداد. کما تضمّن الوظائف الإداریة فی هذه الولایة، و قد تحدثنا عن طبیعة هذه الوظائف و صلاحیات و أعمال الموظفین الإداریین، و کذلک تحدثنا عن وظیفة القضاء و الحسبة، و النقابة و اختصاصات کل منها، و قد ثبتنا ملحقا یشمل قائمة بأسماء هؤلاء الموظفین.
و یبحث الفصل الرابع فی الحیاة الاجتماعیة بواسط، و قد تحدثنا فیه عن عناصر السکان و أثرهم فی الحیاة الاجتماعیة و السیاسیة، کذلک تحدثنا عن الطوائف الدینیة و العلاقات بینهم، و بینّا دور الأجانب فی قیام الفتن
واسط فی العصر العباسی، ص: 11
المذهبیة فی هذه المدینة، و تناول هذا الفصل کذلک التنظیم الاجتماعی بواسط، و قد وجدنا أن المجتمع فی هذه المدینة کان یتألف من ثلاث طبقات هی: طبقة الخاصة، و الطبقة المتوسطة، و طبقة العامة، و قد تحدثنا عن الفئات التی کانت تضمها کل طبقة و أثرهم فی الحیاة الاجتماعیة و الاقتصادیة و السیاسیة فی هذه المدینة.
و تناول الفصل الخامس الحیاة الفکریة بواسط بالتفصیل، فدرسنا المؤسسات التعلیمیة التی ظهرت فی هذه المدینة، و وضحنا دور کل مؤسسة فی الحیاة الفکریة کذلک درسنا العلوم الدینیة، و علوم العربیة، و العلوم التأریخیة و الجغرافیة، و العلوم العقلیة، و أشرنا إلی العلماء الذین برزوا فی هذه العلوم و مؤلفاتهم. و استکمالا لهذا الفصل فقد تناولنا بالبحث الصلات العلمیة بین واسط و العالم الإسلامی، کما درسنا أشهر البیوتات العلمیة التی ظهرت بواسط فی هذه الفترة.

ب- تحلیل المصادر:

قبل ذکرنا للمصادر التی اعتمدناها فی هذا البحث لا بد من الإشارة إلی أن واسط کانت قد استرعت اهتمام غیر واحد من المؤرخین القدامی فأفردوا لتأریخها مؤلفات خاصة بها وقفت علی ذکرها فیما بین أیدینا من مراجع و هی «تاریخ واسط» لأسلم بن سهل الرزاز الواسطی المعروف ببحشل (ت 292 ه/ 904 م) و «التأریخ المجدد التالی لتأریخ بحشل» لأبی الحسن علی بن محمد بن محمد بن الطیب الجلابی الواسطی المعروف بابن المغازلی (ت 483 ه/ 1090 م) و «تأریخ واسط» لأبی عبد اللّه محمد بن سعید ابن یحیی الواسطی المعروف بابن الدبیثی (ت 637 ه/ 1239 م) و «عجائب واسط» لابن المهذب (ت قبل سنة 674 ه/ 1275 م) و «تأریخ واسط» للسید جعفر بن محمد بن الحسن المعروف بالجعفری (لم نقف علی سنة وفاته) إلا أن هذه الکتب مفقودة عدا کتاب بحشل و هو متقدم علی فترة دراستنا. فکان علینا عند جمعنا لأخبار هذه المدینة أن نرجع إلی مصادر عدیدة و متنوعة
واسط فی العصر العباسی، ص: 12
لنکوّن صورة واضحة عن الحیاة فیها و هذه المصادر هی: المصادر التأریخیة و التراجم و الجغرافیة و الأدبیة و الفقهیة، و معظم هذه المصادر تمتاز بمعاصرتها للفترة التی تناولتها هذه الدراسة أو قریبة منها. و سوف نتکلم فی هذه المقدمة علی الکتب التی کانت ذات قیمة أساسیة بالنسبة لهذه الدراسة.

المصادر التأریخیة:

یعتبر کتاب «تجارب الأمم» لمسکویه (ت 421 ه/ 1030 م) فی مقدمة الکتب التی اعتمدناها فی الکتابة عن مشارکة واسط فی الأحداث السیاسیة فی الفترة ما بین 324- 369 ه/ 935- 979 م فقد قدم لنا معلومات وافیة من تطلع البریدیین إلی واسط و استیلائهم علیها مرات عدیدة و الصراع الذی دار بینهم و بین السلطة المرکزیة ببغداد علی هذه المدینة، و إقامة بعض أمراء الأمراء بواسط، کما تحدث عن استیلاء البویهیین علی واسط، و الصراع الذی حدث بینهم و بین الخلافة علی هذه المدینة. کما قدم لنا معلومات واسعة عن تمرد عمران بن شاهین فی منطقة واسط و اتخاذ هذه المدینة قاعدة لإدارة العملیات العسکریة ضد هذا التمرد، و تعرض إلی النزاع الذی حدث بین أبناء البیت البویهی علی السلطة، و الدور الذی لعبه ولاة واسط فی هذه النزاع و استیلادء الأمراء المتنازعین علی هذه المدینة مرات عدیدة، و إقامة بعضهم فیها و اتخاذها قاعدة لإدارة العملیات العسکریة ضد بغداد و المشرق. أما فی دراسة الحیاة الاجتماعیة بواسط فقد انفرد هذا المصدر فی التحدث عن إقامة الدیلم و الأتراک فی إقطاعاتهم بمنطقة واسط، و وصف لنا حالة الفلاحین و الزراع فی ظل النظام الإقطاعی، و لا نجد ذکرا لهذه المعلومات فی کتب التأریخ المعاصرة الأخری. کما زودنا بمعلومات ألقت الضوء علی التنظیمات الإداریة بواسط. أما کتاب «ذیل تجارب الأمم» لأبی شجاع (ت 488 ه/ 1095 م) فهو یحتوی علی أحداث عشرین سنة ابتداء من سنة 369 ه حتی سنة 389 ه/ 979- 998 م و تلیه قطعة من
واسط فی العصر العباسی، ص: 13
تأریخ هلال الصابی إلی 393 ه/ 1002 م و قد رجعنا إلیه فی دراسة مشارکة واسط فی الأحداث السیاسیة خلال هذه الفترة، و قد انفرد بذکر الدور الذی لعبه والی واسط أبو علی التمیمی فی النزاع الذی حدث بین أبناء البیت البویهی سنة 376 ه/ 986 م.
و یعد کتاب «أخبار الراضی باللّه و المتقی للّه» لأبی بکر الصولی (ت 335 ه/ 946 م) و الذی هو جزء من کتابه «الأوراق» من المصادر المهمة التی رجعنا إلیها فی دراسة الفترة ما بین 324- 333 ه/ 935- 944 م، فقد أمدّنا بأخبار عن استیلاء البریدیین علی واسط، و النزاع الذی قام بینهم و بین السلطة المرکزیة ببغداد حول هذه المدینة، و إقامة أمیر الأمراء بجکم بواسط و اتخاذها قاعدة لحکمه، و استیلاء سیف الدولة الحمدانی علی واسط و إقامته بها کما قدم لنا معلومات عن الحیاة الاجتماعیة و الإداریة بواسط. و مع أن مسکویه و ابن الأثیر تناولا بالکتابة الفترة نفسها إلا أن الصولی یمتاز علیهما بأنه کان معاصرا لهذه الفترة و شاهد عیان للأحداث من جهة و أنه جاء بمعلومات فریدة عن واسط من جهة أخری، فهو یذکر مثلا أن النزاع الذی حدث بین توزون و سیف الدولة بواسط کان بتحریض من الخلیفة المتقی باللّه لأنه أراد أن یتخلص من الحمدانیین. و مما یؤخذ علی الصولی أنه لم یدون بعض الأخبار المهمة عن واسط فی هذه الفترة مثل استیلاء البویهیین علی واسط سنة 328- 333 ه/ 939- 944 م.
و من المصادر المهمة التی اعتمدناها فی هذا البحث کتاب «المنتظم فی تاریخ الأمم و الملوک» لابن الجوزی (ت 597 ه/ 1200 م) و قد دون الأحداث علی السنین، و هو ینتهی بنهایة سنة 574 ه/ 1178 م. و قد قدم لنا معلومات عن مشارکة واسط فی الأحداث السیاسیة خلال هذه الفترة، و علی الرغم من أن معلوماته هذه مختصرة إلا أنها مهمة لأنه کان معاصرا لفترة البحث و أقام فترة بواسط.
واسط فی العصر العباسی، ص: 14
و قدم لنا هذا المصدر کذلک معلومات مهمة تتعلق بالحیاة الاجتماعیة و الفکریة و التنظیمات الإداریة بواسط.
و لابن الأثیر (ت 630 ه/ 1232 م) أهمیة خاصة فی دراسة هذه المدینة فکتابه «الکامل فی التاریخ» من المصادر الأساسیة التی رجعنا إلیها، علی الرغم من أنه استقی معلوماته من مسکویه و ابن الجوزی، و ترجع أهمیة هذا المصدر إلی أنه یستمر فی روایة الأحداث إلی سنة 628 ه/ 1230 م. و قد أورد معلومات واسعة و وافیة و دقیقة عن مشارکة واسط بالأحداث السیاسیة من سنة 324- 562 ه/ 935- 1166 م و دور ولاتها فی هذه الأحداث. و قد أفدنا من ابن الأثیر بشکل أساسی فی دراسة خروج والی واسط ابن فسانجس علی طاعة الخلیفة العباسی القائم بأمر اللّه، و إقامة البساسیری بواسط و اتخاذها قاعدة لحکمه. و فی دراسة العلاقة بین واسط و کل من الإمارة المزیدیة بالحلة و البصرة و الأحواز. کما قدم لنا معلومات واسعة عن دور ولاة واسط فی الصراع الذی حدث بین السلاجقة و الخلفاء العباسیین. و الجدیر بالذکر أن روایاته عن علاقة واسط بالقوی المجاورة لها لا نجد لها ذکرا فی کتب التاریخ المعاصرة الأخری. و قدم لنا هذا المصدر کذلک معلومات مفیدة تتعلق بالحیاة الاجتماعیة و الفکریة و التنظیمات الإداریة بواسط.
أما کتاب «العیون و الحدائق» للمؤلف المجهول، فقد رجعنا إلیه فی دراسة مشارکة واسط فی الأحداث السیاسیة من سنة 324- 351 ه/ 935- 962 م. و علی الرغم من أن المؤلف تناول الفترة نفسها التی کان قد تناولها مؤرخون آخرون لکن الظاهر أن هذا المؤلف کان قد استمد معلوماته من مصادر تختلف عن مصادر غیره من المؤرخین، فقد قدم لنا عن واسط معلومات تاریخیة جدیدة لم ترد فی غیره من المصادر التی تبحث فی هذه الفترة. و مثال ذلک ما ذکره عن احتلال واسط من قبل أحمد ابن بویه، و إقامته بها سنة 334 ه/ 945 م. و یذکر هذا المصدر أن عمران
واسط فی العصر العباسی، ص: 15
ابن شاهین کان من قبیلة سلیم العربیة، فألقی بذلک الضوء علی طبیعة التمرد الذی قام به فی منطقة واسط.
و قدمت لنا مخطوطة «عقد الجمان فی تاریخ أهل الزمان» لبدر الدین العینی (ت 855 ه/ 1451 م) و هی مرتبة حسب السنین، و محفوظة بدار الکتب المصریة أخبارا مفصلة عن مشارکة واسط فی الأحداث السیاسیة طیلة العصور العباسیة المتأخرة، و الدور الذی لعبه ولاتها فی تلک الأحداث، و علی الرغم من أن المؤلف نقل معلوماته عن واسط من مؤرخین عدیدین منهم: ابن الجوزی و ابن الأثیر وسبط ابن الجوزی و ابن خلکان و ابن کثیر، غیر أن معلوماته ساعدتنا علی مقارنة و تدقیق المادة التاریخیة التی جاءت فی المصادر التی نقل عنها. و تظهر أهمیة هذا المصدر للبحث لیس فقط فیما یقدمه من معلومات مفیدة تتعلق بالأحداث السیاسیة، بل کذلک فیما قدم لنا من معلومات مفیدة تتعلق بالحیاة الاجتماعیة و التنظیمات الإداریة و الخطط فی هذه المدینة.
و من المصادر التی أفدنا منها کتاب «الجامع المختصر فی عنوان التواریخ و عیون السیر» لابن الساعی (ت 674 ه/ 1275 م) و هو کتاب کبیر مرتب علی السنوات إلا أنه لم یصل إلینا منه غیر الجزء التاسع و هو یحتوی علی حوادث اثنتی عشرة سنة ابتداء من سنة 595 ه حتی سنة 606 ه/ 1198- 1209 م و قد رجعنا إلیه فی دراسة الحیاة الفکریة و التنظیمات الإداریة بواسط.

التراجم:

لعل مخطوطة «ذیل تاریخ مدینة السلام بغداد» لابن الدبیثی (ت 637 ه/ 1239 م) تأتی فی مقدمة المصادر التی اعتمدناها فی هذا البحث، فالمعلومات الموجودة فیما یتعلق بواسط فی هذه المخطوطة مهمة جدا و دقیقة، و ذلک لأن المؤلف من أبناء هذه المدینة، و هو معاصر لفترة
واسط فی العصر العباسی، ص: 16
البحث، و ألف کتابا کبیرا لتاریخ واسط- کما أشرنا سابقا- فلا بد أنه کان مطلعا علی أخبار واسط اطلاعا کافیا. لقد رجعنا إلی هذا المصدر فی دراسة المؤسسات التعلیمیة، و کذلک فی دراسة العلوم الدینیة و التاریخیة و العقلیة، و الصلات العلمیة بین واسط و العالم الإسلامی، و أشهر البیوتات العلمیة فی هذه المدینة، و قد قدم لنا معلومات واسعة فی هذا الجانب، کما قدم لنا معلومات مهمة عن التنظیمات الإداریة و تخطیط المدینة.
و الجدیر بالذکر أن البعض من معلوماته کان فریدا لم ترد فی غیره من المصادر التی اعتمدناها فی هذا البحث مثل ذکره لبعض المؤسسات التعلیمیة.
أما کتاب «سؤالات الحافظ السلفی لخمیس الحوزی عن جماعة من أهل واسط» للسلفی (ت 576 ه/ 1180 م) فقد رجعنا إلیه فی دراسة المؤسسات التعلیمیة و العلوم الدینیة و علوم العربیة و کذلک فی دراسة الصلات العلمیة بین واسط و العالم الإسلامی، و أشهر البیوتات العلمیة، کما قدم لنا معلومات مفیدة عن الإدارة و الحیاة الاجتماعیة و تخطیط المدینة، و ترجع أهمیة هذا المصدر فی أنه قدم لنا معلومات واسعة و دقیقة، لأن مؤلفه قدم واسط بعد سنة 500 ه/ 1106 م و أقام فیها مدة و سأل أحد کبار علمائها و هو الحافظ خمیس الحوزی عن رجال من أهل واسط بلغ عددهم (126) رجلا عدا من ورد ذکرهم فی ثنایا تراجم هؤلاء الرجال، و قد انفرد بذکر أخبار بعض القراء و المحدثین و الفقهاء من أبناء هذه المدینة و کذلک فی النشاط العلمی لمساجد المحلات.
کذلک رجعنا إلی کتاب «معرفة القراء الکبار علی الطبقات و الأعصار» للذهبی (ت 748 ه/ 1347 م) فی دراسة القراء بواسط، و القراءات التی اعتمدوها و الکتب التی صنفوها فی علم القراءات، و زودونا بمعلومات مفیدة عن المحدثین و عن الصلات العلمیة بین واسط و العالم الإسلامی، و مع أن المؤلف نقل معلوماته عن واسط من السمعانی و السلفی و ابن نقطة
واسط فی العصر العباسی، ص: 17
و ابن الدبیثی و ابن النجار. إلا أن أهمیة هذا المصدر ترجع إلی أنه أمدّنا بمعلومات نکاد لا نجدها فی سواه من المصادر، فقد انفرد بذکر القراءات التی اعتمدها القراء بواسط، و بعض الکتب التی صنفت فی علم القراءات، کما حفظ لنا الأخبار التی لم تصل إلینا من الأجزاء التی فقدت من کتاب ابن الدبیثی و ابن النجار.
و من المصادر التی اعتمدناها فی هذه الدراسة مخطوطة «إکمال الإکمال» لابن نقطة (ت 629 ه/ 1231 م) و هی محفوظة فی مکتبة المتحف البریطانی بلندن، و لها نسخة مصورة عن مخطوطة لندن محفوظة فی المکتبة المرکزیة بجامعة بغداد. و هی فی تراجم العلماء و القراء و المحدثین و الفقهاء و الأدباء، مرتبة علی حروف المعجم، و تحوی تراجم لعدد من رجال واسط، و المخطوطة ذات فائدة کبیرة حیث أمدتنا بمعلومات قیمة عن العلوم الدینیة بواسط و عن الصلات العلمیة بینها و بین العالم الإسلامی، و أشهر البیوتات العلمیة. و مما یزید فی قیمة المعلومات التی أوردها ابن نقطة هو أن هذا المؤرخ کان قد زار واسطا مرتین و التقی کبار المحدثین فیها و سمع الحدیث و کتبه ورواه عن عدد منهم. أما کتابه الآخر «التقیید لمعرفة رواة السنن و المسانید» فهو مخطوطة محفوظة فی مکتبة المتحف البریطانی بلندن، و هی فی تراجم المحدثین مرتبة علی حروف المعجم و تحوی تراجم لعدد من کبار المحدثین بواسط، و قد زودتنا بمعلومات مفیدة عن علم الحدیث، و أشهر البیوتات العلمیة بواسط. و الصلات العلمیة بین واسط و العالم الإسلامی.
و رجعنا أیضا إلی کتاب «التکملة لوفیات النقلة» للمنذری (ت 656 ه/ 1258 م) و هو مرتب علی سنی الوفاة، یبدأ بوفیات سنة 582 ه/ 1186 م و ینتهی بوفیات سنة 642 ه/ 1244 م و یورد هذا الکتاب مجموعة من التراجم لعلماء و قراء و محدّثین و فقهاء من أهل واسط. و علی الرغم من أن المعلومات التی قدمها عن هذه المدینة هی مختصرة و أنه نقلها من مخطوطة
واسط فی العصر العباسی، ص: 18
«ذیل تاریخ مدینة السلام بغداد» لابن الدبیثی و کتب أخری دون أن یشیر إلی ذلک، إلا أن أهمیة هذا الکتاب ترجع إلی أن مؤلفه کان ثقة و أنه حفظ لنا المعلومات التی لم تصل إلینا من الجزء الذی فقد من کتاب ابن الدبیثی، کما قدم لنا معلومات لم نجدها عند ابن الدبیثی لأنه متأخر عنه، و أفادنا کذلک فی مقارنة و تدقیق الأخبار التی جاءت عند ابن الدبیثی و المصادر الأخری التی تناولت الفترة نفسها و هذا الکتاب قدم لنا معلومات قیمة عن العلوم الدینیة، و العلوم العقلیة و عن الصلات العلمیة بین واسط و العالم الإسلامی، و أشهر البیوتات العلمیة بواسط.

المصادر الأدبیة:

لا یمکن الاستغناء عن کتب الأدب العربی فی کتابة التأریخ لأن هذه الکتب تقدم لنا مادة جیدة عن الأحوال الاجتماعیة، و الاقتصادیة، و الإداریة و الفکریة، کما نجد فیها الکثیر من الحقائق التأریخیة التی أهملتها المصادر الأخری، و أهم المصادر الأدبیة التی لها علاقة بهذا البحث هو: کتاب «خریدة القصر و جریدة العصر» للعماد الأصبهانی (ت 596 ه/ 1199 م) و هذا الکتاب فی تراجم الشعراء، و قد خصص المؤلف قسما منه لتراجم شعراء واسط و نتاجاتهم الشعریة. و کتابه یحتوی علی أطول قائمة وصلت إلینا عن شعراء هذه المدینة. و إن قسما ممن تحدث عنهم من الشعراء لا یرد لهم ذکر فی بقیة المصادر المعاصرة له مثل أبی الفرج بن الدهان الواسطی، و أبی الفرج العلاء بن علی بن السوادی الواسطی و غیرهما.
و تمتاز المعلومات التی قدمها عن الشعراء و نتاجهم الشعری بالشمول و الدقة. و لا شک فی أن لمعلوماته أهمیة کبیرة باعتبار أنه کان قد أقام بواسط سنوات عدیدة ناظرا فی أعمال الوزیر ابن هبیرة، فنقل معلوماته عن الشعر و الشعراء فی هذه المدینة من الشعراء أنفسهم أو بأخذها من الآخرین
واسط فی العصر العباسی، ص: 19
من أبناء هذه المدینة، و لا بد أنه کان قد اطلع علی أخبار الشعراء اطلاعا کاملا. و قدم لنا هذا الکتاب معلومات فریدة عن الحیاة الاجتماعیة بواسط لا نجدها فی سواه من المصادر فقد ذکر عددا من الجواری و الغلمان و أجناسهم و مهنهم، و وصف مجالس الشرب و الغناء و موارد الشعراء و الأدباء. أما فی التنظیمات الإداریة فقد انفرد بذکر بعض المدن، و الموظفین الإداریین فیها.
أما مخطوطة (دیوان ابن المعلم الواسطی) (ت 592 ه/ 1195 م) فقد قدم لنا معلومات قیمة عن الحیاة الاجتماعیة بواسط، و عن الأغراض الشعریة فی هذه المدینة، کما قدم لنا معلومات عن الولاة و کبار الموظفین، و تمتاز معلومات هذا الشاعر بالدقة لأنه من أبناء هذه المدینة.
و یعتبر کتاب «معجم الأدباء» لیاقوت الحموی (ت 626 ه/ 1228 م) من المصادر المهمة التی رجعنا إلیها فی هذه الدراسة فقد قدم لنا معلومات مفصلة عن الأدباء و الشعراء و النحاة بواسط، کذلک أمدّنا بمعلومات مفیدة عن الصلات العلمیة بین واسط و العالم الإسلامی، و مع أن هذا المؤلف نقل معلوماته عن واسط من کتاب «سؤالات الحافظ السلفی لخمیس الحوزی عن جماعة من أهل واسط» للسلفی، و کتاب «ذیل تاریخ مدینة السلام بغداد» لابن الدبیثی، إلا أننا نجد أن المعلومات التی قدمها فیها تفصیلات أکثر مما یدل علی أنه نقل کذلک من مصادر أخری أو أنه أخذها من أبناء المدینة لأن یاقوت کان قد زار واسط مرات عدیدة، فلا بد أنه اتصل بعلماء هذه المدینة و استقی منهم.

المصادر الجغرافیة:

فی کتب الجغرافیة معلومات قیمة عن الحیاة الاقتصادیة و الاجتماعیة و الإداریة، و عن تخطیط هذه المدینة. و من أقدم ما وصل إلینا من هذه
واسط فی العصر العباسی، ص: 20
الکتب کتاب «البلدان» للیعقوبی (ت 284 ه/ 897 م) الذی قدم لنا معلومات عن موقع المدینة، و المدن و القری و الأنهار فی منطقة واسط، کما تضمن معلومات عن سکان هذه المدینة.
أما کتاب «الأعلاق النفیسة» لابن رسته (کان حیا سنة 290 ه/ 902 م) فقد أمدنا بمعلومات قیمة عن موقع و تخطیط المدینة، کما تضمن معلومات عن المدن و القری و الأنهار و طرق المواصلات فی منطقة واسط.
أما ابن الفقیه الهمدانی (ت فی حدود 340 ه/ 951 م) فقد قدم‌لنا فی مخطوطة «البلدان» معلومات مهمة انفرد بها من بین الجغرافیین المعاصرین عن تخطیط المدینة و مساحة المسجد الجامع و دار الإمارة. کما أفادنا فی دراسة الحیاة الاجتماعیة و الإداریة.
و قدم لنا المقدسی (ت 375 ه/ 985 م) فی کتابه «أحسن التقاسیم فی معرفة الأقالیم» معلومات قیمة عن موقع و تخطیط المدینة، کما قدم‌لنا أوسع قائمة عن المدن و القری فی منطقة واسط، و لعل من المفید أن نشیر هنا إلی أن المعلومات التی قدمها المقدسی عن مدن واسط و قراها تعتبر فریدة مثل قرقوب و الطیب و نهر تیری و در مکان و قراقبة و سیادة و لهبان و البسامیة و أودسة. و کذلک انفرد بذکر التقسیمات الإداریة الجدیدة فی العراق فی القرن الرابع الهجری/ العاشر المیلادی و التی أصبحت واسط بموجبها مرکزا لإدارة ولایة مهمة من ولایات العراق، و قد أفادتنا هذه المعلومات فی دراسة التقسیم الإداری لولایة واسط، و کذلک فی دراسة تحدید الولایة. کذلک قدم لنا معلومات مفیدة عن الحیاة الاقتصادیة و الاجتماعیة و الفکریة بواسط.
أما یاقوت الحموی (ت 630 ه/ 1232 م) فی «معجم البلدان» فعلی الرغم من أن روایاته عن واسط منقولة مما أوردته المصادر المتقدمة خاصة ما أورده ابن الفقیه الهمدانی فی مخطوطة «البلدان» غیر أنه قدم لنا
واسط فی العصر العباسی، ص: 21
معلومات مفصلة عن تحدید ولایة واسط، کما أورد معلومات واسعة عن مدن واسط و قراها اعتمدناها فی دراسة التقسیم الإداری، کما أفادنا کثیرا فی شرح أسماء الأمکنة و المدن و القری و الأنهار التی وردت فی هذا البحث.

المصادر الفقهیة:

و قد زودتنا بمعلومات عن الحیاة الإداریة بواسط و أهم هذه الکتب، کتاب «الخراج» لقدامة (ت 337 ه/ 948 م) و قد رجعنا إلیه فی دراسة تحدید ولایة واسط و التقسیم الإداری فیها، أما فی دراسة القضاء فقد رجعنا إلی کتاب «روضة القضاة و طریق النجاة» للمنانی (ت 499 ه/ 1105 م) و «أدب القاضی» للماوردی (ت 450 ه/ 1058 م) و مخطوطة «شرح أدب القاضی للخصاف» لابن مازة (ت 616 ه/ 1219 م) و فی دراسة الحسبة رجعنا إلی کتاب «الأحکام السلطانیة» للماوردی (ت 450 ه/ 1058 م) و مخطوطة «الرتبة فی الحسبة» لابن الرفعة (ت 710 ه/ 1310 م) و کتاب «معالم القریة فی أحکام الحسبة» لابن الأخوة (ت 729 ه/ 1328 م) و کتاب «نهایة الرتبة فی طلب الحسبة» للشیزری (ت 774 ه/ 1372 م) و کتاب «نهایة الرتبة فی طلب الحسبة» لابن بسام (ت؟).
و تناولت البحوث الحدیثة بعض الجوانب فی موضوع دراستنا، فمن المؤرخین الأجانب..M.J،yeiF وM،ribaK و کراتشکوفسکی. و علی الرغم من أن هذه المؤلفات اعتمدت کلیّا علی ما أوردته المصادر العربیة القدیمة إلا أنه جاء فیها استنتاجات و آراء مفیدة لموضوع البحث خاصة فیما یتعلق بالحیاة الفکریة و السیاسیة و الاجتماعیة فی هذه المدینة.
و لا بد لنا من الإشارة إلی استفادتنا مما کتب عن هذه المدینة فی دائرة المعارف الإسلامیة، فقد قدمت لنا معلومات مفیدة فی دراسة الحیاة الإداریة و الفکریة و تخطیط المدینة. و قد استفدنا من مؤرخین و کتّاب
واسط فی العصر العباسی، ص: 22
محدثین من أمثال الأستاذ فؤاد سفر فی کتابه «واسط الموسم السادس للتنقیب» و الدکتور عبد العزیز الدوری فی کتابه «مقدمة فی التاریخ الاقتصادی العربی».
و من المقالات المهمة التی استفدنا منها فی البحث «منطقة واسط» للدکتور صالح أحمد العلی المنشورة فی مجلة سومر (م 26، 1970، م 27، 1971) و هی تحتوی علی معلومات قیمة عن تحدید منطقة واسط و مدنها و قراها و أنهارها و طرق المواصلات فیها. و مقالة الدکتور بشار عواد معروف «مظاهر تأثیر علم الحدیث فی علم التاریخ عند المسلمین» المنشورة فی مجلة الأقلام (عدد 5، 1965)، و مقالة یوسف یعقوب مسکونی «مدارس واسط» المنشورة فی مجلة الکتاب المصریة (م 3 ح 3 1947).
و علی الرغم من أننا بذلنا کل ما استطعنا من جهد و وقت لإعطاء صورة متکاملة عن موضوع البحث فی فترة محددة غیر أننا ما زلنا نعتقد أن هذا البحث ما هو إلا محاولة لدراسة الأحوال الإداریة و الاجتماعیة و الفکریة بواسط فی هذه الفترة من تاریخ أمتنا، و أن البحث فی مدینة واسط و مظاهر نشاطها عبر العصور لا یزال بحاجة إلی المزید من جهد الباحثین … و اللّه الموفق.
المؤلف
واسط فی العصر العباسی، ص: 23

الفصل الأول المقدمة ملامح الحیاة السیاسیة بواسط فی العصور العباسیة المتأخرة

تولی صاحب المعونة بواسط أمرة الأمراء ببغداد، استیلاء البریدیین علی واسط، الحرب بین بجکم و البریدیین، استیلاء البریدیین علی واسط للمرة الثانیة، استیلاء البویهیین علی واسط، إقامة أمیر الأمراء بجکم بواسط، استیلاء البریدیین علی واسط للمرة الثالثة، استیلاء سیف الدولة الحمدانی علی واسط، استیلاء البریدیین علی واسط للمرة الرابعة، استیلاء البویهیین علی واسط للمرة الثانیة، الحرب بین توزون والبویهیین، استیلاء البویهیین علی واسط للمرة الثالثة والی واسط یدخل فی طاعة البویهیین، استیلاء البویهیین علی واسط للمرة الرابعة، ظهور عمران بن شاهین، استیلاء عز الدولة بختیار علی واسط، تعیین ابن بقیة والیا علی واسط و عصیانه، استیلاء قراتکین الجهشیاری علی واسط، الحرب بین ابن سهلان و مشرف الدولة بواسط، استیلاء الملک أبی کالیجار علی واسط، استیلاء جلال الدولة علی واسط، الحرب بین نور الدولة دبیس و جند واسط، تمرد والی واسط علی الخلافة، استیلاء البساسیری علی واسط و اتخاذها قاعدة لحکمه، سیطرة برکیارق علی واسط، الحرب بین والی البصرة و أهل
واسط فی العصر العباسی، ص: 24
واسط، استیلاء سیف الدولة صدقة علی واسط، استیلاء الأمیر الحسن بن المستظهر باللّه علی واسط، الحرب بین عسکر دبیس بن صدقة و أهل واسط، الحرب بین عفیف الخادم و عماد الدین زنکی بواسط، استیلاء دبیس بن صدقة علی واسط، استیلاء الملک سلجوقشاه علی واسط، استیلاء الأمیر جهار دانکی علی واسط، استیلاء عسکر السلطان ملکشاه علی واسط، استیلاء مسعود بلال علی واسط، استیلاء والی البصرة علی واسط، استیلاء ملکشاه علی واسط، الحرب بین ابن سنکا و والی واسط، الحرب بین شملة الترکمانی و والی واسط، احتلال التتر لواسط.
نظرا لأهمیة واسط الاقتصادیة و قربها من البطائح و المشرق، و وقوعها علی طریق المشرق- بغداد، فقد ظلت هذه المدینة تشارک فی الأحداث السیاسیة الهامة التی حدثت فی العراق طیلة العصور العباسیة المتأخرة.
و سوف نری من خلال البحث أن هذه المدینة کانت مرکزا للصراع الذی کان قائما بین المشرق و عاصمة الخلافة بغداد، و أن جیوش الفریقین کانت تتبادلها باستمرار، کما أنها أصبحت مرکزا لإدارة العملیات العسکریة ضد التمرد الذی کان یحدث فی البطائح، و سوف نلاحظ خلال الصفحات التالیة أن هذه المدینة کانت قد أسهمت مساهمة فعالة فی هذه الأحداث منذ عصر إمرة الأمراء (324- 334 ه/ 935- 945 م) و إن تردی أوضاع الدولة العباسیة المالیة و العسکریة و السیاسیة فی هذا العصر کان سببا فی سیطرة البویهیین علی واسط مرات عدیدة. ففی سنة 324 ه/ 935 م قطع
واسط فی العصر العباسی، ص: 25
صاحب المعاون بواسط محمد بن رائق مال واسط و البصرة عن عاصمة الخلافة بغداد محتجا باجتماع الجیش عنده و حاجته إلی صرف المال إلیهم و فی هذه السنة قطع البریدیون مال الأهواز أیضا. فأدی ذلک إلی وقوع الخلافة بأزمة مالیة شدیدة أدت إلی أن یتقدم الوزیر عبد الرحمن بن عیسی بطلب قرض من الخلیفة الراضی باللّه مقداره 000، 10 دینار لتمشیة أمور الدولة. و قد تعاقب علی الوزارة عدة وزراء إلا أنهم لم یستطیعوا تلافی هذه الأزمة، فاضطر الخلیفة الراضی باللّه إلی دعوة محمد بن رائق و تقلیده منصب أمیر الأمراء، علی أن یقوم بتجهیز نفقات الدولة و دفع رواتب الجیش و الحشم.
وافق ابن رائق فتقلد رئاسة الجیش و المعاون و رئاسة الدواوین، و أصبح یخطب له علی المنابر إلی جانب الخلیفة، و قد ولی محمد بن
واسط فی العصر العباسی، ص: 26
یزداد نائبا عنه بواسط، ثم ولی أبا عبد اللّه البریدی علی خراج الأحواز و البصرة. فلما أخر البریدی أموال الضمان أشار ابن رائق علی الخلیفة الراضی باللّه بالمسیر معه علی رأس جیش إلی واسط لیکونا علی مقربة من الأحواز لمفاوضة البریدی، و محاربته فی حالة امتناعه عن دفع الأموال، وافق الخلیفة علی الاقتراح الذی تقدم به ابن رائق و توجها علی رأس الحجریة نحو واسط، و لما وصلوا إلی واسط استعرض ابن رائق الحجریة و بدأ بخلفاء الحجاب، و کانوا خمسمائة فأبقی ستین منهم و أسقط الباقین، و نقص رواتب من أبقی منهم، ثم أسقط من الحجریة من الدیوان «الدخلاء و البدلاء، و النساء، و التجار و من لجأ إلیهم». إلا أن هؤلاء لم یستجیبوا له فی البدایة، و لکنهم استجابوا له بعد ذلک. ثم استعرضهم ثانیة و أسقط منهم عددا کبیرا، فحملوا السلاح ضده و دارت معرکة حامیة بین الفریقین یوم الثلاثاء 25 محرم سنة 325 ه/ 13 کانون الأول 936 م، انتصر فیها ابن رائق، و قد قتل عدد من الحجریة و أسر بعضهم و هرب الباقون إلی بغداد حیث أوقع بهم صاحب الشرطة بأمر من
واسط فی العصر العباسی، ص: 27
ابن رائق، فنهبت دورهم و حرق البعض منها، و قبضت أموالهم و قطعت أرزاقهم.
أما البریدی فقد تعهد بدفع الأموال، إلا أنه لم ینفذ ما تعهد به.
ثم تقدم فی هذه السنة نحو واسط و استولی علیها. فلما علم ابن رائق توجه علی رأس جیش إلی واسط و طرد البریدیین منها، ثم اتخذها مرکزا لإدارة العملیات العسکریة ضد البریدیین، حیث دارت عدة معارک بین الطرفین کان النصر یتأرجح بینهما. و أخیرا سفر أبو جعفر محمد بن یحیی بن شیرزاد فی الصلح بینهما فتمّ ذلک.
و فی سنة 326 ه/ 937 م استولی أحمد بن بویه، و أبو عبد اللّه البریدی علی الأحواز فغادرها بجکم و سار بجمیع عسکره إلی واسط،
واسط فی العصر العباسی، ص: 28
و لما وصل «الطیب» کتب إلی ابن رائق مبینا له موقفه العسکری و أنه بحاجة إلی 000، 200 دینار ینفقها علی جیشه «و إن کانت متعذرة فالصواب أن یصعد إلی بغداد فإنه لا یأمن أن یقع شغب و لا یدری عن أیّ شی‌ء ینکشف» فلما وصل کتابه إلی ابن رائق سار علی رأس جیشه إلی بغداد، فدخل بجکم و جیشه واسط و أقاموا بها. و یظهر أن بجکم أراد أن یتخلی له ابن رائق عن واسط لیقیم بها ثم یعد نفسه للاستیلاء علی بغداد و تقلد منصب أمیر الأمراء.
و یبدو أن ابن رائق أصبح أمام الأمر الواقع فکتب إلی بجکم أن یقیم بواسط علی أن یکون عدد أفراد جیشه خمسة آلاف جندی و أن یکون راتبه و رواتبهم 000، 800 دینار فی السنة یأخذها من واردات واسط، إلا أن بجکم استحوذ علی جمیع واردات المدینة.
أراد ابن رائق التخلص من بجکم، فحاول التقرب من البریدیین و ذلک لعزلهم عن بجکم و کسبهم إلی جانبه، فجرت مراسلات بینه و بینهم و تم الاتفاق بینهما علی أن یقیموا الدعوة لابن رائق بالبصرة و أن یحاولوا فتح الأحواز و أن یدفعوا ثلاثین ألف دینار و أن تطلق ضیاعهم. ثم أخذ
واسط فی العصر العباسی، ص: 29
واسط من بجکم بالقوة و إعطاءها لأبی عبد اللّه البریدی لقاء ضمان مقداره 000، 600 دینار سنویا.
و علی أثر هذا الاتفاق وجه أبو عبد اللّه البریدی جیشا إلی واسط قدّره ابن الأثیر بعشرة آلاف مقاتل، فلما بلغت الأنباء إلی بجکم خرج من واسط لملاقاته فالتقی الطرفان عند «الدرمکان» و دارت بینهما معرکة حامیة هزم فیها البریدیون، إلا أن بجکم لم یتبعهم بل کف عنهم.
أراد بجکم أن یقضی علی الاتفاق الذی تم بین ابن رائق و البریدیین و أن یکسب هؤلاء إلی جانبه لیقوی جبهته ضد ابن رائق فکتب إلی أبی عبد اللّه البریدی یعتذر إلیه و یعده بتقلیده واسط عندما یصبح أمیرا للأمراء، فتم الصلح بینهما. و فی بدایة ذی القعدة سنة 326 ه/ 30 آب 937 م توجه بجکم علی رأس جیش من واسط إلی بغداد و دخلها بدون مقاومة و لما تأکد ابن رائق أن هناک اتفاقا بین بجکم و الخلیفة هرب من بغداد فنصب الخلیفة بجکم أمیرا للأمراء فی 22 ذی القعدة سنة 326 ه/ 20 أیلول 938 م.
واسط فی العصر العباسی، ص: 30
و یذکر الصولی أنه فی سنة 327 ه/ 938 م، استولی البریدیون علی واسط، بینما تذکر مصادر أخری أن أبا عبد اللّه البریدی ضمن فی هذه السنة أعمال واسط بمقدار 000، 600 دینار بعد أن سفر الوزیر أبو جعفر محمد بن یحیی بن شیرزاد بینه و بین بجکم.
إننا نرجح ما جاء به الصولی لأنه هو المؤرخ الوحید الذی کان معاصرا لهذه الأحداث، فهو أقرب إلیها من بقیة المؤرخین الآخرین، هذا من جهة، أما من الجهة الأخری فإننا لم نجد ما یشیر إلی أی: خلاف وقع بین بجکم و البریدیین منذ أن تم الاتفاق بینهما، و لا بد أن الخلاف الذی سفر فیه الوزیر کان بعد استیلاء البریدیین علی واسط بالقوة. و أن سیطرة البریدیین علی واسط کانت نتیجة للاتفاق الذی تمّ بینهم و بین بجکم سابقا، و أن بجکم- علی ما یبدو- لم ینفذ الاتفاق لأنه کان یخشی من امتداد سیطرة البریدیین إلی بغداد، فانتهز البریدیون ذهاب بجکم و الخلیفة الراضی باللّه إلی الموصل لمحاربة ناصر الدولة الحمدانی فی هذه السنة فاستولوا علی واسط. و تشیر المصادر إلی أن الخلیفة الراضی باللّه قلد فی سنة 327 ه/ 938 م أبا عبد اللّه البریدی منصب الوزارة، إلا أنه بقی مقیما بواسط، و کان عبد اللّه بن علی النقری نائبا عنه ببغداد.
و فی سنة 328 ه/ 939 وجه أبو عبد اللّه البریدی جیشا من واسط
واسط فی العصر العباسی، ص: 31
إلی السوس لأخذها من البویهیین، فاستنجد أحمد بن بویه بأخیه الحسن فتقدم من اصطخر و دخل السوس ثم أعدّ جیشا کبیرا و خرج به قاصدا واسط، فلما وصلها استولی علی الجانب الشرقی منها و أقام هناک.
و کان البریدیون یقیمون فی الجانب الغربی منها. و یبدو أن البویهیین دخلوا واسط بدون مقاومة، فإننا لم نجد ما یشیر إلی مقاومة أهل واسط أو البریدیین لهم. سار الخلیفة الراضی باللّه و أمیر الأمراء بجکم علی رأس جیش من بغداد قاصدین واسط و ذلک لا سترجاعها من البویهیین، و کان الجیش البویهی غیر قادر علی الدفاع عن المدینة، و ذلک بسبب تمرد قسم منه مطالبین بأرزاقهم و انضمامهم إلی البریدیین، فأدرک الحسن بن بویه خطورة موقفه و قرر الانسحاب من واسط دون أن یحقق الهدف الذی سار من أجله.
فی سنة 328 ه/ 939 م اتفق أمیر الأمراء بجکم مع أبی عبد اللّه البریدی علی أخذ بلاد الجبل و الأحواز من البویهیین، علی أن یتوجه
واسط فی العصر العباسی، ص: 32
بجکم إلی بلاد الجبل و یتوجه البریدی إلی الأحواز، فلما خرج بجکم علی رأس جیشه قاصدا بلاد الجبل، انتهز البریدی الفرصة فعدل عن المسیر إلی الأحواز و أراد الاستیلاء علی بغداد، و عندما وصلت أخبار البریدی إلی بجکم عدل عن مهاجمة البویهیین و عاد إلی بغداد بعد أن وصل إلی حلوان.
عندئذ عزل بجکم البریدی عن الوزارة، و سار نحو واسط لأخذها منه و القبض علیه، فلما علم البریدی أرسل إلی بجکم فی الصلح فلم یقبل، فترک البریدی واسط و سار إلی البصرة، فدخل بجکم واسط و أقام بها.
علی أن البریدیین ما لبثوا أن طمعوا فی امتلاک واسط، ففی سنة 329 ه/ 940 م أرسل البریدی جیشا من البصرة قاصدا واسط، فلما علم بجکم بذلک استعدّ لملاقاتهم، فأرسل قائده توزون علی رأس جیش لصدّهم عن واسط، و قد تقابل الفریقان عند «المذار» و دارت بینهما معرکة ضاریة انتصر فیها البریدیون فی بدایة الأمر، فکتب توزون إلی بجکم مبینا له الموقوف العسکری و یسأله القدوم إلیه لمساعدته.
واسط فی العصر العباسی، ص: 33
خرج بجکم من واسط لنجدة جیشه، إلا أن توزون أعلمه بانتصاره علی البریدیین و هو فی الطریق فعاد بجکم إلی واسط، إلا أنه لقی حتفه فی طریق عودته علی ید جماعة من الأکراد بین الطّیّب و المذار فی 21 رجب سنة 329 ه/ 21 نیسان 940 م.
عند مقتل بجکم خرج أبو عبد اللّه البریدی بجیش من البصرة و اتجه إلی واسط و استولی علیها سنة 329 ه/ 940 م و لما بلغ الخلیفة المتقی للّه نبأ احتلال البریدی لواسط کتب إلیه یأمره ألا یصعد إلی بغداد، و أن یقیم بواسط، فردّ البریدی علی کتاب الخلیفة قائلا: «إنا محتاجون إلی مال للرجال فأنفذ إلینا ما یرضیهم به و نحن نقیم». و لکن یبدو أن أطماع البریدیین لم تقف عند واسط بل إنهم أرادوا الاستیلاء علی بغداد أیضا، فعلی الرغم من أن الخلیفة کان قد أرسل إلی البریدی 000، 150 دینار لکی ینفقها علی جیشه بواسط، نجد أن البریدی لم یکتف بهذا المبلغ و قال لحامله: «أنا أحتاج إلی خمسمائة ألف دینار … و علی کل حال أنا سائر فإن تلقانی المال انصرفت و إلا دخلت الحضرة».
لم یحرک الخلیفة ساکنا تجاه تهدیدات البریدی فقال حینذاک: «دعه
واسط فی العصر العباسی، ص: 34
یرد الحضرة و یعمل ما شاء فإنی أرجو أن أکفی أمره»، و من المحتمل جدا أن الخلیفة اتخذ هذا الموقف، لأنه کان غیر قادر علی دفع المال الذی طلبه البریدی من جهة، ثم إنه أدرک أن البریدی أصبح بعد موت بجکم هو الرجل الثانی فی الدولة العباسیة الذی یأتی بعد الخلیفة.
جهز البریدی جیشه و سار نحو بغداد، فدخلها بدون مقاومة فی یوم الثلاثاء 2 رمضان سنة 329 ه/ 1 حزیران 940 م، فأسند إلیه الخلیفة منصب الوزارة.
لم تطل مدة إقامة البریدی ببغداد، فقد تمرد جیشه علیه مطالبین بالأموال و انضمت إلیهم العامة، فدارت معرکة فی الماء هزم فیها أصحاب البریدی، فاضطر للرجوع إلی واسط بعد أن مکث فی الوزارة 24 یوما.
و لما أسند الخلیفة المتقی للّه إمرة الأمراء إلی کورتکین الدیلمی الذی قاد الجیش ضد البریدی، أرسل ابن أخته أصبهانی الدیلمی علی رأس جیش إلی واسط للاستیلاء علیها، فلما بلغت البریدیین أنباء هذا الجیش غادروا واسط، و ساروا نحو البصرة و أقاموا بها.
واسط فی العصر العباسی، ص: 35
لما قتل بجکم کتب الخلیفة المتقی للّه إلی ابن رائق بالخبر و استدعاه إلی بغداد، ثم أمر کورتکین الدیلمی بقتاله. فلما وصل ابن رائق قرب الموصل کتب کورتکین إلی أصبهانی الدیلمی بالتوجه علی رأس جیشه من واسط إلی بغداد، فعندما خرج أصبهانی بجیشه من واسط سار البریدیون من البصرة و دخلوا واسط و خطبوا لابن رائق و کتبوا اسمه علی أعلامهم.
و لما انتصر ابن رائق علی أمیر الأمراء کورتکین بعد أن اشتبکوا فی عدة معارک، و دخل بغداد و تقلد منصب إمرة الأمراء للمرة الثانیة أیده البریدیون، و لکنهم امتنعوا عن دفع أموال ضمانهم لواسط و البصرة، فسار إلیهم ابن رائق علی رأس جیش فی شهر محرم سنة 330 ه/ أیلول 1941 م فهربوا من واسط إلی البصرة، و بعد وساطة کاتب ابن رائق أبو عبد اللّه أحمد بن علی الکوفی تمّ الاتفاق علی ضمان واسط من قبلهم بمقدار 000، 600 دینار فی السنة، و عاد ابن رائق إلی بغداد.
أسند أمیر الأمراء ابن رائق منصب الوزارة إلی أبی عبد اللّه البریدی و کان آنذاک مقیما بواسط، إلا أن البریدی یبدو أنه کان یطمح بأن یکون أمیرا للأمراء فسیر أخاه أبا الحسین البریدی علی رأس جیش من واسط
واسط فی العصر العباسی، ص: 36
لاحتلال بغداد یوم الإثنین 2 جمادی الآخرة سنة 330 ه/ 23 آذار 942 م فاستعد الخلیفة المتقی للّه و أمیر الأمراء ابن رائق لصد جیش البریدی، فلما نزل البریدی بقواته علی بغداد، دارت عدة معارک بینهما استمرت ستة أیام متواصلة، انتهت باستیلاء البریدیین علی بغداد، فترک الخلیفة المتقی للّه و أمیر الأمراء ابن رائق بغداد و هربا إلی الحمدانیین بالموصل.
و الجدیر بالذکر أن ابن رائق کتب إلی الحمدانیین یطلب المساعدة، فوجه الحسن بن عبد اللّه الحمدانی (ناصر الدولة) أخاه علیّا (سیف الدولة) علی رأس جیش لنجدة الخلیفة فالتقیا فی تکریت و ساروا جمیعا إلی الموصل. و بعد أن قتل الحسن بن عبد اللّه الحمدانی أمیر الأمراء ابن رائق قلده الخلیفة المتقی للّه إمرة الأمراء و لقبه ناصر الدولة. سار الخلیفة و أمیر الأمراء الحسن الحمدانی علی رأس جیش إلی بغداد، و یبدو أن ظروف البریدی کانت لا تمکنه من الوقوف أمام الحمدانیین و أنه شعر بتفوقهم علیه، فلما علم بقربهم من بغداد هرب عنها إلی واسط.
واصل أبو عبد اللّه البریدی سیاسته الرامیة إلی الاستیلاء علی بغداد و طمعه فی منصب إمرة الأمراء، فخرجت قواته من واسط بقیادة أخیه أبی
واسط فی العصر العباسی، ص: 37
الحسین البریدی إلی بغداد للاستیلاء علیها. و حین بلغت هذه الأنباء أمیر الأمراء الحسن الحمدانی، بادر إلی إعداد العدة، و خرجت قواته بقیادة أخیه سیف الدولة من بغداد لملاقاتهم، و کان معه توزون و خجخج و الأتراک، فاشتبک الفریقان عند قریة «کیل» فی عدة معارک ضاریة استمرت خمسة أیام ابتداء من 30 ذی القعدة سنة 330 ه/ 16 آب 942 م دارت الدائرة فیها علی قوات البریدیین، فعادوا منسحبین إلی واسط، و قد أسر سیف الدولة خلال هذه المعارک جماعة من قواد البریدی، کما استأمن منهم جماعة آخرون و قتل بعضهم.
عاد سیف الدولة بعد انتصاره الساحق إلی بغداد لیریح جیشه و یجدد قواه، ثم تجهز و خرج علی رأس جیشه قاصدا واسط، فلما وصلها وجد أن البریدیین کانوا قد غادروها إلی البصرة، فدخل واسط و أقام بها، و کان معه الأتراک و الدیلم و سائر الجیش.
أراد سیف الدولة فی أثناء إقامته بواسط أن یستولی علی البصرة إلا أن الموقف العسکری بواسط حال دون تنفیذ هذه الفکرة، فقد حدث خلاف بین سیف الدولة و الدیالمة و الأتراک، أما عن أسباب هذا الخلاف
واسط فی العصر العباسی، ص: 38
فإن الروایات التاریخیة تختلف فی ذلک، فالصولی یری أن الخلیفة المتقی للّه کتب إلی توزون بواسط یطلب منه الإیقاع بالحمدانیین، فاستجاب له و أخرج سیف الدولة من واسط، ثم کتب توزون إلی الخلیفة یخبره أنه أوقع بسیف الدولة لیریح اللّه الخلیفة من ناصر الدولة ببغداد، فی حین یری مسکویه، و الهمدانی، و ابن الأثیر أن أمیر الأمراء ناصر الدولة تأخر فی إرسال الأموال من بغداد إلی واسط لإنفاقها علی الجیش هناک، فتذمر الدیالمة و الأتراک و مما یرون من أسباب هو أن سیف الدولة کان یحث الأتراک الذین معه بواسط علی المسیر معه إلی بلاد الشام و مصر للاستیلاء علیها و إقامة دولة هناک إلا أنهم رفضوا.
حاول الدیالمة قتل سیف الدولة، و لکن محاولتهم هذه باءت بالفشل، حیث استطاع القبض علیهم و إرسالهم إلی أخیه ببغداد فقتل بعضهم و حبس البعض الآخر. أما الأتراک فقد اتفق سیف الدولة معهم علی مسیر توزون علی رأس جیش إلی الجامدة و الاستیلاء علیها و حمایتها مقابل أخذ واردها، و مسیر خجخج إلی المذار و الاستیلاء علیها و حمایتها و أخذ واردها. و الراجح أن سیف الدولة أراد بهذا الاتفاق أن یبعد الأتراک عن واسط، و یقضی علی التذمر الموجود عندهم لقاء تأخر الأموال عنهم بإیجاد مصدر آخر لأرزاقهم، و هو واردات هذه المدن، و أن یحول دون تعاون الأتراک مع الدیالمة الذین نکل بهم بعد تآمرهم علیه و الذین- بدون شک- کانوا یحاولون بشکل أو بآخر التخلص منه بأقرب فرصة ممکنة. ثم إن
واسط فی العصر العباسی، ص: 39
سیف الدولة أراد أن یحول دون استیلاء البریدیین علی هذه المدن مرة أخری.
لم یکتف الأتراک بعدم تنفیذ هذا الاتفاق بل ثاروا علی سیف الدولة لیلة 30 شعبان سنة 331 ه/ 10 مارس 942 م، و یظهر أن سیف الدولة کان قد أدرک تحرّج موقفه وضعفه، فهرب إلی بغداد، فأضرموا النار فی معسکره و نهبوه. و لما علم أمیر الأمراء ناصر الدولة بأخبار أخیه ترک بغداد متوجها علی رأس جیشه إلی الموصل، و بذلک انتهت إمارته التی استمرت أکثر من ثلاثة عشر شهرا.
و من الجدیر أن نذکر هنا أنه عندما ترک سیف الدولة واسطا وقع خلاف بین توزون و خجخج و تنازعا الرئاسة، و لکنهما اتفقا علی أن یکون توزون الأمیر و خجخج صاحب الجیش (الاسفهسلار).
أما البریدی فإنه خرج من البصرة علی رأس جیش و توجه نحو واسط للاستیلاء علیها، فلما بلغت أنباء هذا الجیش إلی توزون، أمر خجخج بالخروج علی رأس جیش و الإقامة بنهر أبان لملاقاته. و یظهر أن البریدی عندما بلغه استعداد توزون لصده أراد أن یتبع سیاسة أخری، فعدل
واسط فی العصر العباسی، ص: 40
عن رأیه فی الاستیلاء علی واسط و کتب إلی توزون یهنئه بالإمارة و یطلب منه أن یقلده ضمان واسط و یحثه علی المسیر إلی بغداد لأخذها من الحمدانیین، فأجابه توزون جوابا جمیلا حیث قال: «إذا استقرت الأمور تخاطبنا فی الضمان، فأما و أنا بصورتی هذه و أنت تظن أنی مطلوب خائف من بنی حمدان فلا و عسکری، عسکر بجکم الذی قد جربت و خبرت و طائفة منهم تفی بک».
أراد البریدی أن یستغل الخلاف القائم بین توزون و خجخج و الاستفادة منه فحاول التقرب من خجخج لعزله عن توزون و کسبه إلی جانبه، و مع أننا لم نجد ما یشیر إلی أی اتفاق بین البریدی و خجخج نجد أن توزون قد قبض علی خجخج فی عسکره، و سمل عینیه ثم سجنه بواسط.
و فی اعتقادنا أن توزون قام بعمله هذا لأنه خاف أن یغدر خجخج به و یتفق مع البریدیین ضده، فأبعده عن قیادة الجیش، فحال دون قیام أی محاولة تعرضه للخطر هذا من جهة، أما من الجهة الأخری فإنه أراد أن یتخلص من أخطر المنافسین له علی السلطة بواسط و ذلک لیأمن مؤخرته قبل أن یتوجه إلی بغداد لأخذها من الحمدانیین.
عندما استقر الأمر لتوزون بواسط توجه علی رأس جیش نحو بغداد، بعد أن خلف کیغلغ علی واسط، فلما علم سیف الدولة غادر بغداد متوجها
واسط فی العصر العباسی، ص: 41
نحو الموصل، فدخل توزون بغداد بدون مقاومة.
لم یتردد البریدی فی اغتنام هذه الفرصة لقصد واسط، فلما علم بمسیر توزون إلی بغداد، توجه علی رأس جیش نحو واسط و دخلها فی 27 رمضان سنة 331 ه/ 4 حزیران 942 م «و نهب و أحرق و احتوی علی الغلات و أخذ جمیعها».
و هکذا صح ما توقعه توزون من تنبئه بتفکیر أبی عبد اللّه البریدی بالاستیلاء علی واسط بعد أن یغادرها إلی بغداد.
و یظهر أن کیغلغ قائد الجیش بواسط قاوم قوات البریدیین، و لکن بعد أن باءت مقاومته بالفشل سلمهم البلد، یقول مسکویه بهذا الصدد، «و قد کان کیغلغ لما استخلفه توزون بواسط أمره بقتال أبی الحسین البریدی فعجز عنه فأصعد إلی بغداد»، و فی اعتقادنا أن جیش واسط لم یکن من القوة بحیث یستطیع الوقوف بوجه البریدیین.
إن الظروف المحیطة بتوزون فی بغداد حالت دون تمکنه من السیر بسرعة إلی واسط و استرجاعها. فلما استقر له الأمر فی بغداد خرج علی رأس جیش و قصد واسط. فلما علم البریدی بمسیره إلی واسط رحل عنها و قصد البصرة. أقام توزون بواسط ثم جهز جیشا کبیرا أسند قیادته إلی
واسط فی العصر العباسی، ص: 42
المیدمان بن حمدان و سیره نحو البریدیین، فالتقت قواته مع قوات البریدی عند «المذار» و دارت بین الفریقین معرکة انتهت بهزیمة قوات ابن حمدان، فعاد منسحبا إلی واسط.
و یبدو أن توزون لم یکن جادّا فی حربه مع البریدیین فقد ذکر الصولی أن رأی توزون هو أن یصالح البریدیین و یأخذ الأموال منهم ثم یتوجه لمحاربة الحمدانیین. إن سیاسة توزون تجاه البریدیین أعداء الخلیفة و میله إلیهم أدت إلی إثارة الخلاف بینه و بین الخلیفة المتقی للّه، فترک الخلیفة بغداد و سار إلی الحمدانیین فی الموصل. فلما بلغت أنباء خروج الخلیفة من بغداد إلی توزون بواسط، عقد واسط علی البریدی و سار نحو بغداد.
إن الحمدانیین- علی ما یبدو- کانوا یراقبون الأحداث ببغداد عن کثب، فعند ما ترک الخلیفة بغداد و سار نحوهم رأوا أن الفرصة مواتیة للتدخل و حسم النزاع بین أمیر الأمراء توزون و الخلیفة لصالح الأخیر، و ذلک بطرد توزون و تقلدهم منصب إمرة الأمراء مرة أخری، فساروا علی رأس جیش بقیادة ناصر الدولة و أخیه سیف الدولة قاصدین بغداد، فالتقوا مع الخلیفة فی تکریت، و قد أرسل الحمدانیون الخلیفة إلی الموصل، و ظلوا هم بتکریت لمواصلة تنفیذ مهمتهم التی جاؤوا من أجلها. أما
واسط فی العصر العباسی، ص: 43
توزون فقد خرج من بغداد علی رأس جیش لصد الحمدانیین فالتقی الفریقان أسفل تکریت بفرسخین و اشتبکا فی معارک ضاریة استمرت أربعة أیام، دارت الدائرة فیها علی الحمدانیین الذین کانوا بقیادة سیف الدولة. و بعد عدة أیام التقی الفریقان عند (حربی) حیث دارت بینهما معرکة هزم فیها سیف الدولة و عاد منسحبا إلی الموصل.
و یظهر أن توزون لم یکتف بهذا النصر، فخرج من بغداد علی رأس جیش قاصدا الموصل، فلما بلغت الأنباء إلی الحمدانیین، سار ناصر الدولة، و أخوه سیف الدولة بصحبة الخلیفة إلی «الرقة» و أقاموا بها، فدخل توزون الموصل بدون مقاومة. و أخیرا توسط الخلیفة فی الصلح بین توزون و الحمدانیین، فتمّ الصلح بینهما. و یذکر الصولی أن السبب الذی أدی بتوزون إلی عقد الصلح هو دخول أحمد بن بویه واسط.
و یبدو أن أحمد بن بویه کان قد اغتنم فرصة انشغال توزون بمحاربة الحمدانیین، فخرج من الأحواز علی رأس جیش فی سنة 332 ه/ 943 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 44
و سار نحو واسط و استولی علیها فی رمضان من هذه السنة. أما البریدیون فقد ترکوا المدینة و ساروا إلی البصرة. و یظهر أن أحمد بن بویه کان یسعی لکسب رضا أهل واسط لکی یتخذ من هذه المدینة قاعدة لا حتلال بغداد و لیأمن مؤخرته، فقام فی أثناء إقامته بواسط بتخفیف الضرائب عن أهلها «و عدل علیهم فی الخراج».
سار أحمد بن بویه من واسط علی رأس جیش قاصدا بغداد للاستیلاء علیها، فلما علم توزون بقدومه، خرج إلیه من بغداد علی رأس جیش لصدّ قواته، فاشتبک الفریقان فی عدة معارک دامیة عند «قباب حمید» استمرت تسعة أیام انتصر فیها توزون، و عاد أحمد بن بویه منسحبا إلی الأحواز فی 4 ذی الحجة سنة 332 ه/ 29 تموز 943 م.
و یبدو أن العلاقة بین توزون و أبی القاسم بن أبی عبد اللّه البریدی- الذی خلف أباه فی رئاسة البریدیین- کانت غیر ودیة فی هذه الفترة، فقد جاء فی کتاب العیون و الحدائق أن توزون بعد أن انتصر علی أحمد بن بویه قلّد تکین الشیرزادی والیا علی واسط.
واسط فی العصر العباسی، ص: 45
و فی اعتقادنا أن سبب ذلک یرجع إلی عدم دفاع البریدیین عن واسط عند مهاجمة البویهیین لها و ترکهم المدینة و هروبهم إلی البصرة. کما أن أبا القاسم ابن البریدی کان قد شجع أحمد بن بویه علی التقدم نحو بغداد و الاستیلاء علیها، و وعده بالمساعدة إلا أنه لم یف بوعده کما یقول ابن الأثیر.
و بعد أن أقام الوالی الجدید عدة أشهر عصی سکان جزیرة «بنی غبر» فخرج من واسط علی رأس جیش لیردهم إلی طاعته، و بعد أن تمّ إخضاعهم عاد جیشه إلی واسط، أما الوالی فقد نزل مع جماعة من غلمانه فی بستان فی قریة «خسرو سابور» لیرتاح، فأحاطت بهم فرقة من جیش البریدیین و قبضوا علیه و أخذوه أسیرا إلی البصرة. فکتب توزون إلی أبی القاسم بن البریدی یطلب منه أن یطلق سراحه، فاستجاب ابن البریدی لطلبه و أطلق سراحه.
و فی سنة 333 ه/ 944 م عقد توزون ضمان واسط علی البریدیین.
و فی رجب سنة 333 ه/ شباط 944 م خرج أحمد بن بویه علی رأس جیش من الأحواز و توجه نحو واسط و استولی علیها. فلما علم الخلیفة المستکفی باللّه و أمیر الأمراء توزون بمسیر البویهیین إلی واسط، خرجا من بغداد و سارا علی رأس جیش فی البر و الماء و نزلا فی الموضع المعروف بالصیادة شمال واسط. و قد اضطر أحمد بن بویه للرحیل عن واسط فی
واسط فی العصر العباسی، ص: 46
6 رمضان سنة 333 ه/ 23 نیسان 945 م و ذلک بسبب تآمر بعض قواده علیه و محاولتهم قتله.
و هکذا نجد أن البویهیین کانوا قد فشلوا للمرة الثالثة فی تحقیق هدفهم الذی ساروا من أجله و هو الاستیلاء علی واسط و بغداد.
أما أبو القاسم بن البریدی فقد کان فی أثناء هذه الحوادث معسکرا فی الرصافة جنوب واسط، فلما دخل الخلیفة و توزون واسط، کاتبه توزون و قلده واسطا، فدخلها جیش ابن البریدی و قدموا هدایا إلی الخلیفة و توزون «و زینت الأسواق، و عقدت القباب فی الشارعین الأعظمین الشرقی و الغربی».
و یظهر أن حکم البریدیین لواسط فی عصر إمرة الأمراء کان قد انتهی عندما قتل أبو الحسین البریدی من قبل أبی جعفر بن شیرزاد کاتب توزون و ذلک فی ذی الحجة سنة 333 ه/ تموز 945 م. فقد أشارت المصادر إلی أن ابن شیرزاد قلد «ینال کوشه» أعمال المعاون بواسط. و أن هذا الوالی کان قد کاتب أحمد بن بویه و دخل فی طاعته. و یری بعض الباحثین المحدثین أن مکاتبة والی واسط للبویهیین و دخوله فی طاعتهم هی السبب الرئیس فی قدومهم إلی بغداد. غیر أنه فی اعتقادنا أن هذا هو
واسط فی العصر العباسی، ص: 47
أحد الأسباب، و أن السبب الرئیس الذی شجعهم علی التقدم نحو بغداد و الاستیلاء علیها، هو مکاتبة الخلیفة المستکفی باللّه لهم سرّا یستدعیهم للقدوم إلی بغداد، ثم إن أحمد بن بویه عندما بلغه مرض توزون أنفذ رسولا بصورة سریة إلی الخلیفة یطلب منه الأمان و یضمن له القیام بخدمته إذا قلده منصب الإمارة.
لذلک فإننا نجد أن أحمد بن بویه لم یتردد فی اغتنام هذه الفرصة فخرج من الأحواز علی رأس جیش قاصدا واسط فدخلها و أقام بها.
و یبدو أن أحمد بن بویه کان قد حرص علی أن تسود بینه و بین أهل واسط علاقات طیبة، فأمر فی أثناء إقامته بواسط برفع الضرائب عنهم، ثم واصل تقدمه نحو بغداد و دخلها دون مقاومة فی 11 جمادی الآخرة سنة 334 ه/ 18 کانون الثانی 946 م.
فی سنة 334 ه/ 945 م تم عقد الصلح بین معز الدولة و أبی القاسم ابن البریدی، و عقدت واسط و أعمالها لابن البریدی. و یظهر من روایة أوردها مسکویه أن العلاقة بین معز الدولة و ابن البریدی ظلت جیدة حتی سنة 335 ه/ 946 م.
و یبدو أن ابن البریدی فی هذه الفترة کان قد رکن إلی الهدوء، إلا أنه کان فی الوقت نفسه یراقب تطورات الظروف السیاسیة فی عاصمة الخلافة
واسط فی العصر العباسی، ص: 48
بغداد، فقد ذکر مسکویه أنه فی سنة 335 ه/ 946 م وجه معز الدولة جیشا لقتال ابن البریدی، فدارت بین الفریقین معرکة هزم فیها جیش ابن البریدی. فمن المحتمل جدا أن سبب هذا القتال هو أن ابن البریدی کان قد اغتنم فرصة نشوب القتال بین معز الدولة و الحمدانیین، فامتنع عن دفع ضمان واسط.
و یظهر أن علاقة البریدیین بواسط کانت قد انتهت بعد هذه المعرکة، فقد ذکر الهمدانی أنه فی سنة 336 ه/ 947 م ضمن الصیمری أعمال واسط. و یذکر مسکویه أنه فی هذه السنة خرج الخلیفة المطیع للّه، و معز الدولة من واسط علی رأس جیش نحو البصرة لأخذها من ابن البریدی.
لم ترد معلومات عن واسط طیلة الفترة الواقعة بین سنة 336 ه/ 947 م حتی 338 ه/ 949 م و یرجع سبب ذلک- فی الغالب- إلی قوة السیادة البویهیة فی هذه الفترة. ففی هذه السنة أشارت المصادر إلی تمرد علی السلطة قام به عمران بن شاهین فی منطقة واسط، فاتخذت هذه
واسط فی العصر العباسی، ص: 49
المدینة مرکزا لإدارة العملیات العسکریة ضد هذا التمرد.
و مع أن المصادر لا تحدثنا عن دوافع هذا التمرد إلا أننا نرجح أنه کان یمثل تمرد العرب ضد السیطرة الأجنبیة البویهیة، فهؤلاء استأثروا بالسلطة دون الخلیفة بعد دخولهم بغداد بوقت قصیر.
أعد معز الدولة جیشا فی هذه السنة، و أسند قیادته إلی وزیره أبی جعفر محمد بن أحمد الصیمری، فسار قاصدا عمران بن شاهین، فالتقی الطرفان فی عدة معارک هزم فیها جیش عمران و أسر أهله و أولاده، فانسحب إلی البطائح و اختفی هناک. و فی الوقت الذی کان البویهیون فیه منشغلین بمحاربة عمران، مات عماد الدولة بن بویه، و اضطرب جیشه بفارس، فکتب معز الدولة إلی الصیمری یأمره بالتوجه نحو شیراز لإصلاح الأمور فیها، فترک الصیمری محاربة عمران و سار علی رأس جیشه إلی شیراز.
فی سنة 339 ه/ 950 م سیر معز الدولة جیشا لمحاربة عمران، أسند قیادته إلی «روزبهان»، فلما علم عمران بتقدم هذا الجیش جمع قواته و خرج للقائه، فدارت بینهما معرکة حامیة هزم فیها جیش روزبهان و غنم «عمران
واسط فی العصر العباسی، ص: 50
جمیع آلاته و سلاحه» و بعد هذا الانتصار تشجع عمران و ازداد نفوذه و قویت شوکته، فأخذ یطالب المارّة بالضرائب و استولی علی مناطق واسعة فی البطائح، فانقطعت طرق المواصلات النهریة بین بغداد و البصرة.
و لما بلغت هذه الأنباء معز الدولة کتب إلی وزیره المهلبی یأمره بالمسیر من البصرة إلی واسط، و اتخاذها مرکزا له، ثم أمده بجیش کبیر العدد، و حمل إلیه سلاحا کثیرا و أطلق یده فی إنفاق الأموال.
خرج المهلبی علی رأس جیشه من واسط و توجه لملاقاة عمران، إلا أنه عندما تقدمت قواته فی البطائح لم یستطع اللقاء به، ذلک لأن عمران عندما علم بتقدم الجیش تجنب لقاءه مستخدما أسلوب حرب العصابات، فانسحب بأصحابه مختفیا بین الأدغال التی تکثر فی منطقة البطائح، فلما توغل المهلبی بقواته فی البطائح خرج إلیهم الکمناء فقتلوا جماعة، و أسروا جماعة، و تفرق الباقین، فعاد المهلبی منسحبا إلی واسط.
و یظهر أن معز الدولة، بعد انهزام جیشه مرات عدیدة أمام أصحاب عمران کان قد أدرک أهمیة عمران و أصحابه، فتمّ عقد الصلح بینهما، و قلده معز الدولة البطائح و أطلق سراح إخوته و أهله. کما أطلق عمران سراح أسری جیش معز الدولة و کان ذلک فی سنة 340 ه/ 951 م.
واسط فی العصر العباسی، ص: 51
و یبدو أن الصلح بین الطرفین استمر حتی سنة 344 ه/ 955 م فقد روی مسکویه أنه فی هذه السنة استولی عمران علی أموال حملت إلی معزّ الدولة من الأحواز، و أموال للتجار، فأرسل معزّ الدولة یحتج علی تصرفات عمران و یطلب إلیه رد الأموال، إلا أن عمران رد أموال معزّ الدولة و امتنع عن رد أموال التجار. فسیر معزّ الدولة جیشا لقتال عمران، أسند قیادته إلی «روز بهان» و ذلک فی رمضان سنة 344 ه/ کانون أول 955 م، غیر أنه لم ترد هناک أیة إشارة توضح القتال الذی وقع بین روزبهان و عمران، و الذی انتهی بمسیر روزبهان فی رجب سنة 345 ه/ تشرین أول 956 م إلی الأحواز لمساعدة أخیه الذی استولی علیها.
لم ترد معلومات توضح العلاقة بین عمران و معزّ الدولة طیلة الفترة الواقعة بین سنة 345 ه/ 956 م و حتی سنة 355 ه/ 965 م و لکن یبدو أن معزّ الدولة لم یکن علی وفاق مع عمران، ففی هذه السنة خرج بنفسه من بغداد علی رأس جیش و سار نحو واسط و أقام بها. ثم أعد من هناک جیشا و أسند قیادته إلی أبی الفضل العباس بن الحسین الشیرازی، فسار قاصدا عمران و نزل بالجامدة ثم شرع فی سدّ الأنهار التی تجری نحو البطائح إلا أن مرض معزّ الدولة و مغادرته واسطا إلی بغداد ثم وفاته
واسط فی العصر العباسی، ص: 52
حال دون استمرار القتال، فتمّ عقد الصلح بین الطرفین فی سنة 356 ه/ 966 م.
و یظهر أن علاقات البویهیین مع عمران قد ساءت فی سنة 360 ه/ 970 م فقد خرج عزّ الدولة بختیار فی هذه السنة من بغداد علی رأس جیش لقتال عمران، و کان علی مقدمة جیشه وزیره أبو الفضل العباس بن الحسین الشیرازی، أما هو فقد أقام بناحیة النعمانیة، و قد تظاهر بالصید حتی لا یفطن عمران لنیته الحقیقیة فیتأهب لملاقاته.
و لما بلغت أخبار تقدم جیش بختیار إلی عمران ترک مقره و انسحب إلی موضع آخر فی البطائح و أقام به، فعندما جاءت أیام الجفاف من السنة الثانیة تقدم الجیش نحو مقر عمران فوجده خالیا، و بما أن الجیش کان یجهل المنطقة، کما أنه لم یزود بالسفن الحربیة- لأن الخطة کانت هی سد المیاه فی أنهار البطیحة- لم یستطع أن یتقدم إلی مقرّ عمران.
و نظرا لرداءة الجو بالبطائح و انقطاع التموین، فقد سئم الجیش من طول الإقامة «و شغبوا و تناولوا الوزیر بألسنتهم و هموا بالإیقاع به، و تحالف الدیلم و الأتراک.. و أبوا أن یقیموا أکثر مما أقاموا» فأرسل بختیار إلی عمران
واسط فی العصر العباسی، ص: 53
یطلب الصلح، فقد عقد الصلح علی أن یدفع عمران مبلغ خمسة ملایین درهم سنویا إلی بختیار، إلا أن عمران امتنع عن دفع هذا المبلغ، و عاد بختیار بجیشه إلی بغداد و دخلها فی رجب سنة 361 ه/ نیسان 972 م.
و الظاهر أن النزاع الذی حدث بین الأتراک و الدیلم من جهة و بین أبناء البیت البویهی علی السلطة من جهة أخری حال دون استمرار القتال بین عمران بن شاهین و البویهیین. فإننا لم نجد ما یشیر إلی وقوع قتال بین الفریقین بعد هذا التاریخ. و سوف نلاحظ خلال الصفحات التالیة أن هذا التحول فی الوضع السیاسی البویهی أدی إلی ظهور عمران بن شاهین کقوة علی المسرح السیاسی آنذاک.
علی أثر إفلاس الخزینة سار بختیار فی شعبان سنة 363 ه/ نیسان 974 م قاصدا الأحواز طلبا للمال، فاستولی علیها و أقام بها، غیر أن نزاعا وقع فی صفوف جیشه بین الأتراک و الدیلم، فقبض بختیار علی رؤساء الأتراک الذین کانوا معه، ثم استولی علی إقطاعات سبکتکین فی الأحواز بتشجیع من الدیلم، و کتب إلی والدته و أخیه ببغداد أن یقبضا علی سبکتکین. فلما علم سبکتکین جمع الأتراک المقیمین ببغداد و جرت معارک بین الأتراک و الدیلم استمرت ثلاثة أیام، هزم فیها الدیلم و انحدروا إلی واسط.
أما بختیار فقد سار من الأحواز إلی واسط و أقام بها، ثم أرسل إلی کل من أبی تغلب بن حمدان، و عمران بن شاهین، و عمه رکن الدولة
واسط فی العصر العباسی، ص: 54
(الحسن بن بویه) یستنجد بهم.
کتب سبکتکین إلی بختیار بواسط قائلا: «إن کل ما تعمله و تتصرف به خطأ و غلط و إن الأمر الآن قد خرج عن الید فافرج لی عن واسط حتی تکون هی و بغداد فی یدی … و تکون البصرة و الأهواز و نواحیها فی یدک … ».
رفض بختیار الطلب الذی تقدم به سبکتکین، فخرج الأخیر من بغداد قاصدا واسطا، إلا أنه لم یلبث أن توفی بدیر العاقول فخلفه «الفتکین» فی قیادة الجیش. و کان بختیار مقیما فی الجانب الغربی من واسط، فلما وصل الأتراک إلی واسط أقاموا فی الجانب الشرقی منها.
عبر الأتراک إلی الجانب الغربی ثم دارت بینهم و بین الدیلم عدة معارک استمرت خمسین یوما کان النصر فیها للأتراک، و کانت أحوال الدیلم قد ساءت من جراء حصار جیش الفتکین لهم، و قتل منهم خلق کثیر حتی أوشکوا علی التسلیم. و کان بختیار فی أثناء ذلک قد ألح فی طلب النجدة من عضد الدولة و أبی تغلب و أکثر من الرسل إلیهما. و بینما هم کذلک إذ وردت الأنباء بوصول عضد الدولة علی رأس جیش إلی الأحواز لنجدة بختیار، ففتّ ذلک فی عضد الفتکین و قرر العودة إلی بغداد لیستعد
واسط فی العصر العباسی، ص: 55
من هناک لقتاله. و لما اقترب عضد الدولة من واسط خرج بختیار لاستقباله و سار الجمیع نحو بغداد و نزلوا فی «المدائن» و استعدوا للقاء الفتکین الذی تقدم هو الآخر بقواته و عبر نهر دیالی، فنشب القتال بین الفریقین عند قریة بین المدائن و نهر دیالی، دارت الدائرة فیه علی جیش الفتکین، فهرب مع جیشه إلی تکریت و أقاموا فیها ثم رحلوا منها إلی الشام. و تقدم عضد الدولة و بختیار إلی بغداد و دخلاها بدون مقاومة، و کان ذلک فی سنة 364 ه/ 974 م.
و لکن النتیجة جاءت علی غیر ما توقع بختیار، فما إن تم لعضد الدولة الاستیلاء علی بغداد حتی أخذ یسعی للاستئثار بالسلطة، فقد انتهز فرصة شغب الجند و مطالبتهم بعزل بختیار و کره الخلیفة الطائع له فقبض علیه فی شهر جمادی الآخرة سنة 364 ه/ شباط 975 م ثم کتب إلی والده رکن الدولة مبینا له الموقف فی العراق و قبضه علی بختیار.
قلد عضد الدولة محمد بن بقیة فی سنة 364 ه/ 974 م واسطا و تکریت و عکبرا و أوانا، فسار إلی واسط و أقام بها. و ما إن استقر بواسط حتی «خلع الطاعة و أظهر الخلاف و قبض علی من ضم إلیه من القواد «و أید بختیار». ثم راسل عمران بن شاهین أمیر البطیحة، و سهل بن
واسط فی العصر العباسی، ص: 56
بشر النصرانی عامل الأحواز یطلب إلیهما مساعدته، فاستجابا له لأنهما- علی ما یبدو- لم یکونا علی وفاق مع عضد الدولة. ثم أرسل إلی المرزبان بن بختیار أمیر البصرة یطلب إلیه المساعدة أیضا، إلا أن المرزبان لم یستجب له «لتهمته بالانحراف عنه و عن أبیه».
لما علم عضد الدولة بما عزم علیه ابن بقیة راسله فی أمر الصلح، و أعطاه الأمان إلا أن ابن بقیة أصر علی موقفه و کتب إلی عضد الدولة قائلا: «إننی أفلت إفلات المجروح المکلوم، و تخلصت تخلص المصلوب المظلوم، و قد حصلت أهلی بین قوم سیوفهم حداد، و جعلت دون کل واحد منهم أناسا علی البغاة غلاظ شداد، و قد وجدته أعطی قبلی أمانا لقوم قولا، و أسقطه فعلا، فلم یف بشی‌ء منه … ».
عندما فشلت المفاوضات بین الطرفین وجه عضد الدولة جیشا کبیرا إلی واسط فالتقی الفریقان، و دارت بینهما معرکة حامیة فی الماء هزم فیها جیش عضد الدولة هزیمة منکرة. و الجدیر بالذکر أن جیش عمران کان قد ساهم فی هذه المعرکة إلی جانب جیش ابن بقیة.
أما رکن الدولة فقد أرسل إلی ولده عضد الدولة کتابا ینکر علیه إقدامه علی القبض علی بختیار، و هدده بقصده إن هو لم یطلقه و یعیده إلی منصبه السابق. ثم أرسل رکن الدولة إلی المرزبان، و ابن بقیة، و ابن تغلب بن حمدان أمیر الحمدانیین یستمیلهم إلیه و یحسّن لهم الخروج علی عضد الدولة، و قد استجاب جمیع هؤلاء له، و تکونت جبهة
واسط فی العصر العباسی، ص: 57
قویة أخذت تهدد عضد الدولة.
و الظاهر أن عضد الدولة کان قد شعر بالخطر المحدق به، فأخذ یتصرف بحکمة فأرسل إلی والده مبینا له الموقف العسکری و السیاسی فی العراق. إلا أن رکن الدولة أصر علی موقفه السابق و قال للرسولین:
«قولا لعضد الدولة خرجت إلی نصرة ابن أخی أو الطمع فی مملکته …
أترید أن تمتنّ أنت علیّ بدرهمین أنفقتهما علیّ و علی أولاد أخی ثم تطمع فی ممالکهم».
اضطر عضد الدولة إزاء موقف والده و سوء أحواله فی العراق أن یطلق سراح بختیار و یرده إلی منصبه، بعد أن تم الاتفاق بینهما علی أن یکون بختیار نائبا عنه فی العراق و أن لا یخالف له أمرا. و عاد عضد الدولة إلی فارس فی 5 شوال 364 ه/ 19 حزیران 975 م.
أما والی واسط محمد بن بقیة، فبعد أن ترددت الرسل فی التوسط بینه و بین بختیار، تم الصلح بینهما و توجه نحو بغداد.
انتهز ابن بقیة فرصة عودة عضد الدولة إلی فارس فاتصل بکل من حسنویه الکردی و فخر الدولة، بن رکن الدولة، و أبی تغلب بن حمدان، و عمران بن شاهین، و غیرهم و ذلک لتکوین جبهة ضد عضد الدولة، فلما علم عضد الدولة سار علی رأس جیش قاصدا بغداد، فانحدر کل من بختیار و ابن بقیّة علی رأس جیش إلی واسط، و أقاما فیها ثم راسلا الخلیفة
واسط فی العصر العباسی، ص: 58
الطائع بالمسیر إلیهما فوافق بعد تردد و لحق بهما.
کان رأی بختیار أن یعدّ العدّة لقتال عضد الدولة فی مدینة واسط إلا أن ابن بقیة أشار علیه بالمسیر إلی الأحواز، فسارا علی رأس جیش فدارت بین الفریقین معرکة عند «نهر سوراب»، هزم فیها بختیار و عاد إلی واسط و أقام فی الجانب الشرقی. أما ابن بقیة فإنه أقام فی الجانب الغربی منها.
و لما شعر بختیار بضعف موقفه أراد التقرب من عضد الدولة، فألقی القبض علی ابن بقیّة لأنه کان السبب فی هذا القتال، ثم إن بن بقیّة کان قد استأثر بجبایة أموال واسط دون بختیار.
و لما علم عضد الدولة بمسیر بختیار إلی بغداد سار هو الآخر فی سنة 367 ه/ 977 م علی رأس جیش إلی بغداد، فقتل کل من بختیار و ابن بقیّة ثم أقام ببغداد و خطب له علی المنابر بعد الخلیفة. و سوف نلاحظ خلال الصفحات التالیة أن سیاسة أبناء البیت البویهی التی کانت قائمة علی السیطرة و التسلط و إراقة الدماء، أدت إلی احتلال واسط مرات عدیدة فی فترة تسلطهم.
إن وفاة عضد الدولة ببغداد فی 8 شوال سنة 372 ه/ 27 آذار 982 م، أدت إلی النزاع و التنافس بین أبنائه علی الحکم فبعدّ أن تمّ
واسط فی العصر العباسی، ص: 59
اختیار ابنه أبی کالیجار المرزبان من قبل قواد الجیش و الأمراء لیخلف والده فی الحکم، خلع علیه الخلیفة الطائع للّه خلع الإمارة و لقبه «صمصام الدولة»، غیر أن أخاه شرف الدولة أمیر کرمان لما علم بوفاة والده سار نحو فارس فی سنة 372 ه/ 982 م و استولی علیها، ثم واصل سیره نحو الأحواز و استولی علیها فی سنة 375 ه/ 985 م، و کانت تحکم آنذاک من قبل أخیه أبی الحسین الذی فرّ إلی أصفهان.
لقد أدرک صمصام الدولة بعد أن بلغته أخبار أخیه شرف الدولة الخطر الذی یهدّد سلطته فتقدم إلیه بطلب الصلح، فتمّ الصلح بینهما، و اتفقا علی أن یخطب لصمصام الدولة فی العراق بعد أخیه شرف الدولة، و أن یکون صمصام الدولة نائبا عن أخیه فی حکم العراق، و أن یطلق سراح أخیه بهاء الدولة أبی نصر.
و الظاهر أن والی واسط أبا علیّ التمیمی کان قد شعر بقوة شرف الدولة فأعلن خروجه علی طاعة صمصام الدولة و انحیازه إلی شرف الدولة، کما خرج علی طاعته ولاة آخرون فی العراق و توافدوا إلی شرف الدولة بالأحواز و دخلوا فی طاعته. کما اجتمع إلی شرف الدولة کثیر من الأتراک و الدیلم الذین کانوا قد نقموا علی صمصام الدولة فقوی أمره.
واسط فی العصر العباسی، ص: 60
و لما بلغت شرف الدولة أنباء الفوضی و الاضطرابات التی سادت بغداد، أرسل قائده قراتکین الجهشیاری إلی واسط سنة 376 ه/ 986 م فاستولی علیها و رتب العمال فیها. ثم سار شرف الدولة من الأحواز علی رأس عساکر کبیرة إلی واسط و أقام بها.
أما صمصام الدولة فقد أسقط فی یده عندما بلغه نزول شرف الدولة بواسط بعساکر کبیرة، حیث أدرک أنه لا قبل له بمقاومته لا سیما أن جنده کانوا قد شغبوا علیه و طالبوه بالأرزاق، و تسللت أعداد کبیرة منهم إلی شرف الدولة بواسط، فقرر الخروج من بغداد مع بعض خاصته إلی شرف الدولة بواسط، فأحسن شرف الدولة لقاءه، و لکنه لم یلبث أن قبض علیه.
أعد شرف الدولة جیشا و أسند قیادته إلی والی واسط أبی علی التمیمی، فسار قاصدا بغداد، فدخلها دون مقاومة، ثم سار شرف الدولة فی أثره فاستقبله الخلیفة، و ولاه الإمارة. و لما استقر شرف الدولة ببغداد، أرسل صمصام الدولة إلی فارس و سجن هناک.
لم نسمع عن مشارکة واسط فی الأحداث السیاسیة طیلة الفترة الواقعة بین سنة 377 ه و حتی سنة 410 ه/ 987- 1019 م. و من المرجح أن ذلک یرجع إلی الأسباب التالیة:
1- إن الصراع بین أبناء البیت البویهی فی هذه الفترة کان قائما فی
واسط فی العصر العباسی، ص: 61
المشرق، حیث کانت الحروب قائمة بین أبناء عضد الدولة منذ وفاته سنة 372 ه/ 982 م فی کل من فارس و الأحواز و الری و کرمان.
2- اتخاذ بهاء الدولة لهذه المدینة مقرا له فی الفترات التی أقام فیها فی العراق لیکون قریبا من المشرق و بغداد.
3- إن حدوث النزاع و التنافس علی الحکم بین أحفاد عمران بن شاهین بعد وفاته سنة 367 ه/ 977 م من جهة، و تبعیة إمارتهم فی هذه الفترة إلی بنی بویه من جهة أخری، حال دون قیام تصادم بینهم و بین السلطة المرکزیة ببغداد کما کان علیه الحال سابقا.
فی سنة 411 ه/ 1020 م ثار الجند علی سلطان الدولة ببغداد، و طالبوا بتولیة أخیه مشرف الدولة، فأراد سلطان الدولة الانحدار إلی واسط إلا أن الجند منعوه من ذلک، فراسل أخاه و قدم إلی بغداد، و اتفقا علی أن یکون مشرف الدولة نائبا عن أخیه ببغداد، و أن لا یستوزر أحدهما «ابن
واسط فی العصر العباسی، ص: 62
سهلان». سار سلطان الدولة إلی الأحواز فلما وصل إلی «تستر» نقض الاتفاق، و استوزر ابن سهلان و أعدّ له جیشا و أمره بالمسیر إلی العراق و انتزاعه من ید مشرف الدولة، فلما علم مشرف الدولة جهز جیشا کبیرا و سار به للقاء ابن سهلان، و دارت بین الفریقین معرکة عند واسط، انتهت بهزیمة ابن سهلان و عسکره، فاضطر علی أثرها أن یدخل واسطا و یتحصن بها، فحاصر مشرف الدولة واسط، و منع المیرة عنها، فغلت الأقوات، و اشتد الضیق بأهلها و لحقتهم مجاعة شدیدة. فلما رأی ابن سهلان أن لا قبل له بالاستمرار فی المقاومة، و أن الحالة بالمدینة ازدادت سوءا، أرسل إلی مشرف الدولة یعرض علیه أن یسلمه المدینة فأجابه إلی ما طلب، و خرج إلیه بعد أن استحلفه. إلا أن مشرف الدولة قبض علیه و سمله، و کان ذلک فی آخر ذی الحجة سنة 412 ه/ آذار 1021 م. و سار الدیلم الذین کانوا بواسط مع مشرف الدولة و مضوا فی خدمته «فحلف لهم و أقطعهم». أما سلطان الدولة فقد غادر الأحواز إلی أرجان، و قطعت خطبته فی العراق.
لقد تمّ عقد الصلح بین مشرف الدولة و أخیه سلطان الدولة فی سنة
واسط فی العصر العباسی، ص: 63
413 ه/ 1022 م و اتفقا علی أن یکون العراق لمشرف الدولة، و فارس و کرمان لسلطان الدولة. فلما توفی مشرف الدولة سنة 416 ه/ 1025 م استقر رأی الجند ببغداد علی أن یخلفه فی الحکم أخوه «جلال الدولة» أمیر البصرة. فلما علم جلال الدولة سار من البصرة نحو بغداد، إلا أنه لما بلغ واسط أقام بها، و ذلک لأنه علم أن الجند ببغداد عدلوا عنه، بعد أن علموا أن لا قبل له بدفع أرزاقهم لعدم توفر الأموال لدیه، و أنهم طلبوا من الخلیفة القادر باللّه أن یخطب لأبی کالیجار بن سلطان الدولة أمیر الأحواز بدلا منه، و أن الخلیفة استجاب لطلبهم. فعاد جلال الدولة إلی البصرة.
أما أبو کالیجار فإنه کان لا یتمکن من المجی‌ء إلی بغداد و قتذاک، لأن الحرب کانت قائمة بینه و بین عمه «قوام الدولة» أمیر کرمان، فاکتفی بأن وعد الجند بالتوجه نحوهم.
و الظاهر أن جلال الدولة انتهز فرصة الظروف المحیطة بأبی کالیجار و عدم تمکنه من المجی‌ء إلی بغداد، فأعدّ جیشا و خرج من البصرة قاصدا بغداد، فلما علم الجند الأتراک بقدومه خرجوا من بغداد لملاقاته، فاشتبک الفریقان فی معرکة عند «السّیب» انتهت بهزیمة جلال الدولة، فعاد منسحبا إلی البصرة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 64
و عندما کانت الأحوال ببغداد قد ازدادت سوءا، و ذلک فی سنة 418 ه/ 1027 م کتب الخلیفة القادر باللّه إلی أبی کالیجار قائلا: «إنک إن لم تتدارک الأمر خرج عن الید»، فلما تأخر عن المجی‌ء کتب الخلیفة إلی جلال الدولة بالمجی‌ء إلی بغداد و تولی الإمارة فیها، فاستجاب جلال الدولة لطلب الخلیفة، و سار إلی بغداد، فلما وصلها خرج الخلیفة لاستقباله و أمر بإقامة الخطبة له.
و بعد أن تمّ عقد الصلح بین أبی کالیجار و عمه، خرج أبو کالیجار سنة 420 ه/ 1029 م علی رأس جیش من الأحواز قاصدا بغداد، فاستولی علی واسط و أقام بها. و یبدو أن أبا کالیجار دخل المدینة بدون مقاومة لأننا لم نجد فی المصادر ما یشیر إلی أن الملک العزیز بن جلال الدولة الذی کان یحکمها آنذاک قد أبدی مقاومة فیها.
فلما علم جلال الدولة جمع قواته و خرج من بغداد للقائه، إلا أنه عدل عن القتال لعدم توفر الأموال لدیه، و عندما استشار أصحابه فیما یفعل أشاروا علیه أن یسیر نحو الأحواز و یستولی علی ما بها من أموال أبی کالیجار و عسکره. أما أبو کالیجار و جماعته فقد استقر رأیهم علی أن یسیروا إلی بغداد و یستولوا علی ما بها من أموال.
واسط فی العصر العباسی، ص: 65
سار جلال الدولة بعسکره إلی الأحواز و استولی علیها ثم نهبوا و سبوا الکثیر منها. فلما علم أبو کالیجار بما قام به جلال الدولة و عسکره فی الأحواز، خرج من واسط قاصدا الأحواز، فاشتبک الفریقان قرب الأحواز فی آخر ربیع الأول سنة 421 ه/ بدایة نیسان 1030 م و استمر القتال بینهما ثلاثة أیام، انتهی بهزیمة أبی کالیجار و عسکره، فسار نحو الأحواز و دخلها بأسوأ حال.
أما جلال الدولة، فقد سار نحو واسط و استولی علیها ثم نصب ابنه «العزیز» والیا علیها، و واصل سیره نحو بغداد و دخلها.
و الجدیر بالذکر أن واسطا بقیت تابعة لجلال الدولة، و أنه اتخذها مرکزا لإدارة العملیات العسکریة ضد جیش أبی کالیجار حتی سنة 428 ه/ 1036 م. ففی هذه السنة حدث خلاف بین جلال الدولة و حاجب الحجاب بارسطغان، فکاتب بارسطغان أبا کالیجار، فاستجاب له، و أعد جیشا و سیره إلی واسط و اتفق معهم عسکر واسط، فأخرجوا الملک العزیز ابن جلال الدولة و استولوا علی واسط.
و یظهر أن جیش أبی کالیجار لم یکن مستعدا لمواجهة عساکر جلال الدولة و أعوانه فعاد إلی فارس. أما عسکر واسط فإنه سار إلی بار سطغان
واسط فی العصر العباسی، ص: 66
ببغداد. فلما علم بارسطغان بعودتهم إلی فارس، توجه علی رأس جیش إلی واسط، فسار فی أثره کل من جلال الدولة و دبیس بن علی بن مزید الأسدی، فالتقی الفریقان عند «الخیزرانیة»، و دارت بینهما معرکة انتهت بأسر بارسطغان و قتله، فکان ذلک مما مهدّ السبیل أمام جلال الدولة للاستیلاء علی واسط، و تقلید ابنه الملک العزیز والیا علیها.
عندما توفی جلال الدولة سنة 435 ه/ 1043 م، استقر رأی الجند ببغداد علی أن یخلفه ابنه الملک العزیز الذی کان والیا بواسط آنذاک، فکاتبوه بذلک فاستجاب لطلبهم. غیر أن الملک أبا کالیجار عندما بلغه نبأ موت جلال الدولة، کاتب قواد الجند ببغداد و وعدهم بدفع الأموال الکثیرة عند وصوله إلیهم، فاستجابوا له و أظهروا ترحیبهم بقدومه إلی بغداد و عدلوا عن الملک العزیز. خرج الملک العزیز علی رأس جیش من واسط قاصدا بغداد، فلما بلغ النعمانیة ثار علیه جنده و عادوا إلی واسط و خطبوا للملک أبی کالیجار علی منابرها.
واسط فی العصر العباسی؛ ص66
واسط فی العصر العباسی، ص: 67
أما الملک أبو کالیجار فقد أرسل إلی بغداد أموالا فرقت علی الجند و أولادهم، کما أرسل إلی الخلیفة القائم بأمر اللّه عشرة آلاف دینار و معها هدایا کثیرة، ثم سار إلی بغداد و دخلها فی رمضان سنة 436 ه/ آذار 1044 م.
و الظاهر أن جند واسط فی أواخر العصر البویهی کانوا قد استغلوا الصراع القائم بین أبناء البیت البویهی و ضعف دولتهم فتمردوا علی أوامر السلطة المرکزیة ببغداد، ففی سنة 441 ه/ 1049 م أقطع الملک الرحیم أراضی من إقطاع أهل واسط إلی نور الدولة دبیس بن مزید الأسدی، فلما علم جند واسط بذلک کتبوا إلی نور الدولة یحذرونه و یطلبون منه التخلی عنها. إلا أن نور الدولة کان قد انتهز فرصة اضطراب الأوضاع العامة ببغداد فأراد أن یوسع حدود إمارته، فأجابهم بقوله «إن الملک أقطعنی هذا، فنرسل إلیه أنا و أنتم، فبأیّ شی‌ء أمر رضینا به»، و لکن الواسطیین لم یقنعوا بهذا الجواب، و أصروا علی إخراج نور الدولة من إقطاعاتهم، فساروا إلیه لقتاله، فکمن لهم جیش نور الدولة و فاجأهم بالهجوم، فقتلوا و أسروا عددا کبیرا منهم، و عادوا منسحبین إلی واسط و نزلوا بالقرب منها.
و مما تجدر الإشارة إلیه هو أن جند واسط کانوا قد استنجدوا بجند
واسط فی العصر العباسی، ص: 68
بغداد، فکتبوا إلی البساسیری أن یدفع عنهم نور الدولة و یأخذ الإقطاع، إلا أن المصادر أمسکت عن ذکر موقف البساسیری من أهل واسط بعد مکاتبتهم إیاه و استنجادهم به.
إن ازدیاد نفوذ أبی الحارث البساسیری فی العراق، و استبداده بالسلطة، و میله إلی الفاطمیین، کل ذلک أدی إلی تبدل العلاقات بینه و بین الخلیفة القائم بأمر اللّه، و الوزیر أبی القاسم علی بن المسلمة، فسار البساسیری إلی واسط و أقام بها. و من المحتمل جدا أن البساسیری أراد أن یتفق مع الملک الرحیم الذی کان آنذاک مقیما بواسط ثم یعدّ العدّة من هناک للاستیلاء علی بغداد، إلا أن الملک الرحیم لم یتفق معه علی هذا الرأی، فقد ذکر ابن الجوزی أنه قدم من واسط جماعة من الأتراک کانوا مع البساسیری و أخبروا الخلیفة أن البساسیری أراد التوجه من واسط إلی بغداد للاستیلاء علیها و نهب دار الخلافة و القبض علیه.
أراد الخلیفة أن یحول دون قیام اتفاق بین الملک الرحیم
واسط فی العصر العباسی، ص: 69
و البساسیری، فکتب إلی الملک الرحیم رسالة یقول فیها: «إن البساسیری خلع الطاعة، و کاتب الأعداء، یعنی المصریین، و إن الخلیفة له علی الملک عهود، و له علی الخلیفة مثلها، فإن آثره فقد قطع ما بینهما، و إن أبعده و أصعد إلی بغداد تولی الدیوان تدبیر أمره».
استجاب الملک الرحیم إلی أمر الخلیفة و طلب من البساسیری مغادرة واسط، فترکها و سار إلی نور الدولة دبیس بن مزید الأسدی لمصاهرة بینهما. و لما دخل طغرلبک بغداد کتب إلی نور الدولة یأمره بإبعاد البساسیری عنه، فسار البساسیری إلی الرحبة و أقام بها.
أرسل البساسیری إلی المستنصر باللّه الفاطمی مبینا له دخوله فی طاعته. فبعث إلیه داعی الدعاة الفاطمی المؤید فی الدین هبة اللّه الشیرازی کتابا یعلن فیه تأیید المستنصر باللّه له، و یعده بإمداده بالأموال و السلاح و الخلع.
ثم سار المؤید فی الدین من مصر علی رأس قوة لمساعدة البساسیری، و بعد أن استطاع البساسیری أن یکوّن جیشا کبیرا سار نحو الموصل، فلما علم السلاجقة و قریش بن بدران صاحب الموصل بمسیر
واسط فی العصر العباسی، ص: 70
البساسیری، خرجوا لملاقاته فاشتبک الفریقان فی معرکة حامیة عند «سنجار» انتصر فیها البساسیری. و علی أثر هذه المعرکة انحاز قریش بن بدران إلی البساسیری، و سار معه إلی الموصل، فدخلها و أقام الخطبة فیها للخلیفة المستنصر باللّه الفاطمی.
و الظاهر أن النصر الذی حققه البساسیری فی موقعة سنجار و دخوله الموصل شجع بعض الولاة فی العراق علی الخروج علی طاعة الخلیفة العباسی و إظهار ولائهم للفاطمیین، ففی سنة 448 ه/ 1056 م أقام والی واسط علاء الدین أبو الغنائم بن فسانجس الخطبة للخلیفة المستنصر باللّه الفاطمی بواسط، و کان قد أیده جماعة من سکان المدینة، و کاتب أهل البطیحة فأیدوه، وزور کتبا من البساسیری یعدهم بالإحسان و الإقطاعات و العدل، و قام بتحصین الجانب الغربی فحفر حوله خندقا، و بنی علیه سورا، و قد أرسل عمید العراق الکندری رسولا للتفاوض مع ابن فسانجس و أتراک واسط و لکن دون جدوی.
واسط فی العصر العباسی، ص: 71
علی أن الأمور لم تستقر لابن فسانجس بواسط، فقد أعدّ الخلیفة جیشا و أسند قیادته إلی عمید العراق الکندری و سیره نحو واسط، فلما علم ابن فسانجس خرج لمحاربته، و قد درات بین الفریقین معرکة حامیة خارج المدینة هزم فیها ابن فسانجس و هرب إلی البطیحة، فتقدم عمید العراق و تسلم المدینة، و أمر بطم الخندق و هدم السور.
انتهز ابن فسانجس فرصة مسیر عمید العراق إلی بغداد فسار علی رأس جیشه و استولی علی واسط، و قتل جماعة من أهلها، و أعاد الخطبة للخلیفة الفاطمی علی منابرها، و أمر أن یصبغ المسجد الجامع بواسط باللون الأبیض الذی هو شعار الفاطمیین و ضرب النقود باسم المستنصر باللّه الفاطمی. و أمر سکانها بإعادة بناء السور. فلما علم عمید العراق کتب إلی منصور بن الحسین یأمره بالمسیر إلی واسط و استرجاعها من ابن فسانجس.
سار منصور فی سنة 449 ه/ 1057 م من المذار و نزل بقواته علی واسط، و حاصرها فی البر و الماء، فقلّت الأقوات و غلت الأسعار، و اشتد الحال بأهل واسط، و ضجروا من الحصار، و بعد أن أدرک ابن فسانجس عجزه عن الدفاع عن المدینة، خرج للقتال، فدارت بین الفریقین معرکة حلت الهزیمة فیها بابن فسانجس، و قتل عدد کبیر من أهل واسط، و استأمن
واسط فی العصر العباسی، ص: 72
جماعة منهم إلی منصور. أما ابن فسانجس فإنه هرب بعد فشله مع جماعة من أصحابه، فسارت فی أثره طائفة من الجند، و کان عمید العراق قد خرج من بغداد علی رأس جیش فأدرکوه قرب النیل فأسر هو و أهله، و حمل إلی بغداد ثم صلب فی صفر سنة 449 ه/ نیسان 1057 م.
انتهز البساسیری فرصة خروج السلطان طغرلبک من بغداد إلی همدان لإخماد ثورة أخیه إبراهیم ینال هناک، فسار نحو بغداد و استولی علیها فی 8 ذی القعدة سنة 450 ه/ 28 کانون أول 1058 م و أقام فیها الخطبة للمستنصر باللّه الفاطمی. ثم خرج علی رأس جیش و استولی علی کل من واسط و البصرة، و أقام الدعوة فیهما للخلیفة الفاطمی. و بعد أن وصل البساسیری قریبا من الأحواز عقد الصلح مع والی المدینة، ثم عاد إلی واسط و أقام بها یجمع العساکر، فکتب إلی قریش بن بدران یطلب منه
واسط فی العصر العباسی، ص: 73
المسیر إلی واسط، و بعث إلی بغداد فأخذ دوابه و ماله و سلاحه إلی مقره بواسط، ثم انحدر حرمه و أولاده و أصحابه و جمیع ما یتعلق به إلی واسط، و تبعهم جماعة من أهل بغداد.
و لما تمّ لطغرلبک القضاء علی ثورة أخیه إبراهیم ینال سار علی رأس جیش کبیر نحو العراق، ثم کتب إلی قریش بن بدران یطلب منه إعادة الخلیفة القائم بأمر اللّه إلی بغداد، فأرسل قریش کتاب طغرلبک إلی البساسیری بواسط، إلا أنه لم یستجب لرغبة السلطان.
و مع أن قریش بن بدران کتب إلی الأمیر مهارش صاحب حدیثة یعلمه بعدم رغبته فی عودة الخلیفة إلی بغداد، إلا أن الأمیر مهارش لم یستجب لطلبه، و سار بصحبة الخلیفة إلی بغداد فی 11 ذی القعدة سنة 451 ه/ 20 کانون أول 1059 م. و کان طغرلبک قد سبق مجی‌ء الخلیفة إلی بغداد، فلما وصل الخلیفة إلی بغداد فی أواخر شهر ذی القعدة بالغ السلطان طغرلبک فی الاحتفاء بقدومه، و استأذنه فی المسیر إلی البساسیری بواسط، فأذن له، فعهد السلطان إلی القائد خمارتکین الطغرائی بالمسیر علی رأس جیش إلی الکوفة، و ذلک للحیلولة دون هرب البساسیری من واسط إلی الشام عن طریق الکوفة، و سار السلطان فی 29 ذی القعدة
واسط فی العصر العباسی، ص: 74
سنة 451 ه/ 6 کانون ثانی 1059 م علی رأس جیش إلی واسط. فلما علم البساسیری بمسیر العساکر نحوه سار إلی نور الدولة دبیس و التجأ عنده، فسار السلطان فی أثره، و دارت معرکة حامیة بین الفریقین عند الکوفة فی ذی الحجة من سنة 451 ه/ کانون ثانی 1059 م، انتهت بمقتل البساسیری، فتمّ بذلک للسلطان طغرلبک القضاء علی ثورته و زوال النفوذ الفاطمی فی العراق.
تتفق الروایات علی أن فترة سیطرة البساسیری علی واسط استمرت عشرة أشهر من ربیع الأول سنة 450 ه حتی ذو الحجة سنة 451 ه/ نیسان 1058- کانون ثانی 1059 م.
و السؤال الذی یفرض نفسه هو: لماذا اختار البساسیری هذه المدینة مقرا لحکمه؟ فی رأینا أنه کانت هناک عدة أسباب أدت إلی هذا الاختیار منها:
1- وجود مؤیدین للفاطمیین فی مدینة واسط و منطقتها کما رأینا فی أثناء کلامنا عن ثورة ابن فسانجس، ثم إن أتراک واسط کانوا قد استاؤوا من السلطان طغرلبک عندما أخذ أموال أتراک بغداد و قتل عددا منهم و أخرجهم من بغداد، و ذلک بعد دخوله بغداد سنة 447 ه/ 1055 م فکان
واسط فی العصر العباسی، ص: 75
معظم سکان هذه المدینة و منطقتها مساندین لثورته.
2- قرب واسط من إمارة نور الدولة دبیس، فقد کانت هناک علاقة مصاهرة بینهما، و قد أشرنا سابقا أنه عندما طلب الخلیفة من الملک الرحیم إبعاد البساسیری عن واسط سار إلی نور الدولة دبیس، و عندما توجهت جیوش السلطان طغرلبک نحوه هرب من واسط و التجأ إلی نور الدولة دبیس و أقام عنده.
3- وجود أعوان الخلیفة و السلطان ببغداد.
4- أراد البساسیری من سیطرته علی واسط و البصرة و الأحواز، أن یؤمن مؤخرته من جهة، و أن یحول دون اتصال سلاجقة المشرق ببغداد من جهة أخری.
5- إن الاستیلاء علی واسط کان ذا أهمیة کبیرة بالنسبة للبساسیری و خسارة کبیرة للخلافة العباسیة، فقد کان لهذه المدینة أهمیة اقتصادیة کبیرة، فالبساسیری بسیطرته علیها کان قد أمن الحصول علی المیرة الکافیة من جهة و حرمان عاصمة الخلافة منها من جهة أخری. ثم إن واسط کانت تقع علی الطریق التجاری البحری الذی کان یربط بغداد بالعالم، و علی الطریق التجاری البری الذی کان یربطها بالمشرق، فإن الاستیلاء علیها یؤدی إلی قطع التجارة عن بغداد.
6- إن وجود الخندق و السور بواسط یؤدی إلی إمکانیة استمرار المقاومة فیها.
لم نسمع عن أحداث سیاسیة مهمة تعرضت لها مدینة واسط حتی سنة 493 ه/ 1099 م. و مما لا شک فیه أن سبب ذلک یرجع إلی هدوء الحالة
واسط فی العصر العباسی، ص: 76
السیاسیة فی العراق من جراء قوة السیادة السلجوقیة فی هذه الفترة، کما أننا لم نجد ما یشیر إلی نزاع بین أبناء البیت السلجوقی، أو بین السلاطین السلاجقة و الخلفاء العباسیین، کما لا حظنا فی العصر البویهی.
کما یفهم من الإشارات التی جاءت فی المصادر أن منطقة واسط فی هذه الفترة کانت من أملاک السلاطین السلاجقة، و کان هؤلاء السلاطین هم الذین یعقدون ضمانها للأشخاص.
أما بعد هذه الفترة فإننا نجد أن النزاع بین أبناء البیت السلجوقی أدّی إلی مشارکة هذه المدینة فی الأحداث السیاسیة، فبعد وفاة السلطان ملکشاه فی سنة 485 ه/ 1092 م استقر رأی أمراء الجند أن یخلفه ابنه محمود فی الحکم، فأمر الخلیفة المقتدی بإقامة الخطبة للسلطان الجدید فی العراق. و لما علم أخوه «برکیارق» الذی کان یکبره سنا، سار من أصفهان إلی الری مخالفا لأخیه، و خطب له بالسلطنة هناک. فأعدت «ترکان خاتون» والدة السلطان محمود جیشا و سیرته إلی أصفهان، فالتقی الفریقان فی معرکة حامیة عند «بروجرد» هزم فیها جیش السلطان محمود فانفرد برکیارق بالسلطنة، و طلب من الخلیفة إقامة الخطبة
واسط فی العصر العباسی، ص: 77
له، فاستجاب الخلیفة لطلبه، و خطب له سنة 487 ه/ 1094 م غیر أن الأمور لم تستقر لبرکیارق ففی سنة 492 ه/ 1098 م ثار علیه أخوه محمد الذی کان یلی بعض بلاد آذربیجان، فلما علم برکیارق هرب من الری إلی الأحواز، و لما تقدم محمد بطلب إلی الخلیفة لإقامة الخطبة له، استجاب الخلیفة لطلبه، و خطب له فی ذی الحجة سنة 492 ه/ تشرین أول 1098 م.
سار برکیارق فی سنة 493 ه/ 1099 م من الأحواز إلی بغداد، فلما وصل إلی واسط هرب أعیان المدینة، «فدخل العسکر فعاثوا و نهبوا و قلعوا الأبواب و استخرجوا الذخائر، و فعلوا ما لا یفعل الروم» علی حد قول ابن الجوزی. ثم واصل تقدمه نحو بغداد فلما دخلها قطع الخلیفة الخطبة للسلطان محمد، و أمر بإقامتها للسلطان برکیارق فقط. فلما علم السلطان محمد سار علی رأس جیش إلی بغداد و دخلها فی 25 جمادی الآخرة سنة 494 ه/ 28 نیسان 1101 م.
أما برکیارق فقد کان فی أثناء ذلک مریضا فلما أدرک أنه لا قبل له بمقاومته خرج من بغداد مع جنده و سار قاصدا واسط.
واسط فی العصر العباسی، ص: 78
و الظاهر أن جند واسط أرادوا أن لا یکونوا طرفا فی النزاع بین الفریقین، من جهة، و أن یتخلصوا من النهب الذی تعرضوا له من قبل هذا الجیش سابقا، فلما علموا بنبأ قدوم جیش برکیارق، خرجوا مع أهلهم و أموالهم و ساروا إلی الزیدیة، و أقاموا هناک. أما موقف أهل واسط فقد وصفه ابن الأثیر بقوله: «و کان أهل البلد قد خافوهم، فلزموا الجامع و بیوتهم، فخلت الطرق و الأسواق من مجتاز فیها».
و لما دخل جیش برکیارق واسط أقاموا فی الجانب الشرقی، ثم نهبوا المدینة فخرج إلیهم القاضی أبو علی الفارقی، و طلب منهم الکفّ عن هذه الأعمال، فاستجابوا لطلبه.
أما جند واسط فإنهم کانوا قد أرسلوا إلی السلطان برکیارق یطلبون الأمان، فأمنهم، و حضر أکثرهم عنده، و صاروا فی خدمته، ثم اجتمعت إلیه عساکر أخری. انتهز برکیارق فرصة خروج السلطان محمد بن بغداد، فحاول السیطرة علیها، فلما بلغ الخلیفة ذلک أرسل إلی السلطان محمد یستدعیه إلی بغداد، فلما عاد أقام بها فترة، ثم سار نحو جیشه الذی کان قد ترکه فی طریق خراسان فعدل برکیارق عن فکرته، و سار فی أثر أخیه، فلما التقی الطرفان فی «برذاور» سفر الأمراء بینهما، فتم عقد الصلح، و اتفقا علی أن یکون برکیارق السلطان و أخیه محمد الملک.
واسط فی العصر العباسی، ص: 79
و فی سنة 495 ه/ 1101 م راسل جماعة من عسکر واسط والی البصرة إسماعیل بن سلانجق و استدعوه لتسلیم المدینة إلیه، فتقدم نحو واسط، و لما وصل إلی نهر إبان کاتبهم بتسلیم المدینة، إلا أن عسکر واسط حسبما قاله ابن الأثیر امتنعوا من ذلک. و أغلب الظن أن هذا لم یکن السبب الحقیقی لمسیر إسماعیل و محاولته الاستیلاء علی واسط، بل کان عاملا مشجعا له، فإن إسماعیل بعد أن تغلب علی أمراء البطیحة سنة 491 ه/ 1097 م، و امتدت سلطته إلی «مطارا» أراد أن یوسع نفوذه و سلطته و ذلک باستیلائه علی واسط، فانتهز فی هذه السنة فرصة خروج برکیارق من واسط، و نشوب النزاع بینه و بین أخیه فی المشرق و ضعف الخلافة ببغداد، فأراد أن یستفید من هذه الأوضاع و یحقق طموحاته، و الدلیل علی ذلک هو أنه واصل سیره نحو واسط، علی الرغم من عدم رضا أهل المدینة، و أقام فی الجانب الشرقی منها، فلما راسل أهل واسط بتسلیم المدینة إلیه امتنع هؤلاء و خرجوا لملاقاته، فدارت معرکة بین الفریقین خارج واسط هزمت فیها قوات إسماعیل و عاد منسحبا إلی البصرة دون أن یحقق الهدف الذی جاء من أجله.
و لما عاد النزاع علی السلطة بین برکیارق و أخیه السلطان محمد، أعدّ برکیارق فی سنة 496 ه/ 1102 م جیشا و أسند قیادته إلی کمشتکین القیصری، و أمره بالمسیر إلی بغداد و الاستیلاء علیها و إعادة الخطبة له فیها، فلما دخل القیصری بغداد تولی منصب الشحنة فیها، و أمر بإقامة الخطبة إلی برکیارق. أما إیلغازی شحنة السلطان محمد، فقد سار إلی
واسط فی العصر العباسی، ص: 80
سیف الدولة صدقة بالحلة مستنجدا به.
سار صدقة علی رأس جیشه إلی بغداد و حاصرها، و طلب من الخلیفة إخراج القیصری منها، و بعد مفاوضات مستمرة استقر الأمر علی إخراج القیصری من بغداد و إقامة الخطبة للسلطان محمد علی منابرها. و لما خرج القیصری من بغداد سار نحو واسط و استولی علیها، و أمر بإقامة الخطبة لبرکیارق فیها و قد خاف منه أهل واسط، و أراد جماعة منهم مغادرة المدینة لیأمنوا فمنعهم القیصری، و نهب عسکره سواد واسط.
و لما علم صدقة بهذه الأنباء سار نحو واسط و دخلها دون مقاومة، و أقام بها و عدل فی أهلها، ثم وصلها إیلغازی، و أقام صدقة الخطبة للسلطان محمد بواسط ثم أدخل اسمه و اسم إیلغازی فی الخطبة بعد اسم السلطان.
أما القیصری فإنه عندما خرج من واسط أقام بالقرب منها متحصنا بدجلة، فلما سار إلیه صدقة تفرق عسکره، فطلب الأمان من صدقة فأمنه و أکرمه، و عاد إلی برکیارق. و یبدو أن عسکر واسط کان مع القیصری فقد ذکر ابن الأثیر أن صدقة منح الأمان لهم.
و فی 20 جمادی الأولی سنة 496 ه/ 2 آذار 1102 م استناب کل من صدقة و إیلغازی ولده بواسط ثم عادوا إلی بغداد.
و عندما تم عقد الصلح بین برکیارق و أخیه محمد فی سنة 497 ه/
واسط فی العصر العباسی، ص: 81
1103 م، اتفق الطرفان علی أن تکون العراق لبرکیارق عدا بلاد سیف الدولة صدقة فتکون لمحمد، و بناء، علی هذا الاتفاق أمر الخلیفة المستظهر باللّه بإقامة الخطبة لبرکیارق فی بغداد.
و یظهر أن أهل واسط أدرکوا أن الفرصة قد حانت للتخلص من صدقة. فلما بلغهم النبأ أمروا بإقامة الخطبة لبرکیارق بواسط. و یبدو أن اسم صدقة کان قد قطع مع اسم السلطان محمد من الخطبة، فقد ذکر ابن الأثیر أن صدقة سار فی شوال 497 ه/ حزیران 1103 م علی رأس جیش کبیر إلی واسط و استولی علیها ثم أمر الأتراک بمغادرة واسط، فسار جماعة منهم إلی برکیارق، و سار آخرون إلی بغداد، أما الباقون منهم فقد صاروا إلی جانب صدقة. و تقدیرا للجهود التی بذلها صدقة کافأه السلطان محمد بأن أقطعه واسطا. فضمنها صدقة إلی مهذب الدولة بن أبی الجبر صاحب البطیحة و عاد إلی الحلة. و قد أقام مهذب، الدولة بواسط حتی ذی القعدة سنة 497 ه/ تموز 1103 م، ثم استناب فی الضمان أولاده و أصحابه و انحدر إلی البطیحة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 82
و الجدیر بالذکر هنا هو أن مهذب الدولة کان قد عجز عن دفع مال الضمان إلی صدقة لأن أولاده و أصحابه «مدوا أیدیهم فی الأموال، و فرطوا فیها، و فرقوها» فحبسه صدقة، ثم ضمن واسطا إلی حماد بن أبی الجبر ابن عم مهذب الدولة.
لقد بقیت واسط ضمن ممتلکات صدقة حتی سنة 501 ه/ 1107 م، ففی هذه السنة حدث خلاف بینه و بین السلطان محمد، فأعدّ السلطان جیشا و أسند قیادته إلی الأمیر محمد بن بوقا الترکمانی، و أمره بالمسیر إلی واسط و الاستیلاء علیها، فلما دخل ابن بوقا واسط أخرج نائب صدقة عنها ثم أمنّ أهلها عدا أصحاب صدقة، فغادر هؤلاء واسط و تفرقوا.
و لما بلغت هذه الأخبار إلی صدقة سیر جیشا إلی واسط بقیادة ابن عمه ثابت بن سلطان، فخرج ابن بوقا لملاقاته، فالتقی الفریقان عند «نهر سالم» و دارت بینهما معرکة حامیة انتهت بهزیمة ثابت و قتل و أسر منهم الکثیر. ثم سار کل من جیش ابن بوقا و ثابت إلی واسط محاولین السیطرة علیها، فقاموا بنهب المدینة، إلا أن ابن بوقا أمرهم بالکفّ عن أعمال النهّب، و أمن الناس. و فی أواخر جمادی الأولی من هذه السنة أقطع السلطان محمد واسط إلی قسیم الدولة البرسقی ثم أمر ابن بوقا بالمسیر إلی بلاد صدقة للاستیلاء علیها.
واسط فی العصر العباسی، ص: 83
عندما بویع المسترشد باللّه بالخلافة سنة 512 ه/ 1118 م سار أخوه أبو الحسن إلی دبیس بن صدقة صاحب الحلة و أقام عنده. فلما علم الخلیفة کتب إلی دبیس بتسلیمه إلیه. غیر أن أبا الحسن سار من الحلة إلی واسط فی 12 صفر سنة 513 ه/ 26 مایس 1119 م و استولی علیها، ثم دعا لنفسه بالخلافة فبایعه عسکر واسط، و بذلک تعزز مرکزه. ثم خرج من واسط علی رأس جیش و استولی علی منطقة واسط، و طرد موظفی الخلیفة منها و جمع الضرائب، فلما علم الخلیفة بعث کاتبه ابن الأنباری إلی دبیس یطلب منه القضاء علی فتنة أخیه. استجاب دبیس لطلب الخلیفة و سیّر صاحب جیشه «عنان» علی رأس جیش کبیر إلی واسط، فلما علم أبو الحسن رحل عن واسط و سار بعسکره لیلا، فضلوا الطریق، و سار فی أثرهم عسکر دبیس، فالتقوا بهم عند «الصلح» فنهب عسکر أبی الحسن، و هرب أصحابه، و التحق جماعة منهم بعسکر دبیس و أسر أبو الحسن، فلما مثل بین یدی دبیس أمر بتسلیمه إلی الخلیفة.
و یبدو أن ولایة واسط بعد هذه الحادثة أصبحت من ممتلکات دبیس ابن
واسط فی العصر العباسی، ص: 84
صدقة صاحب الحلة، فقد ذکر سبط ابن الجوزی أن وزیر السلطان محمود أشار علی السلطان بمنح دبیس ولایة واسط و البصرة، و مع أن الروایة لا تنص علی موافقة السلطان إلا أنه یظهر من الأحداث السیاسیة التالیة فی هذه الولایة، أن السلطان کان قد وافق علی المشورة التی تقدم بها وزیره إلیه، فقد روی ابن الأثیر أنه فی سنة 516 ه/ 1122 م وجه دبیس جماعة من أصحابه إلی إقطاعهم بواسط، فلما وصل هؤلاء منعهم أهل واسط، فلما بلغ هذا النبأ دبیسا أعدّ جیشا، و أسند قیادته إلی مهلهل بن أبی العسکر، فخرج قاصدا واسط، و کان أهل واسط قد استنجدوا بالأمیر آقسنقر البرسقی فأمدهم بجیش من بغداد، فدارت بین الفریقین معرکة فی 8 رجب من هذه السنة انتهت بهزیمة قوات مزید و أسر قائدهم، و قتل أکثر من ألف منهم.
و قد واصل جیش واسط السیر لمحاربة جیش مزید و الاستیلاء علی ممتلکاته فأوقعوا بهم هزیمة أخری عند «النعمانیة» و استولوا علیها و أقاموا فیها. و فی شعبان سنة 516 ه/ تشرین أول 1122 م أقطع السلطان محمود الأمیر آقسنقر البرسقی مدینة واسط و أعمالها، فسیّر البرسقی إلیها عماد الدین زنکی متقلدا لها فی هذا الشهر و أمره بحمایتها.
عندما أدرک الخلیفة المسترشد باللّه اتساع نفوذ دبیس، و أن الحکم السلجوقی قد تطرق إلیه الضعف من جراء المنازعات التی قامت بین
واسط فی العصر العباسی، ص: 85
السلاطین السلاجقة حول السلطة عزم علی إبعاد السلاجقة عن العراق و الاستئثار بالسلطة، فلما تأکد السلطان محمود من ذلک جهز جیشا فی سنة 520 ه/ 1126 م و سار به قاصدا العراق، فلما بلغ الجانب الشرقی من بغداد، عبر الخلیفة فی عسکره و خواصه إلی الجانب الغربی منها.
و الظاهر أن الخلیفة أراد أن یستفید من عسکر واسط، و أن یحول دون وصول عماد الدین زنکی والی البصرة و واسط من البصرة، فأعد جیشا و أسند قیادته إلی عفیف الخادم و أمره بالمسیر إلی واسط و الاستیلاء علیها و طرد موظفی السلطان منها، فسار عفیف علی رأس جیشه و دخل واسط فی هذه السنة، و أقام فی الجانب الغربی منها. فلما علم السلطان محمود أمر عماد الدین زنکی بالمسیر من البصرة إلی واسط و الاستیلاء علیها، فسار زنکی إلی واسط و أقام فی الجانب الشرقی منها.
أرسل زنکی إلی عفیف الخادم یحذره القتال و یأمره أن ینصرف عن واسط، إلا أن عفیفا أصر علی البقاء و منازلة زنکی، فعبر عسکر زنکی إلیه و دارت معرکة بین الفریقین، حلت فیها الهزیمة بقوات عفیف بعد أن قتل منهم عدد کبیر و أسر آخرون، «و تغافل عماد الدین عن عفیف حتی نجا لمودة کانت بینهما».
واسط فی العصر العباسی، ص: 86
أمر السلطان محمود، عماد الدین زنکی بالمسیر من واسط إلی بغداد لنجدته فجمع عماد الدین عسکرا کبیرا، و سار به فی البر و الماء قاصدا بغداد، فلما وصل بغداد و شاهد الخلیفة قوة العسکر أدرک أن لا قبل له بمقاومة السلاجقة، فاضطر إلی قبول دعوة السلطان فی الصلح و أقام السلطان ببغداد إلی 12 ربیع الآخر سنة 521 ه/ 28 نیسان 1127 م ثم عاد إلی همذان.
انتهز دبیس بن صدقة فرصة النزاع القائم بین أبناء البیت السلجوقی علی السلطة بعد وفاة السلطان محمود، و اضطراب الأوضاع السیاسیة فی العراق من جراء هذا النزاع فسار فی سنة 526 ه/ 1131 م علی رأس جیش إلی واسط، و استولی علیها دون مقاومة و أقام بها، و قد انضم إلیه عسکر واسط و جماعة من الأمراء، و ابن أبی الجبر صاحب البطیحة.
و لما بلغت أنباء دبیس إلی الخلیفة المسترشد باللّه أرسل فی سنة 527 ه/ 1132 م برنقش بازدار، و إقبال المسترشدی علی رأس جیش إلی واسط
واسط فی العصر العباسی، ص: 87
لاسترجاعها من دبیس، فلما التقی الفریقان دارت بینهما معرکة فی البر و الماء هزم فیها دبیس و عسکر واسط و أسر جماعة من الأمراء.
و عندما تولی الخلافة بعد المسترشد باللّه ابنه الراشد باللّه سنة 529 ه/ 1134 م سار علی سیاسة والده التی کانت تهدف إلی التخلص من الحکم السلجوقی، فلما أرسل السلطان مسعود بن السلطان محمد فی سنة 530 ه/ 1135 م برنقش الزکوی إلی بغداد لیطالب الخلیفة بمبلغ من المال مقداره 000، 700 دینار، امتنع الخلیفة عن أداء المبلغ، فاتفق الزکوی مع «بک ابه» شحنة بغداد علی الاستیلاء علی دار الخلافة، فلما علم الخلیفة استعد لصدهم، فدارت بین الفریقین معرکة حامیة انتصر فیها الخلیفة فسار «بک ابه» إلی واسط و استولی علیها.
کاتب الخلیفة الملک داود بن السلطان محمود، فاتفقا علی حرب السلطان مسعود، و اجتمع إلی الخلیفة أمراء الأطراف. و قطعت الخطبة للسلطان مسعود فی العراق و خطب لداود.
واسط فی العصر العباسی، ص: 88
فلما بلغت هذه الأنباء إلی السلطان مسعود أرسل الملک سلجوقشاه علی رأس جیش إلی واسط، فلما دخلها قبض علی «بک أبه» و حبسه، و صادر أمواله ثم أقام بواسط.
فلما علم الخلیفة بذلک عهد إلی عماد الدین زنکی بالمسیر إلی واسط و استرجاعها من الملک سلجوقشاه. فسار زنکی بعساکره إلی واسط، غیر أنه تم عقد الصلح بین الطرفین، و عاد زنکی إلی بغداد.
و یبدو أن سبب موافقة زنکی علی الصلح مع سلجوقشاه هو أنه لما بلغه نبأ مسیر السلطان مسعود إلی بغداد، استقر رأیه علی أن یعود علی الفور إلی بغداد لصدّ السلطان عنها. فقد ذکر ابن الأثیر أن زنکی عاد إلی بغداد «و حثّ علی جمع العساکر للقاء السلطان مسعود».
سار السلطان مسعود بقواته و نزل علی بغداد و حاصرها، و فی هذه الأثناء وصل «طرنطای» صاحب واسط علی رأس جیشه إلی بغداد لمساعدة السلطان مسعود. فلما أیقن الخلیفة أن لا قبل له بمقاومة السلطان ترک بغداد و سار بصحبة عماد الدین زنکی إلی الموصل عندئذ دخل السلطان مسعود بغداد و أقام بها. و عاد أمراء الأطراف کلّ إلی بلده، کما عاد الملک داود إلی بلاده أیضا.
واسط فی العصر العباسی، ص: 89
و الجدیر بالذکر هنا هو أن جیش واسط لعب دورا کبیرا فی تحقیق النصر للسلطان مسعود، و قد أشار إلی ذلک ابن الأثیر بقوله: «و حصرهم السلطان نیفا و خمسین یوما فلم یظفر بهم، فعاد إلی النهروان عازما علی العود إلی همذان، فوصله طرنطای صاحب واسط، و معه سفن کثیرة فعاد إلیها و عبر فیها إلی غربی دجلة و أراد العسکر البغدادی منعه، فسبقهم إلی العبور، و اختلفت کلمتهم، فعاد الملک داود إلی بلاده فی ذی القعدة و تفرق الأمراء».
أما الملک سلجوقشاه فقد خرج من واسط علی رأس عساکره، و سار لمحاربة الملک داود، فالتقی الفریقان عند «تستر» و اشتبکا فی معرکة حامیة، انتهت بهزیمة الملک سلجوقشاه.
إن استمرار النزاع بین أبناء البیت السلجوقی علی السلطة أدی إلی استمرار مشارکة واسط فی الأحداث السیاسیة التی وقعت فی العراق فی هذه الفترة، ففی سنة 535 ه/ 1140 م سار الأمیر جهار دانکی و البقش کون خر من بغداد قاصدین الحلة، فلما منعا منها قصدا واسطا، فلما علم طرنطای المحمودی صاحب واسط خرج علی رأس قواته لملاقاتهما، فدارت معرکة بین الفریقین خارج واسط، هزم فیها طرنطای، فدخل السلاجقة واسط و نهبوها.
سار طرنطای إلی حماد بن أبی الجبر أمیر البطیحة و اتفقا علی حرب السلاجقة ثم انضم إلیهما عسکر البصرة، کما التجأت بعض عساکر جهار
واسط فی العصر العباسی، ص: 90
دانکی و البقش إلی طرنطای عندئذ أدرک السلاجقة أن الموقف أصبح فی غیر صالحهم، فترکوا واسط و ساروا نحو تستر.
و لما أقطع السلطان مسعود فی سنة 542 ه/ 1147 م الحلة إلی الأمیر سلار کرد سار إلیها بعسکره من همذان، و أضیف إلیه جیش من بغداد، و استولی علیها. فذهب أمیر الحلة علی بن دبیس إلی واسط و اتفق مع والیها طرنطای المحمودی علی حرب سلار کرد، فسارا إلی الحلة و استولیا علیها فی ذی الحجة من هذه السنة، و عاد سلار کرد إلی بغداد.
و عندما خرج بعض الأمراء علی طاعة السلطان مسعود فی سنة 543 ه/ 1148 م وقف والی واسط طرنطای المحمودی معهم، فسار هؤلاء إلی بغداد و حاصروها و اشتبک عسکر الخلیفة مرات عدیدة مع عساکرهم، و بعد أن ترددت الرسل بین الأمراء و الخلیفة انسحب هؤلاء عن بغداد.
و فی سنة 544 ه/ 1149 م سار طرنطای المحمودی والی واسط مع
واسط فی العصر العباسی، ص: 91
جماعة من الأمراء إلی بغداد، و طلبوا من الخلیفة المقتفی لأمر اللّه أن تکون الخطبة لملکشاه بن السلطان محمود بدلا من السلطان مسعود. إلا أن الخلیفة رفض طلبهم و استعد لملاقاتهم، ثم أرسل إلی السلطان مسعود یستنجد به، فلما علم هؤلاء الأمراء عادوا منسحبین عن بغداد. أما السلطان مسعود فإنه وصل بغداد فی ذی الحجة من هذه السنة.
لقد أورد کل من ابن الجوزی، و ابن الأثیر روایتین تتعلقان بالظروف التی واجهها طرنطای بعد مجی‌ء السلطان إلی بغداد، فابن الجوزی یذکر أن السلطان رضی عنه، بینما یذکر ابن الأثیر أنه هرب إلی النعمانیة.
إلا أنه من المرجح أن طرنطای کان فی البدایة قد هرب إلی النعمانیة، ثم قدم إلی السلطان ببغداد معتذرا إلیه فرضی عنه.
أراد الخلیفة المقتفی لأمر اللّه بعد وفاة السلطان مسعود سنة 547 ه/ 1152 م أن یتخلص من السیطرة السلجوقیة، فبدأ بفرض سیطرته علی مدن العراق التی کان یتولی أمرها السلاجقة أو نوابهم، فأرسل وزیره عون الدین بن هبیرة فی سنة 547 ه/ 1152 م إلی الحلة فاستولی علیها. ثم
واسط فی العصر العباسی، ص: 92
واصل الوزیر جهوده فی استعادة مدن العراق الأخری من أیدی السلاجقة، فسیر فی هذه السنة جیشا إلی واسط و استولی علیها.
حاول السلطان ملکشاه استعادة نفوذ السلاجقة علی واسط، فأعد جیشا فی هذه السنة و سیره نحو واسط و استولی علیها و طرد عسکر الخلیفة منها. و لما بلغ الخلیفة هذا النبأ خرج بنفسه علی رأس جیش إلی واسط و استولی علیها و طرد منها أمراء السلاجقة ثم قلد الموظفین فیها و عاد إلی بغداد.
حاول السلاطین السلاجقة استعادة نفوذهم علی العراق، فسیر الملک محمد بن السلطان محمود فی سنة 549 ه/ 1154 م جیشا بقیادة مسعود بلال و ترشک و ذلک للاستیلاء علی بغداد، فلما علم الخلیفة المقتفی لأمر اللّه خرج لملاقاتهم فدارت بین الطرفین عدة معارک انتهت بهزیمة جیش السلاجقة. و علی أثر هذه الهزیمة سار مسعود بلال و ترشک إلی واسط و استولیا علیها «و نهبا و خربا» و لما علم الخلیفة أمر وزیره ابن هبیرة بالمسیر إلی واسط و استرجاعها من السلاجقة فسار الوزیر بعساکره قاصدا
واسط فی العصر العباسی، ص: 93
واسط و استولی علیها ثم عاد إلی بغداد.
و علی الرغم من قوة الخلفاء العباسیین و إصرارهم علی التخلص من النفوذ الأجنبی و الهزائم التی ألحقوها بجیوش السلاجقة، نجد أن السلاطین السلاجقة یواصلون محاولاتهم لاستعادة نفوذهم علی العراق، ففی سنة 551 ه/ 1156 م أرسل السلطان محمد بن محمود بن ملکشاه إلی الخلیفة المقتفی لأمر اللّه، یطلب منه أن یخطب له فی العراق، إلا أن الخلیفة لم یستجب لطلبه، فسار السلطان من همذان بعساکر کثیرة و نزل علی بغداد و حاصرها. فاستعد الخلیفة لدفعه عن بغداد، ثم أرسل إلی أمراء الأطراف یأمرهم بالمسیر بعساکرهم إلی بغداد لمساعدته فاستجاب له خطلبرس والی واسط، و سار علی رأس جیشه إلی بغداد، فانتهز «أرغش» والی البصرة فرصة خروج خطلبرس عن واسط و سار نحوها و استولی علیها.
و فی سنة 553 ه/ 1158 م سار ملکشاه ابن السلطان محمود من الأحواز علی رأس جیشه قاصدا واسط فاستولی علیها، و أقام فی الجانب الشرقی منها، و کان عسکره علی «غایة الضر من الجوع و البرد، فنهبوا القری نهبا فاحشا» فلما فتح أهل واسط بثقا علی العسکر غرق منهم عدد کبیر، فاضطر ملکشاه و من سلم من عسکره إلی الرحیل عن واسط و العودة إلی الأحواز.
واسط فی العصر العباسی، ص: 94
و الظاهر أن الخلفاء العباسیین بعد أن تخلصوا من النفوذ الأجنبی انصرفوا لغرض سیطرتهم علی مدن العراق، و التخلص من الولاة الذین کانوا یشکون فی ولائهم لهم، ففی سنة 559 ه/ 1163 م أمر الخلیفة المستنجد باللّه بقتل «منکوبرس» صاحب البصرة، فلما قتل سار صهره «ابن سنکا» إلی البصرة فی سنة 561 ه/ 1165 م و استولی علیها، ثم واصل سیره فی هذه السنة إلی واسط و نهب سوادها، فلما علم «خطلبرس» والی واسط خرج بعساکره لملاقاته، غیر أن ابن سنکا استطاع أن یستمیل إلی جانبه جماعة من الأمراء الذین کانوا مع خطلبرس. فلما تقاتل الفریقان هزم عسکر خطلبرس و قتل «و أخذ ابن سنکا علم خطلبرس فنصبه، فلما رآه أصحابه ظنوه باقیا، فجعلوا یعودون إلیه، و کل من رجع أخذه ابن سنکا فقتله أو أسره».
و فی سنة 562 ه/ 1166 م عاد ابن سنکا فقصد البصرة و استولی علیها، فلما تقدم إلی مطارا خرج إلیه کمشتکین والی البصرة بعساکره للقائه، فاشتبکا فی معرکة حامیة انتهت بهزیمة کمشتکین و ذهابه إلی واسط فلما وصلها اتفق مع ناظرها شرف الدین أبی جعفر بن البلدی، و مقطعها ارغش المسترشدی علی قتال ابن سنکا.
و یبدو أن ابن سنکا بعد أن انتصر علی کمشتکین سار إلی واسط للاستیلاء علیها، فلما بلغه نبأ الاتفاق عدل عن المسیر إلی واسط و عاد إلی البصرة، فقد قال ابن الأثیر بهذا الصدد «و اتصلت الأخبار بأن ابن سنکا
واسط فی العصر العباسی، ص: 95
واصل إلی واسط، فخاف الناس منه خوفا شدیدا، فلم یصل إلیها».
و فی سنة 562 ه/ 1166 م سار شملة الترکمانی صاحب الأحواز علی رأس جیش قاصدا العراق، فأقام بالقرب من النعمانیة. ثم أرسل إلی الخلیفة المستنجد باللّه یطلب منه أن یقطع البصرة و واسط و الحلة إلی أحد أولاد ملکشاه، إلا أن الخلیفة لم یستجب لطلبه. فلما أصر شملة علی موقفه، أرسل الخلیفة العساکر من بغداد إلی أرغش المسترشدی مقطع واسط، و ابن البلدی ناظرها و أمرهما بالمسیر إلیه للقائه، فسارا إلیه و أقاما فی النعمانیة مقابل عسکره.
فلما أرسل شملة ابن أخیه «قلج» لقتال جماعة من الأکراد، تقدم أرغش للقائه، و دارت بین الطرفین معرکة انتهت بهزیمة عسکر «قلج» و أسره، فلما علم شملة تقدم بطلب الصلح، فرفض، فلما أدرک شملة أن لا قبل له علی الاستمرار بالمقاومة عاد إلی بلاده.
لم نجد إشارات إلی أحداث سیاسیة تعرضت لها مدینة واسط حتی سنة 656 ه/ 1258 م، فبعد أن تم فتح بغداد فی هذه السنة من قبل التتر، تقدم قائدهم «بوقاتیمور» إلی الحلة «فاستقبل أهل الحلة الجند … و أقاموا الأفراح ابتهاجا بقدومهم» و لما شاهد القائد إخلاصهم سار نحو واسط و وصلها فی 17 صفر إلا أن أهلها لم یدخلوا فی طاعته، فاستولی علی المدینة بالقوة «و شرع فی القتل و النهب، فقتل ما یقرب من أربعین ألف شخص».
واسط فی العصر العباسی، ص: 96
و من الممکن إرجاع هدوء الحالة السیاسیة بواسط فی هذه الفترة إلی عدة عوامل منها:
1- هدوء الحالة السیاسیة فی العراق فی هذه الفترة، و ذلک بعد أن تخلصت الخلافة من النفوذ السلجوقی کما رأینا سابقا.
2- قوة الخلفاء العباسیین فی هذه الفترة.
3- کانت علاقة الدولة العباسیة بکل من حکام الموصل و سلاجقة الروم و حکام بلاد الشام و مصر، علاقة و دیة، علی عکس ما لاحظناه فی الفترات السابقة.
4- إن ولاة واسط فی هذه الفترة، کان یتم تعیینهم من قبل الخلیفة، و یکونون تابعین له و مسؤولین أمامه.
نستنتج من التفاصیل التی مر ذکرها أن ولایة واسط ظلت تشارک فی الأحداث السیاسیة الهامة التی وقعت فی العراق طیلة العصر العباسی، ففی عصر إمرة الأمراء اتخذت هذه المدینة مرکزا لإدارة العملیات العسکریة ضد البریدیین، ثم تبادلتها الجیوش المتنازعة مرات عدیدة، و أقام بها فی أثناء ذلک بعض حکام البریدیین، و أمراء الأمراء، و لما رجحت کفة البریدیین اتخذها هؤلاء مرکزا لإدارة العملیات العسکریة ضد بغداد.
و فی هذا العصر، انتهز البویهیون فرصة اضطراب الأوضاع السیاسیة
واسط فی العصر العباسی، ص: 97
فی العراق فحاولوا الاستیلاء علی بغداد، فأدی ذلک إلی الاستیلاء علی واسط أربعة مرات قبل دخولهم بغداد سنة 334 ه/ 945 م.
أما فی العصر البویهی فقد أصبحت هذه المدینة مرکزا لإدارة العملیات العسکریة ضد الفتن و الاضطرابات التی کانت تقوم فی منطقة البطائح، و عندما قام النزاع بین أبناء البیت البویهی علی السلطة، تبادلت جیوش الأمراء المتنازعین احتلال هذه المدینة مرات عدیدة، کما أقام بعض الأمراء مع جیوشهم فیها، و کثیرا ما کانت تؤدی هذه الحروب إلی غلاء الأسعار، و وقوع المجاعات فی هذه المدینة. هذا و قد انتفع بعض ولاة واسط من هذه المنازعات، فقد استغلت من قبل البعض منهم فأخذوا یمیلون إلی جانب ضد الجانب الآخر، أما فی العصر السلجوقی، فإن الصراع بین أبناء السلاطین السلاجقة علی السلطنة أدی إلی احتلال واسط مرات عدیدة، و قد تعرضت هذه المدینة و منطقتها للنهب من قبل الجیوش المتنازعة، و قد أقام بعض أبناء البیت السلجوقی بواسط.
و فی أثناء النزاع بین السلاطین السلاجقة و الخلفاء العباسیین وقف ولاة واسط فی أول الأمر مع السلاطین و ذلک لضعف الخلافة من جهة، و خضوع هؤلاء الولاة المباشر للسلاطین من جهة أخری، و قد لعب جند واسط دور مهم فی تحقیق النصر للسلاطین فی هذه المنازعات.
و فی أثناء قوة الخلافة لجأ الخلفاء إلی الاستعانة بولاة واسط للوقوف إلی جانبهم فی نزاعهم مع السلاطین.
و لما حاول کل من أمراء الحلة و البصرة و الأحواز، مد نفوذهم إلی ولایة واسط، تصدی لهم جند هذه الولایة و أهلها، و اشتبکوا معهم فی معارک انتهت معظمها بانتصار الواسطیین، و طرد المعتدین.
و لما هدأت الحالة السیاسیة فی العراق فی العصر العباسی الأخیر نجد أن واسط کانت قد تمتعت بهدوء الحالة السیاسیة أیضا، و ذلک حتی سنة 656 ه/ 1258 م، حیث تعرضت هی الأخری لاعتداء التتر و قتل عدد کبیر من سکانها.
واسط فی العصر العباسی، ص: 99

الفصل الثانی تخطیط مدینة واسط و تطورها العمرانی فی العصر العباسی‌

اشارة

1- التطور العمرانی.
2- تخطیط المدینة:
أ- المحلات.
ب- الشوارع و الدروب و السکک.
ج- الأسواق.
د- المقابر و المشاهد.
ه- السور.
3- المنشآت:
أ- المساجد الجامعة.
ب- دار الإمارة.
ج- المساجد.
د- المدارس.
ه- الربط.
واسط فی العصر العباسی، ص: 101

1- التطور العمرانی‌

أنشئت مدینة واسط سنة 81 ه/ 700 م فی الجانب الغربی من دجلة. و کانت فی الجانب الشرقی من هذا النهر مقابل موقع واسط مدینة ساسانیة قدیمة تدعی «کسکر» و فی العصر الأموی کان الاتصال بین هاتین المدینتین قلیلا. أما فی العصر العباسی فقد ازداد الاتصال بینهما، و اتحدا شیئا فشیئا حتی أصبحا مدینة واحدة اطلق البلدانیون علیها اسم واسط فأصبح الجانب الشرقی من واسط یعرف بالمدینة الشرقیة، و الجانب الغربی منها یعرف بالمدینة الغربیة.
و نظرا لأهمیة واسط الاقتصادیة و العسکریة و الإداریة و العلمیة فی هذا
واسط فی العصر العباسی، ص: 102
العصر فقد قصدها الناس من مدن العراق المختلفة و اتخذوها مسکنا لهم، فزاد عدد سکانها و اتسعت علی جانبی دجلة اتساعا کبیرا، و سوف نری من خلال البحث أن هذه المدینة فی فترة دراستنا کانت قد زخرت بالمساجد الجامعة، و المساجد و المدارس و الربط و المشاهد و الأسواق.
و یبدو أن هذه المدینة ظلت محتفظة بازدهارها العمرانی طیلة العصر العباسی، فالبلدانیون الذین زاروها فی فترات مختلفة أو الذین کتبوا عنها قد لاحظوا هذه الظاهرة و أشاروا إلیها، کما أن امتداد آثارها إلی مسافات کبیرة علی جانبی عقیق الدجیلة فی الوقت الحاضر یدل علی مدی اتساع المدینة عندما کانت قائمة آنذاک.

2- تخطیط المدینة:

أ- المحلات: کانت مدینة واسط تتألف من محلات، و قد وصلت إلینا أسماء بعض هذه المحلات و هی:
1- محلات الجانب الغربی: محلة باب الزاب و کانت تقع فی الجهة الشمالیة من المدینة، و محلة الورّاقین، و محلة الرزّازین. و کان
واسط فی العصر العباسی، ص: 103
موضعها فی الجهة السفلی من المدینة، و محلة الخزاعیین، و محلة بنی دالان. و من المرجح أن کل من محلة الکتبیین، و محلة القراطیسین، کانت تقع فی الجانب الغربی قریبا من محلة الوراقین.
2- محلات الجانب الشرقی: محلة برجونیة، و قد شاهدها یاقوت فی أثناء زیارته لواسط و وصفها بأنها «کانت نزهة ذات أشجار و نخل کثیرة» و أضاف هذا المصدر بأن فیها قبرا یزعمون أنه قبر سعید بن جبیر، و کان فیها دیر للنصاری یسمی (عمر واسط)، و محلة الحزّامین، و یبدو أنها کانت من کبریات محلات واسط فقد قال عنها یاقوت: إنها کانت واسعة کبیرة، و کان فیها مشهد علیه قبة عالیة یزعمون أنه قبر محمد بن إبراهیم بن الحسن بن الحسن بن أبی طالب، و کان فیها قبر آخر یزعمون أنه قبر عزرة ابن هارون بن عمران. و محلة الحوز (حوز برقة) و کانت تقع مقابل المدینة الغربیة، و هی متصلة بمحلة الحزّامین، و محلة سویقة أبی
واسط فی العصر العباسی، ص: 104
عیینة، و محلة دوبنایا، و محلة بابسیر، و یظهر أن هاتین المحلتین کانتا قد احتفظتا باسمهما القدیم.
و بالإضافة إلی ما تقدم فقد جاءت إشارات إلی محلات أخری فی هذه المدینة إلا أننا لم نجد ما یشیر إلی مواضعها من المدینة و هی: محلة الطحانین، و محلة البرجلانیة، و محلة الزیدیة، و محلة قصر الرصاص، و محلة الأنباریین، و محلة الحادرة.
ب- الشوارع و الدروب و السکک: کانت بواسط عند تأسیسها أربعة شوارع رئیسة، تتفرع من أبواب دار الإمارة، کان عرض کل منها ثمانین ذراعا (40) مترا. و أغلب الظن أن هذه الشوارع کانت تؤدی إلی أبواب المدینة المختلفة. و کانت تتشعب من هذه الشوارع دروب وصلت إلینا أسماء البعض منها و هی: درب الخرّازین الذی کان- علی ما یبدو- شارعا عظیما یبتدی‌ء بالقرب من المسجد الجامع ودار الإمارة، و یمتد جنوبا إلی المغرب من الأسواق ثم ینعطف شرقا جنوب الأسواق إلی أن یقترب من
واسط فی العصر العباسی، ص: 105
نهر دجلة و درب الحوض، و درب الخطیب الذی کان یقع بمحلة الطحّانین، و درب الدیوان، و درب الشعرانی، و کان یقع بمحلة الطحّانین، و درب الصاغة، و یظهر أنه کان قریبا من الأسواق بواسط.
و درب منتاب الأعلی، و درب الواسطیین و شارع البصریین.
و قد وصلت إلینا أسماء بعض السکک فی هذه المدینة منها: سکة الأعراب، و سکة محمد بن خالد الذارع، و سکة البرید، و سکة أهل بخاری.
و کان فی المدینة ساحة لسباق الخیل لا نعلم موقعها من المدینة.
ج- الأسواق: خطت الأسواق بواسط علی مقربة من المسجد
واسط فی العصر العباسی، ص: 106
الجامع و دار الإمارة، و کانت تمتد من دار الإمارة التی کانت تقع فی وسط المدینة إلی شاطی‌ء دجلة شرقا، و إلی درب الخرّازین جنوبا.
و قد اهتم الحجاج بتنظیم هذه الأسواق فجعلها أسواق متخصصة، فقد تجمع أصحاب کل حرفة أو مهنة فی سوق واحدة، فکانت أسواق أصحاب الطعام و البزازین و الصیارفة و العطارین تقع عن یمین السوق و تمتد إلی درب الخرازین، و کانت أسواق البقالین، و أصحاب السقط، و أصحاب الفاکهة تقع فی قبلة السوق، و تمتد إلی درب الخرازین. أما أسواق الخرازین، و الروزجاریین و الصناع فقد کانت تقع عن یسار السوق، و تمتد من درب الخرازین و عن یسار السوق إلی دجلة.
و کان للجزارین سوق خاصة بهم، و کذلک للحدادین، و یفهم من کلام ابن الفقیه أن هذین السوقین کانا بعیدین عن الأسواق.
و یری الدکتور عبد العزیز الدوری أن هذا التخصص هو أول تنظیم
واسط فی العصر العباسی، ص: 107
واضح للأسواق و کانت هذه الأسواق قائمة فی النصف الثانی من القرن الرابع الهجری/ العاشر المیلادی.
أما أسواق الجانب الشرقی من واسط فقد وصل إلینا منها اسم سوقین هما: سوق أبی عیینة، و سوق الخشب.
و هناک إشارات إلی أسواق أخری کانت بواسط، إلا أننا لا نعلم موقعها من المدینة، منها: سوق الأنماطیین، و سوق الصیدلة، و سوق الغنم.
د- المقابر و المشاهد: لقد تعددت المقابر بواسط فی هذا العصر.
و الظاهر أنه کان لکل محلة مقبرة خاصة بها، و قد وصلت إلینا أسماء بعض هذه المقابر و هی: مقبرة مسجد زنبور، و مقبرة مسجد قصبة، و مقبرة
واسط فی العصر العباسی، ص: 108
مسجد رحمة، و مقبرة المصلی، و مقبرة سکة الأعراب، و مقبرة رأس درب الحوض، و مقبرة داوردان. کما وصلت إلینا أسماء بعض الترب منها: تربة محلة الرزازین، التی کانت مجاورة لمسجد أسلم بن سهل الرزاز المعروف ببحشل، و تربة الدورقی، و کانت تقع فی الجانب الشرقی من المدینة علی دجلة قریبا من المدرسة الشرابیة، و تربة المصلی، و تربة رأس قبة الماء، و تربة أبی تغلب محمد بن محمد بن عیسی بن جهور.
واسط فی العصر العباسی، ص: 109
و إلی جانب ما تقدم فقد أشارت المصادر إلی وجود مشاهد بواسط منها: مشهد العلویین، الذی کان یقع فی أعلی المدینة. و من المؤکد أن هذا المشهد هو الذی شاهده یاقوت فی أثناء زیارته لواسط، و أشار إلیه بقوله «و بالحزّامین مشهد علیه قبة عالیة یزعمون أن بها قبر محمد بن إبراهیم ابن الحسن بن الحسن بن علی بن أبی طالب». و مشهد داوردان، و مشهد سعید بن جبیر، و کان یقع بمحلة الحزّامین.
ه- السور: بما أن الهدف الرئیس من بناء مدینة واسط کان عسکریا، لذلک فإننا نجد أن الحجاج عندما أنشأ هذه المدینة أمر بأن یحفر لها خندق و أن یبنی لها سور. إلا أنه لیست لدینا أیة معلومات عن عرض هذا السور و ارتفاعه. أما أبوابه فقد وصلت إلینا أسماء ستة منها هی: باب المضمار، باب الزاب، باب القورج، و باب الخلالین، و باب البصرة، و باب الفیل. و من المرجح أن أبواب السور لم تکن تزید عن هذا العدد.
لقد أشارت المصادر إلی وجود سور للجانب الغربی من المدینة فی فترات مختلفة من العصر العباسی، مما یدل علی أن السور ظل قائما فی
واسط فی العصر العباسی، ص: 110
هذا العصر، إلا أنه من المحتمل جدا أن هذا السور کان قد خرب و هدم مرات عدیدة إما بسبب التوسع العمرانی الذی شهدته المدینة فی هذا العصر، أو من جراء المشارکة الفعالة لهذه المدینة فی معظم الأحداث السیاسیة الهامة التی شهدها العراق فی هذا العصر و التی أشرنا إلیها سابقا، مما أدی إلی ترمیمه و تجدیده عدة مرات.
أما الجانب الشرقی من المدینة فإننا لم نجد ما یشیر إلی إنشاء سور حوله.

3- المنشآت:

أ- المساجد الجامعة:

1- جامع الحجاج: و هو أول جامع شید بواسط، شیده الحجاج بن یوسف الثقفی عند بدایة بناء المدینة سنة 81 ه/ 700 م، و کان یقع فی وسط المدینة.
أما شکل الجامع فإنه کان مربعا تقریبا، و ذلک لأن بین أضلاعه الأربع فروقا یسیرة. و کان الجامع ینحرف عن زاویة القبلة بمقدار (34) درجة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 111
و کانت فی الجامع مقصورة، کما کان فیه منبر، و محراب، و منارة، و کان فی صحن الجامع میضأة.
إلا أننا لم نجد أیة معلومات عن وصف هذه الأقسام المهمة من الجامع. و الظاهر أن هذا الجامع ظل قائما عدة أجیال، فقد جاء ذکره عند ابن رسته (کان حیا سنة 290 ه/ 902 م) کما ذکره ابن حوقل الذی زار واسط سنة 358 ه/ 968 م. و لما زار المقدسی واسط فی النصف الثانی من القرن الرابع الهجری/ العاشر المیلادی شاهده و قال عنه أنه کان «عامر بالقرآن» مما یدل علی أن الجامع ظل قائما بعد هذا التاریخ.
و مما تجدر الإشارة إلیه هو أن البنائین بواسط کانوا قد قلدوا زیادة هذا الجامع مدی عشرة قرون فی بناء الجوامع الأخری التی شادوها فوقه.
واسط فی العصر العباسی، ص: 112
إن الحفائر الأثریة التی أجریت بواسط دلت علی أن هذا الجامع کان قد تهدم فی سنة 400 ه/ 1009 م علی الأرجح، و قد شید علی أنقاضه و بقایاه القلیلة جامع جدید فی نفس هذه السنة. و کان هذا الجامع لا یختلف عن الجامع القدیم فی تخطیطه و بلاطاته و أروقته، إلا أن قبلته کانت قد حورت نحو الجنوب بزاویة مقدارها 34 درجة عن قبلة الجامع القدیم و إن مساحته کانت تصغر قلیلا عن مساحة الجامع القدیم.
و یبدو أن هذا الجامع کان قد تهدم قبل سنة 550 ه/ 1155 م فقد ظهر فی أثناء التنقیبات الأثریة أنه فی هذه السنة تقریبا کان قد شید جامع جدید علی بقایا جدران هذا الجامع، و هو لا یختلف عن الجامع الثانی فی شکله و مساحته و تخطیطه و بلاطاته و أروقته.
و هذا هو أول جامع عرف المنقبون عن ریازته الشی‌ء الکثیر، کما أن بقایاه ساعدتهم علی معرفة شکل المساجد الجامعة التی شیدت قبله.
2- جامع موسی بن بغا: ینسب هذا الجامع إلی الأمیر موسی بن بغا
واسط فی العصر العباسی، ص: 113
الترکی، کان یقع فی الجانب الشرقی من المدینة. إن أقدم ما وصلنا عن هذا الجامع ما قدمه ابن رسته (کان حیا سنة 290 ه/ 902 م) فقد ذکر أن واسط «مدینة علی شاطئ دجلة و بالجانبین مسجدان جامعان یعرف أحدهما بمسجد الحجاج و بجانبه قصره، و هو من الجانب الغربی …
و المسجد الجامع فی شرقی دجلة و یعرف بمسجد موسی بن بغا».
و من المحتمل جدا أن هذا الجامع هو الذی شاهده ابن حوقل فی أثناء زیارته لمدینة واسط سنة 358 ه/ 968 م و المقدسی فی أثناء زیارته للمدینة فی النصف الثانی من القرن الرابع الهجری/ العاشر المیلادی.
و یذکر السلفی أن الجامع کان قائما بواسط فی بدایة القرن السادس الهجری و أنه کان قد ساهم فی الحرکة العلمیة فی هذه المدینة، مما یدل علی أنه ظل قائما بعد هذا التاریخ. و من المرجح أن هذا الجامع هو أول جامع شید فی الجانب الشرقی من المدینة لأننا لم نجد ما یشیر إلی بناء جامع قبله.
واسط فی العصر العباسی، ص: 114
3- جامع ابن رقاقا: کان یقع فی الجانب الشرقی من واسط علی دجلة، لم نجد أیة معلومات عن ابن رقاقا هذا الذی نسب إلیه الجامع، کما أننا لم نجد ما یشیر إلی سنة بناء هذا الجامع، إلا أن صاحب کتاب الحوادث الجامعة ذکر أن هذا الجامع کان قد دثر فأمر بتجدیده شرف الدین إقبال الشرابی سنة 632 ه/ 1234 م و قد تولی عمارته أبو حفص عمر بن أبی بکر بن إسحاق الدورقی.
4- جامع المصلی: لم نجد أبة معلومات عن سنة بناء الجامع، إلا أن ابن الدبیثی ذکر فی تاریخه أن أبا الفضل بن العجمی توفی بواسط سنة 511 ه/ 1117 م، و دفن بتربة المصلی، مما یدل علی أن بناء الجامع کان قد تم قبل هذا التاریخ.
أما موقعه من المدینة فإننا لم نجد أیة إشارة لذلک، غیر أننا نرجح أنه کان یقع فی الجانب الغربی من المدینة، فقد جاء فی ترجمة أبی بکر عبد اللّه الباقلانی أنه عندما توفی سنة 593 ه/ 1196 م صلی علیه فی المسجد الجامع بواسط ثم بمصلی العید، و دفن بمقبرة المصلی.
و المؤرخون کانوا یطلقون اسم «المسجد الجامع» علی الجامع الذی کان یقع فی الجانب الغربی من المدینة فقط باعتبار أنه أول جامع شید فی هذه المدینة کما أشرنا سابقا.
واسط فی العصر العباسی، ص: 115
و یظهر أن صلاة العید کانت تقام فی هذا الجامع أیضا.

ب- دار الإمارة:

شیدها الحجاج بن یوسف الثقفی عند بدایة بناء المدینة سنة 81 ه/ 700 م، و کانت تقع بجانب المسجد الجامع، فی الجهة الجنوبیة الغربیة (الجهة القبلیة) و قد اتخذها أمراء واسط فی العصر الأموی سکنا لهم.
و مع أننا لم نجد ما یشیر إلی سکن ولاة واسط فی العصر العباسی فیها، إلا أنه یمکن القول إن هؤلاء الولاة کانوا قد اتخذوها سکنا لهم علی الأرجح و ذلک لملاءمتها من جهة، کما أننا لم نسمع عن بناء دار أخری للولاة فی هذه المدینة من جهة أخری.
و یظهر أن دار الإمارة کانت قد انهدمت مع انهدام جامع الحجاج، فقد أشار إلیها کل من ابن رسته (کان حیا سنة 290 ه/ 902 م) و المسعودی (ت 346 ه/ 957 م) و المقدسی (ت 375 ه/ 985 م) إلا أننا لم نجد أیة إشارة إلیها بعد هذا التاریخ. کما أننا لا نعلم هل أنها جددت بعد هدمها أم لا؟

ج- المساجد:

واسط فی العصر العباسی؛ ص115
إلی جانب المساجد الجامعة، کانت هناک مساجد اختطتها الأفراد فی محلات المدینة لإقامة الصلاة فیها فی الأوقات المختلفة، عدا صلاة الجمعة التی تقام عادة فی المساجد الجامعة، و من هذه المساجد: مسجد
واسط فی العصر العباسی، ص: 116
بدر بن عبد اللّه، و مسجد ابن أبی صالح، و مسجد ابن السقاء، و مسجد رحمة، و مسجد أسلم بن سهل الرزاز الواسطی المعروف ببحشل، و کان موضعه بمحلة الرزازین فی الجانب الغربی فی الجهة السفلی من المدینة، و مسجد زنبور، و مسجد قصبة، و مسجد أبی الحسین عبد اللّه بن أحمد بن شبح، و مسجد درب الواسطیین.
واسط فی العصر العباسی، ص: 117

د- المدارس:

أنشئت بواسط فی فترة دراستنا عدد من المدارس و سوف نتکلم فی الفصل الخامس عن الدور التعلیمی لتلک المدارس، أما فی هذا الفصل فسوف نقصر کلامنا علی موقع هذه المدارس من المدینة.
إن أول مدرسة أشارت المصادر إلی إنشائها بواسط هی مدرسة القاضی أبی علی الحسن بن إبراهیم بن علی الفارقی (ت 528 ه/ 1133 م). و قبل سنة 539 ه/ 1144 م أنشأ الشیخ أبو الفضل علی الواسطی المعروف بابن القاری‌ء مدرسة و فی النصف الأول من القرن السادس الهجری/ الثانی عشر المیلادی انشأ الفقیه أبو الفتح نصر اللّه بن علی بن منصور الواسطی المعروف بابن الکیال مدرسة أیضا.
أما مواقع هذه المدارس من المدینة فإننا لم نقف علی نص یذکر لنا ذلک. و من مدارس واسط، مدرسة خطلبرس والی واسط و قد أمر بإنشائها فی أثناء إقامته فی هذه المدینة (550- 561 ه/ 1155- 1165 م) و کانت تقع فی الجانب الشرقی من المدینة فی الجهة العلیا علی مقربة من دجلة. و مدرسة الفقیه أبی الفضل محمود بن أحمد بن عبد الرحمن الغزنوی (ت 563 ه/ 1167 م) التی کانت تقع بمحلة الوراقین فی الجانب الغربی من المدینة. ثم مدرسة شرف الدولة محمد بن ورام التی کانت
واسط فی العصر العباسی، ص: 118
قائمة قبل سنة 573 ه/ 1177 م. و المدرسة الشرابیة التی تنسب إلی شرف الدین أبی الفضائل إقبال بن عبد اللّه الشرابی (ت 653 ه/ 1255 م) و قد افتتحت سنة 632 ه/ 1234 م و کانت تقع فی الجانب الشرقی من المدینة علی دجلة.

ه- الربط:

و إلی جانب ما تقدم فقد انشئ بواسط عدد من الربط، و صلت إلینا أسماء البعض منها و هی: ربط ابن القاری‌ء التی أسسها الشیخ أبو الفضل علی الواسطی المعروف بابن القاری‌ء القرشی (ت 539 ه/ 1144 م) و ربط الأنصاری التی کانت تنسب إلی مؤسسها الشیخ الزاهد منصور الأنصاری المعروف بالربانی البطائحی (ت سنة 540 ه/ 1145 م) و یبدو أنها کانت متعددة کالتی سبقتها. هذا و قد أنشأ عمر بن إسحاق الدورقی فی سنة 642 ه/ 1244 م رباطین فی الجانب الشرقی من واسط، کان أحدهما یقع بجانب جامع ابن رقاقا، أما الآخر فقد کان علی دجلة قریبا من المدرسة الشرابیة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 119
و من الربط الأخری بواسط رباط قراجة و کان یقع علی دجلة، و رباط ابن الأغلاقی (الآمدی) الذی ینسب إلی مؤسسه الشیخ أبی المفضل محمد بن أحمد بن عبید اللّه الآمدی الواسطی المعروف بابن الأغلاقی (ت 578 ه/ 1182 م). و رباط النوی، و رباط القربتی.
واسط فی العصر العباسی، ص: 121

الفصل الثالث إدارة واسط

اشارة

1- تحدید ولایة واسط.
2- التقسیم الإداری لولایة واسط.
3- علاقة واسط بالسلطة المرکزیة ببغداد.
4- الوظائف الإداریة بواسط:
الوالی، الشرطة، الشحنة، الناظر، المشرف، القضاء، الحسبة، نقابة العباسیین، نقابة الطالبیین.
واسط فی العصر العباسی، ص: 123

1- تحدید ولایة واسط

إن المعلومات التی توفرت لدینا لا تعطینا صورة واضحة عن حدود ولایة واسط فی العصر العباسی، و یرجع ذلک إلی التطورات التی حدثت فی التقسیم الإداری للعراق بصورة عامة، و التقسیم الإداری فی منطقة واسط بصورة خاصة، و إلی عدم استقرار الأوضاع السیاسیة فی هذه المنطقة و ذلک لاتصالها المباشر بإمارة البطیحة، و الإمارة المزیدیة،
واسط فی العصر العباسی، ص: 124
و بغداد و البصرة و الأحواز. مما أدی إلی أن تمر حدودها بفترات من التقلص و التوسع و ذلک تبعا للتبدلات الإداریة التی حدثت فی المنطقة، و یمکن ملاحظة ذلک من المعلومات المتباینة التی قدمها البلدانیون عن مدن هذه المنطقة، فالإصطخری (ت 346 ه/ 957 م) یعد الطیب و قرقوب و نهر تیری من أعمال الأحواز. أما المقدسی (ت 375 ه/ 985 م) فقد عدها من مدن واسط. و جعل کل من ابن رستة (کان حیا سنة 290 ه/ 902 م) و قدامة (ت 337 ه/ 948 م) و یاقوت (ت 626 ه/ 1228 م) نهر تیری من أعمال الأحواز. و یعد ابن رستة مدینة «قطر» من مدن واسط، و لکن یفهم من کلام یاقوت أنها کانت فی أیامه من مدن البطائح.
أما یاقوت فإن منطقة واسط عنده کانت تمتد إلی جهة غربیة أکثر، فهو یقول: «و أول أعمال واسط من شرقی دجلة فم الصلح، و من الجانب الغربی زرفامیة و آخر أعمالها من ناحیة الجنوب البطائح، و عرضها الخیثمیة المتصلة بأعمال باروسما، و عرضها من ناحیة الجانب الشرقی عند أعمال الطیب».
واسط فی العصر العباسی، ص: 125
و قال فی مکان آخر إن زرفامیة قریة کبیرة من نواحی قوسان و هی نواحی الزاب الأعلی الذی بین واسط و بغداد و هی الآن خراب لیس إلا آثارها.
یتبین من هذین النصین أن هناک تناقضا فی کلام یاقوت، فمرة یجعل زرفامیة من أعمال واسط، و مرة یجعلها من أعمال قوسان. فمن المحتمل جدا أن المعلومات التی جاءت فی النص الأول هی ناقصة، و أن النص الکامل هو «عند زرفامیة» لأنه لا توجد أیة إشارة أو دلیل علی أن أعمال واسط شملت هذه المنطقة. ثم إن کلامه عن البطائح و الطیب غیر واضح، فهل أن البطائح و الطیب من واسط أم لا؟ کما أننا لم نجد عنده ما یوضح موقع الخیثمیة مما یدل علی أنها کانت مندثرة فی زمنه، و یرجع سبب هذا التناقض و عدم الوضوح فی کلامه- علی ما نظن- إلی أنه اعتمد فی معلوماته هذه علی جغرافیین سابقین له کانوا غیر دقیقین فی وصفهم لهذه المنطقة.
یتضح مما تقدم أن حدود منطقة واسط فی فترة دراستنا لم تکن ثابتة، بل تبدلت مرات عدیدة، و أن کلام هؤلاء البلدانیین عنها کان ینطبق علی أحوال الزمن الذی عاشوا فیه، و أن ما جاء عند المقدسی و یاقوت یبین أوسع ما وصلت إلیه حدود ولایة واسط خلال هذه الفترة.
و سنحاول إعطاء صورة لحدود ولایة واسط معتمدین علی ما جاء فی النصوص التی تقدم ذکرها و علی النصوص التی وردت فی التقسیم الإداری لمنطقة الولایة متبعین فی ذلک مواضع المدن التی تشکل الحدود الخارجیة للمنطقة، فالولایة یحدها خط یبدأ من مدینة نهر سابس ثم یسیر شمالا إلی ماذرایا ثم یسیر شرقا إلی الطیب ثم إلی قرقوب ثم یتجه وجهة جنوبیة إلی نهر تیری، و بعد ذلک یسیر غربا- بعد أن یدور حول بطائح واسط - إلی
واسط فی العصر العباسی، ص: 126
القطر ثم البطائح ثم یتجه وجهة شمالیة إلی نهر سابس.

2- التقسیم الإداری لولایة واسط:

اشارة

إن جبایة الأموال کانت تتطلب تقسیم العراق إلی وحدات إداریة، فعندما فتح العرب العراق اتبعوا فی إدارتهم المالیة له التقسیمات الإداریة القدیمة التی کانت فی عهد الساسانیین، فکان العراق مقسما إلی عدة إستانات یتکون کل منها من عدة طساسیج، و کانت کورة کسکر التی تشمل منطقة واسط تسمی کورة إستان شاذ سابور، و تتکون من أربعة طساسیج هی: طسوج الزندورد، و طسوج الثرثور، و طسوج الإستان، و طسوج الجوازر.
و یبدو أن العرب کانوا قد أدخلوا تعدیلات مهمة علی هذه الکورة، فقد ذکر یاقوت أن «کسکر کورة واسعة … و قصبتها الیوم واسط، القصبة
واسط فی العصر العباسی، ص: 127
التی بین الکوفة و البصرة، و کانت قصبتها قبل أن یمصر الحجاج واسطا خسروسابور، و یقال إن حد کورة کسکر من الجانب الشرقی فی آخر سقی النهروان إلی أن تصب دجلة فی البحر کله من کسکر، فتدخل فیه علی هذا البصرة و نواحیها. و من مشهور نواحیها المبارک، و عبدسی، و المذار، و نغیا، و میسان، و دست میسان، و آجام البرید، فلما مصرت العرب الأمصار فرقتها».
و ربما جری هذا التفریق عند بناء مدینة واسط التی کان لها منذ إنشائها أهمیة إداریة و سیاسیة و اقتصادیة کبیرة. و هذا یقتضی أنها کانت مرکزا للإشراف علی إدارة المنطقة التی کانت حولها، و أن العرب اتبعوا فی تحدید المنطقة التابعة لها الأحوال التی أملتها الظروف الإداریة، و لذلک لم یکن ینتظر منهم أن یطبقوا حرفیا التقسیمات الساسانیة القدیمة.
و یبدو أن العباسیین کانوا قد أدخلوا تعدیلات علی الإدارة فی العراق، و أن واسط فقدت أهمیتها الإداریة فی العصر العباسی الأول، فقد تردد فی المصادر ذکر لولاة و موظفین کانوا بکسکر فی القرن الثانی و الثالث الهجری. و تردد کذلک ذکر کورة کسکر فی قوائم جبایة أموال الدولة العباسیة فی هذه الفترة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 128
و الظاهر أن العباسیین کانوا قد أدخلوا تعدیلات علی الإدارة المالیة فی منطقة واسط، فإننا نجد إشارات إلی ضمان واسط و کسکر تتردد فی المصادر منذ الربع الأخیر من القرن الثالث الهجری.
و جاء فی قائمة علی بن عیسی وزیر المقتدر الذی أعدها سنة 306 ه/ 918 م لضبط میزانیة الدولة باب لجبایة الصلح و المبارک، و باب لضمان واسط، و لم یرد ذکر لکسکر.
یفهم مما تقدم أن العباسیین اتبعوا فی إدارتهم لمنطقة واسط تقسیمات إداریة متعددة، و أن هذه التقسیمات ظلت متبعة فی هذه المنطقة خلال الثلاثة القرون الأولی. إلا أن هذه التقسیمات کانت قد ألغیت و حلّ محلها تقسیمات إداریة جدیدة فی زمن لا نستطیع تحدیده بدقة، غیر أنها کانت مطبقة فی زمن المقدسی (ت 375 ه/ 985 م) الذی یقول بهذا الصدد عن العراق: «و قد جعلناه ست کور و ناحیة و کانت الکور فی القدیم غیر هذه إلا حلوان، و لکننا أبدا نجری الأمر علی ما علیه الناس، و أدخلنا الکور القدیمة و القصبات فی الأجناد، و اسم هذه الکورة و القصبات واحد:
فأولها من قبل دیار العرب الکوفة ثم البصرة ثم واسط ثم بغداد ثم حلوان ثم سامراء».
و مما لا شک فیه أن التطورات الکبیرة التی حدثت فی أحوال الریف
واسط فی العصر العباسی، ص: 129
العراقی فی العصور الإسلامیة کانت تستلزم إعادة النظر فی التقسیمات القدیمة لکی تلائم هذه التطورات. و أن التقسیمات الجدیدة کانت قد أخذت بنظر الاعتبار المراکز الحضاریة الإسلامیة الجدیدة التی أخذت تلعب دورا مهما فی الحیاة آنذاک.
یظهر مما جاء فی المصادر أن ولایة واسط فی فترة دراستنا کانت مقسمة إلی خمسة مناطق إداریة یقال لها: «أعمال»، و تضم کل منطقة منها مجموعة من المدن و القری. و هذه الأعمال هی: أعمال الصلح، و أعمال واسط، و أعمال الصینیة، و أعمال الغراف، و أعمال الشرطة.
و مما تجدر الإشارة إلیه هو أن هذه التقسیمات علی الأرجح لم تکن ثابتة طیلة هذه الفترة، و إنما جرت علیها تغییرات، إما بسبب التغییرات التی جرت علی نظام الأراضی و جبایة الضرائب فی هذه المنطقة، أو بسبب تعرض مراکز الاستیطان إلی تبدلات کثیرة، فالأرض مستویة و رخوة و خالیة
واسط فی العصر العباسی، ص: 130
من الصخور مما یؤدی إلی تبدل مجاری الأنهار باستمرار، أما مشاریع الری فإنها کانت بدائیة، کما قضت علی معظمها الحروب و الاضطرابات التی قامت فی هذه المنطقة، مما أدی إلی انغمار الأراضی بمیاه الفیضانات، و تکوین الأهوار و المستنقعات. ثم إن کثرة الأملاح فی تربتها و قلة وجود مبازل لأنهارها، أدی إلی إضعاف إنتاجیتها، فیقدم المزارعون علی ترک أراضیهم مدفوعین بکل العوامل السابقة أو بعضها فتندثر الأنهار و تخرب القری. لذا فسوف أتکلم هنا عن المراکز الإداریة و الأقسام التابعة لها التی تردد ذکرها فی المصادر فی فترة دراستنا، مما یدل علی وجودها فی هذه الفترة.
أما عن أخبار عمال هذه المراکز الإداریة و الموظفین الآخرین فیها و العلاقة بینهم و بین ولاة واسط و کبار الوظفین فیها، و العلاقة بینهم و بین موظفی المدن و النواحی و القری التابعة لهم، فإنها غامضة لأننا لم نجد ما یشیر إلیها، عدا أسماء بعضهم أشارت إلیهم بعض المصادر کما سنری من خلال البحث، و لا بدّ أن سلطات هؤلاء کانت محدودة، و أنهم کانوا یرتبطون بوالی واسط و کبار الموظفین فیها و یکونون مسؤولین أمامهم. أما الأعمال و المدن و القری التی کانت تابعة لها فهی ابتداء من الشمال إلی الجنوب کما یأتی:

أعمال الصلح:

مرکزها مدینة «الصلح» التی کانت تقع إلی الشمال من مدینة واسط
واسط فی العصر العباسی، ص: 131
علی بعد سبعة فراسخ منها علی نهر «فم الصلح» فی الجانب الشرقی من دجلة، و قد وصف ابن رستة هذه المدینة فقال: «إنها مدینة علی شرقی دجلة و بها مسجد جامع و أسواق». و یبدو أن أهمیتها ازدادت فی العصر العباسی فقد أشارت المصادر إلی أسماء بعض ولاتها فی القرن الرابع الهجری/ العاشر المیلادی. کما أصبح لها کورة تسمی باسمها.
أما القری التی کانت ترتبط بها إداریا، و التی کانت تقع بالقرب منها فهی:
ماذرایا، و فامیة، و دوران، و درینیا. و یبدو أن هناک مدنا و نواحی و قری کثیرة کانت ترتبط بهذه المدینة إداریا، إلا أن المصادر أمسکت عن ذکرها فقد ذکر الأصبهانی أن «الصلح نهر کبیر … علیه نواح کثیرة و قد علا النهر فآلت تلک المعاملات إلی الخراب» غیر أن المصادر لا تبین متی حدث ذلک الاندثار.
واسط فی العصر العباسی، ص: 132

أعمال واسط:

و کان لمدینة واسط بعض القری المرتبطة بها إداریا و تقع بالقرب منها مثل: الأفشولیة، و الأرحاء، و ساسی، و نغوبا، و کراجک، و أبو قریش، و الزبیدیة، صریفین (قریة عبد اللّه)، و میمون.
واسط فی العصر العباسی، ص: 133

أعمال الصینیة:

و یبدو أن مدینة الصینیة التی کانت تقع جنوب مدینة واسط، شرق دجلة کانت مرکزا إداریا فی هذه الفترة، فقد ذکر السلفی أن أبا المفضل هبة اللّه بن عبد اللّه بن محمد بن علی بن شلمة کان قاضیا للصینیة و أعمالها، و أشارت المصادر إلی قضاة آخرین کانوا قد تقلدوا القضاء فی هذه المدینة، و یذکر یاقوت أنه کان بها مسجد جامع، و قد جاء فی المصادر ذکر لبعض المدن و القری التی کانت تقع بالقرب من الصینیة منها: الهرث، و الفاروث، و أبو النجم، و العاصمیة (برحدا).
و لا بد أن هذه المدن و القری کانت مرتبطة بها إداریا.

أعمال الغراف:

مرکزها مدینة الغراف التی کانت تقع علی نهر الغراف جنوب واسط فی الجانب الغربی من دجلة. و قد تردد ذکر هذا النهر فی حوادث القرن السادس الهجری/ الثانی عشر المیلادی مما یدل علی أنه حفر فی هذا القرن أو قبله، و قد أشارت المصادر إلی ولاة
واسط فی العصر العباسی، ص: 134
(أمراء) و قضاة، حکموا فی الغراف مما یدل علی أنها کانت مرکزا إداریا فی هذه الفترة.
لم یصلنا من أسماء الأماکن التی کانت مرتبطة بالغراف إداریا سوی قریة «برزة»، غیر أن یاقوت یذکر أنه کان علی هذا النهر قری کثیرة.

أعمال الشّرطة:

یذکر یاقوت أن الشّرطة کورة کبیرة من أعمال واسط تقع بین واسط و البصرة من قراها «عقر السدن».
و من المراکز الإداریة الأخری فی منطقة واسط هی «نهر سابس»، التی کانت قصبة نهر الزاب الأسفل قرب واسط. و کانت قریة «تلهوار» قصبة نهر الفضل، و کانت «الرصافة» قصبة نهر المیمون. و قد
واسط فی العصر العباسی، ص: 135
أشارت المصادر إلی عدد من القری التی کانت تقع بالقرب من الرصافة منها: الرمل، و الهنایس، قس هثا، جیذا، و الشدیدیة.
و یذکر المقدسی أن من مدن واسط: «فم الصلح، نهر سابس، درمکان، قراقبة، سیادة، باذبین، السکر، الطیب، قرقوب، قریة الرمل، نهر تیری، لهبان، البسامیة، أودسه» و یقول، فی أثناء کلامه عن محطات الطریق بین بغداد و واسط: « … ثم إلی نهر سابس مرحلة ثم إلی مطاره بریدین، ثم إلی الحارلة مثلها، ثم إلی الإسحاقیة مرحلة ثم إلی المحراقة بریدین، ثم إلی الحدادیة مثلها، ثم إلی ترمانة مرحلة، ثم إلی واسط مرحلة، و إن شئت فخذ من الحدادیة إلی الزبیدیة مرحلة، ثم إلی واسط بریدین».
لقد اقتصر المقدسی علی تعداد هذه الأماکن دون الإشارة إلی أصنافها الإداریة، و الراجح أن الأماکن التی جاء ذکرها فی النص الثانی
واسط فی العصر العباسی، ص: 136
کانت قری، لأنه لم یذکرها عندما عدد مدن واسط فی النص الأول، و أنها کانت مرتبطة بالمراکز الإداریة التی تکلمنا عنها من قبل. أما المدن التی جاء ذکرها فی النص الأول، فإنها کانت مراکز، إداریة ترتبط بها القری و النواحی التی کانت تقع بالقرب منها.
و کانت «الهمامیة» من أعمال واسط فیها «رئیس»، و قاض و عمال، و کان فی قریة الهرث قاض، و مقطع، و عمال. مما یدل علی أن کلّا من الهمامیة و الهرث کان مرکزا إداریا.
و کان فی کل من قریة عبد اللّه، و الجازرة، و ساقیة سلیمان، قاض، و من المحتمل أن هذه الأماکن کانت مراکز إداریة فیها موظفون آخرون إلی جانب القضاة، غیر أن المصادر لا تذکرهم، لأن المصادر تهتمّ
واسط فی العصر العباسی، ص: 137
عادة بالمراکز الإداریة الرئیسیة.
و إضافة إلی ما تقدم فقد جاء فی المصادر ذکر لعدد من المدن و القری کانت فی منطقة واسط فی هذه الفترة، إلا أننا لم نجد ما یشیر إلی أصنافها الإداریة، أو أنها کانت مرتبطة بمراکز إداریة و هی: هاروت، جابان، و الفاخرانیة، و المحدث، و دندنة، و الشیخ، و جاذر، و خسروسابور، و فم الدیل، و أم عبیدة، و الإسکندریة،
واسط فی العصر العباسی، ص: 138
و کاکس، و فریث، و شلمغان، و الفراتیة، و بلدة نهر دقلی، و ماهنوس، و دبیثا، و شافیا، و دیر العمال، و نهر أبان، بسما جورجس و بستان، و الحوانیت.

3- علاقة واسط بالسلطة المرکزیة ببغداد:

لقد أصبحت مدینة واسط منذ إنشائها سنة 81 ه/ 700 م مرکزا للإشراف علی إدارة العراق و المشرق، و قد احتفظت بأهمیتها الإداریة هذه حتی سقوط الدولة الأمویة سنة 132 ه/ 749 م.
واسط فی العصر العباسی، ص: 139
و عندما أنشئت عاصمة الخلافة بغداد سنة 149 ه/ 766 م أصبحت مدینة واسط تابعة لبغداد من الناحیة الإداریة، و قد ظلت واسط تتبع بغداد إداریا طیلة العصر العباسی خلا بعض الفترات، علما بأن هناک مدنا فی العراق و الجزیرة قد استقلت عن بغداد مثل الموصل، و تکریت، و أربیل، و حدیثة، و الحلة، و الأحواز.
و مما لا شک فیه أن أهمیة واسط الاقتصادیة و العسکریة هی التی أدت إلی اهتمام العباسیین، و من ثم البویهیین، و السلاجقة بها، کما أن سلطات الولاة المالیة و العسکریة فی هذه المدینة کانت محدودة لا تساعدهم علی الاستقلال عن بغداد.

4- الوظائف الإداریة بواسط:

اشارة

الوالی: لقد أشارت المصادر إلی ولاة واسط فی الفترة (132- 324 ه/ 749- 935 م) إلا أن هذه المصادر لم تزودنا بأیة معلومات عن کیفیة اختیار هؤلاء الولاة و تعیینهم. أما عمل هؤلاء الولاة فکان یقتصر علی قیادة جیش الولایة و حفظ الأمن و النظام فیها.
واسط فی العصر العباسی، ص: 140
أما فی عصر إمرة الأمراء (324- 334 ه/ 935- 945 م) فقد کان أمیر الأمراء هو الذی یعین ولاة واسط.
و لما استولی البویهیون علی بغداد سنة 334 ه/ 945 م أصبح أمراء بنی بویه هم الذین یعینون ولاة واسط، و کان الوالی فی هذا العصر یتولی الحرب و الخراج.
و مما تجدر الإشارة إلیه هو أن المعلومات عن ولاة واسط فی هذا العصر قلیلة و غیر مستمرة. و سبب ذلک- علی ما نظن- یرجع إلی اضطراب الحیاة السیاسیة فی العراق من جراء النزاع القائم بین أمراء البیت البویهی، فقد أشارت المصادر إلی أن مدینة واسط کانت قد تعرضت للاحتلال مرات عدیدة من قبل الأمراء المتنازعین، فتعرض عدد من ولاة هذه المدینة إلی العزل من قبل هؤلاء الأمراء و ذلک من جراء مشارکتهم فی الصراع القائم بین الأمراء، ثم إن بعض الأمراء البویهیین أقاموا بواسط و اتخذوها مرکزا لإدارتهم للعراق.
واسط فی العصر العباسی، ص: 141
و یظهر أن بعض ولاة واسط فی هذا العصر کانوا قد تمتعوا بصلاحیات واسعة، فالعزیز أبو منصور خسرو فیروز بن جلال الدولة (420- 435 ه/ 1029- 1043 م) کان یلقب «بالملک». و یذکر ابن الفوطی أن هذا الوالی اتخذ له وزیرا هو معز الأمة أبو الفضل بن الطیب الفارسی الکاتب و قرر ألقابه «عمدة الملک، و ناصر الدولة، و معزّ الأمة».
و یبدو أن هناک ولاة آخرین اتخذوا لهم وزراء أیضا، فقد ذکر ابن حمدون أن أبا علی بن أبی الریان کان فی سنة 388 ه/ 998 م وزیرا بواسط، إلا أن هذه المصادر لم تزودنا بأیة معلومات عن واجباتهم، و لکن یمکن القول إنه نظرا لکثرة الفتن و الاضطرابات فی منطقة واسط فی هذا العصر، و أهمیة هذه المنطقة الاقتصادیة فمن المحتمل جدا أن هؤلاء کانوا مساعدین للولاة، یقومون بتقدیم النصح و المشورة لهم و الإشراف علی الأمور المالیة، و یشترکون فی الحروب التی کانت تحدث فی هذه المنطقة.
و لم نعد نسمع عن هذا المنصب بواسط بعد هذا العصر مما یدل علی إلغائه فی العصور التالیة. و کان إلی جانب الوالی قوة من الجیش
واسط فی العصر العباسی، ص: 142
و ذلک لحمایة الولایة، و حفظ النظام فیها یتولی أمرها عدد من الأمراء.
و لما دخل السلاجقة بغداد سنة 447 ه/ 1055 م اتخذوا فی إدارة ولایة واسط نظام الإقطاع الحربی الذی انتشر فی هذا العصر کأسلوب من أسالیب التنظیم الإداری و المالی، فکان السلاطین السلاجقة یقطعون ولایة واسط لبعض الأشخاص الذین کان أغلبهم من قواد الجند، و یکون «المقطع» مسؤول عن الإدارة و حفظ الأمن و النظام فی الولایة و أن یدفع إلی خزانة السلطان مبلغا من المال سنویا، و أن یقدم المساعدات العسکریة إلی السلطان وقت الحاجة، فعندما أمر السلطان محمود فی سنة 520 ه/ 1126 م عماد الدین زنکی بالمسیر من واسط إلی بغداد لنجدته، جمع عماد الدین عسکرا کبیرا و سار به فی البر و الماء قاصدا بغداد، فلما وصل بغداد أدرک الخلیفة المسترشد باللّه أن لا قبل له بمقاومة السلاجقة، فاضطر إلی قبول دعوة السلطان فی الصلح.
واسط فی العصر العباسی، ص: 143
و بعد زوال النفوذ السلجوقی و استقلال الخلافة سنة 552 ه/ 1157 م، أصبح الخلیفة هو الذی یعین ولاة واسط. و یبدو أن الخلفاء العباسیین فی هذا العصر کانوا قد أبقوا کثیرا من مظاهر الحکم و الإدارة التی کانت مطبقة فی العصر السلجوقی، ففی بدایة هذا العصر تشیر المصادر إلی أن الخلفاء العباسیین أخذوا بنظام الإقطاع الحربی فی إدارة واسط، فاقطع الخلفاء هذه الولایة إلی کبار الأمراء الممالیک الذین نشأوا فی قصور دار الخلافة ببغداد و قد ترتب علی هؤلاء المقطعین واجبات مالیة و عسکریة، فقد ذکر ابن الأثیر أنه فی سنة 551 ه/ 1156 م أرسل السلطان السلجوقی محمد بن محمود بن ملکشاه إلی الخلیفة المقتفی لأمر اللّه یطلب منه أن یخطب له فی العراق، إلا أن الخلیفة لم یستجب له، عندئذ سار السلطان من همذان بعساکر کثیرة و نزل علی بغداد و حاصرها، فاستعد الخلیفة لدفعه عن بغداد، ثم أرسل إلی أمراء الأطراف فأمرهم
واسط فی العصر العباسی، ص: 144
بالمسیر بعساکرهم إلی بغداد لمساعدته فاستجاب له خطلبرس مقطع واسط و سار علی رأس جیشه إلی بغداد.
و قد أقام بعض هؤلاء المقطعین ببغداد، و کان المقطع یبعث من قبله شخصا ینوب عنه فی الولایة، فالأمیر آل تنبه الشطرنجی مقطع واسط کان یقیم ببغداد فی أثناء ولایته و ینوب عنه بواسط، جمال الدین بن الحصین.
و فی أواخر هذا العصر أوردت المصادر وظیفة الوالی باسم «الصدر» الذی یبدو أنه کان مسؤولا عن الناحیة الإداریة و المالیة، فقد ذکر ابن الفوطی أنه فی سنة 647 ه/ 1249 م رتب کمال الدین أبو عبد اللّه محمد بن حسین بن أحمد الفخری صدرا بواسط و عین مشرفا علی شمس الدین علی بن الشاطر الذی کان ناظرا بواسط.
و یظهر أنه کانت هناک تقالید و مراسیم تتبع عند تعیین الصدر، فقد ذکر ابن الفوطی أنه عندما رتب کمال الدین أبو عبد اللّه الفخری صدرا بواسط قلّد سیفا محلّی بالذهب، و ذکر ابن الساعی أن أبا المیامن علی ابن أحمد بن أمسینا خلع علیه بواسط خلعة نفذت له من الدیوان العزیز.
واسط فی العصر العباسی، ص: 145

الشرطة:

ظل جهاز الشرطة قائما بواسط منذ تأسیسها سنة 81 ه/ 700 م حتی نهایة العصر البویهی سنة 447 ه/ 1055 م، و کان علی رأس هذا الجهاز موظف له أهمیة کبیرة فی الإدارة یسمی «صاحب الشرطة»، و هذه الوظیفة هی أقرب ما تکون إلی وظیفة مدیر شرطة المحافظة فی الوقت الحاضر، و کان یتم اختیاره و تعیینه من قبل الأمیر البویهی.
أما واجبات هذا الجهاز الإداری فهی: استتباب الأمن و حفظ النظام و مراقبة المفسدین و القبض علی الجناة، و تنفیذ أحکام القضاة و المحتسبین و الإشراف علی السجون و حمایة الوالی.
و یبدو أنه نظرا لاضطراب الحیاة السیاسیة فی العصر البویهی، و ذلک من جراء الصراع القائم بین أمراء البیت البویهی، فالراجح أن صاحب الشرطة بواسط کان یشارک فی الدفاع عن المدینة فی أثناء الحروب، فقد ذکر مسکویه أنه عندما خرج روزبهان بن ونداذ خرشید الدیلمی علی طاعة معز الدولة فی سنة 345 ه/ 956 م سار معز الدولة إلی واسط، و قلّد «الأبزاعجی» علی الشرطة فیها ثم أمر سبکتکین الحاجب بالذهاب إلی بغداد لضبطها.
و عندما تقدم عضد الدولة من فارس للاستیلاء علی العراق سنة 366 ه/ 976 م، خرج الأمیر البویهی بختیار و وزیره محمد بن بقیّة إلی واسط
واسط فی العصر العباسی، ص: 146
قاصدین الأحواز لملاقاته، أمر ابن بقیّة بقتل «ابن العروقی» صاحب الشرطة بواسط لعدم الاطمئنان إلیه.
إن معلوماتنا عن الشرطة بواسط فی الفترة التاریخیة التی نحن بصدد دراستها قلیلة، حیث إننا لا نعلم شیئا عن تنظیمهم أو عددهم أو ما یدفع لهم من رواتب، و أغلب الظن أن سبب ذلک یرجع إلی أن هذه المدینة اتخذت فی هذه الفترة مرکزا لتجمع الجیوش العباسیة و البویهیة، و ذلک للقضاء علی الفتن و الاضطرابات التی کانت تحدث فی البطائح و البصرة و المشرق، فلا بدّ أن مسؤولیة حفظ النظام و إشاعة الاستقرار أصبحت مشترکة بین الجیش و الشرطة و إن لم تشر المصادر إلی ذلک صراحة، فتقلص نفوذ الشرطة فی هذه المدینة و أصبح دورهم ثانویا. ثم إنه نظرا لکثرة الأحداث السیاسیة فی هذه المدینة فی هذا العصر نجد أن المؤرخین اهتموا بتدوین هذه الأحداث، مما أدی إلی طغیان أخبارها علی أخبار الجوانب الإداریة.

الشحنة:

عندما دخل السلاجقة بغداد سنة 447 ه/ 1055 م استحدثوا فی مدن العراق المختلفة وظیفة جدیدة کان یسمی القائم بها شحنة. و یظهر أن
واسط فی العصر العباسی، ص: 147
هذه الوظیفة کانت قد حلت محل وظیفة صاحب الشرطة بواسط، فبینما کان لهذه المدینة صاحب للشرطة قبل العصر السلجوقی، فإننا لم نعد نسمع بمثل هذه الوظیفة فی هذا العصر مما یدل علی إلغائها.
و لأهمیة هذه الوظیفة فقد کان السلاطین السلاجقة و شحن بغداد یختارون شحنة واسط من الأمراء السلاجقة الذین کانوا یتصفون بالشجاعة و المقدرة العسکریة و الإداریة.
و یبدو أن الشحنة بواسط کان یقوم بالواجبات التی کان یقوم بها صاحب الشرطة نفسها، فقد عهد إلیه حفظ الأمن و إشاعة الاستقرار و مراقبة المفسدین و القبض علی الجناة، کما کان علیه أن یقوم بحفظ الأمن و مراقبة اللصوص و قطاع الطرق و ملاحقة المفسدین فی منطقة واسط.
و مما تجدر الإشارة إلیه هو أن هذه الوظیفة ظلت بواسط بعد زوال النفوذ السلجوقی و استقلال الخلافة، و کان الخلیفة هو الذی یعین الشحنة فی هذه المدینة، و کان الغالبیة العظمی منهم من کبار الأمراء الممالیک.
واسط فی العصر العباسی، ص: 148

الناظر:

إن هذه الوظیفة، علی ما یبدو، کانت قد استحدثت بواسط فی العصر البویهی، لأننا لم نجد ما یشیر إلیها فی هذه المدینة قبل هذا العصر. و الناظر کان الموظف المسؤول عن تنظیم واردات ولایة واسط و نفقاتها، و کان اختیار الناظر و تعیینه یتمّ من قبل الأمیر البویهی، فقد ذکر أبو شجاع أنه فی سنة 388 ه/ 998 م عهد بهاء الدولة بهذا المنصب بواسط إلی أبی علی بن إسماعیل.
و نظرا لأهمیة هذه الوظیفة من الناحیة المالیة فقد تقلدها أشخاص کانوا من أهل الخبرة فی الشؤون المالیة فقد ذکر ابن الفوطی، أن کمال الدین أبا عبد اللّه محمد بن الحسین بن أحمد الفخری ناظر واسط، کان «کاتبا ضابطا حاسبا»، و أن مجد الدین أبا محمد أحمد بن یحیی الطباخ الواسطی ناظر واسط، کان «عالما بالحسبانات و المعاملات و المقاسات».
و قد تقلّد هذه الوظیفة بعض الأشخاص من أهل واسط کانوا من بیوتات اشتهرت بالکتابة و الرئاسة، و تولی الأعمال الدیوانیة منهم أبو الأزهر محمد بن محمد بن أحمد الکاتب (ت 561 ه/ 1165 م)، و أبو
واسط فی العصر العباسی، ص: 149
الحسن علی بن إبراهیم بن عبد الکریم بن الأنباری الواسطی.
و مع أن صاحب هذه الوظیفة موظف مالی إلا أنه بسبب التداخل الموجود فی عمل الموظفین فی الدولة العباسیة، فقد کان یعهد إلی الناظر أحیانا إضافة إلی وظیفته مهمة الإشراف علی الإدارة فی هذه الولایة، کما تولی بعضهم النظارة و الأشراف.
و کان للناظر نواب، و معه موظفون یسمون العمال، و کتّاب یساعدونه فی أعماله. و یظهر أنه کانت هناک تقالید و رسوم تتبع عند تعیین الناظر، فقد ذکر ابن الساعی أنه عندما عین أبو الفضل بن النمس ناظرا بواسط سنة 603 ه/ 1206 م خلع علیه فی الدیوان العزیز ثم توجه إلی واسط. و یذکر صاحب کتاب الحوادث الجامعة أنه عندما عین محمد بن یحیی البصری ناظرا بواسط سنة 643 ه/ 1245 م أرسلت إلیه خلعة من بغداد.
و مما تجدر الإشارة إلیه أن هذه الوظیفة ظلت قائمة بواسط حتی نهایة العصر العباسی، و أن الخلیفة فی العصر العباسی الأخیر هو الذی کان یعین الناظر.
واسط فی العصر العباسی، ص: 150

المشرف:

إن وظیفة المشرف کانت قد استحدثت بواسط فی العصر السلجوقی، لأنه لم یرد ما یشیر إلی وجودها قبل هذا العصر، و الراجح أن تعمیم الإقطاع فی هذا العصر هو الذی أدّی إلی استحداث هذه الوظیفة المالیة، و کان لهذه الوظیفة دیوان یرأسه موظف یعرف بالمشرف. و من خلال الإشارات التی وصلتنا عن هذا الدیوان یمکن القول إن رئیس هذا الدیوان کان یراقب أعمال الناظر و یشرف علیها. و هذه الوظیفة أشبه ما تکون بوظیفة المدقق أو المفتش المالی فی الوقت الحاضر.
و نظرا لکون وظیفة هذا الدیوان هی مکملة لوظیفة الناظر فقد جمع الدیوانان أحیانا لشخص واحد کما أشرنا سابقا. کما نجد إشارات إلی قضاة بواسط تولوا هذا الدیوان إضافة إلی منصب القضاء، فقد ذکر ابن الساعی أنه فی سنة 596 ه/ 1199 م تولی أبو المحاسن عبد اللطیف بن نصر اللّه بن علی المعروف بابن الکیال الواسطی قضاء واسط و الأشراف بدیوانها. و یذکر ابن الدبیثی أنه فی سنة 604 ه/ 1207 م أضیف إلی أبی الفضائل علی ابن یوسف بن أحمد الواسطی قاضی واسط الأشراف بأعمال واسط.

القضاء:

کان الخلیفة العباسی فی القرون الأولی هو الذی یعین قضاة واسط
واسط فی العصر العباسی، ص: 151
و یعزلهم، و منذ النصف الأول من القرن الرابع الهجری/ العاشر المیلادی تشیر الأخبار إلی أن تعیین قضاة واسط و عزلهم کان یتمّ من قبل قاضی القضاة ببغداد، فقد ذکر ابن الجوزی أن قاضی القضاة عمر بن محمد بن یوسف قلد فی سنة 322 ه/ 933 م أبا طاهر محمد بن أحمد بن عبد اللّه الذهلی القضاء بواسط.
و یبدو أن طریقة التعیین هذه لم تتبع طیلة العصور العباسیة المتأخرة، و إنما اتبعت فی معظم فتراتها. فقد جاء فی المصادر أن قاضی القضاة کان یستأذن الوزیر عند ترتیب القاضی بواسط، فصاحب کتاب الحوادث الجامعة یذکر أنه عندما قلد قاضی القضاة عبد الرحمن بن مقبل الواسطی فی سنة 629 ه/ 1231 م أحمد بن عنتر الهمامی القضاء بواسط، أمر الوزیر مؤید الدین القمی بعزل القاضی، لأن قاضی القضاة لم یستأذنه فی ترتیبه، ثم شفع به إلی الوزیر فتقدم إلی قاضی بإعادته فأعاده إلی منصبه، و هذا یدل علی أن سلطة تعیینهم أصبحت بید الوزیر بعد أن کانت بید قاضی القضاة. و من المرجح أن طریقة التعیین هذه اقتصرت علی الفترة التی
واسط فی العصر العباسی، ص: 152
أصبح فیها الوزراء أو نوابهم هم الذین یعینون قاضی القضاة.
و تشیر الأخبار أیضا أن قاضی القضاة کان یقترح أسماء قضاة واسط ثم تقدم إلی صاحب الدیوان للموافقة علی تعیینهم و أن بعض الخلفاء فی العصر العباسی الأخیر قلدوا قضاة بواسط.
و جاء فی المصادر أن بعض القضاة تقلدوا القضاء ببغداد و واسط و مدن و أماکن أخری، فقد ذکر الخطیب أنه عندما ولی المطیع الخلافة سنة 334 ه/ 945 م قلّد أبا الحسن محمد بن الحسن بن أبی الشوارب قضاء الشرقیة و الحرمین و الیمن و سر من رأی و قطعة من أعمال السواد و بعض أعمال الشام و سقی الفرات و واسط. و یذکر ابن الدبیثی أن قاضی القضاة أبا الحسن علی بن محمد الدامغانی قلد ابنه محمدا فی سنة 502 ه/ 1108 م قضاء الجانب الغربی من مدینة السلام و واسط و غیر ذلک. و أن قاضی القضاة أبا الحسن علی بن أحمد بن علی الدامغانی قلد أخاه أبا محمد الحسن بن أحمد بن علی الدامغانی القضاء بربع الکرخ فی الجانب الغربی سنة 546 ه/ 1151 م، ثم أضاف إلیه فی سنة 552 ه/ 1157 م واسط و أعمالها.
واسط فی العصر العباسی، ص: 153
و بما أن القاضی لا یستطیع النظر فی أمر جمیع المدن و الأماکن التی کان یتولاها فقد کان یستخلف شخصا یقوم بالقضاء بواسط نیابة عنه إلا أن المصادر لا تذکر کیف کان یتمّ تقلید هؤلاء القضاة، فهل کان یتمّ تعیینهم بتخویل شخصی من القاضی الأصیل أم من الخلیفة أو قاضی القضاة؟ و لکن نظرا لأهمیة هذا المنصب الدینی فالراجح أن تعیین نائب القاضی بواسط کان یتم بتخویل شخصی من القاضی الأصیل بعد أخذ موافقة الخلیفة أو قاضی القضاة علی تعیینه.
و مع أن الفقهاء یرون أن نائب القاضی لا یحکم، و إنما یسمع البینة من الخصوم ثم یسمع الشهود، و یکتب الإقرار و یرفع ذلک إلی القاضی الأصیل لیحکم بموجبه، و الراجح أن هذا الإجراء یکون ببغداد لأن نائب القاضی یکون قریبا من القاضی الأصیل، إلا أنه لا ینطبق علی نائب القاضی بواسط لبعد المسافة و صعوبة المواصلات آنذاک.
لم نجد فی المصادر ما یشیر إلی وجود أکثر من قاض واحد بواسط حتی أواخر القرن الرابع الهجری/ العاشر المیلادی، فقد ذکر ابن الجوزی أن القاضی أبا تغلب عبید اللّه بن أحمد بن جعفر (ت 410 ه/ 1019 م) کان نائبا عن القاضی أبی خازم محمد بن الحسن الواسطی فی الجانب
واسط فی العصر العباسی، ص: 154
الشرقی من واسط، و لا شک أن سبب ذلک یرجع إلی اتساع رقعة المدینة و کثرة عدد سکانها فی هذه الفترة، مما أدّی إلی تقسیم قضائها إلی منطقتین، غیر أننا لا نستطیع تحدید السنة التی حدث فیها هذا التغییر فی إدارة القضاء بواسط. و الراجح أن هذا الإجراء الإداری ظلّ قائما بواسط طیلة العهد العباسی، لأن هذه المدینة ظلت محتفظة بسعة رقعتها و ازدهارها الاقتصادی و الاجتماعی طیلة هذه الفترة کما ذکرنا من قبل.
و یظهر أن عمل بعض قضاة واسط کان یشمل مدن ولایة واسط أیضا فقد ذکر ابن الجوزی أنه فی سنة 390 ه/ 999 م ولی أبو خازم محمد بن الحسن الواسطی القضاء بواسط و أعمالها و فی سنة 485 ه/ 1092 م ولی أبو علی الحسن بن إبراهیم الفارقی القضاء بواسط و أعمالها.
و یذکر ابن الدبیثی أنه فی سنة 552 ه/ 1157 م قلّد قاضی القضاة أبو الحسن علی بن أحمد الدامغانی أخاه أبا محمد الحسن بن أحمد بن علی قضاء واسط و أعمالها، و غیر هؤلاء.
و بما أن قاضی واسط لا یستطیع النظر فی أمر جمیع مدن واسط، فلا بدّ أن قضاة مدن واسط الذین تردد ذکرهم فی المصادر، کانوا یقومون بأعمالهم نیابة عن قاضی واسط و یکونون مسؤولین أمامه. إلا أن
واسط فی العصر العباسی، ص: 155
المصادر لا تذکر کیف کان یتم ترتیب هؤلاء القضاة، هل کان بتخویل شخصی من قاضی واسط دون حاجة إلی تأیید قاضی القضاة ببغداد؟ أم أن ترتیبهم کان یتمّ بعد استشارة قاضی القضاة و تأییده؟ إلا أننا نرجح الحالة الثانیة، نظرا لأهمیة منصب القضاء آنذاک.
أما عمل القضاة بواسط، فقد کان بعد أن یتمّ اختیار قاضی واسط و تقلیده یصدر ببغداد عهد مکتوب من الخلیفة أو قاضی القضاة، تحدّد فیه صلاحیات القاضی و واجباته و یخلع، علیه فقد ذکر ابن الجوزی أنه فی سنة 390 ه/ 999 م قلد أبو خازم محمد بن الحسن الواسطی القضاء بواسط و أعمالها و قری‌ء عهده بالموکب بدار الخلافة، و یذکر صاحب کتاب الحوادث الجامعة أنه فی سنة 629 ه/ 1231 م قلد أحمد بن عنتر الهمامی قضاء واسط من قبل قاضی القضاة و خلع علیه، و خرج و البسملة بین یدیه إلا أن هذه العهود لم تصل إلینا مما أدّی إلی عدم معرفة الصلاحیات التی عهدت إلی هؤلاء القضاة و واجباتهم، و لکن یظهر من الإشارات التی جاءت فی المصادر أن عمل القضاة هو الفصل بین الخصوم و النظر فی المسائل الشرعیة کالزواج و الطلاق و المواریث و شؤون الیتامی و الأرامل و المعاملات فی الأسواق. و استیفاء الحقوق و اختیار الشهود و عزلهم و النظر فی …
واسط فی العصر العباسی، ص: 156
الوقف و تعیین قضاة مدن ولایة واسط کما ذکرنا من قبل.
و إضافة إلی ما تقدم فقد أشارت المصادر إلی أن بعض القضاة کان یعهد إلیه تولی الحسبة بواسط. و تولی بعضهم الإشراف علی الأوقاف، و الإشراف علی الدیوان إضافة إلی القضاء.
أما مجلس القضاء فقد کان یضمّ بالإضافة إلی القاضی، الأعوان و الحاجب و الکاتب و الشهود العدول و الوکلاء.
کانت مهمة الأعوان إحضار الخصوم إلی مجلس القضاء و المحافظة علی الهدوء و النظام فی أثناء المرافعات، و قد وجدت هذه الوظیفة بواسط منذ العصر العباسی الأول، و لا بدّ أنها استمرت فی هذه المدینة لأنه لا یمکن للقاضی أن ینظر فی دعاوی الخصوم و یستکمل الإشراف علی مجلس القضاء بدونهم.
و کانت مهمة الحاجب هی الحفاظ علی الهدوء فی مجلس القضاء، فکان لا یسمح بالدخول إلی مجلس القضاء إلا للخصوم و الوکلاء و حسب ترتیب حضورهم، و قد اشترط الفقهاء فی الحاجب العدالة و العفة و الأمانة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 157
أما الکاتب فقد کان یدوّن أقوال الخصوم و الشهود، و قرار الحکم الذی یصدره القاضی و اشترط الفقهاء فی الکاتب أن یکون «مسلما ورعا لأن الکتابة من جنس القضاء فیشترط فی الکاتب ما یشترط فی القاضی» و أن یکون مکانه قریبا من القاضی «حیث یراه کی لا یخدع فی الرشوة فیزید فی ألفاظ الشهادة أو ینقص».
أما الشهود العدول فقد کان یختارهم القاضی للشهادة فی مجلس القضاء، و کان یشترط بالعدل أن یکون مسلما بالغا عاقلا عالما بما یشهد. لذلک فقد کان القضاة بواسط یختارون هؤلاء العدول من بین الفقهاء و القراء و رجال الحدیث، و کان لا یصبح الرجل معدلا إلا
واسط فی العصر العباسی، ص: 158
بتزکیة اثنین من الشهود العدول أمام القاضی.
و الجدیر بالذکر أن العدالة أصبحت صفة لبعض البیوتات بواسط و ذلک لکثرة من تولاها من أبنائها. کما تولی بعض المعدلین منصب القضاء فی هذه المدینة.
أما الوکیل فهو الذی یعرف الیوم بالمحامی، و کان یتولی مهمة المرافعة أمام القاضی وکالة عن موکله لقاء مبلغ معین من المال. فیذکر ابن الدبیثی أن عبد العزیز بن الحسین الواسطی کان وکیلا بباب القضاة بواسط. و أن أبا محمد رضوان بن محمد بن علی الصانع کان وکیلا بباب القاضی أبی محمد الحسن بن أحمد الدامغانی. و غیرهم.
أما مجلس القضاء فقد کان یعقد فی المسجد الجامع. لم نجد أیة إشارة عن دیوان القضاء بمدینة واسط، و لکن یمکن القول إنه لا بدّ أن یکون هناک مکان مخصص لدائرة القاضی، و ذلک لحفظ سجلاته و وثائقه فیه کما کان علیه الحال فی مدینة بغداد.
أما عن أرزاق القضاة و الأعوان، و الکتّاب فإننا لم نجد أیة معلومات عنها فی الفترة التی ندرسها، إلا أنه یمکن القول إن أرزاق هؤلاء زیدت
واسط فی العصر العباسی، ص: 159
عما کانت علیه فی العصر العباسی الأول.
أما المذاهب الفقهیة لقضاة هذه المدینة فقد کانت مختلفة، فکان منهم:
الشافعی و الحنفی و المالکی و الحنبلی، و لم نجد ما یشیر إلی وجود قاض شیعی. إلا أن أغلب القضاة فی هذه الفترة کانوا من أصحاب المذهب الشافعی، و ربما سبب ذلک یرجع إلی أن الغالبیة العظمی من سکان هذه المدینة هم ممن ینتمون إلی هذا المذهب کما سنری فیما بعد.
و ختاما للبحث لا بدّ من الإشارة إلی أن بعض البیوتات بواسط کان قد تولی منها عدّة قضاة فی هذه المدینة، منها: بیت القاضی أبی تغلب محمد بن محمد بن عیسی بن جهور الواسطی (کان حیا سنة 485 ه/
واسط فی العصر العباسی، ص: 160
1092 م)، فقد ذکر ابن الدبیثی فی ترجمة أحد أبناء هذا البیت أنه من بیت معروف «بالعدالة و القضاء و الفضل و الرئاسة» و بیت القاضی أبی العباس أحمد بن بختیار بن علی المندائی الواسطی (ت 552 ه/ 1157 م)، الذی جاء عنه أنه من بیت معروف «بالقضاء و العدالة و العلم و الروایة»، و بیت القاضی أبی الفضل عبد الرحیم بن القاضی نصر اللّه بن علی بن منصور بن الکیال الواسطی (کان قاضیا بواسط سنة 598 ه/ 1201 م) الذی ذکر ابن الفوطی فی ترجمته أنه «من بیت القضاء» بواسط، کما أن عددا من القضاة کانوا قد تقلدوا القضاء بعد آبائهم.

الحسبة:

عرفت هذه المؤسسة الإداریة بواسط منذ العصر الأموی، و کان المحتسب مسؤولا عن تحدید و جمع ضریبة الأسواق و مراقبة الصیارفة و الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر.
أما فی فترة دراستنا فإن المصادر المتیسرة لدینا أشارت إلی بعض الشخصیات التی تولت هذا المنصب فی هذه المدینة، مما یدل علی
واسط فی العصر العباسی، ص: 161
استمرار هذه المؤسسة الإداریة، إلا أن هذه المصادر لم تمدنا بأیة معلومات عن واجبات المحتسب. و لکن یمکن القول إنه ظهرت فی المجتمع الإسلامی کتب تناولت الحسبة بصورة مفصلة فبحثت فی شروط المحتسب و واجباته و أعوانه. و الراجح أن واجبات المحتسب فی المدن التی ألفت فیها هذه الکتب لا تختلف بصورة أساسیة عن واجباته فی مدینة واسط و ذلک لأن واجبات المحتسب کانت متشابهة إلی حدّ کبیر فی کل جزء من أجزاء المجتمع الإسلامی.
لقد أشارت کتب الحسبة هذه أن من واجبات المحتسب تفقد أحوال أهل السوق و مراقبة الموازین و المکاییل و المقاییس، نظرا لتعددها فی الأقلیم الإسلامیة، و ذلک للتأکد من صحتها و مراقبة أصحاب الحرف و الأصناف و أرباب الصنائع و الحیلولة دون وقوع الغش أو التدلیس فی المبیعات. و کان علیه مراقبة عمل الدلالین فی الأسواق و «یقرّ منهم الأمناء و یمنع الخونة».
و یلزم المحتسب الخبازین بنظافة أفرانهم و ملاحظة أوزان الخبز
واسط فی العصر العباسی، ص: 162
و نظافته. و یمنع الجزارین من إخراج اللحوم خارج حوانیتهم لئلا تلاصق ثیاب الناس، و یأمرهم ألا یخلطوا لحوم الماعز بلحوم الضأن، کما کان یلزم الصیادلة بعدم غش الدواء.
و کان علی المحتسب أن یقوم بملاحظة سعة و نظافة الأسواق و الطرق للحیلولة دون مضایقة المارة فیها. و یأمر أصحاب المبانی المتداعیة بهدمها و ملاحظة نظافة المساجد «و منع الناس من الاجتماع فیها لغیر الصلاة و مراقبة المعلمین و منعهم من ضرب الأطفال ضربا مبرحا.
إن کثرة مسؤولیات المحتسب جعلته یتخذ من أهل کل صنعة عریفا یکون مشهورا بالثقة و الأمانة، خبیرا بصناعتهم، بصیرا بغشهم و تدلیسهم، یشرف علی أحوال أهل صنعته و یوصل أخبارهم إلی المحتسب، و عهد إلیه أیضا أن یشرف علی البضائع الواردة إلی السوق و یوصل أخبارها و أسعارها إلی المحتسب.
و إضافة إلی هؤلاء کان المحتسب یتخذ له أعوانا یساعدونه فی أداء
واسط فی العصر العباسی، ص: 163
مهمته. کان یجری تهذیبهم و تعلیمهم علی واجباتهم تحت إشرافه.
لم أجد فی المصادر ما یشیر إلی من کان یقوم بتعیین المحتسب فی هذه المدینة، إلا أننا نجد إشارات إلی أن هذه الوظیفة کانت تعهد إلی بعض القضاة فی هذه المدینة، فقد ذکر ابن الدبیثی أن القاضی أبا الأزهر علی بن أحمد بن محمد بن علی الکتانی کان محتسبا بواسط، و أن ابنه القاضی أبا طالب محمد بن علی الکتانی کان محتسبا أیضا و من المحتمل جدّا أن هذه الوظیفة کانت تعهد إلی القاضی فی أثناء تعیینه بمنصب القضاء.
لم نجد أیة إشارة عن دائرة المحتسب بواسط، و لکن لا بدّ أنه کانت هناک دائرة خاصة به و ذلک لحفظ سجله الذی ربما کان یسجل به، أصحاب الحوانیت و أصحاب الحرف و غیرهم فی المدینة و یضع فیها عدته کما کان علیه الحال ببغداد.
واسط فی العصر العباسی؛ ص163

نقابة العباسیین:

کان للعباسیین نقیب بواسط یعین من «أجلهم بیتا و أکثرهم و أجزلهم رأیا»، کان یتولی النظر فی أمور العباسیین فی هذه المدینة و یبدو أن
واسط فی العصر العباسی، ص: 164
نقیب العباسیین بواسط کانت تعهد إلیه الخطابة و الصلاة فی المسجد الجامع، فقد ذکر ابن الساعی أنه فی سنة 602 ه/ 1205 م قلد أبو محمد الحسن بن محمد الرشیدی نقابة العباسیین و الخطابة و الصلاة بواسط علی عادة أسلافه فی ذلک.
کان تعیین نقیب العباسیین بواسط یتمّ بعهد یصدر من الخلیفة ببغداد، ثم یخلع علیه خلعة النقابة فی دار الوزارة، و یقرأ هذا العهد بالمسجد الجامع بواسط.
و یظهر أن بعض البیوتات العباسیة بواسط تولی منها عدة نقباء فی هذه المدینة منها بیت الشریف أبی هاشم إسماعیل بن المؤمل بن الحسین العباسی الرشیدی الواسطی، فقد ورد فی ترجمته أنه من «بیت الخطابة و النقابة بواسط».

نقابة الطالبیین‌

إن أقدم إشارة وصلتنا عن نقابة الطالبیین بواسط جاءت عند ابن الجوزی، فقد ذکر أنه فی سنة 369 ه/ 979 م قلد أبو الحسن علی بن أحمد ابن إسحاق العلوی نقابة الطالبیین ببغداد و واسط. و یبدو أنه استناب أبا علی الجوانی (کان حیا قبل سنة 372 ه/ 982 م) فقد ذکر
واسط فی العصر العباسی، ص: 165
القفطی فی ترجمته أنه کان علی نقابة الطالبیین بواسط. و کان تعیین نقیب الطالبیین بواسط یتم بعهد یصدر من الخلیفة ببغداد.
و یتبین لنا من العهد الذی أصدره الخلیفة القائم بأمر اللّه لتقلید نقیب الطالبیین بواسط یحیی بن ثابت بن حازم الرفاعی أن مسؤولیات النقیب هی رئاسة الطالبیین فی هذه المدینة، و الحکم فی النزاع بینهم، و النظر فی کافة شؤونهم. کما عهد إلی نقیب الطالبیین بواسط إزالة الفتن الطائفیة التی کانت تقع بین السنة و الشیعة فی هذه المدینة.
و یظهر أن أبناء عائلة یحیی بن ثابت الرفاعی کانوا قد توالوا علی نقابة الطالبیین بواسط حتی القرن السادس الهجری/ الثانی عشر المیلادی فقد ذکر ابن الساعی أنه فی سنة 519 ه/ 1125 م کان أبو الحسن علی بن عبد الرحیم الرفاعی نقیبا للطالبیین بواسط.
و یبدو أنه فی القرون المتأخرة أصبح نقیب الطالبیین ببغداد هو الذی یختار نقیب الطالبیین بواسط، فقد ذکر ابن الفوطی أنه فی سنة 652 ه/ 1254 م تولی مجد الدین أبو الغنائم هبة اللّه بن خمیس بن علی بن النفیس العلوی الواسطی نقابة الطالبیین بواسط، و کان قد رتبه إسماعیل بن الحسن ابن المختار و کتب له عهده من إنشاء عز الدین أبی الفضل ابن الوزیر مؤید الدین العلقمی.
واسط فی العصر العباسی، ص: 167

الفصل الرابع الحیاة الاجتماعیة

اشارة

1- عناصر السکان:
أ- العرب.
ب- الفرس.
ج- الأتراک.
د- الدیلم.
ه- النبط.
و- عناصر أخری.
3- طبقات المجتمع:
أ- الطبقة الخاصة.
ب- الطبقة المتوسطة.
ج- الطبقة العامة.
2 2- الطوائف الدینیة:
أ- المسلمون.
ب- أهل الذمة.
1- النصاری.
2- الیهود.
3- الصابئة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 169

عناصر السکان‌

أ- العرب:

لقد أنشئت مدینة واسط فی الأصل لسکنی الجند الشامی فی العراق ففی بدایة إنشائها سکنتها القبائل و العشائر العربیة التی رافقت الحجاج بن یوسف الثقفی فی أثناء قدومه العراق. کما سکنتها جماعة من القبائل العربیة فی العراق. ثم قدم قسم من أهل الحجاز إلی هذه المدینة و سکنوا فیها. و مع أن المصادر لا تشیر إلی التنظیم الاجتماعی الذی کان قائما بواسط فی هذه الفترة، إلا أنه یمکن القول بأن المجتمع بواسط کان یتکون من تجمع عدد من القبائل مع موالیها فإن نظام العشائر کان أساسا للتنظیم الاجتماعی فی هذه المدینة کما کان علیه الحال فی الکوفة …
واسط فی العصر العباسی، ص: 170
و البصرة فی هذه الفترة.
أما فی فترة دراستنا فقد سکن واسط جماعة من العباسیین. کما سکنها جماعات من العلویین. و تشیر المصادر إلی وجود عدد من الأسر العربیة بواسط.
و علی ما یبدو فإن نفوذ العرب کان قد ضعف بواسط فی هذه الفترة فلم نعد نسمع أنه کان لهم دور واضح فی الحوادث السیاسیة التی وقعت بواسط و منطقتها طیلة العصر العباسی. و من الممکن إرجاع ذلک إلی عدة أسباب منها:
1- إن اختلاط العرب بغیرهم من العناصر الأخری التی استوطنت هذه المدینة و تفاعل هذه العناصر بعضها مع البعض الآخر عن طریق التزاوج فیما بینها، و التعاون فی المجالات التجاریة و الصناعیة و الزراعیة، و اختلاط عاداتهم و تقالیدهم أدی إلی إضعاف الروابط القبلیة التی کانت قائمة بین العنصر العربی فی السابق، فنتج عن ذلک اختفاء الشعور بتفوق هذا العنصر علی بقیة العناصر الأخری فی هذه المدینة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 171
2- إن الدین الإسلامی یدعو إلی الأخوة و المساواة بین المسلمین بصرف النظر عن أصلهم أو جنسهم، فأدی ذلک إلی إیجاد روابط جدیدة تربط بین معتنقیه، مما أثر علی نظرة الناس الاجتماعیة فی هذه المدینة، و قد زخر المجتمع الواسطی بعدد من العلماء و القراء و المحدثین و الفقهاء و الزهاد و المتصوفة الذین کانوا من مختلف العناصر، و قد صار هؤلاء طبقة اجتماعیة کان لها أثر کبیر فی الحیاة الاجتماعیة بواسط.
3- إن العرب فی هذه الفترة کان قد ضعف شأنهم و فقدوا کثیرا من امتیازاتهم، کما تسلط الأتراک و البویهیون و السلاجقة، و أصبحوا هم أصحاب السیادة و النفوذ فی العراق، مما أدی إلی انصراف العرب إلی الاشتغال بالتجارة و المهن الحرة، و اشتغل بعضهم بالعلوم الدینیة و تولی قسم منهم وظائف دینیة کالقضاء و النقابة و الخطابة و إمامة المساجد.
واسط فی العصر العباسی، ص: 172
أما أماکنهم من المدینة فالراجح أنهم ظلوا فی خططهم القدیمة فی الجانب الغربی من واسط.
و من الجدیر بالذکر هنا هو أن المصادر کانت قد أشارت إلی وجود عدد من القبائل العربیة فی العراق فی القرن الرابع الهجری/ العاشر المیلادی و ما بعده إلا أننا لم نجد ما یشیر إلی وجود قبائل عربیة استوطنت منطقة واسط فی هذه الفترة، و لعل سبب ذلک هو أن نظام الأراضی فی هذه المنطقة کان قائما علی الإقطاع المدنی و العسکری.
فکانت هذه القبائل تتحاشی الاصطدام مع المقطعین فی هذه المنطقة.

ب- الفرس:

سکن الفرس بواسط منذ العصر الأموی و من الممکن أن نرجع وجود هذا العنصر فی هذه المدینة إلی عدة عوامل منها:
1- الانتصارات العظیمة التی سجلتها الجیوش العربیة الإسلامیة فی المشرق بعد بناء واسط سنة 81 ه/ 700 م و التی أدت بمقاتلة هذه المدینة أن یغنموا عددا من الأسری.
واسط فی العصر العباسی، ص: 173
و مع أنه لیست لدینا أخبار واضحة عن هؤلاء الأسری و لکن الراجح أنهم کانوا قد استخدموا للخدمة فی بیوت المقاتلة أو العمل فی الصناعة و التجارة و الزراعة فی هذه المدینة.
و من المحتمل أن کثیرا منهم کانوا یقطنون فی خطط عشائرهم، فهم من الناحیة الإداریة و الاجتماعیة مرتبطون بالعشیرة کما کان علیه التنظیم الاجتماعی الذی کان قائما فی البصرة و یظهر أن عددا من هؤلاء الأسری کان قد أسلم و تعلم اللغة العربیة فقد جاء ما یشیر إلی وجود عدد من المحدثین بواسط کانوا من الموالی.
واسط فی العصر العباسی، ص: 174
2- إن الفرس کانوا یعیشون فی منطقة واسط قبل تمصرها فلا بد أن عددا منهم قد جذبتهم حیاة المدینة فانتقلوا إلیها و استقروا فیها، و ربما جاء بعضهم من الکوفة و البصرة و ذلک للاستفادة من ظروف المدینة الجدیدة التی أصبحت لها أهمیة إداریة و سیاسیة و اقتصادیة منذ إنشائها، بینما نجد أن هاتین المدینتین فقدتا مرکزهما الإداری و تضاءلت أهمیتهما منذ أن أنشئت مدینة واسط.
3- إن مدینة کسکر التی أصبحت فیما بعد تکون الجانب الشرقی من واسط هی مدینة فارسیة قدیمة کان یسکنها الفرس.
و قد وردت آخر إشارة إلی الفرس بواسط عند الیعقوبی و هو من أهل القرن الثالث الهجری/ التاسع المیلادی فقد ذکر أن سکان هذه المدینة فی زمنه کانوا من العرب و العجم و من کان من الدهاقین فمنزله فی المدینة الشرقیة، و لا شک أن هؤلاء هم أحفاد الموالی بواسط و من بقی بمدینة کسکر من الفرس، و لا بد أنهم کونوا نسبة کبیرة من سکان الجانب الشرقی، لأن کسکر مدینة فارسیة قدیمة کما ذکرنا. أما الموالی منهم فإن محلات سکناهم ظلت علی الأکثر فی الجانب الغربی مع خطط عشائرهم لکی یکونوا قریبین من الأسواق التی یزاولون فیها صناعاتهم و حرفهم.
أما فی فترة دراستنا فإننا لم نجد أیة معلومات عنهم و قد یرجع هذا إلی اندماجهم بالعناصر الأخری و إلی طغیان أخبار الدیلم و الأتراک الذین استوطنوا هذه المدینة فی هذه الفترة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 175
لم نجد ما یشیر إلی أنه کان للفرس دور سیاسی بواسط أو منطقتها، و لعل سبب ذلک یرجع إلی قلة عددهم من جهة، و تسلط الأتراک و الدیلم و السلاجقة علی واسط من جهة أخری، مما أدی إلی ضعف شأنهم.
أما معلوماتنا عن تأثیر الفرس فی المجتمع الواسطی فهی قلیلة و غیر واضحة، بحیث لا تمکننا من تحدید أو توضیح دورهم بدقة، إلا أننا نجد إشارات إلی بعض المظاهر الاجتماعیة بواسط ذات تأثیرات فارسیة، و ربما کانت من تأثیر عناصر أخری أیضا کمجالس الغناء و الشراب و عادة اللهو و المجون وحب الغلمان و التولع بهم. کما نجد إشارات إلی ألبسة فارسیة الأصل کالسراویل و القلانس و الجوارب
واسط فی العصر العباسی، ص: 176
و إشارات إلی لعبة النرد.
و لا بد أن سکان هذه المدینة کانوا یشارکون الفرس بالاحتفال بعیدی النوروز و المهرجان اللذین هما من الأعیاد الفارسیة کما کان علیه الحال فی بغداد.
و من المعلوم أن الفرس کانوا قد تأثروا بالعرب فأخذوا منهم العلوم اللغویة، و الدینیة.

ج- الأتراک:

سکن الأتراک مدینة واسط منذ تأسیسها، فقد روی البلاذری أن عبید اللّه بن زیاد سبی خلقا من أهل بخاری … فأسکنهم البصرة، فلما بنی الحجاج مدینة واسط نقل کثیرا منهم إلیها. و یذکر الأصفهانی أن الحجاج أقطعهم سکة بواسط سمیت باسمهم و لا بد أن هؤلاء کونوا لهم وحدة جنسیة متمیزة، إلا أنه لیست لدینا أیة معلومات عن تنظیماتهم الداخلیة، و لکن یبدو أن بعض هؤلاء أسندت إلیهم حراسة الأمیر بواسط، فقد ذکر الطبری أنه بعد أن تم الصلح بین أبی جعفر المنصور و یزید بن هبیرة الفزاری أمیر واسط، خرج یزید إلی أبی جعفر فی ألف و ثلاثمائة من البخاریة.
أما فی العصر العباسی فإن أقدم ما وصلنا عن إقامة الأتراک
واسط فی العصر العباسی، ص: 177
بواسط ما قدمه مسکویه، فقد ذکر أنه فی سنة 347 ه/ 958 م أعطی معز الدولة للجند الأتراک أراضی بمنطقة واسط لیأخذوا عطاءهم من واردها، فاستأثروا بالوارد و أقاموا هناک و امتلکوا الأراضی عن طریق الإلجاء و غیره، و اشتغلوا بالتجارة «و استطالوا علی العمال، و حاموا علی التجار و من اعتصم بهم فضعفت أیدی العمال و استعبدوا الناس» و یضیف مسکویه المتوفی سنة 421 ه/ 1030 م أن الإقطاع العسکری هذا استمر حتی زمانه و زاد عما کان علیه سابقا.
و یذکر مسکویه أنه فی سنة 356 ه/ 966 م أعطی بختیار للأتراک إقطاعات عسکریة فی نواح مختلفة من العراق، و بما أن منطقة واسط هی
واسط فی العصر العباسی، ص: 178
منطقة زراعیة فمن المحتمل جدا أن قسما من الأراضی الزراعیة فی هذه المنطقة أعطیت لهؤلاء.
و یبدو أن الأتراک صاروا یکونون عنصرا هاما من عناصر السکان بواسط، کما أصبحوا یشکلون قسما مهما من جند واسط فقد تردد فی المصادر وجود الأتراک فی هذه المدینة فی أزمنة مختلفة و جاء فی المصادر بعض الأخبار التی توضح نشاطهم السیاسی فی فترة دراستنا، فقد ذکر ابن الأثیر أنه عندما ضعف أمر الدیلم ببغداد سنة 408 ه/ 1017 م انحدروا إلی واسط للإقامة فیها، فخرج إلیهم أتراک واسط و دارت معرکة بین الفریقین قتل فیها عدد من الأتراک، و عندما حدث نزاع بین مشرف الدولة و سلطان الدولة سنة 411 ه/ 1020 م انضم أتراک واسط إلی مشرف الدولة.
و فی سنة 441 ه/ 1049 م اقطع الملک الرحیم نور الدولة دبیس بن مزید أمیر الحلة نهر الصلة و نهر الفضل بواسط و هما من إقطاع الأتراک الواسطیین. فلما علم الأتراک بذلک کتبوا إلی دبیس یحذرونه و یطلبون منه التخلی عنهما، فأجابهم دبیس إلا أن الواسطیین لم یقتنعوا بجوابه و ساروا إلیه لقتاله فاشتبک الفریقان فی معرکة هزم فیها الواسطیون و قتل و أسر و جرح عدد کبیر منهم و عادوا منسحبین إلی واسط.
و عندما سار أمیر البصرة فی سنة 495 ه/ 1101 م علی رأس جیشه للاستیلاء علی واسط دافع الأتراک و العامة عن المدینة و قتلوا و أسروا عددا
واسط فی العصر العباسی، ص: 179
من جیشه مما أدی إلی فشله و عودته إلی البصرة. و یذکر ابن الأثیر أنه فی سنة 516 ه/ 1122 م أمر دبیس بن صدقة أمیر الحلة جماعة من أصحابه بالمسیر إلی إقطاعهم بواسط، فلما وصل هؤلاء منعهم أتراک واسط، فأرسل دبیس جیشا إلی واسط فدارت بین الفریقین معرکة انتهت بهزیمة قوات دبیس و أسر قائدهم. و قد واصل أتراک واسط السیر لمحاربة جیش مزید و الاستیلاء علی ممتلکاته فأوقعوا بهم هزیمة أخری عند «النعمانیة» و استولوا علیها و أقاموا بها.
و إلی جانب ما ذکرنا فقد جاء فی المصادر ذکر لأحداث سیاسیة أخری شارک فیها جند واسط، فمن المرجح أن الأتراک شارکوا فیها لأنهم کانوا یشکلون قسما مهما من جند واسط کما ذکرنا.
و هکذا یتضح أن الأتراک کانوا من ملاک الأراضی فی منطقة واسط، و أنهم اشتغلوا فی التجارة، و ساهموا فی الفتن و الأحداث السیاسیة التی قامت فی هذه المنطقة. لأنهم کانوا یشکلون قسما مهما من جند واسط.
واسط فی العصر العباسی، ص: 180
أما تأثیرهم فی المجتمع الواسطی فإننا لم نجد أیة إشارة لذلک.

د- الدیلم:

إن أقدم ما وصلنا عن الدیلم بواسط ما قدمه مسکویه، فقد ذکر أنه فی سنة 334 ه/ 945 م شغب الدیلم علی معز الدولة فأقطعهم الأراضی السلطانیة و أراض أخری فی السواد. و قد استحوذ قسم من هؤلاء علی أراضی أخری فی منطقة واسط عن طریق الإلجاء و أقاموا
واسط فی العصر العباسی، ص: 181
فیها. و الراجح أن هؤلاء کانوا قد استقروا بواسط و منطقتها و ذلک لکی یکونوا بالقرب من إقطاعاتهم، و الدلیل علی هذا وجود بعض الروایات التی تشیر إلی استقرار الدیلم بواسط فی فترات مختلفة. فابن الأثیر یذکر أنه فی سنة 408 ه/ 1017 م ضعف أمر الدیلم ببغداد، و طمع فیهم العامة فانحدروا إلی واسط، فخرج إلیهم عامتها و أتراکها و دارت معرکة بین الطرفین قتل فیها من أتراک واسط و عامتها خلق کثیر. فمن المحتمل أن هؤلاء أقاموا بواسط بعد انتصارهم علی الأتراک. و فی سنة 411 ه/ 1020 م سار الدیلم الذین کانوا بواسط مع مشرف الدولة و التحقوا بخدمته «فحلف لهم و أقطعهم» و لعل هؤلاء هم الذین تقدم ذکرهم.
و یذکر ابن الفوطی أنه فی سنة 426 ه/ 1034 م أرسل القائد البویهی فخر الجیوش أبو الحجاج سراهنک بن خواجه الدیلمی الدیلم و الأتراک الذین کانوا بفارس و الأحواز إلی الدیلم الذین کانوا بواسط و بغداد.
و ترد آخر إشارة إلی الدیلم بواسط فی سنة 448 ه/ 1056 م، فقد ذکرنا فی الفصل الأول أنه فی هذه السنة خرج والی واسط أبو الغنائم علی طاعة الخلیفة العباسی القائم بأمر اللّه و خطب للمستنصر باللّه الفاطمی، فأیده الدیلم بواسط، و الذی نراه أن هؤلاء أرادوا إعادة سلطان البویهیین و القضاء علی حکم السلاجقة فی العراق.
و من المرجح أن بعضا من هؤلاء الدیلم ظلوا بإقطاعاتهم بواسط بعد هذا التاریخ.
و إلی جانب ما ذکرنا من عناصر، فقد کان یسکن بواسط و منطقتها
واسط فی العصر العباسی، ص: 182
عناصر أخری منها: النبط و قد سکن هؤلاء بواسط منذ إنشائها إلا أن مؤسسها الحجاج بن یوسف الثقفی أمر بإخراجهم منها، و بعد وفاة الحجاج فی سنة 95 ه/ 713 م عاد هؤلاء و سکنوا واسط، إلا أن المصادر أمسکت عن ذکرهم بعد هذا التاریخ، و الراجح أن هؤلاء اندمجوا مع سکان واسط و أنهم استمروا فی إقامتهم فی هذه المدینة فی فترة دراستنا.
و قد وجدنا إشارة عن الزنج بواسط فی القرن الثالث الهجری/ التاسع المیلادی. فقد ذکر ابن الجوزی أنه فی سنة 272 ه/ 885 م ثار الزنج بواسط و کان رؤساؤهم فی السجن إلا أن ثورتهم فشلت و قتل رؤساؤهم و صلبوا، و أغلب الظن أن هؤلاء سکنوا واسط بعد فشل ثورتهم فی سنة 270 ه/ 883 م.
و من الجماعات التی کانت تسکن منطقة واسط، الزط، و أصلهم من بلاد السند کانوا یقومون بتربیة الجاموس، و قد نقلهم الحجاج بن یوسف الثقفی و معهم جوامیسهم من السند و أسکنهم فی هذه المنطقة، و کانوا یشتغلون بتربیة الجاموس. و قام هؤلاء بأعمال اللصوصیة، و قد انضم إلیهم جماعة من العبید الهاربین و الموالی، فأخذوا الغلات من البیادر، و قطعوا طریق البصرة- بغداد، فانقطع عن بغداد «جمیع ما کان یحمل إلیها
واسط فی العصر العباسی، ص: 183
من البصرة فی السفن»، فوجه إلیهم الخلیفة المعتصم قائده عجیف بن عنبسة علی رأس قوة سنة 219 ه/ 834 م و استمرت المعارک بین الطرفین تسعة أشهر، فقتل منهم جماعة و أسر جماعة، و طلب البقیة الأمان فأجابهم إلی ذلک و قد قدر الطبری عددهم بسبعة و عشرین ألفا کان المقاتلة منهم اثنی عشر ألفا، و قد نقلهم القائد إلی بغداد ثم نفاهم إلی عدة أماکن.
و من الجدیر بالذکر هو أن أحد الباحثین المحدثین یذکر فی کتابه أن الأکراد حاربوا بجکم الترکی فی مدینة واسط، و قد اعتمد فی کلامه هذا علی روایة جاءت عند المسعودی، و عند رجوعنا إلی المسعودی و إلی جمیع المصادر التی ذکرت هذه الحادثة، وجدنا أن القتال الذی دار بین بجکم و الأکراد کان بالقرب من نهر «جور».
و یذکر نفس الباحث فی مکان آخر أن الأکراد سکنوا بین واسط و البصرة، و قد اعتمد فی کلامه هذا علی روایة لابن الجوزی، و عند رجوعنا إلی کتاب ابن الجوزی لم نجد ما أشار إلیه الباحث الفاضل فی کتابه.
إن کل ما وجدناه عن الأکراد فی منطقة واسط هو بعض من الإشارات جاءت عند العماد الأصبهانی عن بعض المقطعین فی هذه المنطقة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 185

الطوائف الدینیة

أ- المسلمون:

یؤلف المسلمون الغالبیة العظمی من سکان مدینة واسط، و بما أن هذه المدینة أنشئت فی الأصل لسکنی الجند الشامی فی العراق- کما سبق أن أشرنا- فإن سکان واسط طیلة فترة العصر الأموی کانوا من السنة.
و بعد أن انتقل الحکم إلی العباسیین نجد ما یشیر إلی وجود أنصار للعلویین بمنطقة واسط، فقد ذکر ابن الأثیر أنه فی سنة 303 ه/ 915 م، ظهر رجل بالجامدة ادعی أنه علوی و کان معه جماعة فقتلوا عاملها و نهبوها و أخذوا من دار الخراج أموالا کثیرة، إلا أن حرکته فشلت بعد ظهوره بفترة یسیرة و قتل مع قسم من جماعته و أسر الباقون.
و فی نفس هذه السنة ثار رجل من الطالبیین- فی منطقة واسط و انضم إلیه جماعة، و بعد أن فشلوا فی الاستیلاء علی ثلاث شذوات کانت مرسلة من قبل صاحب فارس و الأحواز و البصرة إلی بغداد، هاجموا مدینة
واسط فی العصر العباسی، ص: 186
«عقر» و «أوقعوا بأهلها و أحرقوا مسجدها و استباحوا الحرم»، فلما علم صاحب الخراج بواسط حامد بن العباس وجّه إلیهم صاحب المعونة علی رأس قوة، فتمکن من قتل الطالبی و عدد من أتباعه، و أسر منهم نحو مائة صلبوا علی جسر واسط.
و قد أشارت المصادر إلی وجود محدثین و قراء و مفسرین و أدباء و شعراء بواسط کانوا من الشیعة، إلا أنه لیس من السهولة وضع تاریخ محدّد لظهور الشیعة فی هذه المدینة. و الظاهر أن البویهیین کانوا قد لعبوا دورا کبیرا فی قیام الفتن المذهبیة فی هذه المدینة، لأننا لم نجد ما یشیر إلی وقوع فتن و خصومات بواسط قبل عصرهم، أما فی فترة سیطرتهم فقد ذکرت المصادر أنه فی کل من سنة 407 ه، 409 ه/ 1016 م 1018 م قامت فتنة بین الشیعة و السنة بواسط.
و قد أشرنا سابقا أنه فی سنة 448 ه/ 1056 م خرج والی واسط أبو الغنائم علی طاعة الخلیفة العباسی القائم بأمر اللّه، و خطب للمستنصر باللّه، فأیده الدیلم و جماعة من سکان المدینة، و لما عاد إلی واسط، بعد أن هزم، قتل جماعة من سکان المدینة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 187
فالبویهیون عندما حکموا العراق استأثروا بالسلطة دون الخلفاء، و حاولوا القضاء علی الخلافة العباسیة، فلما شعر هؤلاء أن للخلفاء العباسیین نفوذا دینیا فی أوساط الناس اتبعوا سیاسة مذهبیة قائمة علی تأیید المذهب الشیعی، و ذلک لتکوین جماعة تناصرهم فی تحقیق هذا الهدف من جهة، و غرس بذور التفرقة بین أبناء الشعب الواحد لإضعافهم، لکی یضعفوا سیطرتهم علیهم و بقاءهم فترة أطول من جهة أخری.
أما فی العصر السلجوقی فإننا لم نجد ما یشیر إلی قیام فتنة مذهبیة فی هذه المدینة، و من المرجح أن السیاسة التی اتبعها السلاجقة، و التی کانت قائمة علی نشر المذهب الشافعی هی التی أدت إلی القضاء علی هذه الفتن.
و فی العصر العباسی الأخیر یبدو أن کبار الممالیک ببغداد فی سبیل الحصول علی الامتیازات لجأوا إلی اتباع سیاسة مذهبیة قائمة علی مناصرة مذهب علی حساب مذهب آخر، فقد ذکر ابن الأثیر أن مقطع واسط الأمیر یزدن الترکی کان متشیعا، فلما مات سنة 568 ه/ 1172 م جلس الشیعة بواسط للعزاء، فوقعت بسبب ذلک فتنة مذهبیة. و الظاهر أن الفتن المذهبیة فی هذه المدینة کانت قد استمرت بعد هذه الفتنة، فقد ذکر ابن الأثیر أنه فی سنة 621 ه/ 1224 م وقعت فتنة مذهبیة بواسط علی جاری
واسط فی العصر العباسی، ص: 188
عادتهم. و کان غالبا ما یرافق هذه الفتن الکثیر من القتل، و النهب و الحرق و التخریب.
و هکذا نجد أن الأجانب فی هذه الفترة کانوا قد اتبعوا سیاسة قائمة علی تفرقة أبناء الشعب لکی یحکموا فترة أکثر. فکانوا یناصرون مذهب علی حساب مذهب آخر، فأدی ذلک إلی قیام الفتن و الخصومات بین أصحاب المذاهب المختلفة و إضعافهم و بالتالی إلی استمرار السیطرة الأجنبیة علیهم.
و مما هو جدیر بالذکر هو أن السنة- علی ما یبدو- کانوا یمثلون أکثریة السکان بواسط، و أن السیادة المذهبیة کانت لهم، فالمدارس کانت مخصصة لتدریس الفقه الشافعی و الحنفی، کما أن القضاة و الغالبیة العظمی من الفقهاء و العلماء و القراء و المحدثین و الأدباء و الشعراء کانوا ینتمون إلی المذهب السنی، و کان غالبیة العامة یدینون بهذا المذهب.
و یظهر أن الشیعة بواسط کانوا قد تجمعوا فی بعض المحلات من المدینة، فقد ذکر ابن الجوزی أنه عندما وقعت الفتنة بین السنة و الشیعة سنة 407 ه/ 1016 م، نهبت و أحرقت محلات الشیعة و الزیدیة. إلا أن المصادر لم تزودنا إلا باسم محلة واحدة هی محلة الزیدیة التی لا یعرف
واسط فی العصر العباسی، ص: 189
موقعها من المدینة، و لکن یبدو أن الشیعة کانوا قد تجمعوا فی الجانب الشرقی من واسط. فقد ذکر یاقوت أن محلة الحزامین کانت تقع فی الجانب الشرقی من واسط، و کان فیها مشهد علیه قبة عالیة یزعمون أنه قبر محمد بن إبراهیم بن الحسن بن أبی طالب، و لعل سکن هؤلاء بالجانب الشرقی من المدینة یرجع إلی أنهم أرادوا أن یستبعدوا عن سکان الجانب الغربی الذین کانوا من أهل السنة سکان المدینة الأصلیین.
و إلی جانب، ما تقدم فقد أشارت المصادر إلی وجود مؤیدین للإسماعیلیة بواسط فقد روی ابن الساعی أنه فی سنة 519 ه/ 1125 م قدم نقیب الطالبیین بواسط السید علی الرفاعی إلی بغداد، و طلب من الخلیفة المسترشد باللّه أن یقمع فتن الباطنیة و الغلاة بواسط، إلا أن الخلیفة لم یستجب لطلبه، لأنه کان منشغلا بالحرب مع السلطان محمود السلجوقی. و یذکر ابن الأثیر أنه فی سنة 600 ه/ 1203 م قصد جماعة من أهل واسط دار محمد بن طالب بن عصیة رئیس الباطنیة، و کان مجتمعا بعدد من أصحابه فقتلوا من فیها، و قتل کل من کان ینتمی إلی هذا المذهب بواسط. و یبدو أن جماعة من أهل واسط کانوا قد أیدوا هؤلاء، فقد ذکر ابن الأثیر أنه بعد قتل الباطنیة بواسط قامت فتنة، فلما بلغ الخبر إلی بغداد
واسط فی العصر العباسی، ص: 190
انحدر فخر الدین بن أمسینا الواسطی لإصلاح الحال و تسکین الفتنة.
کما جاء ما یشیر إلی وجود مؤیدین للإسماعیلیة فی منطقة واسط أیضا، و لعل قرب منطقة واسط من المشرق موطن الإسماعیلیة و بعدهم عن السلطة ببغداد لانتشارهم فی البطائح هو الذی شجع دعاة هذا المذهب إلی قصد هذه المنطقة و بث دعوتهم فیها.
أما علاقة المسلمین بغیرهم من أهل الأدیان الأخری فیبدو أنها کانت حسنة، فإننا لم نجد ما یشیر إلی وقوع مصادمات بینهم سوی إشارة واحدة جاءت عند ابن الجوزی، فقد روی أنه فی سنة 437 ه/ 1045 م توفی أحد النصاری فسار فی جنازته جماعة من الأتراک، فثار بعض العامة و رموا الجنازة بدجلة و ساروا إلی دیر واسط و نهبوه، و قد دافع الأتراک عن الدیر و لکن دون جدوی. و لعل ما قام به العامة هو احتجاج علی مسیرة الأتراک مع الجنازة و لیس علی النصاری.
أما مهن المسلمین بواسط فیظهر من ثنایا البحث أنه کان منهم کبار الموظفین و الجند، کما احترف بعضهم التجارة و الصیرفة و الصناعة و الزراعة و التعلیم فی المؤسسات التعلیمیة المختلفة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 191

ب- أهل الذمة:

1- النصاری:

أقام النصاری فی مدینة واسط منذ العصر الأموی و یظهر أن هذه الطائفة جاءت إلیها من المدن و القری المحیطة بها، فقد جاء فی المصادر أن المسیحیة انتشرت فی منطقة کسکر منذ القرن الأول المیلادی، نشرها (مار ماری) المتوفی سنة 82 م، و ترجح المصادر أن أسقفیة کسکر کانت أقدم أسقفیة فی العراق. فکان أسقف کسکر یحل محل البطریرک فی المدائن فی أثناء إجازته، کما کان المجلس الکنسی فی المدائن لا یوافق علی انتخاب البطریرک الجدید ما لم یحظ بتأیید أسقف کسکر. و قد تولی بعض أساقفة کسکر منصب البطریرک فی المدائن.
و مع أن النصاری فی منطقة واسط کانوا قد لاقوا اضطهادا کثیرا من قبل ملوک الفرس الذین حاولوا تغلیب المجوسیة علی دیانتهم، إلا أن هؤلاء استطاعوا أن ینشروا دیانتهم فأصبحوا یشکلون عنصرا هاما من عناصر السکان فی هذه المنطقة، مما أدی إلی تشیید عدد من الأدیرة و الکنائس
واسط فی العصر العباسی، ص: 192
و المدارس و قد کونت هذه المؤسسات مظهرا بارزا من مظاهر الحیاة الجتماعیة و الثقافیة فی منطقة واسط، إلی جانب کونها مؤسسات دینیة.
و عندما فتح العرب المسلمون العراق تمتع النصاری فی هذه المنطقة بقسط وافر من الحریة و التسامح الدینی، و کان من مظاهر التسامح الدینی تجاههم هو السماح لهم بتشیید و تجدید عدد من الأدیرة و الکنائس و المدارس. فأدی ذلک إلی ازدهار المسیحیة فی هذه المنطقة.
و یظهر أن أسقفیة واسط کانت قد احتفظت بأهمیتها طیلة العصر العباسی، فقد ذکرت المصادر أنه فی حالة وفاة الجاثلیق ببغداد کانت القوانین الکنسیة تنص علی أن أسقف واسط هو الذی یتولی نظارة الکرسی إلی حین انتخاب جاثلیق جدید، و کان هو الذی یستدعی المطارنة لعقد
واسط فی العصر العباسی، ص: 193
المجلس الکنسی لانتخاب الجاثلیق الجدید، و کان لا یتم تنصیب الجاثلیق إذا لم یحظ بتأیید أسقف و نصاری واسط. أی أن أسقف واسط کان بمثابة نائب الجاثلیق فی العراق. هذا و قد تولی عدد من أساقفة واسط منصب الجاثلیق ببغداد.
و فی فترة دراستنا أشارت المصادر إلی وجود أدیرة بواسط و منطقتها منها: «دیر واسط» الذی شیده الراهب «مارسبر یشوع» فی منتصف القرن الثانی الهجری/ الثامن المیلادی. و هذا الدیر کما جاء فی کتاب الدیارات کان یقع شرقی مدینة واسط علی بعد فرسخ منها عند القریة المعروفة ببرجونی، و قد وصف الشابشتی هذا الدیر فقال عنه إنه «عمر کبیر عظیم حسن البناء محکم الصنعة. حوله قلایات کثیرة، کل قلایة منها لراهب … و یحیط بالموضع بساتین کثیرة فیها الشجر و النخل و سائر الثمار. فکل ذی ظرف یطرقه و کل ذی شجن یتسلی به».
واسط فی العصر العباسی، ص: 194
و قد کان یسمی هذا الدیر باسم «عمر کسکر» و قد قصده الشاعر أبو جعفر محمد بن حازم بن عمرو الباهلی و قال فیه:
بعمر کسکر طاب اللهو و الطرب و البازکارات و الأدوار و النّخب
و فتیة بذلوا للکأس أنفسهم و أوجبوا لرضیع الکأس ما یجب
و أنفقوا فی سبیل القصف ما وجدوا و أنهبوا مالهم فیها و ما اکتسبوا
فلم نزل فی ریاض العمر نعمرها قصفا و تعمرنا اللذّات و الطرب
و الزهر یضحک و الأنواء باکیة و النّای یسعد و الأوتار تصطخب
و الکأس فی فلک اللذات دائرة تجری و نحن لها فی دورها قطب
و قد تردد ذکر هذا الدیر فی حوادث ثورة الزنج و فی سنة 279 ه/ 892 م نهب دیر الجاثلیق ببغداد فذهب الجاثلیق یوحنا بن نرسی إلی واسط و أقام بدیر واسط خمس سنین. کما ذکر عمرو بن متی أن الخلیفة المطیع للّه (334- 363 ه/ 945- 973 م) عندما ذهب لقتال أبی الحسن البریدی نزل فی هذا الدیر. و یذکر صاحب کتاب ذخیرة الأذهان أن «یوانیس» الذی أصبح جاثلیقا ببغداد سنة 392 ه/ 1001 م کان قد ترهب بهذا الدیر. و یذکر ابن الأثیر أن هذا الدیر کان قائما سنة 495 ه/ 1101 م،
واسط فی العصر العباسی، ص: 195
و جاء فی المصادر أن أسقف واسط کان یقیم فی هذا الدیر.
و کان للنصاری بواسط کنیسة کانت تقع فی محلة الحوز فی الجانب الشرقی من المدینة. و کان فی منطقة واسط دیران أحدهما هو «دیر مافنه» الذی کان یقع إلی الشمال من مدینة واسط، و الآخر هو «دیر العمال» الذی کان یقع إلی الجنوب منها. إلا أنه لیست لدینا أیة معلومات عن تاریخ بناء هذین الدیرین، أو تاریخ اندثارهما.
أما محلات سکناهم، فالراجح أنها کانت فی الجانب الشرقی من واسط فی أمکانهم القدیمة بمدینة کسکر قریبا من الدیر و الکنیسة.
أما علاقة المسلمین بالنصاری فقد کانت حسنة کما ذکرنا، و ترد إشارات إلی مشارکة المسلمین فی تشییع جنائز النصاری، و أن بعض المسلمین کانوا یشارکون النصاری فی أعیادهم مما یدل علی اشتراکهم فی المشاعر.
أما المهن التی اشتهروا بمزاولتها النصاری بواسط فهی: الطب و الکتابة و الصیرفة و الجهبذة، و الصناعة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 196

2- الیهود:

لقد أقام الیهود فی مدینة واسط من إنشائها و من المحتمل جدا أن هؤلاء قدموا من نواحی واسط، و من أماکن أخری، و ذلک لمزاولة الأعمال التی کان یحتاج إلیها المجتمع الجدید. و قد أشارت المصادر إلی وجود الیهود بواسط فی العصر العباسی أما تعدادهم بواسط فإننا لم نجد إلا إشارة واحدة جاءت فی رحلة الرحالة الیهودی بنیامین بن بونه التطیلی الأندلسی الذی زار هذه المدینة بین 561- 569 ه/ 1165- 1173 م، و ذکر أن فیها نحو عشرة آلاف یهودی.
و یبدو أن الیهود کانوا قد تمتعوا بکثیر من الحریة و التسامح الدینی، فقد ذکر بنیامین التطیلی أنه کان لهم قاض بواسط. و یذکر یاقوت أنه کان بمحلة الحزامین قبر یزعمون أنه قبر عزرة بن هارون بن عمران یزوره المسلمون و الیهود. أما محلات سکناهم فی المدینة فإننا لم نجد أیة معلومات عنها.
أما المهن التی کان یزاولها هؤلاء فقد کان منهم الصیارفة و الجهابذة و العطارین و الأطباء و أصحاب الحرف و الصناع.
واسط فی العصر العباسی، ص: 197

3- الصابئة:

لقد سکنت هذه الطائفة فی منطقة واسط و لم نجد فی المصادر المتیسرة لدینا ما یشیر إلی أنهم سکنوا فی منطقة أخری من العراق طیلة فترة دراستنا، و قد هاجر هؤلاء إلی هذه المنطقة من مدینة حران و کانوا قبل ذلک فی فلسطین.
و قد سکن الصابئة هذه المنطقة قبل الفتح العربی الإسلامی، فقد جاء فی إحدی کتبهم أن وفدا منهم قد ذهب لمقابلة القائد العربی و عرض علیه أمرهم، فأقرهم القائد علی دینهم فأکسبهم ذلک التسامح الدینی کأصحاب کتاب و بقوا بین المسلمین یؤدون الجزیة.
و یبدو أن سبب إقامتهم فی هذه المنطقة یعود إلی ما فی دیانتهم من فریضة الاغتسال و التغطیس فی المیاه الجاریة حتی أطلق علیهم بعض المؤرخون العرب اسم «المغتسلة» و أطلق علیهم البعض الآخر اسم «الصابئة البطائحیة».
واسط فی العصر العباسی، ص: 198
و جاء فی المصادر أن قسما من هؤلاء أقام بواسط و سکنوا بدرب خاص بهم سمی «درب الصاغة» کان یقع فی الجانب الغربی من المدینة، و أن بعضهم دخل فی الإسلام. و اشتهر منهم بیت أطلق علیه اسم «بیت المندائی» و کان قد ساهم فی الحیاة العلمیة بواسط، إلا أنه لیست لدینا معلومات عن تعدادهم و أحوالهم فی هذه المدینة.
و مع أن صابئة واسط کانوا قد هاجروا من مدینة حران و سکنوا هذه المنطقة کما ذکرنا إلا أنهم کانوا- علی ما یبدو- یختلفون عن صابئة حران و ذلک لأن صابئة حران فرقة و ثنیة کانت تعبد الکواکب، و قد اتخذ هؤلاء الصابئة أسماء لهم بعد مجی‌ء الإسلام لیضمنوا لأنفسهم الأمان الذی منحه الإسلام لأهل الکتاب. أما صابئة واسط فیبدو أنه نتیجة لتجاورهم مع أصحاب الأدیان الأخری من مسلمین و نصاری و یهود و مجوس الذین کانوا یسکنون فی هذه المنطقة- کما تقدم- کانوا قد تأثروا بتعالیم هذه الأدیان، مما أدی إلی وجود نقاط تشابه و اشتراک بین شعائرهم و شعائر أهل هذه الأدیان. غیر أن سریة دیانتهم، و قلة من یعرف لغة کتبهم الدینیة و کتمانهم لها أدت إلی اختلاف رأی الفقهاء فیهم، فالفقیه أبو یوسف اعتبرهم من أهل الذمة و تؤخذ منهم الجزیة، إلا أن الخلیفة القاهر باللّه
واسط فی العصر العباسی، ص: 199
(320- 322 ه/ 932- 933 م) عندما استفتی الفقیه أبا سعید الحسن بن أحمد بن یزید الإصطخری فی حقهم افتاه بقتلهم «لأنه تبین له أنهم یخالفون الیهود و النصاری» و أن لا تؤخذ منهم الجزیة.
أما الفقیه أبو عبد اللّه محمد بن یحیی بن فضلان (ت 631 ه/ 1233 م) فقد کتب إلی الخلیفة الناصر لدین اللّه (575- 622 ه/ 1179- 1225 م) یقول: «الصابئة قوم من عبدة الکواکب یسکنون البلاد الواسطیة لا ذمة لهم … و هم الیوم لا جزیة علیهم و لا یؤخذ منهم شی‌ء و هم فی حکم المسلمین».
إلا أننا لم نجد ما یشیر إلی أن الخلفاء کانوا قد مارسوا أی اضطهاد علی هؤلاء. أما تأثیرهم فی المجتمع الواسطی فیظهر أن قلة عددهم و عدم مخالطتهم لغیرهم، و سریة عاداتهم و تقالیدهم أدی إلی عدم مشارکة أهل الأدیان الأخری لهم فی أعیادهم و مناسباتهم الأخری. أما المهنة التی اشتهر بمزاولتها الصابئة بواسط فهی مهنة الصیاغة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 200

طبقات المجتمع:

اشارة

ذکرنا سابقا أن مدینة واسط فی بدایة إنشائها سکنتها القبائل العربیة مع موالیها فتکون المجتمع فیها من تجمع عدد من القبائل. فکان نظام العشائر هو أساس التنظیم الاجتماعی، و قد ظلّ هذا النظام قائما فی هذه المدینة طیلة العصر الأموی.
أما فی العصر العباسی فقد سکن واسط إلی جانب العرب عناصر أخری اختلطت مع مرور الزمن بالعرب، و أبعد العرب فی هذه المدینة عن تولی المناصب الإداریة و فقدوا امتیازاتهم لأنهم کانوا من شیعة الأمویین، و أسقطت أسماؤهم من دیوان الجند، ثم تسلط الأجانب من بویهیین و سلاجقة، و قد شهد المجتمع نموا اقتصادیّا فی مجالات الزراعة و التجارة و الصناعة، کل هذه العوامل أدت إلی ضعف التمییز الاجتماعی القائم علی العنصر أو القومیة، و أصبحت الثروة هی الأساس الذی یحدد مرکز الشخص الاجتماعی، فأصبح المجتمع الواسطی ینقسم إلی ثلاث طبقات هی: طبقة الخاصة، و الطبقة المتوسطة، و طبقة العامة، و کانت کل طبقة تضم فی صفوفها عدة فئات.
فالخاصة هم: الولاة و کبار الموظفین و قادة الجند و الملاکون و کبار التجار و الصرافون و الأشراف. أما الطبقة المتوسطة فهم: القضاة و کتّاب الدواوین و الأطباء و الفقهاء و العلماء و القراء و المحدثون و الأدباء و الشعراء.
أما العامة فهم: الخدم و العمال و الباعة و الزرّاع و الفلاحون و فئات أخری.
واسط فی العصر العباسی، ص: 201

أ- الطبقة الخاصة:

1- الولاة و کبار الموظفین: و کان معظم هؤلاء منذ النصف الأول من القرن الرابع الهجری/ العاشر المیلادی من الأجانب، فهم إما من البویهیین أو من السلاجقة أو من الأمراء الممالیک، و قد کان هؤلاء علی رأس الطبقة الخاصة فی هذه المدینة فإضافة إلی رواتبهم التی لا بدّ أنها کانت ضخمة، أشارت المصادر إلی أن بعض هؤلاء کانوا قد استغلوا مناصبهم لجمع الأموال و الإثراء علی حساب سکان هذه المدینة.
و فی العصر السلجوقی أصبح الإقطاع نوعا من التولیة الإداریة بولایة واسط، و مع أن ولاة واسط کانوا یرسلون وارد الإقطاع إلی الخزانة ببغداد بعد أخذ نصیبهم منه، إلا أنهم لکی یحصلوا علی أکثر مما اتفقوا علیه مع السلطة ببغداد، نجدهم قد استغلوا نفوذهم لجمع الأموال و الإثراء علی حساب المزارعین و الفلاحین، فمارسوا الظلم و الاستغلال ضدهم و استولی البعض منهم علی أملاکهم. مما اضطر بعض المزارعین إلی إلجاء أراضیهم إلی هؤلاء المقطعین طلبا للحمایة. و قد حاولت الدولة أن تحمی المزارعین و الفلاحین من التجاوز و الظلم بإصدار تعلیمات مشددة إلا أن ذلک لم یجد نفعا یذکر. و قد ظلت هذه الحالة قائمة بولایة واسط
واسط فی العصر العباسی، ص: 202
حتی سقوط الدولة العباسیة.
و أشارت المصادر إلی أن بعض کبار الموظفین بواسط کانت لهم أملاک واسعة بمنطقة واسط. و هکذا نجد أن الامتیازات و الثروات کانت قد ترکزت بید الولاة و کبار الموظفین فی هذه المدینة إلا أننا لم نجد معلومات واضحة عن مقدار ثرواتهم التی لا بدّ أنها کانت کبیرة. أما الحیاة الخاصة لهؤلاء فإننا لم نجد ما یشیر إلیها.
2- قادة الجند: ذکرنا سابقا أن معز الدولة البویهی أعطی أراضی للجند الدیلم و الأتراک فی منطقة واسط لیأخذوا عطاءهم من واردها، و قد استأثر هؤلاء بالوارد، و أقاموا هناک و امتلکوا الأراضی عن طریق الإلجاء و غیره. و ترد آخر إشارة إلی إقامة هؤلاء فی إقطاعاتهم فی سنة 516 ه/ 1122 م، مما یدل علی أنهم ظلوا فیها إلی ما بعد هذا التاریخ. و سوف نتکلم فیما بعد عن أحوال الزراع و الفلاحین فی ظلّ هذا النظام.
و ترد إشارات إلی وجود أشخاص کانت لهم إقطاعات فی منطقة واسط. و قبل فترة دراستنا نجد إشارات إلی الدهاقین بواسط، إلا أن هؤلاء عندما ظهر إلی جانبهم ملاک جدد أصبحوا مجرد جباة، و کمفاءة لهم علی هذه الخدمة، أخذوا یجبون من الزرّاع ضریبة إضافیة تسمی (حق
واسط فی العصر العباسی، ص: 203
الدهقنة) کانت مصدرا لکثیر من التعدی و الإساءة أحیانا.
أما فی القرن الرابع الهجری/ العاشر المیلادی فقد صار الدهاقین بمنزلة الشیوخ و الأشراف، و کانوا یستشارون عادة فی مشاکل الریّ و الأراضی التی تقع فی مناطقهم. و ترد إشارات إلی التناء. إلا أن هؤلاء ساءت أحوالهم فی ظل نظام الإقطاع فتخلی بعضهم عن أراضیهم، و ألجأها البعض الآخر إلی المقطعین کما سنری.
و ربما کان إلی جانب هؤلاء جماعات من أحفاد الطبقة الأرستقراطیة العربیة الذین جنوا ثرواتهم من غنائم الحروب، و اشتروا أراضی زراعیة فی هذه المنطقة فی العصر الأموی، و بدایة العصر العباسی.
3- کبار التجار و الصرافین: لقد أشارت المصادر إلی وجود تجار واسطیین کانوا یتاجرون مع بلاد الشام و مصر و الهند و الصین و بلاد الروم. و جاء ما یشیر إلی وجود صیارفة، إلا أننا لیست لدینا معلومات عن مقدار ثرواتهم التی لا بدّ أنها کانت کبیرة. و من المرجح أن ظهور هؤلاء بواسط یعود إلی عدة عوامل منها:
واسط فی العصر العباسی، ص: 204
أ- کان لموقع واسط أهمیة تجاریة ممتازة، فقد کانت ملتقی عدة طرق تجاریة داخلیة و خارجیة، بریة و بحریة، و ذلک لوقوعها علی دجلة من جهة و توسطها بین بغداد و الکوفة و البصرة و الأحواز من جهة أخری، مما ساعد علی تنشیط الحرکة التجاریة و تبادل السلع فی أنحاء مختلفة من البلاد.
کما کانت تقع علی الطریق البری الذی یبدأ من الکوفة عبر الفرات، ثم طریق البطائح إلی واسط ثم إلی الأحواز ثم إلی شیراز فی فارس، و مدینة شیراز کانت مرکزا بکثیر من الطرق التجاریة التی تتجه منها إلی الشمال و الشمال الشرقی، و الجنوب، و الجنوب الشرقی.
و تقع واسط أیضا علی الطریق النهری، و هو طریق بغداد- واسط- البصرة، التی کانت تبدأ منها الطرق البحریة التی یذهب أولها إلی الهند و الصین، بینما یذهب الثانی إلی البحر الأحمر و إلی شرقی إفریقیا، و لا شک أن أهمیة واسط التجاریة ازدادت بعد بناء بغداد، لأنها کانت تقع علی الطریق التجاری البحری الذی یربط بغداد بالعالم الخارجی، لأن نهر الفرات آنذاک لم یکن صالحا للملاحة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 205
ب- ذکرنا سابقا أن أسواق واسط کانت کبیرة تمتد من دار الإمارة الذی کان یقع فی وسط المدینة إلی شاطی‌ء دجلة. و قد کانت هذه الأسواق مرکزا مهمّا للتجارة الداخلیة.
ج- وجود الولاة و کبار الموظفین و قادة الجند و بعض الأمراء البویهیین و وزرائهم، و بما أن هؤلاء هم من أصحاب الثروات الکبیرة کما ذکرنا، فلا بدّ أنهم کانوا بحاجة إلی استهلاک البضائع الکمالیة و خاصة المنسوجات الحریریة و العطور و الأحجار الکریمة و العاج و البهارات و التوابل، فحاول التجار جلب هذه البضائع من أماکن إنتاجها فی سبیل الحصول علی الأرباح الطائلة.
4- الأشراف: و مع أننا بحثنا التنظیم الاجتماعی للسکان علی أساس ثروة الأشخاص إلا أنه لا بدّ من الإشارة هنا إلی الأشراف بواسط الذین کانت أعدادهم- علی ما یبدو- کبیرة، فقد أشارت المصادر إلی أنهم کانوا ینتظمون فی نقابتین، هما: نقابة العباسیین، و نقابة الطالبیین، و قد کان هؤلاء أعلی طبقة اجتماعیة فی العراق بسبب قرابتهم من الخلفاء العباسیین و نسبهم القرشی، و کانوا یتسلمون رواتب من الدولة. و قد تولی بعضهم وظائف ببغداد، إلا أننا لم نجد ما یشیر إلی أن هؤلاء کانوا قد تقلدوا وظائف بواسط عد النقابة و الخطابة. و قد برز منهم فقهاء و قرّاء و محدثین و علماء …
واسط فی العصر العباسی، ص: 206
و شعراء بواسط، إلا أننا لم نجد أیة معلومات عن مستواهم المعاشی.
و یبدو أن قسما منهم کانوا فقراء، فقد ذکر السلفی أن أحد الهاشمیین کان قیما فی الحمام، و یذکر ابن الجوزی أنه فی سنة 573 ه/ 1177 م صلب ببغداد جماعة کانوا لصوصا بواسط و کان أحدهم شابا هاشمیا.

ب- الطبقة المتوسطة:

یمکن القول علی ضوء النصوص و الحقائق التاریخیة المتوفرة لدینا أنه کان بواسط إلی جانب فئات الخاصة و فئات العامة، فئات أخری کانت لها خصائص متمیزة عن هاتین الطبقتین هم فئة القضاة و کتاب الدواوین و الفقهاء و العلماء و القراء و المحدثین و الأطباء و الأدباء و الشعراء.
و مع أن قسما من الفقهاء و العلماء و القرّاء و المحدثین کانوا باعة و أصحاب حرف إلا أن هؤلاء کانت لهم منزلة کبیرة فی المجتمع
واسط فی العصر العباسی، ص: 207
الواسطی، و ذلک لقوة النفوذ الدینی من جهة، و لأن الدین کان أهم منظم للحیاة الاجتماعیة آنذاک من جهة أخری.
و لکن إلی جانب هؤلاء نجد أن الغالبیة العظمی من الفقهاء و العلماء و القراء و المحدثین کانوا ینتمون إلی بیوتات و صفت بالفضل و التقدم و الرئاسة. کما تولی بعضهم منصب القضاء، و کان البعض منهم من الشهود المعتدلین فی هذه المدینة.
أما أدباء واسط و شعراؤها فقد اتصل عدد قلیل منهم بالخلفاء و کبار الموظفین ببغداد، و قد أشارت المصادر إلی أن هؤلاء کانوا قد أقاموا ببغداد. أما ولاة واسط و کبار الموظفین فیها فلم نجد ما یشیر إلی أن هؤلاء کانوا قد أحاطوا أنفسهم بحاشیة أدبیة کبیرة، مما أدی إلی أن تبقی موارد معظم الأدباء و الشعراء بواسط قلیلة أو متوسطة.
یتبین مما تقدم أن الغالبیة العظمی من هذه الفئات کانت مواردها متوسطة بین موارد فئات الخاصة أصحاب الثروات الکبیرة و موارد فئات
واسط فی العصر العباسی، ص: 208
العامة القلیلة، لذلک ارتأینا أن نطلق علی هذه الفئات اسم فئات الطبقة المتوسطة تمییزا لها عن فئات الخاصة و العامة.

ج- الطبقة العامة:

و تتکون هذه الطبقة من فئات عدیدة هی:
1- فئة الخدم (الجواری و الغلمان): ذکرنا سابقا أن مدینة واسط أنشئت لتکون معسکرا للجند الشامی فی العراق، و أن هذا الجند کان قد أسهم مساهمة فعالة فی حرکة الفتوحات العربیة الإسلامیة فی المشرق، فمن المحتمل جدا أن عددا من رجال و نساء أهل المشرق الذین وقعوا فی الأسر نتیجة المعارک الکثیرة، التی وقعت بین الجیش العربی الإسلامی و أهل المشرق قد جلبوا إلی واسط و وزعوا علی مقاتلة هذه المدینة کغنائم، فأدی ذلک إلی وجود عدد من الجواری و الغلمان بواسط.
أما فی الفترة- موضوع البحث- فیبدو أن قسما من الجواری و الغلمان کانوا یحصلون علیهم بواسطة التجارة التی کان یمارسها النخاسون بواسط مع مصادر الرقیق. أما القسم الآخر فمن المرجح أن الجند الدیالمة و الأتراک الذین سکنوا بواسط فی العصر البویهی و العصر السلجوقی کانوا یجلبون أسراهم معهم إلی هذه المدینة، و أن بعضهم کان یبیع رقیقه فیها، فقد أشارت المصادر إلی أن الغلمان بواسط کانوا ینتمون إلی أمم شتی، فمنهم: الأتراک و الهنود و الدیلم …
واسط فی العصر العباسی، ص: 209
و الروم و الفرس و جاء ما یشیر إلی جواری من الجنس الأسود و الجنس الأصفر و رومیات، و لا بد أن هناک أجناسا أخری إلا أن المصادر اقتصرت علی ذکر أسمائهنّ فقط.
أما المهن التی کان یمارسها الجواری و الغلمان بواسط، فقد ورد أن بعض هؤلاء استخدموا للخدمة فی البیوت، و اشتغل بعضهم فی العلم و کان بعضهم من أصحاب الحرف، کما ساهم عدد من الجواری و الغلمان فی الغناء فی هذه المدینة. و لا شک أن من استخدم منهم فی الخدمة فی البیوت کان أحسن حالا من الآخرین، لأن الأسر الواسطیة الغنیة هی التی عادة تستخدم الرقیق فی الأعمال البیتیة، و من المحتمل جدّا أن بعض رجال واسط قد تزوج من هذه الجواری.
و قد جاءتنا قصائد شعریة تغزل فیها شعراء واسط بالجواری و الغلمان فی هذه المدینة و وصفوا فیها مجالس الشرب و الغناء و علاقتهم بالجواری
واسط فی العصر العباسی، ص: 210
و الغلمان، مما یدل علی أن هذه العادات هی من المظاهر الاجتماعیة التی کانت سائدة فی هذه المدینة.
2- فئة العمال: ینقسم العمال إلی أحرار و رقیق، فالأحرار هم أرباب الصنائع و الحرف، و فی بدایة إنشاء المدینة کان هؤلاء من الموالی لأن العرب کانوا قد انصرفوا إلی الفتوحات فی المشرق. و یبدو أن النظرة الاجتماعیة لهم کانت محترمة بدلیل إلی انتسابهم إلی الصنائع و الحرف إلی جانب انتسابهم إلی المدینة، کما أن عددا منهم کانوا من المحدثین بواسط.
و أغلب الظن أن العرب بواسط عندما فقدوا امتیازاتهم فی العصر العباسی، و بعد أن لاحظوا النمو الاقتصادی الذی شهده المجتمع فی مجالات الزراعة و التجارة و الصناعة أقبلوا علی ممارسة الصنائع و الحرف فی هذه المدینة.
و قد زودنا بحشل بأوسع قائمة عن أصحاب الصنائع و الحرف بواسط، و یبدو من إشارات المصادر إلیها فی فترة دراستنا أنها کانت قد استمرت فی هذه الفترة و هم: الحدادون و القصارون
واسط فی العصر العباسی، ص: 211
و الطحانون و الجصاصون و الصفارون و الدباغون و الإسکافیون و الفراؤون و الخبازون و السراجون و السقاؤون و الخیاطون و الحذاؤون و الصیارفة و الوراقون و النجارون و القواریریون و القیمون فی الحمامات و الصیادلة
واسط فی العصر العباسی، ص: 212
و اللکافون و الزجاجون و التنانیریون و البناؤون و الحلوانیون و سائسوا الخیل و النساخون و الإغلاقیون و الصاغة و الحصریون و الغسالون.
و مما تجدر الإشارة إلیه هو أن أصحاب کل صناعة أو حرفة بواسط کانوا قد تجمعوا فی سوق واحدة، فکان هناک سوق خاصة للحدادین و کذلک سوق للصیارفة و سوق للصیادلة و للروزجاریین، و ربما تجمع البقیة منهم فی سوق الصناع الذی مر ذکره، کما تجمع هؤلاء فی دروب و محلات واحدة عرفت باسمهم مثل محلة الطحانین، و محلة الوراقین، و محلة الحزامین، و درب الصاغة، و من المرجح أنه کانت لهم محلات و دروب أخری إلا أن المصادر أمسکت عن ذکرها.
إن تجمع هؤلاء فی أسواق و محلات خاصة بهم أدی- بلا شک- إلی قوة الرابطة بینهم و تضامنهم، و شعورهم بکیانهم و وحدة مصالحهم،
واسط فی العصر العباسی؛ ص212
واسط فی العصر العباسی، ص: 213
و من المحتمل أنهم کانوا قد أوجدوا لهم تنظیمات حرفیة، و أنشأوا تنظیمات خاصة بالمحلات کما کان علیه الحال ببغداد، و قد برز من بین العمال عدد من القراء و المحدثین و الأدباء الذین أسهموا فی الحیاة الفکریة بواسط.
أما العمال الرقیق فإننا لم نجد أیة معلومات عنهم فی فترة دراستنا، و لکن یمکن القول إنه من المحتمل جدا أن قسما من هؤلاء کان یشتغل فی الزراعة فی منطقة واسط، لأن هذه المنطقة کانت من أهم المناطق الزراعیة فی العراق کما ذکرنا سابقا. و أنه نظرا لتقدم الصناعة بواسط و بعض المدن التابعة لها فالراجح أن قسما من هؤلاء کان یشتغل فی حوانیت الصناع.
أما موارد العمال بواسط فإننا لم نجد ما یشیر إلیها.
واسط فی العصر العباسی، ص: 214
3- فئة الباعة: و هم الذین کانوا یتولون بیع المواد الاستهلاکیة إلی سکان المدینة، و قد تجمع هؤلاء فی أسواق خاصة بهم، فکان هناک سوق لباعة الطعام و سوق للبزازین و العطارین و للخرازین و البقالین و لباعة السقط و الفاکهة و باعة الخشب و الأنماط و الجزارین و باعة الغنم.
و یبدو أن هؤلاء کانوا قد تجمعوا فی دروب و محلات واحدة عرفت باسمهم. فقد تردد فی المصادر ذکر لهذه الدروب و المحلات مثل درب الخرازین و محلة القراطیسیین و الرزازین و الکتبیین.
أما الباعة الذین أشارت إلیهم المصادر بواسط فهم: القصابون و التمّارون و البزارون و البزازون و الرزازون و العطارون و الخرازون و باعة الصفر، …
واسط فی العصر العباسی، ص: 215
و الجوارب و الدقیق و الطعام و السویق و القطن و الصوف و اللبن و العنبر و القصب و الأشنان و الزعفران و الهریسة و السقط و الجلاب و الطحین.
و إلی جانب الباعة فی السوق کان هناک السماسرة الذین کانوا یقومون بالتوسط بین البائع و المشتری، و کان هؤلاء یخضعون لمراقبة المحتسب، و ذلک للحیلولة دون خداعهم و غشهم للبائعین و المشترین.
واسط فی العصر العباسی، ص: 216
و نجد ما یشیر إلی البیّع بواسط و یبدو أن هؤلاء کانوا یتولون البیاعة و التوسط فی الخانات بین البائعین و المشترین من التجار للأمتعة.
و مع أنه لم ترد معلومات عن موارد الباعة و السماسرة بواسط، إلا أنه یمکن القول إن حالتهم المعاشیة کانت- بلا شک- أحسن من بقیة فئات العامة الأخری نظرا لما یحصلون علیه من أرباح من جراء مبیعاتهم.
و قد برز من بین هؤلاء عدد من القراء و المحدثین و الفقهاء الذین أسهموا فی الحیاة الفکریة بواسط، و من المحتمل جدا أن سوق الوراقین کان قد أسهم فی الحیاة العلمیة أیضا، إلا أن المصادر أمسکت عن الإشارة إلی ذلک.
4- فئة الزّراع و الفلاحین: و هؤلاء هم سکان القری التی کانت فی منطقة واسط، و بما أن هذه المنطقة کانت من أهم المناطق الزراعیة فی العراق- کما ذکرنا سابقا- فلا بدّ أن أعدادهم کانت کبیرة.
ذکرنا من قبل أنه عندما سیطر البویهیون علی العراق سنة 334 ه/ 945 م منحوا جندهم من الأتراک و الدیلم أراضی و قری فی منطقة واسط لیأخذوا عطاءهم من واردها، فأقاموا هناک و تصرفوا و کأن الأرض هی
واسط فی العصر العباسی، ص: 217
ملکهم، «و صار الرسم جاریا أن یخرب الجند إقطاعاتهم ثم یردوها و یعتاضوا عنها من حیث یختارون»، فأدی ذلک إلی خراب مساحات واسعة من الأراضی، و أهملت مشاریع الری، فساءت أحوال الزراع و الفلاحین. و قد وصف مسکویه حالتهم هذه بقوله، «و أتت الجوائح علی التنّاء ورقت أحوالهم فمن بین هارب جال و بین مظلوم صابر لا ینصف و بین مستریح إلی تسلیم ضیعته إلی المقطع لیأمن شره و یوافقه» فأدی ذلک إلی زیادة قوة الإقطاعیین و إلی تقلص الملکیات الصغیرة و تلاشی ملکیة الفلاحین.
أما الأراضی التی لم یشملها الإقطاع فإنها أعطیت بالضمان، «و اقتصر فی محاسبة الضمناء علی ذکر أصول العقد، و ما صح منه و بقی من غیر تفتیش عما عوملت به الرعیة، و أجریت علیه أحوالها من جور أو نصفة من غیر إشراف علی احتراس من الخراب أو خراب یعاد إلی العمارة، و جبایات تحدث علی غیر رسم و مصادرات ترفع علی محض الظلم و إضافات إلی الارتفاع لیست بعبرة و حسبانات فی النفقات لا حقیقة لشی‌ء منها».
أما الأراضی التی کانت ملکا خاصا فإنها لم تسلم من هذا الوضع إذ أدی التجاوز و التعسف فی الجبایة إلی انتشار نظام الإلجاء تخلصا من الظلم. کما ترک الکثیر من الزرّاع و الفلاحین الزراعة فتحولت ملکیة
واسط فی العصر العباسی، ص: 218
کثیر من الأراضی إلی المقطعین.
و فی العصر السلجوقی نجد أن الإقطاع توسع عما کان علیه سابقا، و الظاهر أنه کان استمرارا لما کان علیه فی زمن البویهیین، فقد فرضت علی الزرّاع و الفلاحین رسوم إضافیة، و حریتهم فی الحرکة کانت محدودة، و قد یجبرون علی السخرة، و کثر التجاوز علیهم، فاضطر الکثیرین منهم إلی إلجاء أراضیهم للمقطعین طلبا للحمایة، کما ترک الکثیر من الزراع و الفلاحین الزراعة و هجروا قراهم نتیجة لظلم المقطعین، مما أدی إلی توسع ملکیة المقطعین و تقلص ملکیة الزرّاع و الفلاحین.
و الجدیر بالذکر أن کلّا من نظام الإقطاع و نظام الضمان ظلّ قائما بواسط حتی نهایة العصر العباسی.
و مما یؤدی إلی إرهاق الزرّاع و الفلاحین فی منطقة واسط هو کثرة الحروب فی هذه المنطقة التی کانت غالبا ما تؤدی إلی خراب السدود و کسر القنوات و تدمیر المزارع، و اعتداء الجند علی الحاصلات الزراعیة. کما أن إهمال مشاریع الری و استواء الأرض فی هذه المنطقة
واسط فی العصر العباسی، ص: 219
کان یؤدی إلی تکرار الفیضانات و انغمار الأراضی بالمیاه و زیادة مساحات الأهوار و المستنقعات و کثرة الأملاح، فیقدم الزرّاع و الفلاحون إلی ترک أراضیهم و الهجرة إلی المدن.
ثم إن قلة المیاه فی نهر دجلة و قلة الأمطار و سقوط الثلوج فی بعض المواسم، کان یؤدی إلی تلف المزروعات و یرافق ذلک زیادة الأسعار و قیام المجاعة فی صفوف الفلاحین.
5- فئات أخری: إلی جانب ما تقدم نجد إشارات إلی الصیادین و اللصوص و الفقراء، إلا أنه لیست لدینا تفصیلات عنهم.
و أخیرا لا بد من الإشارة إلی أن طبقة العامة کانت قد ساهمت فی الأحداث السیاسیة التی قامت بواسط، فقد ذکرنا سابقا أنه فی سنة 408 ه/ 1017 م ضعف أمر الدیلم ببغداد فانحدروا إلی واسط للإقامة فیها، فخرج إلیهم العامة و الأتراک، و دارت معرکة بین الفریقین قتل فیها خلقا کثیرا من أتراک واسط و عامتها.
واسط فی العصر العباسی، ص: 220
و عندما خرج والی واسط أبو الغنائم علی طاعة الخلیفة العباسی القائم بأمر اللّه و خطب للمستنصر باللّه الفاطمی سنة 448 ه/ 1056 م أیده العامة.
و فی سنة 495 ه/ 1101 م سار أمیر البصرة إسماعیل بن سلانجق علی رأس جیشه إلی واسط للاستیلاء علیها، فدافع عنها أتراک واسط و العامة، و دارت معرکة بین الطرفین هزمت فیها قوات إسماعیل و عاد منسحبا إلی البصرة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 221

الفصل الخامس الحیاة الفکریة

اشارة

1- المؤسسات التعلیمیة:
أ- المساجد.
ب- الکتاتیب.
ج- المدارس.
د- الربط.
ه- الدور.
2- العلوم الدینیة:
أ- علم القراءات.
ب- علم الحدیث.
ج- الفقه.
3- العلوم العربیة:
أ- اللغة و النحو.
ب- الشعر.
4- العلوم التاریخیة:
أ- التاریخ.
ب- الجغرافیة.
5- العلوم العقلیة:
أ- الطب و الصیدلة.
ب- الفلک و النجوم.
ج- الریاضیات.
د- علوم أخری.
6- الصلات العلمیة بین واسط و العالم الإسلامی.
7- أشهر البیوتات العلمیة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 223

1- المؤسسات التعلیمیة

أ- المساجد:

لقد تم تدریس العلوم الدینیة و اللغویة فی المساجد الجامعة بواسط قبل نشوء المدارس فیها، و قد شهدت المساجد نشاطا علمیا واسعا فی هذا المجال، و قد ظلت هذه المساجد تؤدی وظیفتها العلمیة، و استمرت فی نشاطها العلمی حتی بعد نشوء المدارس و انتشارها فی هذه المدینة. و من الممکن أن ندرک النشاط العلمی الواسع لهذه المساجد من کثرة القراء و المحدثین و الفقهاء و الخطباء و تلامذتهم بواسط.
لقد أشارت المصادر إلی النشاط العلمی فی أول جامع انشئ بواسط الذی أطلق علیه المؤرخون اسم «جامع واسط» إلا أنه من المرجح أن
واسط فی العصر العباسی، ص: 224
النشاط العلمی لم یکن مقصورا علی هذا الجامع وحده، بل إن المساجد الجامعة الأخری شهدت نشاطا علمیا أیضا غیر أن المصادر أمسکت عن الإشارة إلیها.
و قد تولی التدریس بجامع واسط عدد من کبار العلماء منهم: أبو الطیب عبد الغفار بن عبید اللّه الحضینی الواسطی (ت 367 ه/ 977 م) الذی اقرأ القرآن الکریم و حدث بجامع واسط. و ربما اهتم بتدریس النحو و اللغة و الشعر لأنه کان من أهل المعرفة الجیدة بعلوم العربیة تتلمذ علیه عدد من الطلاب منهم أبو إسحاق إبراهیم بن سعید الرفاعی (ت 411 ه/ 1020 م) الذی تصدر للإقراء بالجامع بعد وفاة أستاذه، وحدث و درّس فی کتاب أبی غالب محمد بن أحمد بن سهل النحوی، و أبو القاسم علی بن طلحة بن کردان النحوی الواسطی (ت 424 ه/ 1032 م) الذی درّس النحو وحدث، و أبو علی حسن بن القاسم بن علی الواسطی المعروف بغلام الهراس (ت 468 ه/ 1075 م)، و الشیخ أبو المفضل هبة اللّه بن محمد بن مخلد الأزدی (ت 481 ه/ 1088 م) الذی «لازم الجامع معتکفا یقری‌ء القرآن و یملی الحدیث «کما یقول
واسط فی العصر العباسی، ص: 225
السلفی» و الشیخ أبو القاسم علی بن علی بن جعفر بن شیران (ت 524 ه/ 1129 م) الذی کان «مقدّم المصدّرین فی جامع واسط للإقراء» أقرأ القرآن وحدث و تتلمذ علیه عدد من شیوخ المقرئین بواسط. و أبو بکر عبد اللّه بن منصور بن عمران المعروف بابن الباقلانی منصور بن عمران المعروف بابن الباقلانی (ت 593 ه/ 1196 م) کان مسند القراء بالعراق. اقرأ القرآن بجامع واسط وحدث أکثر من (40) سنة و انفرد بروایة القراءات العشر. و أبو الحسن علی بن أحمد ابن سعید المعروف بابن الدباس الواسطی (ت 607 ه/ 1210 م) الذی کان رأسا فی معرفة القراءات و عللها و أسانیدها. أقرأ الناس القرآن بجامع واسط صدرا به مع ابن الباقلانی سنین، و لما انتقل إلی بغداد خلفه فی التدریس ابن أخته الشیخ أبو محمد عبد السمیع بن عبد العزیز بن غلاب المقری‌ء المعروف بسبط، بن الدباس (ت 618 ه/ 1221 م) و ربما درس الفرائض و قسمة الترکات لأنه کان من أهل المعرفة الکاملة بهما.
واسط فی العصر العباسی، ص: 226
و غیرهم کثیر لا یتسع المجال هنا لذکرهم.
و أخیرا لا بد من الإشارة إلی أنه جاء فی المصادر ذکر عدد غیر قلیل من أئمة المسجد الجامع بواسط، و أنهم أسهموا فی دراسة القرآن الکریم و علومه و صنفوا فی القراءات و حدثوا مع ذکر لتلامذتهم غیر أن هذه المصادر لا تشیر إلی أماکن تدریسهم الذی لا بد أن یکون مکانه- فی الغالب- المسجد الجامع نفسه الذی شهد معظم النشاط العلمی فی هذه المدینة.
و إلی جانب المساجد الجامعة، فإن مساجد المحلات کانت قد شهدت نشاطا علمیا أیضا، إلا أنه- علی ما یبدو- کانت أضیق نطاقا من النشاط العلمی الذی شهدته المساجد الجامعة، فقد ذکر السلفی أن بدر بن عبد اللّه الواسطی المقری‌ء کان له مسجد یقری‌ء فیه «و قد ختّم خلقا من عباد اللّه القرآن» و کان لأبی الحسین عبد اللّه بن أحمد بن شبح مسجد یقری‌ء فیه القرآن الکریم، و یذکر الإسنوی أن أبا جعفر هبة اللّه بن علی الواسطی الفقیه (ت 601 ه/ 1204 م) کان منقطعا فی مسجد الرزازین للفتوی و إقراء العلم و القرآن و روایة الحدیث.
واسط فی العصر العباسی، ص: 227
یتضح مما تقدم أن المساجد الجامعة و مساجد المحلات بواسط لم تکن مجرد دور عبادة تقام فیها الصلاة و تمارس فیها الشعائر الدینیة، و إنما کانت مؤسسات دینیة و ثقافیة، فقد تم فیها تدریس العلوم الدینیة و علوم العربیة، و ربما درست فیها علوم أخری کانت لها صلة بهذه العلوم، و أن نشوء المدارس و انتشارها فی هذه المدینة لم یؤد إلی تقلص الدراسة فی المساجد، و إنما سارت الدراسة فیهما جنبا إلی جنب.

ب- الکتاتیب:

إن الأخبار التی وصلتنا عن الکتاتیب بواسط غیر کاملة، فلم نجد فی المصادر أیة إشارة إلی عددها أو أماکنها أو المناهج التی کانت تدرّس فیها، غیر أن هناک إشارات إلی وجود المعلمین الذین علموا الأولاد فی هذه المدینة منذ العصر العباسی الأول، و هذا یدل بلا ریب أن الکتاتیب ظهرت بواسط منذ ذلک العصر. و قد استمرت الکتاتیب تؤدی مهمتها التعلیمیة إلی جانب المؤسسات التعلیمیة الأخری فی هذه المدینة. إلا أننا لا نعرف أی مرحلة دراسیة تمثل الدراسة فی کل مؤسسة من هذه المؤسسات، فهل أن التعلیم فی الکتاتیب یمثل المرحلة الأولی من مراحل الدراسة حیث ینتقل الطالب بعد إکماله لهذه المرحلة إلی الدراسة فی المساجد؟ و علی هذا یکون التعلیم فی المساجد یمثل المرحلة الثانیة من مراحل الدراسة؟ أم أن الطالب کان یلتحق بالمساجد بدون أن یتعلم فی الکتاتیب؟ و أی مرحلة من مراحل الدراسة تمثل الدراسة فی مدارس واسط؟
واسط فی العصر العباسی، ص: 228
إن هذه الأسئلة لا نجد لها جوابا فی النصوص المتیسرة لدینا، و لکن من المرجح أنه لا یوجد نظام معین یحدد اختیار التحاق الطالب بأی مؤسسة تعلیمیة، و أن رغبة الطالب و ظروفه هی التی تحدد التحاقه فی هذه المؤسسات.
أما أماکن هذه الکتاتیب فالغالب أنها کانت إما فی بیوت المعلمین أو فی مساجد المدینة أو أنها کانت مستقلة کما هو علیه الحال ببغداد.
أما المناهج الدراسیة فی هذه الکتاتیب، فبما أن معظم المعلمین الذین أشارت إلیهم المصادر بواسط هم من المحدثین و الفقهاء و الأدباء، فلا بد أن هؤلاء کانوا یعلمون الصبیان إضافة إلی القراءة و الکتابة و القرآن الکریم الأحادیث و مبادی‌ء الدین و شی‌ء من الشعر و الأدب.
و نجد فی هذه الفترة إشارات إلی المؤدبین بواسط و لا بد أن هؤلاء کانوا یقومون بمهمة تعلیم أولاد الولاة و الأعیان و کبار الموظفین فی هذه المدینة.

ج- المدارس:

اشارة

إن أقدم خبر وصل إلینا عن مدارس واسط یعود إلی بدایة القرن
واسط فی العصر العباسی، ص: 229
السادس الهجری/ الثانی عشر المیلادی غیر أنه من المرجح أن نشوء المدارس فی هذه المدینة یعود إلی ما قبل هذا التاریخ، فقد ذکر السبکی أن وزیر السلاجقة نظام الملک الطوسی (ت 486 ه/ 1093 م) قام بإنشاء مدارس فی أبرز مدن العراق و فارس «و یقال إن له فی کل مدینة بالعراق و خراسان مدرسة».
إن هذا النص یساعد علی الاستنتاج بأن نظام الملک- فی الغالب- أقام أحد مدارسه بمدینة واسط التی کانت آنذاک مرکزا لإدارة إحدی ولایات العراق المهمة.
و بما أن هدف نظام الملک الرئیسی من تأسیسه لمدارسه هو نشر المذهب الشافعی و مقاومة الدعوات المخالفة، فقد ظهرت بواسط و منطقتها منذ بدایة القرن الرابع الهجری/ العاشر المیلادی جماعة من الشیعة الإمامیة و الزیدیة و المعتزلة و الإسماعیلیة (الباطنیة) أسهمت فی الحرکة الفکریة، فکان منهم القراء و المحدثون و المفسرون و الأدباء و الشعراء و النحویون
واسط فی العصر العباسی، ص: 230
و کانت لهم قوة کبیرة بحیث مکنتهم من أن یتمردوا علی السلطة و أن یثیروا الفتن و الاضطرابات فی هذه المنطقة.
هذا و سنری من خلال البحث أن مدارس واسط کانت متأثرة بفکرة المدارس النظامیة التی رسمت لها مناهج واحدة و نظام واحد، فقد کانت معظم هذه المدارس خاصة بالمذهب الشافعی و مناهج الدراسة فیها تقوم علی تدریس القرآن الکریم و الحدیث و الفقه الشافعی و علوم العربیة، و یقوم أستاذ واحد بتدریس جمیع المواضیع المقررة فی المدرسة.
مما تقدم یتبین أن نظام الملک عندما انشأ مدارسه فمن المحتمل جدا أنه أقام مدرسة فی مثل هذه المدینة إلا أن المصادر أمسکت عن ذکرها.
هذا و قد أنشئت بواسط فی هذه الفترة عدة مدارس هی:

مدرسة الفارقی:

و هی أول مدرسة أشارت المصادر إلی إنشائها فی هذه المدینة، و کانت إحدی مدارس الشافعیة بواسط، انشأها القاضی أبو علی الحسن بن إبراهیم بن علی بن برهون الفارقی الفقیه الشافعی (ت 528 ه/ 1133 م) بعد أن تقلد القضاء بواسط سنة 485 ه/ 1092 م و قد تولی تدریس الفقه الشافعی و الحدیث فیها …
واسط فی العصر العباسی، ص: 231
و ظل هذا الفقیه یدرّس بها حتی وفاته. و قد تتلمذ علیه جماعة کبیرة من الفقهاء و تخرجوا به. و یظهر أن نشاط هذه المدرسة قد تضاءل و أنها أهملت بعد وفاة مؤسسها حیث لم تعد تحظ بإشارات المؤرخین بعد ذلک.

مدرسة ابن القاری‌ء:

و هی من مدارس الشافعیة، انشأها الشیخ أبو الفضل علی الواسطی المعروف بابن القاری‌ء القرشی الشافعی (ت 539 ه/ 1144 م) ثم تولی التدریس فیها و کانت مناهج الدراسة فی هذه المدرسة تقوم علی تعلیم العلوم الدینیة.
و من الذین درسوا فیها الشیخ أبو العباس أحمد بن علی الرفاعی الفقیه الشافعی (ت 578 ه/ 1182 م) صاحب کتاب «أهل الحقیقة مع اللّه» الذی کان «من أجلّ مشایخ العراق».
و یبدو أن مدة الدراسة فی هذه المدرسة لم تکن محددة فقد ذکر ابن الساعی أن الرفاعی مکث فی هذه المدرسة یتلقی العلوم عشرین سنة.
لا نعلم کم بقیت هذه المدرسة بعد وفاة مؤسسها، کما أننا لم نجد فی المصادر المتیسرة لدینا من مدرسی هذه المدرسة سواه.
واسط فی العصر العباسی، ص: 232

مدرسة ابن الکیال الواسطی:

و هی مدرسة للحنفیة کما یفهم من مذهب منشئها، فقد أنشأها و درس فیها الفقیه أبو الفتح نصر اللّه بن علی بن منصور بن علی الواسطی المعروف بابن الکیال (ت 586 ه/ 1190 م) الذی تولی القضاء بواسط سنة 584 ه/ 1188 م.
لا توجد أیة إشارة إلی تاریخ بناء هذه المدرسة أو موقعها، و لکن یفهم من کلام القرشی أنها بنیت فی النصف الأول من القرن السادس الهجری/ الثانی عشر المیلادی، فقد قال القرشی عندما ترجم لمؤسسها إنه «قدم بغداد فی سنة ثلاث و عشرین و خمسمائة و هو شاب یطلب العلم …
ثم عاد إلی واسط و درّس بها فی مدرسة تعرف به».
و تشیر المصادر إلی أن ابن الکیال أقرأ القرآن الکریم وحدث و درّس الخلاف بواسط و بغداد و اهتم بالأدب و النحو و اللغة. فلا بد أن مناهج الدراسة فی هذه المدرسة کانت تقوم علی تعلیم العلوم الدینیة و العربیة.
و من الذین درّسوا فی هذه المدرسة قاضی واسط و مشرف دیوانها الفقیه أبو المحاسن عبد اللطیف بن نصر اللّه بن الکیال (ت 605 ه/
واسط فی العصر العباسی، ص: 233
1208 م) الذی تصدر للتدریس فیها بعد وفاة والده سنة 586 ه/ 1190 م. و یذکر ابن الدبیثی أن هذه المدرسة کانت عامرة سنة 605 ه/ 1208 م و لکننا لا نعلم عنها شیئا بعد هذا التاریخ.

مدرسة خطلبرس:

تنسب هذه المدرسة إلی مقطع واسط «خطلبرس» الذی أنشأها فی أثناء إقامته بواسط (550- 561 ه/ 1155- 1165 م) فتکون هذه المدرسة معاصرة لمدرسة ابن الکیال الواسطی و کانت تقع فی الجانب الشرقی من واسط فی أعلی البلد و علی مقربة من دجلة. و قد أشار ابن الدبیثی إلی أن هذه المدرسة کانت قائمة سنة 610 ه/ 1213 م و لعلها استمرت فی نشاطها إلی ذلک التاریخ.
هذا و یری أحد الباحثین المحدثین أن هذه المدرسة هی المدرسة البرانیة بواسط التی بقیت التدریسات فیها قائمة إلی ما بعد سنة 738 ه/ 1337 م و قد اعتمد فی رأیه علی نص ورد فی کتاب «ذیل تاریخ مدینة السلام بغداد» لابن الدبیثی، غیر أننا لا نتفق مع ما ذهب إلیه الکاتب و ذلک لأن ابن الدبیثی بین أن موقع المدرسة کان فی أعلی الجانب الشرقی من المدینة علی دجلة. بینما النصوص التی وردت فیها ذکر المدرسة
واسط فی العصر العباسی، ص: 234
البرانیة لا تشیر إلی الجانب الذی کانت تقع فیه المدرسة، ثم إن النص الذی ورد فی کتاب ابن الدبیثی هو نص متقدم یتعلق بخبر یعود إلی سنة 610 ه/ 213 م.

مدرسة الغزنوی:

هذه المدرسة منسوبة إلی الفقیه أبی الفضل محمود بن أحمد بن عبد الرحمن الغزنوی (ت 563 ه/ 1167 م) و کانت تقع بمحلة الوراقین بواسط. و قد کانت مخصصة للمذهب الحنفی، لم نجد إشارة إلی من درّس فی هذه المدرسة و لکن یمکن القول إن الغزنوی کان أول من تولی التدریس فیها نظرا لما کان یتمتع به من مکانة علمیة بارزة. فقد ذکر القرشی نقلا عن ابن النجار أنه صحب أبا الفتوح أحمد بن محمد الغزالی و أخذ عنه علم الوعظ، و قدم بغداد سنة 557 ه/ 1161 م و عقد مجلس الوعظ بجامع القصر، و حدث بکتاب «تفسیر الفقهاء و تکذیب السفهاء» لأبی الفتح عبد الصمد بن محمود بن یونس الغزنوی عن ولده القاضی یحیی بن عبد الصمد عن أبیه، ثم انتقل إلی واسط و استوطنها إلی حین وفاته.

مدرسة ابن ورام:

تنسب هذه المدرسة إلی شرف الدولة محمد بن ورام، و کانت من مدارس الشافعیة و لا یعلم من هو ابن ورام هذا المنسوبة
واسط فی العصر العباسی، ص: 235
إلیه، و متی أسست هذه المدرسة، و لکن یمکن القول إنها کانت موجودة قبل سنة 573 ه/ 1177 م فقد ورد ذکر هذه المدرسة فی کتاب «تاریخ واسط» بصدد سماعه، فقد جاء فیه «سمع جمیع هذا الکتاب و هو تاریخ واسط لبحشل … بواسط فی مدرسة شرف الدولة محمد بن ورام، نوّر اللّه ضریحه، فی مجالس آخرها الاثنین رابع عشرین ذی القعدة من سنة ثلاث و سبعین و خمسمائة».
و ممن تولی التدریس فی هذه المدرسة هو أبو علی الحسن بن أحمد ابن عبد اللّه الواسطی (ت 576 ه/ 1180 م).

المدرسة الشرابیة:

و هی من أعظم المدارس الشافعیة بواسط، تنسب إلی شرف الدین أبی الفضائل إقبال بن عبد اللّه الشرابی الشافعی (ت 653 ه/ 1255 م) الذی أمر ببنائها للشافعیة، و کانت تقع فی الجانب الشرقی من المدینة علی دجلة، و قد افتتحت هذه المدرسة سنة 632 ه/ 1234 م و کانت لهذه المدرسة أهمیة خاصة، و تأتی أهمیتها من کونها تحت رعایة الشرابی فقد ذکر صاحب کتاب «الحوادث الجامعة» أن الشرابی خلع علی مدرسیها و المعیدین بها و علی طلابها و الحاشیة الذین رتبوا لخدمتها و یذکر ابن
واسط فی العصر العباسی، ص: 236
الفوطی أنه «وقف علیها الوقوف الجلیلة» و عهد إلی أبی حفص عمر بن أبی بکر إسحاق الدورقی أن یتولی هو و أولاده من بعده النظر فی أوقافها و الإشراف علی شؤونها.
و مما لا شک فیه أن هذه الوقوف جعلها الشرابی إیرادات ثابتة لمدرسته و ذلک لتأمین رواتب مدرسیها و طلابها و من یقوم بخدمتها من خزنة و بوابین و فراشین و غیرهم.
و یظهر أن مناهج الدراسة فی هذه المدرسة فی السنین الأولی اقتصرت علی تدریس الفقه الشافعی و ربما العلوم العربیة، فقد ذکر صاحب کتاب الحوادث الجامعة أنه رتب بها مدرسا و معیدین و اثنین و عشرین فقیها.
إن أول مدرس رتب فی هذه المدرسة هو أحمد بن نجا الواسطی (ت بعد 632 ه/ 1234 م) و کان معه معیدان و فی سنة 648 ه/ 1250 م رتب الشرابی عماد الدین أبو ذی الفقار محمد بن الأشرف ذی الفقار بن أبی جعفر المرندی (ت 680 ه/ 1281 م) الذی کان قد تلقی علومه الفقهیة فی المدرسة المستنصریة ببغداد منذ سنة 631 ه/ 1233 م و ولی التدریس فیها أیضا قاضی واسط عماد الدین أبو یحیی زکریا بن محمد بن محمود
واسط فی العصر العباسی، ص: 237
الأنصاری القزوینی (ت 682 ه/ 1283 م) ولد بقزوین سنة 598 ه/ 1201 م و کان ینتمی إلی أسرة عربیة من سلالة أنس بن مالک الأنصاری برز فیها عدد من الفقهاء رحل إلی دمشق و الموصل و بغداد و اتصل بالعلماء و أخذ العلم عنهم. و یظهر أن دراسته للفقه قد مکنته أن یتولی منصب القضاء، فقد تولی القضاء بالحلة سنة 650 ه/ 1252 م ثم نقل إلی القضاء بواسط سنة 652 ه/ 1254 م و أضیف إلیه التدریس بالمدرسة الشرابیة، و لم یزل علی ذلک حتی وفاته.
وصفه المؤرخون بأنه کان عالما فاضلا، حسن السیرة عفیفا، و یقول عنه کراتشکوفسکی: «و القزوینی ککاتب یتمیز بالوضوح فی الأسلوب الذی یبلغ به فی واقع الأمر درجة رفیعة، و هو بلا ریب نابغة کمبسط للمعارف یفرض مادته العلمیة فی کثیر من المهارة بحیث لا تنفر القاری‌ء، و لدیه مقدرة فائقة فی تبسیط أکثر الظواهر تعقیدا و ذلک بطریقة جذابة واضحة … و یکاد یکون أکثر الکتاب العرب قاطبة قربا إلی الجماهیر».
واسط فی العصر العباسی، ص: 238
صنف أربعة کتب، الأول هو کتاب «عجائب المخلوقات و غرائب الموجودات» و قد تکلم فیه عن مختلف علوم عصره. و لأهمیة هذا الکتاب فإننا نجد له نسخا خطیة مبعثرة فی مکتبات العالم، و طبع مرات عدیدة و ترجم إلی لغات مختلفة. أما الکتاب الثانی فهو «آثار البلاد
واسط فی العصر العباسی، ص: 239
و أخبار العباد» و یسمی أیضا «عجائب البلدان».
و هذان الکتابان حملا (الدومییلی)aldo -mielli علی القول إن القزوینی صنف دائرة معارف مشهورة بالعربیة جعلته جدیرا بلقب «بلیناس» القرون الوسطی، و هی مجموعة ذات أهمیة.
و قال کراتشکوفسکی: إن القزوینی «وضع مصنفا ترکیبیّا یجمع کل معارف عصره» کما صنف کتابین آخرین هما: «خطط مصر» و «الدر المنضود فی عجائب الوجود».
واسط فی العصر العباسی، ص: 240

د- الربط:

لقد تحدثنا عن الربط التی أقیمت بواسط فی أثناء الکلام عن التطور العمرانی الذی حدث فی هذه المدینة، و سوف نتحدث هنا عن الدور التعلیمی للربط و ذلک لأن الربط فی هذه المدینة لم تکن مقصورة علی التعبد و التزهد بل کان لها دور فی حرکة التعلیم حیث کانت أماکن للدراسة و خاصة فیما یتعلق بالعلوم الدینیة، فقد کانت تتخذ ملجأ للفقراء و الصوفیة و الزهاد، و منازل للعلماء و الطلاب الراحلین إلی واسط لطلب العلم أو نشره و مکانا لتعلیم القرآن و الحدیث و الوعظ.
و لعل من المفید أن نستعرض أهم ما ورد عن النشاطات العلمیة فی الربط لنتفهم دورها فی حرکة التعلیم فی هذه المدینة.
یذکر ابن الدبیثی أن الشیخ أبا الفتح محمد بن إبراهیم بن عبید اللّه الواعظ من أهل بروجرد قدم بغداد و حدث بها ثم سکن بواسط سنة 510 ه/ 1116 م و نزل رباط النوی و حدث به و وعظ إلی حین وفاته، و سمع منه جماعة من أهل واسط.
و کان للشیخ أبی الفضل محمد بن أحمد بن عبید اللّه الآمدی الواسطی (ت 578 ه/ 1182 م) رباط بواسط، و قد أورد ابن الدبیثی و هو معاصر معلومات عن نشاطه و دوره العلمی فقال: «شیخ من أهل القرآن و التصوف و الحدیث.. سمعنا منه بواسط کثیرا و کتبنا عنه، و کان صحیح السماع له سمة الشیوخ» غیر أنه لم یذکر المکان الذی سمع علیه الذی هو- فی الغالب- الرباط.
واسط فی العصر العباسی، ص: 241
و یذکر صاحب کتاب الحوادث الجامعة أنه فی سنة 642 ه/ 1244 م أنشأ أبو حفص عمر بن إسحاق الدورقی رباطا فی الجانب الشرقی من المدینة و أسکن فیه جماعة من الفقراء و رتب فیه مقرئا للقرآن الکریم و محدثا و إماما و أجری علیهم الجرایات الیومیة و الشهریة، ثم أنشأ رباطا آخر قرب المدرسة الشرابیة.
و کانت بعض الربط مسکنا لأهل الشعر و الأدب، فقد ذکر الأصبهانی أن الشاعر أبا الفرج العلاء بن علی بن محمد بن السوادی الواسطی کان یسکن فی رباط قراجة، و کان الأصبهانی یلتقی به بواسط فأشار إلی فضله علی الأدب هناک.
و یتضح من النصوص التاریخیة أن الربط فی هذه المدینة کانت أهلیة ینشئها الزهاد و المتصوفة و لیس لدینا ما یشیر إلی أن الدولة قد أنشأت رباطا فیها، و یکون للرباط عادة شیخ و خادم و نجد إشارة إلی رتبة شیخ الشیوخ الذی کان یتولی- علی ما یبدو- تعیین الشیوخ فی الربط العائدة له و الأشراف علیهم و کان یوصی بتعیین من یخلفه بعد وفاته.
أما عن المشاهد فیبدو أنها أسهمت هی الأخری فی حرکة التعلیم و التألیف و الإجازة فی هذه المدینة، فقد وجد بخط أحمد بن محمد بن أحمد ثبت قراءته و سماع آخرین معه علی الشیخ الإمام أبی العباس أحمد
واسط فی العصر العباسی، ص: 242
ابن سالم بن ملکتویه البرجونی (ت 587 ه/ 1191 م) لکتاب «تاریخ واسط» لأسلم بن سهل الرزاز الواسطی فی 11 ربیع الآخر سنة 587 ه بمشهد سعید بن جبیر.

ه- الدور:

لقد أسهمت دور العلماء بواسط بنشر الثقافة فی هذه المدینة، حیث اتخذ بعضهم داره الخاصة مکانا للتعلیم، و سوف نری من خلال البحث أن هذا النوع من التعلیم ظهر بواسط قبل ظهور المدارس فیها، و أنه استمر حتی بعد إنشاء المدارس و انتشارها فیها. و قد وردت فی المصادر أخبار غیر قلیلة عن دورها الثقافی منها:
یذکر القفطی أنه عندما جاء أبو الفتح عثمان بن جنی الموصلی النحوی اللغوی (ت 372 ه/ 982 م) إلی واسط نزل فی دار الشریف أبی علی الجوانی نقیب العلویین بواسط، قصده العلماء فأملی علیهم دروسا سماها «الواسطیة».
و أن الشیخ أبا علی أحمد بن محمد بن أحمد العطار الواسطی المقری‌ء، قرأ القرآن الکریم علیه جماعة فی منزله سنة 404 ه/ 1013 م.
و لما استوطن الوزیر أبو العلاء محمد بن الحسن بن الحسین الشیرازی (ت 500 ه/ 1106 م) واسط، انقطع فی منزله فقصده الناس
واسط فی العصر العباسی، ص: 243
للقراءة و السماع علیه إلی حین وفاته.
و کان بیت أبی علی أحمد بن محمد بن جعفر بن مختار الواسطی النحوی المحدث (ت 501 ه/ 1107 م) مألفا لأهل العلم کما یقول یاقوت.
و کان أبو العز محمد بن الحسین بن بندار القلانسی المقری‌ء (ت 521 ه/ 1127 م) یقری‌ء الناس القرآن الکریم فی داره و یمنحهم الإجازات.
و أن الشیخ أبا طالب محمد بن علی بن أحمد بن الکتانی (ت 579 ه/ 1183 م) أملی و درّس الحدیث بداره.

2- العلوم الدینیة:

أ- علم القراءات:

لقد أصبحت واسط فی هذه الفترة- موضوع البحث- من المراکز الثقافیة المهمة فی العالم الإسلامی لتدریس القرآن الکریم و علومه المختلفة، و کانت لا تقل أهمیة و نشاطا عن بغداد فی هذا الجانب العلمی، فقد برز فیها عدد من القراء الکبار کانوا علی جانب کبیر من المعرفة بقراءة القرآن الکریم و علومه.
و یظهر مما جاء فی المصادر أن القراءات السبع هی التی کانت معتمدة فی قراءة القرآن الکریم بواسط، و خاصة قراءة عاصم و ذلک لأن
واسط فی العصر العباسی، ص: 244
أوائل القراء فی هذه المدینة کانوا قد قرأوا القرآن الکریم علی تلامذته فی الکوفة و علی أبی بکر بن مجاهد ببغداد. هذا وسوف نری من خلال البحث أن القراءات العشر کانت معتمدة فی قراءة القرآن الکریم أیضا.
و قد برز بواسط عدد من شیوخ القراء منهم:
أبو الطیب عبد الغفار بن عبید اللّه الحضینی (ت 367 ه/ 977 م) الذی کان شیخ الإقراء بواسط قرأ القرآن الکریم علی أبی بکر بن مجاهد، و محمد بن جعفر بن خلیل و أحمد بن سعید الواسطی، و أبی أحمد العباس بن الفضل بن جعفر الواسطی و آخرین ثم تصدّر لإقراء القرآن الکریم بجامع واسط- کما أشرنا سابقا- و قرأ علیه عدد من شیوخ القراء بواسط و بغداد منهم أبو إسحاق الرفاعی الواسطی، و أبو بکر أحمد ابن المبارک الواسطی، و محمد بن الحسین الکازرینی و غیرهم و قرأ أبو
واسط فی العصر العباسی، ص: 245
علی المعروف بغلام الهراس الواسطی علی أبی إسحاق الرفاعی علی قراءته علیه. ألف کتابا فی القراءات.
و أبو علی حسن بن القاسم بن علی الواسطی المعروف بغلام الهرّاس (ت 468 ه/ 1075 م) الذی وصف بأنه «شیخ القراء و مسند العراق» و «إمام الحرمین» و «طبقة العصر» قرأ القرآن الکریم بواسط علی أبی إسحاق الرفاعی، و أبی محمد عبد اللّه بن أبی عبد اللّه العلوی ثم رحل فی طلبه إلی بغداد و الکوفة و البصرة و مکة و حران و دمشق و مصر.
و تشیر المصادر إلی أنه تصدر للإقراء بجامع دمشق مدة مع شیوخه الذین درس علیهم، و أنه أقام بمصر «فرحل الناس إلیه من کل ناحیة» و لما عاد إلی واسط تصدر للإقراء فی المسجد الجامع و تتلمذ علیه عدد من
واسط فی العصر العباسی، ص: 246
شیوخ القراء فی هذه المدینة منهم أبو العز القلانسی، و أبو المجد محمد ابن محمد بن جهور، و أبو القاسم علی بن علی بن شیران «و رحل إلیه الناس من الآفاق و قرأوا علیه».
أقرأ کتاب «الکفایة فی القراءات العشر» لأبی العز القلانسی، و أسند قراءة أبی عمرو عن أبی قرة عن أبی بکر بن مجاهد «و لم یکن فی عصره من یشارکه فی ذلک» کما یقول السمعانی.
و من کبار القراء فی هذه المدینة الشیخ أبو العز محمد بن الحسین بن بندار الواسطی المعروف بالقلانسی (ت 521 ه/ 1127 م) الذی کان «بصیرا بالقراءات و عللها و غوامضها عارفا بطرقها عالی الإسناد» و «أحد الأئمة الأعیان فی علوم القرآن» و «مقری‌ء العراق».
قرأ القرآن الکریم بواسط علی أبی علی غلام الهرّاس و آخرین ثم
واسط فی العصر العباسی، ص: 247
رحل فی طلبه سنة 461 ه/ 1068 م إلی بغداد ثم إلی «أوانا» و قرأ بها علی أبی الفوارس محمد بن العباس الصریفینی، و أسند عنه فی قراءة عاصم بن أبی النجود الکوفی من روایة أبی بکر بن عیاش عنه، و لما عاد إلی واسط تصدر للإقراء، و تتلمذ علیه عدد من شیوخ القراء فی هذه المدینة منهم أبو الفتح المبارک بن زریق الحداد، و هبة اللّه بن قسام، و أبو بکر عبد اللّه بن منصور الباقلانی «و رحل الناس إلیه من الأقطار» و أشارت المصادر إلی أنه أقرأ القرآن الکریم ببغداد. و مما یدل علی سعة علم القلانسی و معرفته بعلم القراءات أنه ألف کتبا فی ذلک منها: کتاب «الإرشاد فی قراءة العشرة» و کتاب «الکفایة» و قد أشار ابن الجزری
واسط فی العصر العباسی، ص: 248
إلی أنه قرأ هذین الکتابین و درّسهما و حصلت له روایة «الإرشاد فی العشر» و جاء فی المصادر أنه ألف کتبا أخری هی: «إرشاد المبتدی و تذکرة المنتهی فی علم القراءات» و لهذا الکتاب نسخ خطیة فی مکتبات العالم. و کتاب «التبصرة» و کتاب «اختلاف القراء».
و مما یشیر إلی منزلة القلانسی العلمیة و شهرته فی بلدان العالم الإسلامی ما ذکره ابن الدبیثی، أنه وردت إلی أبی العز القلانسی رقعة فیها سؤال عن بیتین من الشعر من بلاد الغرب، و کان قد وقف قراءهم علیهما فلم یستطع أحد منهم الإجابة فلما قرأها القلانسی کتب الجواب کاملا.
و من القراء الکبار أیضا أبو الفتح نصر اللّه بن علی بن منصور المعروف بابن الکیّال الواسطی (ت 586 ه/ 1190 م) الذی وصف بأنه کان
واسط فی العصر العباسی، ص: 249
«شیخ الإقراء بواسط» قرأ القرآن الکریم بالروایات العشر بواسط علی أبی القاسم علی بن علی بن شیران و آخرین، ثم قدم إلی بغداد فی سنة 523 ه/ 1128 م و قرأ القرآن الکریم علی أبی عبد اللّه الحسین بن محمد البارع، و درس الفقه الحنفی، و سمع الحدیث ثم عاد إلی واسط و أقرأ القرآن الکریم بالقراءات العشر، قرأ علیه کل من مرجا بن شقیرة، و أبی طالب عبد الرحمن بن عبد السمیع، و عمر بن عبد الواحد و علی بن مسعود ابن هیاب و ابن الدبیثی.
و قصده الطلبة من بغداد للقراءة علیه و یذکر الذهبی أنه أقرأ القرآن ببغداد ألف کتاب «المفیدة فی القراءات العشر».
و أبو بکر عبد اللّه بن منصور بن عمران الواسطی المعروف بابن الباقلانی (ت 593 ه/ 1196 م) الذی کان «مسند القراء بالعراق» و «شیخ أهل واسط فی القراءة و معرفة التلاوة و القرآن» قرأ القرآن الکریم
واسط فی العصر العباسی، ص: 250
بالقراءات بواسط علی أبی القاسم علی بن علی بن شیران، و أبی العز القلانسی و انفرد بروایة القراءات العشر تلاوة عن القلانسی. ثم سمع الحدیث من کبار المحدثین، و قدم بغداد و قرأ القرآن الکریم علی عدد من المقرئین و سمع الحدیث، ثم عاد إلی واسط و تصدر للإقراء بالمسجد الجامع أکثر من أربعین سنة «و انتهی إلیه علوّ الإسناد و رحل إلیه الطلبة و طار ذکره و بعد صیته».
قرأ علیه القرآن الکریم بالقراءات بواسط کل من أبی الفرج بن الجوزی، و ابنه یوسف و أبی عبد اللّه ابن الدبیثی و علی بن باسویه الواسطی و الحسن بن أبی الحسن الطیبی، و المرجا بن شقیرة، و الشریف أبی البدر محمد بن عمر بن الداعی الرشیدی الواسطی و هو آخر من روی القراءات عنه، و غیر هؤلاء.
واسط فی العصر العباسی، ص: 251
و یذکر الذهبی نقلا عن ابن عساکر قوله إن ابن الباقلانی «قدم دمشق و أقرأ بها علی کتاب الغایة لابن مهران و تفسیر الوسیط للواحدی».
و اهتم ابن الباقلانی بالحدیث فقد أشارت المصادر إلی أنه حدث بواسط و بغداد بسنن أبی داود.
و یتضح مما تقدم أن ابن الباقلانی اعتمد فی تدریسه للقرآن الکریم علی مؤلفات أستاذه أبی العز القلانسی و آخرین، فعلی الرغم من منزلته العلمیة و نشاطه لم نسمع أنه ألف کتابا فی علوم القرآن الکریم.
و الشیخ أبو جعفر المبارک بن المبارک بن أحمد بن زریق الحداد الواسطی (ت 596 ه/ 1199 م) إمام المسجد الجامع بواسط الذی کان «رأسا فی معرفة الفن» قرأ القرآن الکریم بواسط علی والده و آخرین و سمع الحدیث، ثم قدم بغداد و قرأ القرآن الکریم علی الشیخ أبی محمد عبد اللّه بن علی سبط الشیخ أبی منصور الخیاط، و سمع الحدیث ثم عاد إلی واسط و أقرأ القرآن الکریم بالقراءات، و قرأ علیه کل من أبی عبد اللّه ابن الدبیثی و الشریف أبی البدر ابن الداعی الرشیدی الواسطی
واسط فی العصر العباسی، ص: 252
و آخرین. ألف کتاب «الخیرة فی القراءات العشر».
و یبدو أن أبا جعفر کان قد اهتم أیضا بالحدیث فقد أشارت المصادر إلی أنه حدث بواسط و بغداد و الموصل.
و الشیخ أبو العباس أحمد بن محمد بن أبی المکارم الواسطی المعروف بابن دولة (ت 653 ه/ 1255 م) قرأ القرآن بواسط علی أبی العز عبد السمیع بن عبد العزیز بن غلاب الواسطی، و أبی الحسن علی بن مسعود بن هیاب الواسطی عن قراءتهم علی هبة اللّه بن قسام عن أبی العز القلانسی، روی عنه القراءة حسن بن صالح القوسانی و علی بن عبد العزیز بن محمد الأربلی. ألف کتاب «المبهرة فی القراءات العشرة» و کتاب «المغنیة فی العشر» نظما.
و بالإضافة إلی ما تقدم فقد ظهر فی هذه المدینة عدد آخر من القراء.
واسط فی العصر العباسی، ص: 253
من الأمثلة القلیلة التی ذکرناها و التی هی نماذج فقط لسواها مما حفلت به المصادر نری أنه ظهر بواسط عدد من کبار القراء الذین قرأوا القرآن الکریم فی هذه المدینة ثم رحلوا فی طلبه إلی بلاد کثیرة، و تصدر بعضهم لإقرائه هناک و تتلمذ علیهم عدد من القراء فی تلک البلدان ثم عادوا إلی واسط، و تصدروا لإقراء القرآن الکریم، و قد اعتمد هؤلاء القراء القراءات السبع، و القراءات العشر فی قراءاتهم. و قد نال هؤلاء القراء منزلة علمیة و شهرة واسعة فشدّ الرحال إلیهم عدد من طلبة العلم من شتی أنحاء العالم الإسلامی للقراءة علیهم و الحصول علی إجازاتهم العلمیة.
و قد بلغ البعض منهم من سعة العلم و المعرفة بعلم القراءات أنهم ألفوا کتبا فی ذلک اعتمدها القراء فی تدریسهم بواسط و مدن أخری، و لا یزال للبعض منها نسخ خطیة فی مکتبات العالم، و یدل هذا علی أن علماء هذه المدینة کانوا قد أسهموا فی هذا العلم إلی جانب العلماء المسلمین الذین اهتموا فیه.

ب- علم الحدیث:

کان اهتمام بالحدیث أهم ما یمیز الحرکة الفکریة بواسط، فقد قدم إلی هذه المدینة عدد من الصحابة و التابعین و استوطنوها منذ تأسیسها و حدثوا فیها، و قد سمع الحدیث علیهم عدد من أهل واسط ورووا عنهم، ثم تناقلته الأجیال فی هذه المدینة مما أدی إلی ظهور مجموعة کبیرة من العلماء الذین تخصصوا بالحدیث، و قد أوردت المصادر أسماء
واسط فی العصر العباسی، ص: 254
عدد من هؤلاء المحدّثین.
و قد رحل إلی واسط عدد من العلماء و طلاب الحدیث من شتی أنحاء العالم الإسلامی لسماع الحدیث من مشایخها و القراءة علیهم، کما
واسط فی العصر العباسی، ص: 255
حدث عدد من المحدثین الواسطیین ببغداد و غیرها من مدن العراق.
و لعل سبب اهتمام أهل واسط فی هذا النوع من الدراسات الدینیة فی تلک الفترة یرجع إلی کون الحدیث یعتبر المصدر الثانی للتشریع الإسلامی من جهة، أما من الجهة الأخری فإن سکان هذه المدینة کانوا قد فقدوا امتیازاتهم السیاسیة و الاقتصادیة فی ظل الدولة العباسیة، فقد أصبحت مدینتهم إحدی مدن هذه الدولة بعد أن کانت فی أیام الدولة الأمویة مرکزا لإدارة العراق و المشرق الإسلامی. و کان یرد إلیها مبالغ کبیرة من الأموال سواء ما یجبی من العراق أو من بقیة المقاطعات التابعة لإدارتها، أو من غنائم الحروب التی کانت توزع علی مقاتلیها. کما أنهم أبعدوا من تولی المناصب التی استأثر بها رجال الدولة العباسیة، فانصرف سکانها إلی الدراسات الدینیة التی وجدوا فیها وسیلة لمعارضة العباسیین.
و فی فترة دراستنا اهتم أکثر علماء واسط بالحدیث، و قد وردت أخبار
واسط فی العصر العباسی، ص: 256
کثیرة عن المحدّثین و روایاتهم و سماعاتهم و قراءاتهم و إملائهم و إجازاتهم، و الرحلة فی طلبه إلی هذه المدینة، غیر أن ما ورد عن التألیف فی علم الحدیث کان قلیلا و لا یتناسب مع عدد المحدّثین و مکانتهم العلمیة، و یرجع سبب ذلک- فی الغالب- إلی اعتماد هذا العلم علی السماع و الروایة و الحفظ أکثر من اعتماده علی التدوین و الکتابة، کما أن الحدیث کان قد دون بکتب الصحاح و المسانید و غیرها، فاهتم العلماء بدراسة هذه الکتب و حفظها و روایة الأحادیث التی وردت فیها سماعا و قراءة و کتابة کما سنری من خلال البحث.
و سوف نتکلم عن أشهر المحدثین الذین ظهروا بواسط فی فترة دراستنا لنبین الدور الذی لعبته هذه المدینة فی مجال علم الحدیث و هم:
أبو محمد عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه المزنی الواسطی المعروف بابن السقاء (ت 373 ه/ 983 م) الذی وصفته المصادر بأنه کان «محدث واسط» و من «الحفاظ الثقات» سمع الحدیث من کبار المحدثین بواسط منهم زکریا بن یحیی الساجی و محمود بن محمد و جعفر بن أحمد
واسط فی العصر العباسی، ص: 257
ابن سنان و سهل بن أحمد بن عثمان، و خلق کثیر من الغرباء ثم رحل فی طلبه إلی بغداد و الموصل و الکوفة و مکة و البصرة و تستر، و لقی کبار أئمة الحدیث و سمع منهم، ثم عاد إلی واسط و حدث بواسط و بغداد روی عنه أبو الحسن الدار قطنی و یوسف بن عمر القواس و القاضی أبو العلاء محمد بن علی بن یعقوب الواسطی و أبو الحسین محمد بن المظفر الحافظ.
و أبو نعیم محمد بن إبراهیم بن محمد الجماری (ت فی حدود 500 ه/ 1106 م) حدث بواسط بمسند مسدد بن مسرهد عن أحمد بن المظفر بن أحمد العطار الواسطی عن أبی محمد بن السقاء، حدث عنه بواسط أبو الحسن علی بن المبارک بن نغوبا الواسطی، و أبو جعفر هبة اللّه بن یحیی بن البوقی الواسطی، و أبو طالب محمد بن علی بن الکتانی الواسطی، و هبة اللّه بن نصر المخلدی.
و الإمام الحافظ أبو الکرم خمیس بن علی بن أحمد الحوزی (ت 510 ه/ 1116 م) الذی أجمع المؤرخون الذین ترجموا له علی حفظه
واسط فی العصر العباسی؛ ص257
واسط فی العصر العباسی، ص: 258
للحدیث و إتقانه و تحقیقه فیه و معرفته برجاله.
سمع الحدیث من کبار أئمة عصره بواسط و بغداد، منهم علی بن محمد الندیم، و أبی القاسم بن البسری البندار، و أبی نصر الزینبی، و هبة اللّه بن الجلخت و آخرین. و حدث بواسط و بغداد و مدن أخری. سمع منه کل من الحافظ أبی طاهر السلفی، و الشیخ أبی الجوائز سعد بن عبد الکریم و أحمد بن سالم البرجونی و عبد الوهاب بن الحسن و أبی بکر عبد اللّه بن منصور بن الباقلانی و أبی الفرج أحمد بن مبارک بن نغوبا الواسطیین و غیرهم و رووا عنه. و قد سأله أبو طاهر السلفی عن جماعة من العلماء بواسط فأجابه و قد جمع السلفی ذلک فی کتاب.
و یبدو أنه کان قد صنف فی الحدیث و علومه فقد ذکر ابن النجار أنه کان عنده کتاب یدون فیه من حفظه، و ذکر الذهبی أنه «کتب و جمع و جرح و عدل».
و أبو عبد اللّه محمد بن علی بن محمد الجلّابی المعروف بابن
واسط فی العصر العباسی، ص: 259
المغازلی (ت 542 ه/ 1147 م) الذی تولی القضاء بواسط. کان «شیخا فاضلا عالما» کما یقول السمعانی، سمع الحدیث بواسط من والده، و أبی الحسن محمد بن محمد بن مخلد الأزدی، و أبی علی إسماعیل بن أحمد بن کماری، و أبی محمد الحسن بن أحمد الغندجانی و غیرهم ثم رحل إلی بغداد و سمع بها الحدیث ثم عاد إلی واسط ثم قدم بغداد سنة 520 ه/ 1126 م و حدث بها.
و الظاهر أن ابن المغازلی کان یتمتع بشهرة علمیة واسعة فقد قصده السمعانی سنة 533 ه/ 1138 م و سمع علیه مسند أحمد بن سنان القطان الواسطی و قرأ علیه «تاریخ واسط» لبحشل، و قال: «سمعت منه الکثیر بواسط فی النوبتین جمیعا و کنت ألازمه مدة مقامی بواسط، و قرأت علیه الکثیر» و أثنی علیه. حدث بواسط بمسند أحمد بن سنان القطان الواسطی.
و أبو الفضل محمد بن محمد بن عبد الکریم المعروف بابن أبی زنبقة
واسط فی العصر العباسی، ص: 260
(ت 555 ه/ 1160 م) سمع الحدیث بواسط من والده، و من أبی المفضل محمد بن محمد بن السوادی، و أبی غالب محمد بن أحمد بن حمد و آخرین ثم ذهب إلی بغداد طلبا للحدیث فی سنة 508 ه/ 1114 م و سمع بها «صحیح البخاری» من نور الهدی أبی طالب الحسن بن محمد الزینبی، و لما عاد إلی واسط حدث به، و سمع منه کبار العلماء بواسط منهم ابنه أبو عبد اللّه الحسن، و أبو الحسن علی بن أحمد بن الدباس و الشریف أبو طالب عبد الرحمن بن محمد بن عبد السمیع الهاشمی، و أبو یعلی محمد بن علی بن القاری‌ء و غیرهم.
و من کبار المحدثین بواسط الشیخ أبو طالب محمد بن علی بن أحمد ابن الکتانی (ت 579 ه/ 1183 م) کان یتولی القضاء و الحسبة بواسط سمع الحدیث من شیوخ واسط منهم أبو الحسن محمد بن علی بن أبی الصقر الواسطی، و أبو الحسن علی بن محمد، و أبو نعیم محمد بن إبراهیم بن الجماری، و أبو نعیم محمد بن علی بن زبزب، و أبو الحسن أحمد بن محمد بن العکبری، و أبو الحسن علی بن عبد الغفار الواسطیین، قدم بغداد مرات عدیدة و لقی رجال الحدیث و سمع منهم، و حصل علی إجازات من کبار المحدثین، انفرد بها، و حدث ببغداد.
واسط فی العصر العباسی، ص: 261
و نظرا للمکانة العلمیة التی وصل إلیها ابن الکتانی فی الحدیث و حفظه، و معرفة فی علومه فقد رحل إلیه عدد کبیر من طلاب الحدیث من بغداد و من شتی أنحاء العالم الإسلامی و سمعوا علیه، و کتبوا عنه کما سمع علیه شیوخ الحدیث بواسط و کتبوا عنه، منهم أبو البقا هبة الکریم بن الحسن بن حباش، و أبو علی الحسن بن هبة اللّه بن البوقی، و أبو الحسن محمد بن الحسن بن أبی العلاء الوزیر، و أبو الفتح محمد بن أحمد بن المندائی، و أبو طالب عبد الرحمن بن محمد بن عبد السمیع الهاشمی، و أبو عبد اللّه بن الدبیثی و غیرهم حدث بمسند مسدد بن مسرهد و أقرأ «صحیح البخاری» و کتاب «تاریخ واسط» لبحشل.
و الشیخ أبو الفتح محمد بن أحمد بن بختیار الواسطی المعروف بابن المندائی (ت 605 ه/ 1208 م) الذی وصف بأنه «مسند العراق» و «أسند أهل زمانه» و أن له «إسنادا عالیا» و أنه شیخ صالح ثقة أمین … انقطع بموته الکثیر من الحدیث.
واسط فی العصر العباسی، ص: 262
قرأ النحو و سمع الحدیث بالکوفة لما تولی والده القضاء بها ثم قدم بغداد و سمع الحدیث الکثیر من کبار المحدثین فیها و قرأ القرآن الکریم و درس الفقه الشافعی و حدث ثم عاد إلی واسط بعد سنة 530 ه/ 1135 م و قرأ بها القرآن الکریم علی أبی محمد أحمد بن عبید اللّه الآمدی و علی الرئیس أبی یعلی محمد بن سعد بن ترکان، و سمع الحدیث من والده، و من أبی الکرم نصر اللّه بن محمد بن مخلد الأزدی و أبی الجوائز سعد بن عبد الکریم الغندجانی و أبی السعادات المبارک بن الحسین بن نغوبا و أبی عبد اللّه محمد بن علی بن الجلابی و آخرین و حدث بالکثیر «و قصده الطلبة من الآفاق و انفرد بروایة أشیاء لم یشرکه فیها غیره».
قدم بغداد مرات عدیدة و حدث بها و سمع علیه بها الخلق الکثیر کما یقول ابن الدبیثی. کتب عنه ابن الدبیثی و جماعة من الحفاظ و رووا عنه و کتب الإجازة للإمام الحافظ أبی محمد عبد العظیم بن عبد القوی المنذری صاحب کتاب «التکملة لوفیات النقلة» سنة 594 ه/ 1197 م.
و تشیر المصادر إلی أنه آخر من حدث بمسند الإمام أحمد بن حنبل کاملا بروایته عن أبی القاسم بن الحصین.
واسط فی العصر العباسی، ص: 263
و الشیخ أبو طالب عبد الرحمن بن محمد عبد السمیع الهاشمی الواسطی (ت 621 ه/ 1224 م) الذی قال عنه ابن الساعی بأنه «کان من أکابر شیوخ العصر» سمع الحدیث بواسط من جده أبی المظفر عبد السمیع، و من أبی المفضل محمد بن محمد بن أبی زنبقة، و أبی یعلی حیدرة بن بدر الرشیدی، و أبی الغنائم محمد بن مسعود بن الاغلاقی و أبی جعفر بن البوقی و أبی الحسن علی بن المبارک بن نغوبا و أبی محمد عبد الرحمن بن الحسین بن الدجاجی، و أبی محمد الحسن بن علی بن السوادی الواسطیین و غیرهم، و قرأ القرآن الکریم علی کبار المقرئین، و رحل إلی بغداد مرارا و سمع بها الحدیث.
حدث بواسط «بالکثیر و حمل الناس عنه روایة جمة» و «کتب الکثیر بخطه لنفسه و للناس» سمع منه ابن الدبیثی و کتب عنه و روی و کتب الإجازة سنة 610 ه/ 1213 م للإمام الحافظ المنذری. و أشارت المصادر إلی أن له مصنفات فی الحدیث و غیره.
واسط فی العصر العباسی، ص: 264
و إضافة إلی ما تقدم فقد أشارت المصادر إلی عدد آخر کانوا من شیوخ الحدیث فی هذه المدینة، منهم من حدث بواسط و منهم من حدث ببغداد و مدن أخری و منهم من وفد إلیهم طلبة الحدیث للسماع منهم و القراءة علیهم و حضور مجالس إملائهم.
یتبین مما تقدم أنه قدم إلی واسط عدد من الصحابة و التابعین و استوطنوها منذ تأسیسها و حدثوا فیها، و قد سمع الحدیث علیهم عدد من أهل واسط، فظهر فی هذه المدینة عدد من المحدثین، صنفوا عددا من الکتب فی علم الحدیث و غیره من العلوم الدینیة.
و فی فترة دراستنا برز بواسط عدد من کبار المحدثین سمعوا الحدیث
واسط فی العصر العباسی، ص: 265
فی هذه المدینة ثم رحلوا فی طلبه إلی شتی أنحاء العالم الإسلامی، و حدث بعضهم هناک.
هذا و قد اشتهر عدد من محدثی هذه المدینة فرحل إلیهم عدد من طلاب الحدیث من بلدان کثیرة فسمعوا الحدیث علیهم و کتبوا عنهم، و حصلوا علی إجازاتهم و رووا عنهم، کما کتب البعض منهم بالإجازات إلی علماء لم یروهم و ذلک بناء علی طلب هؤلاء العلماء.
غیر أن ما ورد عن التألیف فی علم الحدیث فی هذه الفترة کان قلیلا و ذلک لاعتماد محدثی واسط علی ما دوّن فی هذه المدینة و غیرها من المدن فی الفترات السابقة.

ج- الفقه:

لقد ظهر بواسط فی هذه الفترة عدد من کبار الفقهاء الذین کانوا من کبار المحدثین أیضا، کانت الغالبیة العظمی منهم من أتباع المذهب الشافعی، و قد أشارت المصادر إلی وجود عدد قلیل من أتباع المذهب الحنفی، و المذهب المالکی، غیر أننا لم نجد أیة إشارة إلی وجود فقهاء من مذاهب أخری.
و من المرجح أن سبب کون الغالبیة العظمی من فقهاء هذه المدینة من أتباع المذهب الشافعی هو أن البویهیین عندما حکموا العراق حاولوا القضاء علی الخلافة العباسیة فلما شعروا أن للخلفاء العباسیین نفوذا دینیا فی أوساط الناس اتبعوا سیاسة قائمة علی تأیید المذهب الشیعی و ذلک
واسط فی العصر العباسی، ص: 266
من أجل الحصول علی تأیید أصحاب هذا المذهب لکی یستعینوا بهم علی تحقیق هدفهم فأدی ذلک إلی انتشار هذا المذهب. و قد ساعدت سیاستهم المذهبیة هذه إلی نشاط الحرکة الإسماعیلیة، فلما جاء السلاجقة إلی الحکم ادرکوا خطر ذلک علی مستقبل دولتهم فجعلوا سیاستهم قائمة علی نشر المذهب الشافعی و مقاومة الدعوات المخالفة بوسائل متعددة، فأسس وزیرهم نظام الملک مدارس خاصة بالفقهاء الشافعیة فی مدن العراق و المشرق و کان من شروط القبول فی هذه المدارس أن یکون الطالب شافعیا أصلا و فرعا و قد خرّجت هذه المدارس أعدادا کبیرة من الفقهاء من أصحاب المذهب الشافعی فازدهر هذا المذهب فی العراق و المشرق.
و قد سبق أن ذکرنا أنه شید بواسط عدد من المدارس الخاصة بالفقهاء الشافعیة و سوف نری من خلال البحث أنه قصد بغداد عدد من الفقهاء الواسطیین لدراسة الفقه الشافعی علی فقهاء هذه المدینة.
و کان من أشهر علماء الفقه الشافعی القاضی أبو تغلب محمد بن محمد بن عیسی بن جهور الواسطی (ت 503 ه/ 1109 م) الذی ذکرته المصادر بأنه کان «متقدّما فی الفقه» درس الفقه بواسط ثم قدم بغداد و أقام مدة یدرس الفقه الشافعی علی الشیخ أبی إسحاق الشیرازی «و علق
واسط فی العصر العباسی، ص: 267
عنه کتبه و استوعب علمه» ثم عاد إلی واسط و درّس الفقه ثم تولی القضاء بها درس علیه عدد من العلماء الثقات و تخرّجوا به.
و القاضی أبو علی الحسن بن إبراهیم بن علی الفارقی (ت 528 ه/ 1133 م) الذی کان «شیخ الشافعیة فی عصره» و «متقدما فی الفقه» و «حافظا للمذهب» درس الفقه الشافعی ببغداد علی الشیخ أبی إسحاق الشیرازی و الشیخ أبی نصر الصباغ ثم تولی القضاء بواسط سنة 485 ه/ 1092 م و درّس الفقه بها، و قد أشارت المصادر إلی أنه درّس کتاب «الشامل» لأبی إسحاق الشیرازی، و کتاب «المذهب» لأبی نصر الصباغ، و حدث و تتلمذ علیه جماعة من الفقهاء و المحدثین و تخرّجوا به.
ألف کتاب «الفوائد علی المهذب» و کانت له فتاوی مجموعة
واسط فی العصر العباسی، ص: 268
فی نحو خمسة أجزاء.
و أبو محمد عبد المحمود بن أحمد بن علی الواسطی (ت 586 ه/ 1190 م) الذی قال عنه ابن الدبیثی بأنه کان «عالما عاملا ناسکا حسن الطریقة» درس الفقه بواسط علی الفقیه أبی جعفر هبة اللّه بن یحیی بن البوقی، و حفظ القرآن الکریم ثم درس العربیة و النحو و التفسیر و رحل إلی کل من البصرة و الکوفة و مکة و سمع الحدیث و لما أصبحت له معرفة تامة بالفقه و العربیة و التفسیر، قدم إلی بغداد و جالس علماءها و سمع الحدیث من کبار المحدثین و کتب عنهم، ثم عاد إلی واسط و درّس الفقه و التفسیر و أفتی.
و أبو علی الحسن بن هبة اللّه بن یحیی بن الحسن الواسطی المعروف بابن البوقی (ت 588 ه/ 1192 م) الذی کان «جید المعرفة بمذهب الشافعی» کما یقول ابن الدبیثی درس الفقه بواسط علی والده و سمع الحدیث من أبی الکرم نصر اللّه بن محمد بن مخلد الأزدی، و أبی الجوائز سعد بن عبد الکریم الغندجانی، و أبی عبد اللّه محمد بن
واسط فی العصر العباسی، ص: 269
علی بن المغازلی و آخرین، و قدم بغداد مرارا و سمع الحدیث من کبار المحدثین فیها، و ناظر فقهاءها، انتهت إلیه الفتوی بواسط، و حدث قال ابن الدبیثی: «قرأت علیه بواسط الفقه و سمعت منه کثیرا».
و أبو العلاء محمد بن هبة اللّه بن یحیی الواسطی (ت 590 ه/ 1193 م) و هو أخو الفقیه أبی علی، درس الفقه الشافعی بواسط علی والده، و سمع الحدیث من أبی علی الحسن بن إبراهیم الفارقی، و أبی الکرم نصر اللّه بن محمد بن مخلد الأزدی، و أبی الحسن علی بن هبة اللّه ابن عبد السلام، و أبی الجوائز سعد بن عبد الکریم الغندجانی، و أبی عبد اللّه محمد ابن علی المغازلی و غیرهم، و تکلم فی مسائل الخلاف و أفتی قدم بغداد مرارا و التقی برجال الحدیث و سمع علیهم و ناظر فقهاءها، و عندما أصبح ناظرا فی الحلة المزیدیة حدث هناک و أفتی.
و من أشهر علماء الفقه الحنفی بواسط أبو المحاسن عبد اللطیف بن نصر اللّه بن علی المعروف بابن الکیال (ت 605 ه/ 1208 م) درس الفقه
واسط فی العصر العباسی، ص: 270
الحنفی بواسط علی والده و آخرین ثم تولی القضاء و الإشراف علی الدیوان بواسط سنة 586 ه/ 1190 م و درس الفقه فی المدرسة التی انشأها والده بواسط- کما سبق أن ذکرنا - ثم قدم بغداد سنة 594 ه/ 1197 م و تولی التدریس بمشهد أبی حنیفة، و النظر فی الوقوف علیه و علی غیره من المدارس الحنفیة ببغداد حتی سنة 596 ه/ 1199 م و فی هذه السنة عاد إلی واسط، و تولی القضاء و الإشراف علی الدیوان ثانیة سنة 598 ه/ 1201 م.
و إضافة إلی ما تقدم فقد تردد فی المصادر ذکر عدد آخر من الفقهاء فی هذه المدینة.
و الخلاصة مما مر أنه قد ظهر فی هذه المدینة عدد من الفقهاء کان
واسط فی العصر العباسی، ص: 271
معظمهم من أتباع المذهب الشافعی، و ذلک لأن السلاجقة قاموا بتشجیع هذا المذهب و العمل علی نشره فی العراق فی هذه الفترة.
و قد درس هؤلاء الفقهاء الفقه بواسط ثم رحلوا فی طلبه إلی بغداد و درسوه علی فقهائها ثم عدوا إلی واسط و درّسوه و تخرج بهم عدد من الطلبة. و قد تقلد البعض منهم منصب القضاء و مناصب أخری فی هذه المدینة، کما صنف بعضهم فی هذا العلم.
و قد اشتهر بعض فقهاء واسط فدرّسوا الفقه بمدارس بغداد و ناظروا فقهاءها، و قصدهم الفقهاء إلی واسط و درسوا الفقه علیهم و تخرّجوا بهم.

3- العلوم العربیة:

أ- اللغة و النحو:

یبدو أن واسط کانت قد تأخرت فی عنایتها باللغة و النحو، لأننا لا نجد فی المصادر ما یشیر إلی وجود نحاة متخصصین کنحاة البصرة و الکوفة و بغداد و ذلک حتی النصف الثانی من القرن الرابع الهجری و یعزی هذا- فیما نظن- إلی عاملین:
الأول: هو أن هذه المدینة سکنتها القبائل العربیة منذ إنشائها و أن مؤسسها الحجاج بن یوسف الثقفی منع أهل السواد من السکن فیها فأدی ذلک إلی عدم ظهور اللحن و تحریف الکلمات فیها کما حدث فی البصرة و الکوفة عند تأسیسهما، و قد وصفهم بحشل (ت 292 ه/ 904 م) فقال:
«لم یکن بالعراق أفصح من أهل واسط».
و علی الرغم من أن هذا الکلام ینطبق علی سکان المدینة فی العصر
واسط فی العصر العباسی، ص: 272
الأموی و ذلک لأن أهل السواد سکنوا واسط فی أواخر هذا العصر کما تشیر المصادر، إلا أن عددهم- علی ما یبدو- کان قلیلا لأن واسط کانت محاطة بسور و لا تستوعب عددا کبیرا من السکان للسکن فیها إلی جانب سکانها الأصلیین. و أغلب الظن أن هؤلاء کانوا قد تعلموا اللغة العربیة قبل أن یسکنوا بواسط و ذلک لحاجتهم إلیها لمعرفة الدین الجدید و لأنها لغة الدولة و الثقافة. أما الموالی بواسط فالظاهر أنهم کانوا قد تعلموا اللغة العربیة و أتقنوها فقد أشارت المصادر إلی أن عددا کبیرا منهم کان من کبار المحدثین بواسط.
أما العامل الثانی، فإننا نجد فی هذه الفترة إشارات إلی القراء و المحدثین، فقد شهد المسجد الجامع بواسط حلقات قراءة القرآن الکریم منذ إنشائها، کما کان الاهتمام بالحدیث أهم ما یمیز الحرکة الفکریة فی هذه المدینة کما نجد إشارات إلی الکتاب و المؤدبین الذین کانوا یعلمون الصبیان إضافة إلی القراءة و الکتابة و القرآن الکریم و الأحادیث و مبادی‌ء العربیة عن طریق دراسة الشعر و الأدب، و ذلک للحفاظ علی تلاوة القرآن الکریم و سلامة لغته و الحدیث الشریف.
و أغلب الظن أن هؤلاء القراء و المحدثین و الکتّاب و المؤدبین کانوا یجعلون قراءات القرآن الکریم و الأحادیث مصادر مهمة یستندون إلیها فی معرفة القواعد النحویة. هذا و قد رحل البعض منهم إلی بغداد و سمعوا
واسط فی العصر العباسی، ص: 273
الحدیث من کبار المحدثین، و درسوا علی أئمة اللغو و النحو، کان یدفعهم إلی ذلک حرصهم علی تلاوة القرآن الکریم و سلامة لغته و ضبط الأحادیث و لیس الرغبة فی التخصص فی النحو و اللغة، و ذلک لأن أهل واسط فی هذه الفترة کانوا قد انصرفوا إلی الدراسات الدینیة التی وجدوا فیها وسیلة لمعارضة السلطة المرکزیة ببغداد- کما سبق أن ذکرنا-.
أما فی الفترة- موضوع البحث- فقد سکن بواسط الأتراک و الدیلم و اتحدت واسط بمدینة کسکر التی کانت تقع فی الجانب الشرقی من دجلة مقابل واسط و هی مدینة ساسانیة قدیمة کان سکانها من الفرس و النبط، فلا بد أن ظهر اللحن و تحریف الکلمات کما حدث فی البصرة و الکوفة سابقا، فأصبحت هناک ضرورة لتدریس العربیة و وضع قواعد اللغة و النحو لیسهل علیهم الرجوع إلیها وقت الحاجة، فظهر نحاة أخذوا من آراء المدرسة البصریة- کما سنری من خلال البحث- و یرجع سبب ذلک إلی أن أوائل هؤلاء النحاة تتلمذوا ببغداد علی أبی سعید الحسن بن عبد اللّه السیرافی (ت 368 ه/ 978 م) و أبی علی الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسی (ت 377 ه/ 987 م) و علی بن عیسی الرمانی (ت 384 ه/ 994 م) و هؤلاء الثلاثة تتلمذوا علی تلامذة أبی العباس محمد بن یزید المبرّد الذی «کان أعلم الناس بمذاهب البصریین فی النحو و مقاییسه» و کانوا یدعون إلی الآراء البصریة و ینتصرون لها «و هو الطراز الذی عم و ساد منذ
واسط فی العصر العباسی، ص: 274
النصف الثانی من القرن الرابع الهجری».
و مما تجدر الإشارة إلیه هو أن مؤلفات نحاة واسط کانت قد فقدت، و لو وصلت إلینا لاستطعنا الوقوف علی آرائهم النحویة، و أکبر الظن أنهم اجتهدوا فی استنباط آراء جدیدة، و ربما کانت مخالفة لمدارس العراق الأخری.
و قد أنجبت واسط عددا من علماء اللغة و النحو کان من أبرزهم أبو إسحاق إبراهیم بن سعید بن الطیب الرفاعی (ت 411 ه/ 1020 م) قرأ القرآن الکریم بواسط علی أبی الطیب عبد الغفار بن عبید اللّه الحضینی الواسطی و ربما درس علیه النحو و اللغة لأنه کان من أهل المعرفة الجیدة بعلوم العربیة کما یقول السمعانی ثم ذهب إلی بغداد و لقی أبا سعید الحسن بن عبد اللّه السیرافی و لازمه و قرأ علیه شرحه لکتاب سیبویه، و سمع منه کتب اللغة و الدواوین ثم عاد إلی واسط و جلس بالجامع صدرا یقری‌ء الناس القرآن الکریم و النحو. و أغلب الظن أن أبا إسحاق هو أول من جلس لتدریس النحو بواسط، و لا بد أنه أخذ بمنهج أستاذه فی النحو «الذی استقر فی نفسه إلی أقصی حد أن سیبویه هو الإمام المتبوع و أن کتابه هو العلم المنصوب» و بذلک یکون مذهب النحو الذی عرفته واسط هو المذهب البصری.
واسط فی العصر العباسی، ص: 275
و أبو القاسم علی بن طلحة بن کردان النحوی (ت 424 ه/ 1032 م) و قد کان نحویّا و أدیبا و شاعرا قدم بغداد و قرأ کتاب سیبویه علی أبی علی الفارسی، و علی بن عیسی الرمانی، ثم عاد إلی واسط و درّس بها الأدب و النحو. و کان ممن أخذ عنه أبو غالب بن بشران، و أبو الفتح محمد بن محمد بن مختار النحوی و غیرهما، و أشار السلفی إلی منزلته العلمیة و شهرته فقال: «و الواسطیون یفضلونه علی ابن جنی و الربعی»، و هما من مشاهیر النحاة فی عصرهم. صنف کتابا «کبیرا فی إعراب القرآن … کان یقارب خمسة عشر مجلدا» کما یقول السلفی. و لعله کان أول من صنف کتابا فی النحو بواسط.
و برز من علماء اللغة أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل الواسطی المعروف بابن بشران و یعرف بابن الخالة أیضا (ت 462 ه/ 1069 م) و کان کما یقول القفطی نحویا و عالما بالأدب و شاعرا مجیدا و «شیخ العراق فی
واسط فی العصر العباسی، ص: 276
اللغة فی وقته» تتلمذ علی عدد کبیر من علماء اللغة و النحو و الأدب بواسط منهم أبو الحسین بن دینار الذی سمع منه کثیرا و روی عنه کما یقول یاقوت و أبو إسحاق الرفاعی الذی قرأ علیه ألف دیوان من الشعر علی حد قوله و أثنی علیه، و لازم أبا القاسم بن کردان و قرأ علیه کتاب «سیبویه». و درّس بواسط.
و یظهر أنه درس کتب المتکلمین، فقد أشارت المصادر التی ترجمت له إلی أنه کان یعتنق مذهب المعتزلة.
و إلی جانب ما تقدم کان یعنی بالحدیث فسمعه بواسط، و حدث به، و روی عنه کثیرون. و یبدو أن منزلته العلمیة و شهرته الواسعة جعلت
واسط فی العصر العباسی، ص: 277
الناس یشدون الرحال إلیه للقراءة علیه و السماع منه و «انتهت إلیه الرحلة فی اللغة فی عصره».
صنف کتابا درّسه علماء النحو بواسط. غیر أن المصادر لا تشیر إلی اسم هذا الکتاب و قد أورد له مترجموه عددا من المقطوعات الشعریة نظمها فی الزهد و الغزل. و قد کان لابن بشران مکتبة کانت- علی ما یبدو- عامرة بالکتب القیمة فقد ذکر یاقوت أن القاضی و جماعة معه ختموا علی کتبه حراسة لها و خوفا علیها و ذلک قبیل وفاته.
و أبو الفتح محمد بن محمد بن جعفر بن مختار الواسطی النحوی (ت 474 ه/ 1081 م) درس النحو علی أبی القاسم بن کردان، و سمع الأدب من أبی الحسین علی بن محمد بن دینار الواسطی. و لا شک أنه کان قد درس النحو علی ابن کردان علی مذهب البصریین، درّس النحو و الأدب بواسط و تخرج به جماعة.
و إلی جانب النحو و الأدب کان یعنی بالحدیث، فقد ذکرت المصادر أنه سمع الحدیث بواسط و حدّث.
واسط فی العصر العباسی، ص: 278
و من علماء النحو بواسط أبو محمد القاسم بن القاسم بن عمر الواسطی (ت 626 ه/ 1228 م) کان أدیبا و نحویا و لغویا و شاعرا، قرأ النحو بواسط علی الشیخ مصدق بن شبیب الواسطی، و قرأ اللغة علی هبة اللّه بن أیوب. و قرأ القرآن الکریم علی أبی بکر الباقلانی، و علی بن هیاب الجماجمی، و سمع کثیرا من کتب اللغة و النحو و الحدیث علی جماعة، منهم: أبو الفتح محمد بن أحمد بن بختیار المندائی، و أحمد بن الحسین بن المبارک بن نغوبا الذی سمع منه المقامات عن الحریری، ثم درّس النحو بواسط و تخرج به عدد من النحاة فی هذه المدینة. و صنف عدة کتب منها «شرح اللمع» لابن جنی، و «شرح التصریف الملوکی» لابن جنی أیضا، و ثلاثة شروح لمقامات الحریری و کتاب «فعلت و أفعلت بمعنی» علی حروف المعجم، و کتاب «خطب».
و هکذا تتضح صلته بابن جنی و الحریری فی شرحه لکتبهما. ذهب إلی حلب للتدریس و استقر بها إلی حین وفاته.
واسط فی العصر العباسی، ص: 279
و إلی جانب ما تقدم من اللغویین و النحاة بواسط فقد ذکرت المصادر عددا آخر منهم درسوا اللغة و النحو و الأدب بواسط و بغداد، و درّسوا بواسط و تخرج بهم جماعة.
یتبین مما تقدم أن واسط کانت قد تأخرت عن البصرة و الکوفة و بغداد فی عنایتها باللغة و النحو و ذلک لعدم ظهور اللحن و تحریف الکلمات فیها کما حدث فی البصرة و الکوفة- علی الأرجح- و منذ النصف الأول من القرن الرابع الهجری/ العاشر المیلادی سکن بواسط الأتراک و الدیلم فظهر اللحن، فأصبحت هناک ضرورة لتدریس العربیة و وضع قواعد اللغة و النحو، فظهر نحاة أخذوا من آراء المدرسة البصریة و ذلک لأن أوائل النحاة کانوا قد تتلمذوا ببغداد علی علماء کانوا یدعون إلی الآراء البصریة و ینتصرون لها. و قد ظل النحو بواسط یدرّس علی طریقة البصریین طیلة العصر العباسی.
هذا و قد أنجبت هذه المدینة عددا من علماء اللغة و النحو درّسوا بواسط، و قد اشتهر البعض منهم فشد الناس الرحال إلیهم للقراءة علیهم، و قد صنف هؤلاء النحاة عددا من کتب اللغة و النحو إلا أنها لم تصل إلینا.

ب- الشعر:

إن کتب الأدب العربی لا تشیر إلی وجود شعراء بواسط قبل فترة دراستنا و هنا نتساءل أین شعراء واسط فی هذه الفترة؟
من الطبیعی أن یکون هناک شعراء بواسط، و ربما وصل شعر البعض منهم من حیث الدرجة الفنیة إلی المستوی الذی کان علیه الشعر فی البصرة
واسط فی العصر العباسی، ص: 280
و الکوفة و بغداد آنذاک و لکن- یبدو- أن الظروف التی کانت تمرّ بها مدینة واسط فی تلک الفترة حالت دون شهرتهم فظلوا من الشعراء المغمورین، فالخلفاء العباسیون کانوا ینظرون إلی أهل واسط نظرة شک و ارتیاب باعتبارهم من شیعة بنی أمیة، فأدی ذلک إلی عدم استطاعة شعراء هذه المدینة من الذهاب إلی بغداد و الاتصال بالخلفاء و الوزراء و کبار الموظفین و مدحهم کما فعل شعراء الکوفة و البصرة، أو ربما هم الذین لم یحاولوا الاتصال بالسلطة المرکزیة ببغداد لتعصبهم للأمویین، فأغفل رواة الأدب العربی ذکرهم فی مؤلفاتهم فلم تصل إلینا أخبارهم و نتاجاتهم الفنیة، لأن مؤرخی الأدب العربی کانوا یهتمون عادة بتدوین شعر الشعراء الذین کانوا علی اتصال بالخلفاء و الوزراء و کبار الموظفین ببغداد.
أما فی فترة دراستنا فقد برز بواسط عدد من الشعراء منهم: أبو طاهر عبد العزیز بن حامد بن الخضر الواسطی المعروف بسیدوک (ت 363 ه/ 973 م) و أبو عبد اللّه الجامدی و أبو الفرج محمد بن الحسین التمار الواسطی و أبو الحسین علی بن محمد بن عبد الرحیم بن دینار الواسطی (ت 409 ه/ 1018 م) و أبو نصر منصور بن محمد بن علی الخباز
واسط فی العصر العباسی، ص: 281
المعروف بالنیری (ت 450 ه/ 1058 م) و أبو الجوائز الحسن بن علی بن محمد بن بازی الواسطی (ت 460 ه/ و قیل 462 ه/ 1067 م أو 1069 م) و أبو الحسن محمد بن علی بن الحسن بن أبی الصقر الواسطی (ت 498 ه/ 1104 م) و أبو السعادات علی بن بختیار بن علی بن المندائی الواسطی (کان حیا سنة 512 ه/ 1118 م) و أبو الحسن علی بن محمد العنبری المعروف بابن دواس القنا (ت 522 ه/ 1128 م) و أبو الفرج بن الدهان الواسطی (کان حیا سنة 552 ه/ 1157 م) و أبو الحسن علی بن أسامة العلوی (کان حیا سنة 554 ه/ 1159 م) و أبو الفرج العلاء بن علی بن
واسط فی العصر العباسی، ص: 282
محمد السوادی الواسطی (ت 556 ه/ 1160 م) و أبو محمد عبد القادر بن علی بن نومة (ت 577 ه/ 1181 م) و أبو الغنائم محمد بن علی بن فارس الواسطی المعروف بابن المعلم (ت 592 ه/ 1195 م) و أبو العباس أحمد ابن جعفر بن أحمد الواسطی المعروف بابن الدبیثی (ت 621 ه/ 1224 م).
و هناک جماعة أخری من الشعراء الواسطیین ممن عاشوا فی هذه الفترة لا یتسع المجال لذکرهم.
أما أغراض الشعر فهی: الوصف و المدیح و الغزل و شعر الخمرة و اللهو و المجون و الزهد و الشکوی و الرثاء و الهجاء و الفخر.
واسط فی العصر العباسی، ص: 283
و سنحاول هنا أن نتحدث عن أثر جمال الطبیعة و الحیاة الاجتماعیة و الاقتصادیة و السیاسیة فی الأغراض الشعریة التی ظهرت فی هذه المدینة.
لقد کان لسهول واسط الخضراء و بساتینها الزاهیة و حدائقها و وقوعها علی ضفتی نهر دجلة أثره علی شعراء هذه المدینة الذین أعجبوا بها و صوروا هذا الإعجاب فی شعرهم، فجاء قسم منه وصفا للریاض و البساتین و الأشجار و الفواکه و الأزهار علی اختلاف أنواعها. و قسم آخر لوصف النجوم و الشمس و القمر و الغیوم.
إن اختلاط العرب بالفرس و غیرهم من الأجناس الأخری بواسط و التطورات الحضریة الواسعة التی حصلت فی العصر العباسی کل ذلک أدی إلی تسرب بعض العادات و التقالید الغریبة إلی مجتمع هذه المدینة، فانتشر اللهو و المجون و شرب الخمر، و قد صور لنا الشعر هذه الظاهرة، فظهر شعراء وصفوا الخمر و أوانیها، و مجالسها و سقاتها و حثوا الناس علی شربها منهم أبو الفرج بن السوادی الواسطی الذی قال:
یوم أظلّ بحلّة دکناء فسماؤه محجوبة بسماء
ظلت ثغور بروقه مفترّة لما استهلّت سحبه ببکاء
و أتت تحاکی الشمس فیه قینة صفراء فی دیباجة صفراء
و الکأس ترضعنی حمیّا کلما نوت الفطام عققتها بالماء
یسعی بها فی الشرب ألمی لو یشا لأمدّها من وجهه بسناء
واسط فی العصر العباسی، ص: 284
أغری بنا أقداحها فکأنه قمر یدیر کواکب الجوزاء
فشربتها من کأسه، و شربتها من لحظه رشفا بغیر إناء
و ازدان مجلسنا بکل مسوّد ینمی إلی ذی سؤدد و نماء
و ممن وصفها أبو نصر منصور بن محمد المعروف بالنیری، و غیرهما.
أما شعر اللهو و المجون فقد برز فیه کل من أبی عبد اللّه الجامدی، و أبی الفرج محمد بن الحسین التمار الواسطی.
و أغلب الظن أن عادة اللهو و المجون و شرب الخمر کانت قد ظهرت بواسط قبل فترة دراستنا، إلا أنه من المرجح أن هذه العادات کانت تمارس علی نطاق ضیق، و بعیدا عن الناس و ذلک لمراقبة السلطة لأصحابها، و عدم تساهلها معهم، و عدم تقبل الناس لها آنذاک لازدیاد النفوذ الدینی و سیطرة الروح العربیة. أما فی العصر البویهی فقد أصبح المجون «شیئا مألوفا لا ینکره العرف و لا یأباه الذوق الاجتماعی» و إن السلطة فی هذا العصر «لم تعد تری فی ممارسة هذا المجون ما یوجب حدا أو عقابا». روی عن أبی منصور خسرو فیروز بن جلال الدولة بن بهاء الدولة والی واسط أنه أنشأ لنفسه بستانا بدیعا علی دجلة و صرف علیه أموالا طائلة، و کان مشغولا باللهو و القصف و الخلاعة و من المتوقع أنه کان یمارس لهوه و قصفه فی بستانه.
واسط فی العصر العباسی، ص: 285
و مما ساعد علی قیام اللهو و المجون و شرب الخمر بواسط انتشار الأدیرة، فهذه المدینة أنشئت فی منطقة کانت تعد مرکزا من مراکز المسیحیة فی العراق. و قد جاء فی المصادر أنه کان یقصدها المجّان من بغداد کأبی عبد اللّه الحسین بن أحمد بن الحجاج (ت 391 ه/ 1000 م) و أبی الحسن محمد بن عبد اللّه بن سکرة الهاشمی (ت 384 ه/ 994 م) و غیرهما و یقیمون فیها أیاما یمارسون فیها لهوهم و مجونهم. و لا بد أن المجّان من أهل واسط کانوا یقصدون هذه الأدیرة أیضا إلا أن المصادر أمسکت عن ذکرهم.
و من أدیرة واسط التی تردد ذکرها فی الأدب العربی «عمر واسط» الذی کان کما یقول الشابشتی «کل ذی ظرف یطرقه و کل ذی شجن یتسلّی به»
واسط فی العصر العباسی، ص: 286
و قد صور بعض الشعراء الذین قصدوا هذا الدیر لهوهم و مجونهم منهم ابن سکرة الذی یقول:
لیلتی بالعمر دهری أو یقضی العمر عمری
مر لی فی العمر یوم لا أجازیه بشکر
بین غزلان النصاری أمزج الریق بخمر

و ابن الحجاج الذی یقول:

فی العمر من واسط و اللیل ما هبطت فیه النجوم وضوء الصبح لم یلح
بینی و بینک ودّ لا یغیره بعد المزار و عهد غیر مطّرح
فما ذکرتک و الأقداح دائرة إلا مزجت بدمعی باکیا قدحی
و یبدو أن هذا الاتجاه فی الشعر لم یستمر عند شعراء واسط فی العصر السلجوقی و ما بعده، فعلی الرغم من استمرار اللهو و المجون فی هذه المدینة فإننا لم نجد شعرا کالذی رأیناه عند الجامدی، و ابن التمار الواسطی، و ربما یرجع ذلک إلی زیادة النفوذ الدینی بواسط فی هذه الفترة من جهة، و إلی موقف السلطة الحاکمة التی غلب علیها الاتجاه الدینی من جهة أخری.
و کان من نتیجة هذا الاختلاط أیضا و کثرة الغلمان إن انتشرت فی هذه المدینة عادة غریبة هی حب الغلمان و التولع بهم، و قد صور لنا الشعر هذه الظاهرة الاجتماعیة الشاذة، فإننا نجد بعض الشعراء یتغزلون بالمذکر منهم أبو الجوائز الواسطی و أبو غالب نصر بن عیسی بن بابی الواسطی
واسط فی العصر العباسی، ص: 287
(ت بعد 500 ه/ 1106 م) و غیرهما.
و قد ظهر شعر الزهد کرد فعل لحیاة اللهو و المجون و ما نتج عنها من شعر، فقد کان الشعراء یعبرون فیه عن نظرتهم إلی الحیاة و الموت و مصیر الإنسان و یدعون الناس للابتعاد عن الدنیا و الحرص علی الآخرة، و القناعة بالیسیر من الرزق. غیر أننا لم نجد من بین شعراء واسط من اتخذ الزهد مذهبا له فی الحیاة، أو أن شعره اقتصر علی هذا اللون من الشعر، و إنما نجد بعض المقطوعات منه لشعراء نظموا فی أغراض أخری، و أغلب الظن أن هذا اللون من الشعر نظمه الشاعر فی المرحلة الثانیة من حیاته أو أنه قام بنظمه إثر توبة له مما قام به من معاص و ذلک لأننا
واسط فی العصر العباسی، ص: 288
نجد إلی جانبه أغراضا شعریة أخری کشعر الغزل و الخمر و الغزل بالجواری و الغلمان و غیرها.
أما الحیاة الاقتصادیة بواسط فقد أشرنا سابقا إلی أنها کانت متردیة فی هذه الفترة، و ذلک لأن نظام الأراضی کان قائما علی الإقطاع، فترک کثیر من المزارعین، و الفلاحین الزراعة و هجروا قراهم نتیجة لظلم المقطعین. أما الضرائب القدیمة فقد زادت و استحدثت ضرائب جدیدة و اتبع نظام الضمان القائم علی الاستغلال فی جبایتها.
أما ولاة واسط و کبار الموظفین فیها فقد کانوا من الأجانب فهم إما بویهیون أو سلاجقة أو من الأمراء الممالیک، و کان هؤلاء قد استغلوا مناصبهم لجمع الأموال و الإثراء علی حساب سکان هذه المدینة.
و إلی جانب ما تقدم فقد کان لاضطراب الحیاة السیاسیة فی العراق أثره علی واسط فنظرا لأهمیتها الاقتصادیة و وقوعها علی طریق المشرق
واسط فی العصر العباسی، ص: 289
الإسلامی- بغداد، فقد ظلت مرکزا للصراع الذی کان قائما بین المشرق الإسلامی و عاصمة الخلافة بغداد، و کانت جیوش الفریقین تتبادلها باستمرار. و کثیرا ما کان یشتد الضیق بأهلها و تلحقهم مجاعات شدیدة و غلاء فی الأسعار من جراء حصار هذه الجیوش لها و منع المیرة عنها و نهب البلد و المزروعات من قبل هذه الجیوش.
فکان من نتائج النظم الاقتصادیة القائمة علی الاستغلال و اضطراب الحیاة السیاسیة نشوء طبقتین اجتماعیتین متمیزتین هما: طبقة الخاصة المترفة، و طبقة العامة الفقیرة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 290
و بما أن معظم الشعراء فی هذه المدینة کانوا ینتمون إلی الطبقة الفقیرة، فإننا نجد أن شعرهم عکس آلام واقعهم الفاسد، فجاءتنا قصائد و مقطوعات شعریة یشکو فیها هؤلاء الشعراء من جور المقطعین و الولاة و کبار الموظفین و یشیرون فیها إلی ما یلاقونه من التعسف و الجور علی أیدی هؤلاء.
و یبدو أن بعض الشعراء خوفا من البطش و التنکیل من قبل الظالمین و الطغاة من الولاة و کبار الموظفین عبروا بشعرهم عن تذمرهم مما أصابهم من ظلم و استعباد و استغلال بأسلوب آخر فشکوا من الأیام و الزمان و الدهر و تبرموا بأهله. و لا شک أنهم یقصدون بهذه الألفاظ الفترة التی عاش فیها هؤلاء الشعراء..
و مثلما شکا الشعراء من الزمان کما رأینا شکوا أیضا من المجتمع
واسط فی العصر العباسی، ص: 291
و تبدل أخلاق أبنائه، و ترجع أسباب هذه الشکوی إلی أن أخلاق أفراد المجتمع و سلوکهم غالبا ما تتأثر بظروف ذلک المجتمع و أحداثه.
و شکا بعضهم من غدر الأصدقاء و خداعهم و تنکرهم و کان بعضهم یسی‌ء الظن بالناس عامة.
و نظرا لتجمع الثروة بأیدی فئة قلیلة من أبناء المجتمع و حرمان الغالبیة العظمی منهم فإننا نجد بعضهم کان یشکو من الفقر و سوء توزیع الثروة.
و إلی جانب ما تقدم فإننا نجد أبیاتا من الشعر یشکو فیها أصحابها من عدم تقدیر العلم و العلماء.
و أغلب الظن أن شعر الحکمة بواسط کان قد عکس هو الآخر تردی الحیاة السیاسیة و الاقتصادیة و الاجتماعیة فی هذه المدینة، فقد وجدنا بعض
واسط فی العصر العباسی، ص: 292
المقطوعات الشعریة التی کان الشعراء یصورون فیها تجاربهم فی الحیاة، و یقدمون النصائح للآخرین.
و من أجل التغلب علی المشکلات الاقتصادیة التی کان یعانی منها بعض الشعراء فإننا وجدنا بعض القصائد الشعریة التی مدح بها هؤلاء الشعراء ولاة واسط و کبار الموظفین فیها. و قد عرف الشعر بواسط شاعرا کبیرا هو أبو الغنائم الواسطی المعروف بابن المعلم الذی کانت له قصائد عدیدة فی هذا اللون من الشعر. و مما قاله فی مدح زعیم الدین أبی طالب نصر بن علی بن الناقد صاحب الدیوان من قصیدة طویلة:
وزر واسطا تلق من أمنه کسا واسطا ثوب أمّ القری
نفی جوده الفقر عن أهلها فعاد المقلّ بها مکثرا
ورد یبیس الثری بالندی رطیبا و أغبره أخضرا
فهذا الذی کفّ کفّ الزمان عنا و عاد به القهقری
غیر أن الأخبار لا تشیر إلی أن ولاة واسط و کبار الموظفین فیها کانوا قد أحاطوا أنفسهم بحاشیة أدبیة کبیرة کما فعل أمراء الدویلات المستقلة کالحمدانیین و غیرهم. و یرجع السبب فی ذلک- علی ما نظن-
واسط فی العصر العباسی، ص: 293
إلی أن هؤلاء کانوا یخشون منافسة الخلفاء و الوزراء و کبار الموظفین ببغداد، لأنهم کانوا تابعین لهم إداریا و مالیا، کما أن رواتبهم کانت محدودة فهم غیر قادرین علی تقدیم الأموال الکثیرة لهؤلاء الشعراء فی زمن أصبح فیه الشعر وسیلة للتکسب.
و للحصول علی مال أکثر و ابتغاء للشهرة نجد أن بعض شعراء هذه المدینة فی هذه الفترة قصدوا بغداد و مدنا أخری، و مدحوا الخلفاء و الوزراء و الأمراء و کبار الموظفین و أشارت المصادر إلی أن بعض هؤلاء الشعراء سکنوا بغداد و أصبحوا من شعراء الدیوان.
و بما أنه لا توجد أیة صلة بین هؤلاء الشعراء و ممدوحیهم سوی صلة المنفعة المادیة فإننا نجد أن أهم دافع کان یدفع شعراء هذه المدینة إلی نظم الهجاء هو الحرمان من المال أو من الجائزة أو تأخرها، فالهجاء هو أحد الوسائل التی کان یلجأ إلیها الشعراء للحصول علی المال آنذاک.
واسط فی العصر العباسی، ص: 294
و أبو الفرج بن السوادی الواسطی یعد أکثر شعراء واسط هجاء، فقد کان «هجوه موجعا مؤلما» کما یقول الأصبهانی الذی کان معاصرا له.
و أخیرا لا بد من الإشارة إلی الفنون الشعریة الأخری التی ظهرت بواسط، فقد ظهر شعر الغزل الذی قیل فی المرأة، و قد نظم فیه معظم شعراء هذه المدینة، و کثیرا ما یأتی فی مطالع القصائد التی تنظم فی المدح علی عادة الشعراء القدماء، و قد یأتی مستقلا علی شکل قصائد أو مقطوعات شعریة. کما تغزل بعض الشعراء بالجواری.
و من الفنون الشعریة التی وصلت إلینا الفخر، إلا أنه جاء قلیلا، فلم یرد فی قصیدة طویلة و إنما جاء فی مقطوعات شعریة قلیلة، و لم نجد شاعرا
واسط فی العصر العباسی، ص: 295
برز فی هذا اللون من الشعر، و هو لا یقوم علی التفاخر بالأنساب و القبائل و غیر ذلک مما نراه فی شعر القدماء، و إنما نجد الشعراء یفخرون بالعلم و إعارة کتبهم للآخرین، و مساعدتهم و یرجع السبب فی ذلک إلی نشاط الحیاة العلمیة فی هذه المدینة، ثم إن المجتمع الواسطی فی هذه الفترة کان مجتمعا غیر قبلی، فالقبائل العربیة التی سکنت واسط منذ إنشائها امتزجت مع أجناس أخری و ذابت الفروق الجنسیة «فالشاعر الذی یعیش فی بیئة حضریة امتزجت فیها الدماء و ذابت الفروق الجنسیة غیر الشاعر الذی یعیش فی بیئة بدویة تهتم بالنسب و تقالید البداوة و عاداتها».
أما الرثاء فإن ما وصل إلینا منه کان قلیلا، و قد قیل فی رثاء الأقارب، و رثاء الأساتذة.

4- العلوم التاریخیة و الجغرافیة:

أ- التاریخ:

أنجبت واسط عددا من کبار المؤرخین فی العراق، صنف أغلبهم کتبا فی تاریخ هذه المدینة، و صنف البعض منهم فی تراجم الرجال، إلا أننا لم نجد ما یشیر إلی أن المؤرخین بواسط کانوا قد صنفوا فی التواریخ العالمیة و العامة التی کان قد صنف فیها المؤرخون ببغداد مثل الیعقوبی (ت 284 ه/ 897 م) و الطبری (ت 310 ه/ 922 م) و مسکویه (ت 421 ه/ 1030 م) و هلال الصابی (ت 448 ه/ 1056 م) و غیرهم. من المرجح أن ذلک یعزی إلی عاملین:
واسط فی العصر العباسی، ص: 296
الأول: إن بعض المؤرخین ببغداد کانوا قد تقلدوا مناصب هامة فی الدولة فکانوا علی صلة وثیقة بالخلفاء من جهة، أما من الجهة الأخری فإن هؤلاء المؤرخین کانوا قریبین من الوثائق التاریخیة التی تکون موجودة عادة فی عاصمة الخلافة. بینما لم نجد من المؤرخین بواسط من تقلد منصبا هاما فی الدولة، فاقتصرت مؤلفاتهم علی التواریخ المحلیة و التراجم. أما العامل الثانی، فهو أن المؤرخین بواسط کانوا من المحدّثین و الفقهاء و هؤلاء کانوا یعتبرون التاریخ هو تراجم للفقهاء و المحدّثین و القراء و الزهاد و العلماء و أنه من العلوم المساعدة لعلمی الحدیث و الفقه.
إن أول مؤرخ أشارت إلیه المصادر بواسط هو أبو الحسن أسلم بن سهل بن أسلم الرزاز الواسطی المعروف ببحشل (ت 292 ه/ 904 م) مؤلف کتاب «تاریخ واسط» و هذا الکتاب هو أقدم تاریخ وضع لهذه المدینة، و أقدم ما وصلنا من تواریخ المدن. و یعتبر من أهم مصادر دراسة مدینة واسط منذ تأسیسها حتی أواخر القرن الثالث الهجری/ التاسع الهجری.
یبدأ المؤلف بذکر أسباب بناء واسط، …
واسط فی العصر العباسی، ص: 297
و خططها، و تکالیف إنشائها، و بعض أخبارها. ثم یذکر رواة الحدیث الذین ولدوا و نشأوا بواسط، و القادمین إلیها الذین تربطهم به سلسلة متصلة من الرواة و ذلک حتی أواخر القرن الثالث الهجری/ التاسع المیلادی.
و قسم هؤلاء الرواة حتی طبقة شیوخه إلی أربعة قرون معتبرا القادمین إلی مدینة واسط من الصحابة من خدم الرسول (ص) و رآه و نقل حدیثه، و سمع کلامه، و من روی عنهم من أهل واسط هم أهل القرن الأول، و قد ذکر لکل رجل منهم حدیثا أو أکثر.
أما تابعو التابعین فقد اعتبرهم من أهل القرن الثانی، و قد ذکر لکل رجل منهم حدیثا، و کان یذکر الرواة من أقارب الرجل معه. و من بعد هؤلاء إلی طبقة شیوخه اعتبرهم من أهل القرن الثالث. أما طبقة شیوخه فقد اعتبرهم من أهل القرن الرابع.
و من الملاحظ أن بحشل عندما ذکر رواة الحدیث لم یذکر تراجمهم أو أخبارهم، و إنما کان یذکر الرجل ثم یذکر من روی عنهم و من رووا عنه
واسط فی العصر العباسی، ص: 298
ثم حدیثه، ثم أخبارا قلیلة عنه أحیانا. و ذلک لأن هذا المؤرخ کان محدثا.
و أن عنایته بعلم الحدیث هی التی أدت إلی تصنیفه لهذا الکتاب، إلا أنه کان لهذا الکتاب أهمیته التاریخیة، فقد تضمن معلومات تاریخیة مفیدة لم نجدها فی غیره من الکتب ألقت بعض الأضواء علی الحیاة الفکریة و الاجتماعیة و الإداریة و الخطط فی هذه المدینة.
و مع أن هذا الکتاب ألف فی فترة متقدمة عن فترة دراستنا، إلا أننا ذکرناه هنا لأن المؤرخین الذین أرخوا لمدینة واسط فیما بعد کانوا قد ساروا علی طریقته من حیث الشکل و الفکرة فی تألیفهم لکتبهم، کما أن کتبهم- فیما نرجح- کانت تکملة لهذا الکتاب.
أما أبو الحسن علی بن محمد بن محمد بن الطیب الجلابی المعروف بابن المغازلی الواسطی (ت 483 ه/ 1090 م) فقد صنف کتاب «التاریخ المجدد التالی لتاریخ بحشل» و قد جعله ذیلا علی «تاریخ واسط» السالف الذکر، إلا أنه فقد. و یبدو من المقتطفات التی وردت فی الکتب التی أخذت عنه أنه کان تراجم للعلماء و الفقهاء و القراء و المحدثین و الأدباء الواسطیین و الذین لهم صلة بواسط.
و بالإضافة إلی کتابه هذا فقد أشارت المصادر إلی أنه کان قد صنف کتبا أخری فی التراجم هی: «أصحاب شعبة» و «أصحاب یزید بن
واسط فی العصر العباسی، ص: 299
هارون» و «أصحاب مالک» و «مناقب أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب» و قد کان للکتاب الأخیر عدة نسخ بواسط و مدن أخری.
و صنف أبو العباس أحمد بن بختیار بن علی بن المندائی الواسطی (ت 552 ه/ 1157 م) کتابین، الأول هو کتاب «تاریخ الحکام و ولاة الأحکام بمدینة السلام» و هو من المراجع المهمة للمؤرخ أبی عبد اللّه محمد بن سعید بن الدبیثی فی کتابه «ذیل تاریخ مدینة السلام بغداد» و یبدو من المقتطفات التی وردت فی کتاب ابن الدبیثی أن هذا الکتاب کان تراجم لمن تولی منصب قاضی القضاة ببغداد، و الشهود الذین قبل قاضی القضاة شهادتهم. و هو یبدأ بذکر صاحب الترجمة، ثم یذکر شیئا من
واسط فی العصر العباسی، ص: 300
أخباره، و من روی عنهم و رووا عنه و حدیثه إن کان محدثا، و مؤلفاته إذا کان المترجم مؤلفا، ثم تاریخ وفاته، و تاریخ ولادته أحیانا، و ینتهی الکتاب بسنة 543 ه/ 1148 م و هی السنة التی انتهت فیها ولایة قاضی القضاة أبی القاسم علی بن الحسین الزینبی.
أما کتابه الثانی فهو «تاریخ البطائح». و لا نعرف الیوم خبرا لهذین الکتابین.
و من مؤرخی واسط أبو طالب عبد الرحمن بن أبی الفتح بن عبد السمیع الهاشمی الواسطی (ت 621 ه/ 1224 م) الذی کان من کبار المحدثین فی هذه المدینة، صنف کتاب «المنتخب من مناقب الدولة العباسیة و مآثر أئمتها المهدیة» ألفه للسید علاء الدین أبی طالب هاشم بن علی بن المرتضی البغدادی صدر واسط. و لا نعلم عن مصیر هذا الکتاب شیئا. و یظهر من کتاب «تاریخ الخلفاء» للسیوطی الذی نقل منه فی ترجمته الخلیفة المقتفی لأمر اللّه أن هذا الکتاب هو فی أخبار الخلفاء العباسیین.
و أعظم من أنجبتهم واسط من المؤرخین الإمام الحافظ أبو عبد اللّه محمد بن سعید بن یحیی المعروف بابن الدبیثی الواسطی (ت 637 ه/ 1239 م) الذی یعتبر من أعظم مؤرخی العراق فی عصره، و شیخهم
واسط فی العصر العباسی، ص: 301
و إمامهم، قرأ القرآن الکریم بالقراءات العشر علی کبار المقرئین بواسط، و سمع الحدیث من مشاهیر المحدثین و درس الفقه و الأدب و اللغة ثم رحل إلی بغداد فی حدود سنة 580 ه/ 1184 م و قرأ القرآن الکریم، و التقی برجال الحدیث و النحو و الفقه و الأصول و الکلام و الخلاف. و کان قد برع فی علم الحدیث و قراءات القرآن الکریم.
و الظاهر أن ابن الدبیثی کان قد أقام ببغداد، فقد جاء فی المصادر أنه أصبح من الشهود المعدّلین، ثم تولی إشراف الوقف العام، و نظر فی أوقاف المدرسة النظامیة سنة 600 ه/ 1203 م. ثم ترک کل ذلک و انصرف لإقراء القرآن الکریم و التحدیث و التألیف، و قد أشارت المصادر إلی أنه قرأ علیه الکثیرون و حدثوا عنه. إلا أننا لا نعلم السنة التی أقام فیها ببغداد، و لکن یظهر مما جاء فی أخباره أنه کان یتنقل فی إقامته بین بغداد و واسط إلی حین وفاته ببغداد.
واسط فی العصر العباسی، ص: 302
و قد صنف ابن الدبیثی کتابین فی تاریخ المدن، الأول هو «ذیل تاریخ مدینة السلام بغداد» و هو ذیل علی «ذیل تاریخ بغداد» لأبی سعد السمعانی (ت 562 ه/ 1166 م). ترجم فیه لمن کان ببغداد من الخلفاء و الوزراء و کبار الموظفین و کبار العلماء و القراء و المحدثین و الأدباء و الشعراء و غیرهم ممن عاش ببغداد، أو لهم صلة بها ممن توفوا بین سنة 562 ه و سنة 621 ه/ 1166- 1224 م و آخرین قبلهم مما استدرکه علی أبی سعد السمعانی، و آخرین تأخرت وفیاتهم عن سنة 621 ه/ 1224 م و هو فی ثلاثة أجزاء إلا أنه لم یصل إلینا کاملا.
أما کتابه الثانی فهو «تاریخ واسط» و قد فقد، و قد قال فیه بعض
واسط فی العصر العباسی، ص: 303
المؤرخین إنه «تاریخ کبیر» و من المرجح أن مؤلفه سار فی خطته و منهجه علی نحو ما کتب فی کتابه الأول.
أما فی مجال تاریخ التراجم فقد صنف ابن الدبیثی ثلاثة کتب هی:
«معجم شیوخه» و «طبقات القراء» و «المشتبه» و قد نقل ابن قاضی شهبة عن الکتابین الأخیرین فی کتابه «طبقات النحاة و اللغویین».
و مما تجدر الإشارة إلیه هو أن المؤرخین الذین کتبوا عن ابن الدبیثی کانوا قد أجمعوا علی فضله و علمه و ثقته، فیاقوت الذی کان معاصرا له قال عنه: «شیخنا الذی استفدنا منه، و عنه أخذنا» و أشار تلمیذه ابن النجار إلی المنزلة العلمیة الرفیعة التی کان علیها ابن الدبیثی فقال: «و قلّ أن جمع شیئا إلا و أکثره علی ذهنه، و له معرفة بالحدیث و الأدب و الشعر … صحبته عدة سنین و ما رأت عینای مثله فی حفظ التواریخ و السیر و أیام الناس» و لما مات قال عنه ابن النجار: «و لقد مات عدیم النظیر فی فنه». و یذکر المنذری فیما یتعلق به أیضا فیقول «کان أحد الحفاظ المشهورین و النبلاء المذکورین، غزیر الفضل و کتب کثیرا، و له نظم
واسط فی العصر العباسی، ص: 304
و نثر حسن. و لنا منه إجازة کتب بها إلینا غیر مرة» و وصفه الذهبی فقال: «الإمام الحافظ الثقة المقری‌ء، مؤرخ العراق».
و من المؤرخین الذین ظهروا بواسط فی هذه الفترة ابن المهذب الذی صنف کتاب «عجائب واسط»، و لا نعلم لهذا الکتاب نسخة ما.
و من کبار مؤرخی واسط أبو یحیی عماد الدین زکریا بن محمد بن محمود القزوینی (ت 682 ه/ 1283 م) مؤلف کتاب «آثار البلاد و أخبار العباد» الذی تقدم ذکره. و هو کتاب یبحث فی الجغرافیة التاریخیة، قسم فیه العالم إلی سبعة أقالیم، و أورد معلومات تاریخیة مفیدة عن بلدان هذه الأقالیم و مدنها، و تحدث عن سیر مشاهیر الرجال فیها، و یری (براون) أن روایاته عن بعض هؤلاء الرجال تعتبر من أقدم ما وصلنا عنهم.

ب- الجغرافیة:

فی هذا العلم لا نسمع بوجود علماء واسطیین اختصوا فیه فیما عدا أبا یحیی عماد الدین زکریا بن محمد بن محمود القزوینی الذی تحدثنا عنه مؤرخا، مؤلف کتاب «آثار البلاد و أخبار العباد» و هو کتاب یبحث فی الجغرافیة التاریخیة کما أشرنا سابقا و قد نقل المؤلف الکثیر من مؤلفات
واسط فی العصر العباسی، ص: 305
کبار الجغرافیین العرب الذین سبقوه کابن الفقیه الهمدانی، و الإصطخری، و المسعودی، و یاقوت الحموی و غیرهم. کما أفاد من مشاهدات الرحالة خاصة ما یتعلق بإفریقیة و الأندلس و البلدان الأوروبیة من أمثال أحمد بن فضلان و أبی الربیع سلیمان الملتانی و إبراهیم بن یعقوب الطرطوشی و أبو حامد الأندلسی و أحمد بن عمر العذری.
و الکتاب مرتب علی ثلاث مقدمات، المقدمة الأولی یتکلم فیها عن الحاجة إلی إنشاء المدن و القری، ثم اختیار المکان المناسب لإنشاء المدن، و أثر ذلک علی نشاط السکان و صحتهم، و خطط المدن العربیة، و اختلاف المدن فیما بینها لاختلاف موقعها و تربتها و هوائها. و المقدمة
واسط فی العصر العباسی؛ ص305
واسط فی العصر العباسی، ص: 306
الثانیة فی الجغرافیة المناخیة، تکلم فیها عن توزیع الحرارة و التضاریس الأرضیة علی سطح الکرة الأرضیة و علاقتها بنشاط الإنسان و تواجد النبات و الحیوان و المعادن، فذکر أن اشتداد البرد فی القطب الشمالی و ارتفاع الحرارة فی المناطق الاستوائیة یحولان دون تواجد الإنسان و الحیوان و النبات فی هذه المناطق.
أما المقدمة الثالثة فقد قسم فیها الکرة الأرضیة إلی قسمین، القسم الشمالی الذی هو معتمر و مسکون، و القسم الجنوبی غیر المسکون، ثم قسم القسم الشمالی إلی سبعة أقالیم، و وصف فی کل إقلیم مختلف البلدان و المدن و الجبال و البحیرات و الأنهار و الجزر. و یحتوی الکتاب علی خارطة مستدیرة للعالم و لقد اشتمل الکتاب علی کثیر من المعلومات الجغرافیة المفیدة عن أقطار العالم الإسلامی، و بعض الأقطار الأوروبیة، و الإفریقیة، فتکلم عن البحیرات و الأنهار و العیون و الطرق و التضاریس و الثروة الزراعیة، و الحیوانیة و الصناعة و المعادن. و فی أثناء کلامه عن البلدان تناول بالوصف مختلف نواحی الحیاة البشریة لتلک البلدان، فتحدث عن عاداتهم و تقالیدهم و أدیانهم …
واسط فی العصر العباسی، ص: 307
و مأکلهم و ملبسهم و حرفهم. ثم تحدث عن علاقة الحرارة و البرودة بلون بشرة السکان، فعزا سواد بشرتهم إلی ارتفاع الحرارة فی بلدانهم، کما عزا بیاض بشرتهم، و شقرة شعرهم إلی اشتداد البرد عندهم.
و من المواضیع التی طرقها القزوینی فی کتابه هذا ما یطلق علیها فی الوقت الحاضر (جغرافیة المدن) فقد جاء فیه وصف لعدد من المدن ثم تحدث عن نشأتها و تاریخها و تطورها و وضع خرائط للبعض منها.
و هذا الکتاب حمل براون علی القول: «و فی رأیی لم أصادف بین الکتب العربیة کتابا ممتعا جدیرا بالقراءة مثل هذا الکتاب».
و یقول کراتشکوفسکی: «و ابن سعید و القزوینی هما أضخم الأسماء التی ظهرت فی محیط الأدب الجغرافی لنهایة القرن الثالث عشر و إلی جانبهما تتضاءل أسماء أولئک الرحالة الذین اکتسب کل واحد منهم أهمیة معینة فی محیطه الخاص، و لکنهم لم یلعبوا دورا هامّا فی المحیط
واسط فی العصر العباسی، ص: 308
العام» و إنه «استخدم مصادر لم تصلنا».
و فی القسم الثانی من کتابه «عجائب المخلوقات و غرائب الموجودات» یتحدث فی «الجغرافیة الطبیعیة» ففی النواحی المناخیة تکلم عن الطبقات الجویة، و تکوین الغیوم و الأمطار، و الرعد و البرق و ما یتعلق بهما ثم حدوث الریاح و اتجاهاتها و فوائدها.
و تکلم عن کرویة الأرض و توزیع الیابس و الماء علی الکرة الأرضیة و توزیع الحرارة و الأقالیم الحراریة علیها، ثم بین علاقة ارتفاع الحرارة فی المناطق الاستوائیة و اشتداد البرد فی المناطق القطبیة بالإنسان و الحیوان و النبات.
و قسم العالم إلی سبعة أقالیم، ثم تحدث بصورة مفصلة عن الجبال و الأنهار و العیون و الآبار فی العالم و التی کانت معروفة فی زمنه ثم عن أسباب تکوینها، ثم عن أسباب تکوین الزلازل و یعلل ذلک
واسط فی العصر العباسی، ص: 309
بتعلیلات طبیعیة و جیولوجیة. و قد نقل القزوینی فی هذا الکتاب الکثیر مما کتبه من سبقه من الجغرافیین العرب و غیرهم. و مما تجدر الإشارة إلیه هو أن بعض المعلومات فی کتابه السابق کانت قد تکررت فی کتابه هذا.
و هذا الکتاب حمل سترک‌streck علی القول: إن کتابه هذا یعتبر ذا أهمیة کبری، و یمکن اعتباره أحسن ما کتبه العرب فی العصور الوسطی بالنسبة لهذا الحقل من الدراسة. و قد قال: «و من بین جمیع الجغرافیین العرب یمکن اعتبار القزوینی هیرودوت العصور الوسطی، أو اعتباره بلینی العرب».

5- العلوم العقلیة

أ- الطب و الصیدلة:

لقد أسهمت واسط فی هذا العلم منذ إنشائها سواء بواسطة المؤلفات الطبیة التی صنفها أطباء هذه المدینة، أو تدریس الطب فیها، فقد أشارت المصادر إلی أن «تیاذوق» (ت 90 ه/ 708 م) طبیب الحجاج بن یوسف الثقفی الخاص، کان بارعا فی الطب، و کان الحجاج یعتمد علیه و یثق بمداواته، صنف لابنه «کناش» کبیر، و کتاب «إیدال الأدویة و کیفیة دقها و إیقاعها و إذابتها» و کتاب «تفسیر أسماء الأدویة».
واسط فی العصر العباسی، ص: 310
و کان لتیاذوق تلامیذ بواسط تقدموا فی الطب بعده منهم الطبیب فرات بن شحناثا الیهودی (ت فی أیام الخلیفة المنصور 136- 158 ه/ 753- 774 م) و قد وصف بأنه کان «طبیب فاضل کامل فی وقته متقدم العهد» خدم الحجاج بعد وفاة أستاذه، ثم قدم إلی بغداد فی آخر عمره، و دخل فی خدمة عیسی بن موسی، و کان کما یقول القفطی «یشاوره فی کل أموره و یعجبه عقله و رأیه و صواب قصده».
لا نجد أیة إشارة إلی الأطباء الواسطیین بعد ذلک حتی بدایة القرن الخامس الهجری/ الحادی عشر المیلادی. و لکن من الراجح أنه نبغ فی هذه الفترة عدد من الأطباء من تلامذة تیاذوق و تلامذتهم و غیرهم. إلا أن أخبارهم لم تصل إلینا.
أما فی القرن الخامس الهجری/ الحادی عشر المیلادی و ما بعده فقد نبغ بواسط عدد من الأطباء منهم: أبو الحسین عبد اللّه بن عیسی بن بختویه (ت بعد سنة 420 ه/ 1029 م) الذی وصف بأن لدیه معرفة فی صناعة الطب، و أنه کان مطلعا علی تصانیف القدماء، و له نظر فیها و درایة و کان والده طبیبا أیضا. و من مؤلفاته الطبیة کتاب «المقدمات» الذی یعرف أیضا ب «کنز الأطباء» ألفه لابنه سنة 420 ه/ 1029 م و کتاب «الزهد فی الطب» و کتاب «القصد إلی معرفة الفصد».
واسط فی العصر العباسی، ص: 311
و موفق الدین أبو طاهر أحمد بن محمد بن العباس المعروف بابن البرخشی، (کان حیّا سنة 560 ه/ 1164 م) الذی قال فیه عماد الدین الأصبهانی الذی کان صدیقا له: کان «فیلسوف العصر فی الحکمة و الطب … قد برعت فی العلم صناعته … متطرق لکل علم عارف بکل فن» و یبدو أنه کانت له مؤلفات فی الطب فقد ذکر ابن أبی أصیبعة أنه کان «فاضل فی الصناعة الطبیة … و قد رأیت من خطه ما یدل علی رزانة عقله و غزارة فضله». و یذکر ابن أبی أصیبعة أیضا أنه کان قد عالج نوعا من المرض بواسط کان یطلق علیه مرض «الاستسقاء» و ذلک بواسطة تناول بعض أنواع الحشائش التی کانت تعیش فی تلک المنطقة، و أنه هو الذی اکتشف ذلک بعد أن عالج مریضا کان یعانی من هذا المرض.
و أبو العلاء محفوظ بن المسیحی بن عیسی النصرانی (ت فی أوائل سنة 560 ه/ 1164 م) الذی وصف بأنه کان «طبیبا فاضلا نبیلا مذکورا فی وقته عالما بصناعة الطب». و قد أشار عماد الدین الأصبهانی إلی أن له أشعارا ذکر منها طرفا فی کتابه «خریدة القصر و جریدة أهل العصر» و کان یعالجه مدة إقامته بواسط و قال فیه: «کان عالما فاضلا مرضی الصنعة فی مداواة المرضی، مستقیم الرأی فی تسقیم السقیم».
و الجدیر بالذکر أن الوزیر مؤید الملک أبا علی الحسن بن الحسین الرفجی أمر ببناء مارستان بواسط سمی «المارستان المؤیدی» افتتح سنة
واسط فی العصر العباسی، ص: 312
413 ه/ 1022 م، و عین له خزانا و أطباء و وکلاء، و أکثر فیه من الأدویة و الأشربة و وقف علیه الوقوف الکثیرة، و هو أول مارستان یشید بواسط کما یقول ابن الجوزی.
هذا و قد تردد ذکر هذه المؤسسة الصحیة بواسط فی فترات مختلفة مما یدل علی وجودها و استمرارها فی تقدیم الخدمات الصحیة إلی سکان هذه المدینة. و لعل تعرض واسط لهجمات شدیدة من الأمراض التی کان یسببها وجود البطائح التی کانت قریبة منها هو الذی أدی إلی إنشاء هذه المارستان و استمراره فی أداء عمله.
أما الصیدلة فإن أقدم ما وصلنا عنها فی هذه المدینة ما قدمه ابن الجوزی سنة (479 ه/ 1086 م) فقد ذکر أنه فی هذه السنة وقعت نار بواسط فأحرقت سوق الصیدلیة من الجانبین.
یفهم من هذا النص أنه کان بواسط مجموعة من الصیادلة، إلا أن
واسط فی العصر العباسی، ص: 313
أخبارهم لم تصل إلینا، لأن بعضهم علی ما یبدو، کانوا من المحدّثین و القراء و الفقهاء و غیرهم، لأن العلماء کانوا یجمعون بین مختلف العلوم آنذاک، فأبو الحسن علی بن محمد بن علی الواسطی الصیدلانی (ت 409 ه/ 1018 م) کان من رواة الحدیث أیضا، و کان أبو الأزهر المظفر بن القاسم بن عبید اللّه الصیدلانی مقرئا للقرآن الکریم، فجاءتنا أخبارهما و نشاطهما العلمی مع المحدثین و المقرئین، و ذلک لأن مصنفی کتب التراجم و الطبقات یهتمون عادة بترجمة القراء و المحدثین و الفقهاء و الأدباء و نشاطاتهم العلمیة فی هذه الجوانب و یترددون فی ذکر نشاطاتهم العلمیة الأخری.
و إضافة إلی ما تقدم فقد کان یطلق علی الصیدلانی لقب العطار، و قد یکون الطبیب صیدلانیّا فی نفس الوقت، أو بالعکس، و ذلک لعدم وجود التخصص الدقیق آنذاک.

ب- الفلک و النجوم:

إن أقدم ما وصلنا عن علم الفلک و النجوم بواسط هو ما جاء عند السلفی، فقد ذکر فی ترجمة أبی الحسن هبة اللّه بن محمد بن موسی بن الصفار (ت 486 ه/ 1093 م) أنه کان «إماما فی النجوم قوم لثلاثین سنة آتیة» إلا أنه من المرجح أن هذا العلم ظهر فی هذه المدینة قبل هذا
واسط فی العصر العباسی، ص: 314
التاریخ لأن واسط- کما سبق أن ذکرنا- أنشئت فی منطقة کانت تعد مرکزا من مراکز المسیحیة فی العراق، و قد جاء فی المصادر أن السریان قاموا بترجمة الکتب الیونانیة إلی اللغة السریانیة، و أنهم انشأوا بمنطقة واسط عددا من المدارس کانت تدرس فیها مختلف العلوم الیونانیة من طب و فلسفة و فلک و ریاضیات و غیرها باللغة السریانیة و قد واصل السریان هذه الحرکة إلی ما بعد الفتح العربی للعراق. و قد نبغ عدد من العلماء الذین اشتهروا بهذه العلوم. فمن المحتمل جدا أن بعض المهتمین بالعلوم من أهل واسط کانوا قد اتصلوا بهؤلاء العلماء و اطلعوا علی الکتب التی ألفت من قبلهم أو التی ترجمت إلی لغتهم لا سیما الفلکیة منها و الطبیة و ذلک لحاجتهم إلیها و لعدم تأثیرها بالدین الإسلامی.
و ربما کان لوجود الصابئة بواسط و منطقتها أثر فی ظهور هذا العلم أیضا فقد کان هؤلاء یعبدون النجوم و الکواکب و یقیمون الهیاکل لها، کما أن هؤلاء الصابئة کانوا قد هاجروا من مدینة حران التی قد اشتهرت فی العلوم الفلکیة و الریاضیة.
و إضافة إلی ما تقدم فقد أشارت المصادر إلی أن سکان منطقة واسط
واسط فی العصر العباسی، ص: 315
کانوا یمارسون التنجیم فی النصف الثانی من القرن الثالث الهجری/ التاسع المیلادی.
و من العلماء الذین برزوا فی هذا العلم بواسط أیضا أبو الحسن علی ابن أحمد بن علی الواسطی المعروف بابن دواس القنا (ت 612 ه/ 1215 م) الذی کانت «له ید جیدة فی معرفة علم النجوم و عمل التقاویم» و یذکر القفطی أن هذا العالم کان قد قرأ علم الأوائل، و انفرد بمعرفة علم النجوم و أجاد فی ذلک، و اشتهر به، رحل إلی بغداد و أقام بها و أخذ عنه جماعة من أهلها.
و من أعظم علماء الفلک بواسط أبو یحیی عماد الدین زکریا بن محمد ابن محمود القزوینی (ت 682 ه/ 1283 م) الذی سبق أن تحدثنا عنه مؤرخا و جغرافیّا مؤلف کتاب «عجائب المخلوقات و غرائب الموجودات» خصص القسم الأول منه لعلم الفلک و النجوم، و تکلم فیه عن حقیقة الأفلاک و أشکالها و أوصافها و حرکاتها بصورة مجملة ثم تحدث عن القمر و الشمس و النجوم و سکان العالم العلوی (أی الملائکة) و عن التوقیتات و التقاویم العربیة و السریانیة و الفارسیة و ما یرتبط بهما من أعیاد و مناسبات.
و الکتاب مزود بأشکال و جداول فلکیة و قد أفاد إیدلرideler فی بحثه الممتاز الذی کتبه سنة 1909 من وصف النجوم لدی القزوینی.
و یظهر أن واسط کانت قد اشتهرت بهذا العلم، فقد أشار صاحب
واسط فی العصر العباسی، ص: 316
کتاب الحوادث الجامعة إلی أن نصیر الدین الطوسی قصد واسط بعد زیارته لبغداد عندما کان یجمع الکتب و المعلومات لمرصد مراغة و ذلک فی سنة 662 ه/ 1263 م.

ج- الریاضیات:

لقد اهتم علماء واسط بعلوم الریاضیات المتمثلة بالحساب و الجبر و الهندسة، و بما أن معظم المهتمین بهذه العلوم کانوا من الفقهاء و المحدثین، فإننا نجد أن هذه العلوم ارتبطت فی هذه المدینة ارتباطا وثیقا بالفرائض و تقسیم الإرث و الشروط و قیاس الأراضی، و لذلک کثیرا ما کان یجمع العلماء بین هذه العلوم.
و لقد أنجبت واسط عددا کبیرا من العلماء کان أبرزهم أبو محمد الحسن بن علی بن محمد المعروف بابن السوادی الحاسب الملقب بالکامل (ت 566 ه/ 1170 م) الذی کانت له معرفة جیدة بالحساب و الجبر و المقابلة و الهندسة و قسمة الترکات، و قد درس هذه العلوم بواسط و تخرج به جماعة و أبو جعفر هبة اللّه بن یحیی بن الحسن الواسطی الفقیه المحدث المعروف بابن البوقی (ت 571 ه/ 1175 م).
واسط فی العصر العباسی، ص: 317
و لعل أبرز عالم اشتهر فی علوم الریاضیات فی هذه المدینة هو أبو الفضائل جعفر بن محمد بن عبد السمیع الهاشمی الحاسب (ت 584 ه/ 1188 م) الذی برع فی الحساب و الجبر و الهندسة و الفرائض و قسمة الترکات و الشروط، و ألف کتابا فی هذه العلوم، و یظهر أن أبا الفضائل درس هذه الکتب بواسط فقد قال ابن الدبیثی: «و کتب الناس عنه شیئا من مصنفاته» و کذلک نبغ فی هذه الفترة من العلماء أبو العباس أحمد بن ثبات الهمامی الواسطی الحاسب (ت 631 ه/ 1233 م) نشأ بواسط ثم تولی قضاء الهمامیة، و ترک کل ذلک و رحل إلی بغداد و تولی تدریس علم الحساب و الفرائض بالمدرسة النظامیة أربعین سنة، و ألف فی هذه العلوم کتبا و کان کما یقول صاحب کتاب الحوادث الجامعة «إذا أملی مسائل الحساب أتی بکلّ حسن».
و مجد الدین أبو محمد أحمد بن یحیی بن الطباخ الواسطی (کان حیّا سنة 647 ه/ 1249 م) الذی کان عالما بالحساب و أنواعه و المعاملات و قسمة الترکات.
و إلی جانب ما تقدم من العلماء فقد أشارت المصادر إلی عدد آخر کانوا قد برزوا فی هذا العلم أیضا.
واسط فی العصر العباسی، ص: 318

د- علوم أخری:

إلی جانب ما تقدم من العلوم التی ظهرت بواسط نجد أن العالم أبو یحیی عماد الدین زکریا بن محمد بن محمود القزوینی الذی تحدثنا عنه سابقا کان قد اهتم بعلوم أخری تحدث عنها فی کتابه «عجائب المخلوقات و غرائب الموجودات» ففی الباب الذی خصصه للمعادن (علم الکیمیاء) قسم المعادن إلی ثلاثة أنواع، النوع الأول هو الفلزات، و النوع الثانی الأحجار، و النوع الثالث أطلق علیه اسم الأجسام الدهنیة، ثم تکلم عن نشوء هذه المعادن و خصائصها بصورة مفصلة. و قد اعتمد فی ذلک علی مؤلفات العلماء السابقین له.
هذا و قد اهتم بعض العلماء الأوروبیین بهذا القسم من الکتاب فقام دی ساسی‌de sacy بطبعه و قام العلامة رسکاruska بدراسة عمیقة له فی مقال یتمیز بالدقة و عمق التحلیل. کما قام بترجمة و طبع القسم المتعلق بالأحجار إلی اللغة الألمانیة.
أما فی «علم النبات» فقد سبق القزوینی عالم واسطی هو أبو الفضل هبة اللّه بن عبید اللّه بن محمد الواسطی (ت قبل سنة 576 ه/ 1180 م) الذی صنف کتابا فی صفات الأشجار و الأعشاب و الأزهار و الثمار، قال السلفی: رأیت الکتاب و نقلت منه.
واسط فی العصر العباسی، ص: 319
أما القزوینی فقد خصص الباب الثانی من القسم الثانی من کتابه السابق لعلم النبات، تکلم فی القسم الأول منه عن الأشجار و أنواعها و خصائصها، و قدم لنا معلومات مفصلة عن البیئة التی تنمو فیها هذه الأشجار، و إرشادات فی کیفیة زراعتها، و تکلم فی القسم الثانی عن أنواع أخری من النباتات أطلق علیها اسم النجوم.
و الکتاب مزود بالرسوم النباتیة المصغرة (المنمنمات)miniatrues التی تبلغ أحیانا قمة الجودة و الإتقان کما یقول سترک‌streck و قد ساعدت هذه الرسوم علی تفسیر مسائل علی غایة الأهمیة فی التاریخ الطبیعی.
و نظرا لما جاء فی کتاب القزوینی من معلومات قیمة فی علم النبات نجد أن دی ساسی‌de sacy قام بطبع القسم المتعلق به و عالجه العلامة یاکوب‌jacob فی أبحاث خاصة.
و قد خصص القزوینی الباب الثالث من القسم الثانی من کتابه «لعلم الحیوان» تکلم فیه عن الإنسان و الحیوانات الأخری و کلامه فی هذا العلم «یدل علی إدراکه تماما لعلاقة أعضاء الحیوان و حواسه به و بمحیطه و بفوائدها له. و هو إدراک یتفق و المفاهیم الحدیثة فی علم وظائف
واسط فی العصر العباسی، ص: 320
الأعضاء، أی علم الفسلجة و علم البیئة» و قد تضمنت معلوماته عن الحیوان حقائق علمیة ثابتة حتی الآن.
و الکتاب مزود بالرسوم الحیوانیة المصغرة (المنمنمات)miniatures التی تبلغ أحیانا قمة الجودة و الاتقان. و یری علماء الحشرات أنه ربما تکون هذه الرسوم وضعت بإشراف القزوینی نفسه. و قد اعتمد علی هذا الکتاب عدد من المؤلفین المتأخرین مثل الدمیری فی کتابه «حیاة الحیوان الکبری».
و قد اهتم بعلم الحیوان لدی القزوینی عدد من العلماء الأوروبیین، فقد طبع دی ساسی‌de sacy «القسم المتعلق بالإنسان»، و ترجم «انسباخرansbacher» القسم المتعلق بالأرواح و المخلوقات العجیبة، و عالج العلامة «یاکوب‌jacob» فی أبحاث خاصة ما یتعلق بعلم الطیور.
و قدم لنا مؤرخ العلوم «فیدمان‌wiedemann» «فی مجموعة من المقالات تحلیلا لعدد من المسائل التی عالجها القزوینی فی محیط التاریخ الطبیعی.
و کتابات القزوینی فی هذا العلم حملت غوستاف لوبون علی القول:
«و یعد القزوینی المتوفی سنة 1283 م و الملقب ب (بلینی المشارقة) من أشهر
واسط فی العصر العباسی، ص: 321
علماء التاریخ الطبیعی بین العرب، و تقوم طریقة القزوینی علی الرصف علی الخصوص، کما صنع بوفون بعده».
و فی علم «الفیزیاء» قدم لنا القزوینی فی کتابه معلومات مهمة فی خواص الشمس و أصول الریاح و الرعد و البرق و غیرها. و یقدم لنا مؤرخ العلوم «فیدمان» فی مجموعة من المقالات تحلیلا لعدد من المسائل التی عالجها القزوینی فی مجال هذا العلم.
و نجد للقزوینی آراء فی «علم النفس» تکلم فیها عن القوی العقلیة و القوی المدرکة و عن تفاوت الناس فی الذکاء و غیرها. و قد قام «تیشنرtaeschner بترجمة هذه الآراء.
نستنتج مما تقدم أن أهل واسط کانوا یعنون بالعلوم الدینیة و اللغویة أکثر من عنایتهم بالعلوم الأخری، و إن الدین کان هو نقطة البدء فی کل نشاط عقلی، و یرجع السبب فی ذلک إلی اهتمام العلماء فی العالم الإسلامی بالعلوم الدینیة فی هذه الفترة فصار اتجاه الثقافة اتجاها دینیا و ترتب علی ذلک حرصهم علی دراسة علوم العربیة لأنها خیر أداة لفهم الدین.

6- الصلات العلمیة بین واسط و العالم الإسلامی:

نظرا لمکانة واسط العلمیة فقد قصدها عدد من العلماء و القراء و المحدّثین و الفقهاء و الأدباء من شتی أنحاء العالم الإسلامی للقاء مشایخها
واسط فی العصر العباسی، ص: 322
و الدراسة علیهم، و قد درس البعض منهم فی هذه المدینة، کما رحل عدد من العلماء الواسطیین إلی بلدان العالم الإسلامی الأخری و قرأوا القرآن الکریم و سمعوا الحدیث، و قد درّس بعضهم القرآن الکریم و الحدیث، و علوم العربیة فی تلک البلدان، و سوف نذکر طائفة من العلماء الذین وفدوا إلی واسط لتلقی العلم فیها فیما یأتی:
فمن الأندلس قدم إلیها أبو عبد اللّه محمد بن فتوح بن عبد اللّه الحمیدی الأندلسی (ت 488 ه/ 1095 م) مؤلف کتاب «جذوة المقتبس فی أخبار علماء الأندلس» و کتاب «الجمع بین الصحیحین» و غیرهما، و أقام مدة سمع الحدیث من أبی غالب بن بشران، و أبی تمام علی بن محمد بن الحسن العبدی، و نسخ کتاب «الکامل» للمبرد و قرأه علی أبی غالب بن بشران، و کان ابن بشران یرویه عن أبی الحسین بن دینار الواسطی.
و رحل إلیها من الأندلس أیضا أبو عبد اللّه محمد بن إبراهیم بن خطاب المغربی (ت 595 ه/ 1198 م) قدم بغداد سنة 587 ه/ 1191 م و التقی فیها برجال الحدیث ثم غادرها إلی واسط و قرأ بها القرآن الکریم علی أبی بکر بن الباقلانی.
و أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن محمد المرسی السلمی «الأدیب النحوی المفسر المحدث الفقیه» کما یقول یاقوت، خرج من الأندلس سنة 607 ه/ 1210 م و تنقل فی البلاد ثم قدم واسط، و سمع بها الحدیث الکثیر من الشیخ أبی طالب عبد الرحمن بن عبد السمیع الهاشمی الواسطی، و الشیخ أبو الفتح محمد بن أحمد بن بختیار الواسطی المعروف
واسط فی العصر العباسی، ص: 323
بابن المندائی، و مشیخته.
و الشیخ أبو إسحاق إبراهیم بن محمد بن إبراهیم الإشبیلی (ت 615 ه/ 1218 م) قدم بغداد و سمع الحدیث بها ثم قصد واسط و سمع الحدیث من أبی الفتح بن المندائی و حدث ببغداد و خراسان و رحل إلیها من الأندلس أیضا الشیخ أبو محمد عبد العزیز بن الحسین بن عبد العزیز ابن هلالة اللخمی الأندلسی (ت 617 ه/ 1220 م) سمع الحدیث بمکة و بغداد ثم قدم إلی واسط و التقی بأبی الفتح محمد بن أحمد بن المندائی و سمع الحدیث منه ثم غادرها إلی المشرق طلبا للحدیث، و قد حدث بالعراق و الشام و الحجاز.
و الحافظ أبو الخطاب عمر بن حسن بن علی المعروف بابن دحیة من أهل میورقة (ت 633 ه/ 1235 م) مؤلف کتاب «النبراس فی تاریخ خلفاء بنی العباس» سمع الحدیث بالأندلس ثم رحل إلی المشرق و قدم بغداد ثم قصد واسط و سمع الحدیث بها من أبی الفتح بن المندائی.
و رحل إلیها من «مصر» الشیخ الحافظ أبو طاهر إسماعیل بن عبد اللّه ابن عبد المحسن الأنصاری المصری الشافعی (ت 619 ه/ 1222 م) سمع
واسط فی العصر العباسی، ص: 324
الحدیث بالإسکندریة ثم رحل إلی بلاد کثیرة، و قدم بغداد و التقی برجال الحدیث فیها ثم قصد واسط و سمع الحدیث من أبی الفتح محمد بن أحمد المندائی و آخرین. حدث بمصر و دمشق.
و الشیخ أبو القاسم عبد الرحمن بن فاضل بن علی الاسکندرانی المقری‌ء المعروف بابن السیوری (ت 630 ه/ 1232 م) سمع الحدیث بمصر ثم قدم إلی بغداد و قرأ بها القرآن الکریم ثم رحل إلی واسط و قرأ بها القرآن الکریم بالقراءات و «حصل منها طرفا صالحا» کما یقول المنذری ثم عاد إلی مصر و کان علی معرفة جیدة بالقراءات و اختلافها.
و الشیخ الفقیه أبو محمد إسحاق بن محمد بن المؤید الوبری الشافعی (ت 623 ه/ 1226 م) سمع الحدیث بمصر و الشام و بغداد ثم قدم واسط و سمع الحدیث من أبی الفتح محمد بن أحمد المندائی و آخرین ثم عاد إلی مصر و حدث هناک.
أما من دمشق فقد رحل إلیها الحافظ أبو مسعود إبراهیم بن محمد بن عبید الدمشقی (ت 401 ه/ 1010 م) سافر الکثیر و سمع و کتب الحدیث ببغداد و واسط و مدن أخری و کان صدوقا دیّنا.
و أبو عبد اللّه محمد بن عمر بن أبی بکر الدمشقی (ت 616 ه/ 1219 م) قدم بغداد و التقی برجال الحدیث ثم انحدر إلی واسط و کتب بها عن جماعة من تلامذة أبی الکرم خمیس بن علی الحوزی و القاضی أبی علی الفارقی، و أبی الکرم بن مخلد الأزدی، ثم غادرها إلی أصبهان و إربل و الموصل و تولی مشیخة دار الحدیث بالموصل.
واسط فی العصر العباسی، ص: 325
و القاضی الفقیه أبو العباس أحمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسی المعروف بالبخاری (ت 623 ه/ 1226 م) قدم بغداد و سمع الحدیث ثم ذهب إلی واسط و التقی برجال الحدیث بها، و حدث بدمشق و حمص ثم تولی القضاء بها.
و قصدها من «حران» القاضی أبو بکر عبد اللّه بن نصر الحرانی (ت 624 ه/ 1226 م) قدم بغداد و التقی برجال الحدیث و الفقه ثم ذهب إلی واسط و قرأ بها القرآن الکریم بالقراءات العشر علی القاضی أبی الفضل هبة اللّه بن علی بن قسام الواسطی، و أبی بکر بن الباقلانی الواسطی و أبی طالب بن العکبری، و سمع الحدیث من القاضی أبی طالب محمد بن علی ابن أحمد الکتانی، ثم عاد إلی بلده و تولی القضاء هناک أقرأ القرآن الکریم و حدث.
و الشیخ أبو زکریا یحیی بن أبی الفتح بن عمر الطباخ الحرانی (ت 607 ه/ 1210 م) قدم بغداد و التقی برجال الحدیث و الفقه ثم قصد واسط و قرأ بها القرآن الکریم بالقراءات علی القاضی أبی الفضل بن قسام الواسطی و آخرین، و سمع الحدیث من القاضی أبی طالب الکتانی.
و قدم إلیها من «الرها» الشیخ الحافظ أبو محمد عبد القادر بن عبد اللّه بن عبد الرحمن الرهاوی (ت 612 ه/ 1215 م) کان من مشاهیر علماء الحدیث فی عصره، قصد بغداد و التقی برجال الحدیث ثم ذهب فی طلبه
واسط فی العصر العباسی، ص: 326
إلی واسط، و سمع الحدیث بها و کتب عن أبی طالب بن الکتانی و آخرین. ثم سافر فی طلبه إلی مدن أخری حدّث بالموصل و أربیل و درس الحدیث بدار الحدیث المظفریة بالموصل مدة ثم قدم حرّان و حدث بها. جمع کتاب «الأربعین البلدانیة» فی مجلدین و هو کتاب کبیر کما یقول المنذری خرجه بأربعین إسنادا مما سمعه فی أربعین مدینة.
أما من المشرق الإسلامی فقد رحل إلیها من «أستراباذ» أبو سهل هارون بن أحمد بن هارون الأستراباذی (ت 364 ه/ 974 م) سمع الحدیث بالمشرق و بغداد و مکة و بواسط من محمود بن محمد الواسطی.
و رحل إلیها من «شیراز» الحافظ أبو القاسم هبة اللّه بن عبد الوارث ابن علی (ت 485 ه/ 1092 م) الذی صنف کتاب «تاریخ شیراز» رحل إلی بلاد کثیرة لسماع الحدیث ثم قدم واسط و سمع الحدیث من أبی تمام محمد بن الحسن العبدی.
و رحل إلیها من «همدان» أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن الهمدانی الحافظ المحدث (ت 569 ه/ 1173 م) الذی کان «إماما فی علوم القراءات و الحدیث و الأدب» قرأ القرآن الکریم بالقراءات بأصبهان ثم قدم واسط و قرأ القرآن الکریم بالقراءات علی أبی العز القلانسی، ثم غادرها
واسط فی العصر العباسی، ص: 327
إلی بغداد و قرأ القرآن الکریم و عاد إلی بلده صنف فی القراءات کتبا حسنة.
و رحل إلیها من «همدان» أیضا الإمام الحافظ أبو بکر محمد بن موسی بن عثمان الهمدانی الشافعی (ت 584 ه/ 1091 م) سمع الحدیث بهمدان و قرأ القرآن الکریم ثم رحل إلی بغداد و استوطنها و التقی برجال الحدیث و الفقه ثم قدم واسط و سمع الحدیث من أبی طالب الکتانی، و أبی العباس أحمد بن سالم البرجونی و غیرهما، و صار من أحفظ الناس للحدیث و أعرفهم بعلومه و أسانیده و رجاله- کما یقول ابن الدبیثی- و صنف فی علم الحدیث عدة مصنفات و أملی عدة مجالس.
و رحل إلیها من «مرو» الإمام الحافظ المؤرخ أبو سعد عبد الکریم بن محمد بن منصور التمیمی المعروف بابن السمعانی (ت 562 ه/ 1166 م) قاصدا أحد علمائها الکبار و هو الشیخ أبو عبد اللّه محمد بن علی بن محمد الجلابی المعروف بابن المغازلی و ذلک فی سنة 533 ه/ 1138 م و سمع منه «مسند» أحمد بن سنان القطان الواسطی و قرأ علیه «تاریخ واسط» لبحشل، و أضاف بقوله «سمعت منه الکثیر … و قرأت علیه الکثیر» و قرأ علی أبی الجوائز سعد بن عبد الکریم بن الحسن الغندجانی الواسطی. و کتب عن الفقیه أبی جعفر هبة اللّه بن یحیی بن الحسن بن البوقی الواسطی
واسط فی العصر العباسی، ص: 328
و أثنی علیه. و غیرهم.
أما أبو جعفر محمد بن حمد بن محمد فقد رحل إلیها من «نهاوند» و کتب عن شیوخها ثم عاد إلی خراسان و استوطن مرو أقرأ القرآن الکریم و حدث، و وصف بالفضل و العلم.
و من «أصبهان» أبو نعیم أحمد بن عبد اللّه بن أحمد (ت 430 ه/ 1038 م) الذی کان من کبار المحدثین. سمع الحدیث بأصبهان ثم سافر فی طلبه کثیرا، و قدم واسط و سمع بها الحدیث من أبی عبد اللّه محمد بن أحمد بن محمد، و أبی بکر محمد بن حبش بن خلف الخطیب. صنف کثیرا فی الحدیث، و حدث کثیرا.
و رحل إلیها من «أصبهان» أیضا الإمام الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهانی المعروف بالسلفی (ت 576 ه/ 1180 م) سمع الحدیث بأصبهان ثم قدم بغداد سنة 493 ه/ 1099 م و أقام بها و التقی بشیوخ الحدیث فیها ثم رحل إلی واسط و أقام بها مدة و سمع الحدیث و کتبه من کبار المحدثین فیها و التقی بعلمائها. و فی أثناء إقامته بواسط
واسط فی العصر العباسی، ص: 329
کان یتردد إلی علماء مدن واسط و سمع منهم و کتب عنهم و أشاد بفضلهم و علمهم. رحل إلی دمشق طلبا للعلم، ثم غادرها إلی مصر و استقر فی مدینة الإسکندریة حتی وفاته.
أما من «جیلان» فقد رحل إلیها أبو سلیمان داود بن رضا بن مهدی (ت بعد سنة 600 ه/ 1203 م) و حفظ بها القرآن الکریم و قرأه علی کبار القراء ثم ذهب إلی بغداد و قرأ الفقه ثم عاد إلی واسط و استوطنها حتی وفاته. و یظهر أنه سمع الحدیث بواسط أیضا. فقد ذکر ابن الدبیثی أنه حدث ببغداد عن أبی جعفر هبة اللّه بن یحیی الواسطی المعروف بابن البوقی و سمع منه جماعة و حدثوا عنه.
و من «یزد» رحل إلیها أبو الحسن علی بن أحمد بن الحسین الیزدی المقری‌ء الفقیه الشافعی (ت 551 ه/ 1156 م) سمع الحدیث ببلده ثم رحل إلی بغداد و التقی بالفقهاء ثم قدم واسط و سمع الحدیث من کبار المحدثین، و درس الفقه علی القاضی أبی علی الفارقی و رحل إلی مدن أخری طالبا للحدیث ثم عاد إلی بغداد و استوطنها حتی وفاته، و قد بلغت مصنفاته فی الفقه و الحدیث و الزهد و غیرها أکثر من خمسین مصنفا.
و من «السوس» رحل إلیها أبو الحسن علی بن أحمد بن علی السوسی و سمع الحدیث من أبی الفرج أحمد بن علی بن جعفر الخیوطی، و أبی
واسط فی العصر العباسی، ص: 330
علی إسماعیل بن وهبان بن إبراهیم الصلحی، و أبی الحسن علی بن عبد اللّه بن عمر بن شوذب، و الحسن بن أحمد التمار ثم رحل إلی بغداد و حدث عنهم.
و رحل إلیها من «زنجان» أبو حامد محمد بن الحسن بن محمد الزنجانی، قدم بغداد و الموصل و التقی برجال الحدیث بهما ثم ذهب إلی واسط و سمع الحدیث من أبی جعفر المبارک بن علی الحمامی، و أبی جعفر المبارک بن المبارک بن الحداد، و القاضی أبی الفتح بن المندائی.
و إضافة إلی ما تقدم فقد رحل إلی واسط من مدن العالم الإسلامی عدد آخر من طلاب العلم لا یتسع المجال لذکرهم.
واسط فی العصر العباسی، ص: 331
أما العلماء الواسطیون الذین تلقوا العلم بواسط ثم رحلوا إلی بلدان العالم الإسلامی و قرأوا القرآن الکریم و سمعوا الحدیث ثم درسوا هناک فهم:
أبو علی حسن بن القاسم بن علی الواسطی المعروف بغلام الهراس المقری‌ء (ت 468 ه/ 1075 م) الذی رحل إلی دمشق و تصدر للإقراء بجامعها ثم رحل إلی مصر أقرأ القرآن الکریم «و رحل الناس إلیه من کل ناحیة» کما یقول ابن الجزری و قد تقدم ذکره.
و أبو الحسین المبارک بن محمد بن عبید اللّه بن السوادی الواسطی الفقیه (ت 492 ه/ 1098 م) درس الفقه الشافعی بواسط و سمع الحدیث ثم رحل فی طلبه إلی بغداد و البصرة و مصر و عاد إلی واسط ثم ذهب إلی أصبهان و حدث بها، و أخیرا أقام بنیسابور و تولی التدریس بالمدرسة المشطبیة فیها و وصف بأنه کان «إماما کبیرا فاضلا».
و قد قلنا من قبل إن أبا بکر عبد اللّه بن منصور بن عمران الواسطی المعروف بابن الباقلانی (ت 593 ه/ 1196 م) الذی کان شیخ أهل واسط فی قراءة القرآن الکریم و تلاوته و معرفته، رحل إلی دمشق أقرأ القرآن الکریم هناک.
و الشیخ أبو المفاخر عبد اللّه بن محمد بن محمد الواسطی المقری‌ء
واسط فی العصر العباسی، ص: 332
النحوی (ت 594 ه/ 1197 م) قرأ القرآن الکریم بالقراءات بواسط علی الشیخ أبی بکر بن الباقلانی، و سمع الحدیث ثم رحل إلی القاهرة و سکن فیها حتی وفاته، أقرأ القرآن بها و تقلد إمامة الجامع الأکبر مدة، و حدّث هناک عن الشیخ أبی بکر بن الباقلانی، و علی بن محمد بن علی الواسطی و سمع منه الکثیرون.
أما الشیخ أبو حفص عمر بن إبراهیم بن عثمان الواسطی الواعظ الصوفی (ت 602 ه/ 1205 م) فقد سمع الحدیث بواسط من أبی محمد بن عبد الرحمن بن الحسین بن الدجاجی، و أبی طاهر أحمد بن محمد بن البرخشی، و نصر اللّه بن محمد المعروف بابن الجلخت، و أبی طالب محمد بن علی ابن الکتانی و غیرهم، و قدم بغداد مرات عدیدة و سمع الحدیث من کبار المحدثین و وعظ فیها و تولی مشیخة رباط الزوزنی و النظر فی وقفه، سافر الکثیر إلی الحجاز و الجزیرة و دیار بکر و خراسان و غزنة، و وعظ و حدث فی أسفاره.
و أبو الفرج محمد بن عبد الرحمن بن أبی العز الواسطی المقری‌ء (ت 618 ه/ 1221 م) قدم بغداد سنة 584 ه/ 1188 م و حدث بها ثم غادرها إلی بلاد الشام و حدث فی طریقه بحلب و أقام بدمشق مدة، أقرأ الناس هناک ثم رجع إلی الموصل و حدث بها ثم استوطنها إلی حین وفاته، …
واسط فی العصر العباسی، ص: 333
کتب عنه ابن الدبیثی و روی عنه، و یقول عنه المنذری «و لنا منه إجازة کتب بها إلینا غیر مرة إحداهن سنة 595 ه».
و أبو محمد القاسم بن القاسم بن عمر الواسطی الأدیب النحوی اللغوی (ت 626 ه/ 1228 م)- الذی تقدم ذکره- قصد حلب و درس النحو بجامعها و استقر بها إلی حین وفاته.
و أبو الحسن علی بن المبارک بن الحسن الواسطی المعروف بابن باسویه المقری‌ء الفقیه الشافعی (ت 632 ه/ 1234 م) قرأ القرآن الکریم بواسط علی الشیخ أبی العباس أحمد بن سالم البرجونی، و قرأه بالقراءات العشر علی أبی بکر بن الباقلانی، و أبی الحسن علی بن عباس بن المظفر الواسطی الخطیب، و سمع الحدیث من أبی طالب بن الکنانی، و أبی نصر ابن محمد بن البزاز، و أبی العباس أحمد بن سالم البرجونی، و أبی الخیر مسعود بن علی بن صدقة، و غیرهم، ثم قدم بغداد و درس الفقه بالمدرسة الکمالیة، و سمع الحدیث من مشاهیر المحدثین، ثم ذهب إلی دمشق و استقر بها إلی حین وفاته. و قد تصدر لإقراء القرآن الکریم بجامع دمشق و حدث، و کان علی طریقة حسنة کما یقول ابن الدبیثی، و قد التقی به بدمشق کل من الحافظ زکی الدین أبی محمد المنذری، و ابن الصلاح الشهرزوری و سمعا منه.
واسط فی العصر العباسی، ص: 334
و من وعاظ واسط الذین استقروا بمصر الشیخ أبو عبد اللّه محمد بن یحیی بن الحسین الطائی الواسطی الواعظ المعروف بالشمس (ت 633 ه/ 1235 م) درس الوعظ بواسط و سمع الحدیث ثم رحل إلی مصر، و التقی برجال الحدیث و حدّث و وعظ و کان کما یقول المنذری «قد تقدم علی أقرانه فی الوعظ و حصل له قبول تام من العامة».
أما الشیخ الحافظ أبو یعقوب یوسف بن عمر بن أبی بکر المعروف بابن صقیر (ت 636 ه/ 1238 م) فقد سمع الحدیث بواسط من أبی البقاء هبة الکریم بن الحسن الواسطی و آخرین ثم ذهب إلی بغداد، و التقی برجال الحدیث ثم رحل إلی مکة و سمع الحدیث، و حدث هناک و کتب الکثیر و خرّج.
الشیخ أبو الفضل مرجا بن الحسن بن علی بن هبة اللّه الواسطی الشافعی المعروف بابن شقیرة (ت 656 ه/ 1258 م) قرأ القرآن الکریم بالقراءات علی أبی بکر الباقلانی بواسط و سمع الحدیث من أبی طالب محمد بن علی الکتانی، و درس الفقه علی أبی علی یحیی بن الربیع الواسطی، و قرأ علیه جماعة من أهل واسط. ثم سافر فی التجارة إلی بلاد کثیرة أقرأ القرآن الکریم و حدث بالعراق و الشام و القاهرة. و روی بالقاهرة «تاریخ واسط» لبحشل سنة 642 ه/ 1244 م عن سماعه من أبی طالب الکتانی، سمعه منه زکی الدین أبو محمد عبد العظیم بن عبد القوی المنذری و آخرون. و روی الحدیث عن أبی طالب الکتانی أیضا.
واسط فی العصر العباسی، ص: 335
و قد أشارت المصادر إلی غیر هؤلاء.
أما العلماء الذین وفدوا إلی واسط من أنحاء العالم الإسلامی و أقاموا فیها و درّسوا و حدثوا فهم:
أبو مسلم عمر بن علی بن أحمد اللیثی (ت 468 ه/ 1075 م) الذی قدم من «بخاری» سمع الحدیث ببخاری و سمرقند و هراة و همذان و مدن أخری، ثم قدم واسط سنة 459 ه/ 1066 م و حدث بها، سمع منه المحدث أبو الکرم خمیس بن علی الحوزی الواسطی و آخرون و کتبوا عنه.
و من مشاهیر المحدثین الذین حدثوا بواسط أبو طالب الجنید بن عبد الرحمن بن الجنید الصوفی من أهل «أصبهان» سمع الحدیث بأصبهان، و بغداد و مکة ثم قدم واسط سنة 500 ه/ 1106 م و حدث و سمع علیه کبار المحدثین بواسط، منهم أبو الکرم خمیس الحوزی و أبو الحسن علی بن مبارک بن نغوبا، و أبو العباس هبة اللّه بن نصر اللّه الأزدی، و حدثوا عنه بواسط و بغداد.
و من النحویین الذین أقاموا بواسط و درّسوا بها أبو الخیر سلامة بن غیّاض بن أحمد الشامی (ت 543 ه/ 1148 م) الذی قال عنه ابن الدبیثی «کان أدیبا فاضلا له معرفة جیدة بالنحو و اللغة» و له مؤلفات جیدة فی اللغة و النحو قدم بغداد بعد سنة 510 ه/ 1116 م و أقام بها مدة و قرأ علیه
واسط فی العصر العباسی، ص: 336
جماعة من أهلها و سمعوا منه ثم ذهب إلی واسط و أقام بها و درّس النحو بجامعها، قرأ علیه أبو الفتح المبارک بن زریق الحداد المقری و آخرون.
و من «شیراز» قدم إلیها أبو الحسن علی بن محمد بن علی التبریزی (ت 602 ه/ 1205 م) خطیب شیراز الذی وصف بأنه کان «فاضلا له معرفة بالأدب و التفسیر» حدث بواسط، سمع منه الإمام الحافظ أبو عبد اللّه بن الدبیثی و آخرون.
و قدم إلیها من «بیهق» الشیخ أبو المفاخر علی بن محمد بن الحسن البیهقی الواعظ، قدم بغداد و حدث بها و وعظ ثم ذهب إلی واسط و حدث بها.
و من «لهاور» قدم إلیها الشیخ أبو عبد اللّه محمد بن المأمون بن الرشید اللهاوری (ت 603 ه/ 1206 م) تنقل فی بلاد کثیرة و درس الفقه الشافعی، و سمع الحدیث ثم قدم واسط و حدث بها، سمع منه جماعة و کتبوا عنه.
أما من «یزد» فقد قدم إلیها الشیخ أبو القاسم عبد اللّه بن أبی سعد بن أبی القاسم بن عبید اللّه الیزدی (ت 611 ه/ 1214 م) سافر الکثیر طلبا للحدیث ثم قدم واسط و حدث. کتب عنه أبو القاسم محمود بن محمد الفارقی و آخرون.
واسط فی العصر العباسی، ص: 337
و من «أبهر» قدم إلیها أبو البدر حرب بن مکی بن محمد الأبهری الفقیه المحدّث، قدم بغداد و التقی برجال الحدیث، و حدث ثم ذهب إلی واسط، و سمع الحدیث، و حدث، سمع منه أبو جعفر هبة اللّه بن یحیی بن البوقی و آخرون.
و إلی جانب هؤلاء فقد أشارت المصادر إلی عدد آخر لا مجال لذکرهم.
و هکذا یتضح من التفصیلات التی تقدمت ما یلی:
1- إن البیئة العلمیة بواسط لم تکن فی عزلة عن البیئات العلمیة فی العالم الإسلامی آنذاک.
2- علی الرغم من أنه لا توجد لدینا قائمة کاملة عن عدد طلاب العلم الذین وفدوا إلی واسط من شتی أنحاء العالم الإسلامی لطلب العلم فیها، أو الذین غادروها من أبنائها، غیر أنه یظهر من المعلومات التی توفرت لدینا أن الذین غادروا هذه المدینة لطلب العلم کان قلیلا، إذا ما قارناه بعدد الذین وفدوا إلیها، و أن الذین درسوا علی علمائها هم أکثر من الذین درّسوا فیها. و هذا یدل علی أن واسط کانت أحد المراکز الثقافیة المهمة فی العالم الإسلامی آنذاک، و أنه ظهر فیها عدد من کبار العلماء، کانوا من ذوی المنزلة العلمیة الکبیرة و الشهرة الواسعة، فشدّ الرحال إلیهم عدد من الرجال للقراءة علیهم و السماع و الکتابة عنهم.
3- إن العلوم التی جذبت طلاب العلم إلی هذه المدینة هی العلوم
واسط فی العصر العباسی، ص: 338
الدینیة و ذلک لأن هذه العلوم کانت قد نالت اهتمام العلماء فی هذه الفترة من جهة، و لتقدم هذه العلوم بواسط من جهة أخری.
4- إن أکثر الذین قصدوا واسط لغرض الدراسة و التدریس هم من أتباع المذهب الشافعی و ذلک لتغلب هذا المذهب فی هذه المدینة من جهة و انتشاره فی العراق و المشرق من جهة أخری.
5- إن الغالبیة العظمی من العلماء الذین قدموا إلی واسط هم من المشرق و ذلک لقرب هذه المدینة من المشرق، و انتشار المذهب الشافعی هناک.
6- و نظرا لتقدم الحیاة العلمیة فی کل من بغداد، و واسط، و الموصل، نجد أن العلماء الذین وفدوا إلی واسط کانوا یفدون إلی بغداد أیضا، و أن معظمهم کان یذهب إلی الموصل، بینما کان یذهب عدد قلیل منهم إلی کل من الکوفة، و البصرة مما یدل علی أن هاتین المدینتین قد فقدتا مرکزهما الثقافی فی هذه الفترة.
7- إن العلماء الواسطیین کانوا قد أسهموا مساهمة فعالة فی الحرکة العلمیة فی العالم الإسلامی آنذاک.
و إلی جانب ما تقدم ذکره فقد أشرنا سابقا أنه کان قد قصد بغداد عدد من العلماء، و القراء، و المحدثین، و الفقهاء و طلاب العلم الواسطیین، و تلقوا العلم فی مساجدها و مدارسها، و سمعوا علماءها و قرأوا علیهم مختلف فنون المعرفة، و حصلوا علی إجازاتهم. و قد حدث عدد منهم ببغداد أقرأوا القرآن الکریم. فبغداد منذ أن أنشئت احتفظت بمرکزها العلمی الخاص. فکانت تستقبل العلماء من شتی أنحاء العالم الإسلامی، و کان لا یشتهر عالم یومئذ إلا إذا شد الرحال إلی بغداد و درس فیها و ناظر
واسط فی العصر العباسی، ص: 339
علماءها و حصل علی إجازاتهم.
و قد أشارت المصادر إلی عدد من المحدثین و الفقهاء و الأدباء من أهل بغداد ذهبوا إلی واسط و حدثوا و درّسوا هناک و سوف نلاحظ خلال الصفحات التالیة أنه بعد أن تلقی عدد من القراء و العلماء و المحدثین و الفقهاء و الأدباء تعلیمهم بواسط، و أصبحت لهم منزلة علمیة رفیعة، ذهبوا إلی بغداد و أقاموا فیها، و تقلدوا المناصب فی مدارسها، و مساجدها و درسوا علوم القرآن و الحدیث، و الفقه، و علوم العربیة، و بعض العلوم العقلیة، کما عقدت لهم الجالس العلمیة، کمجالس النظر، و الإملاء، و التحدیث، و الوعظ و غیرها، و قصد واسط عدد من علماء بغداد و طلاب العلم لتلقی العلم فیها.
کما أن البیئة العلمیة بواسط لم تکن فی عزلة عن البیئات العلمیة فی بقیة مدن العراق، فقد قصد واسط عدد من طلاب العلم من مدن العراق المختلفة للاستزادة من العلم فیها، کما نجد إشارات قلیلة إلی طلبة العلم من أهل واسط الذین قصدوا بعض مدن العراق لطلب العلم فیها.
لقد تحدثنا فی مواضع سابقة عن القراء و المحدثین و الفقهاء و الأدباء و النحویین الذین قصدوا بغداد و تلقوا العلم فیها، و أشرنا إلی أن عددا من هؤلاء کان قد حدث ببغداد، و أملی أقرأ القرآن الکریم و وعظ و ناظر ثم عاد
واسط فی العصر العباسی، ص: 340
إلی واسط. و سوف نتکلم هنا عن طائفة من العلماء الواسطیین الذین تلقوا العلم بواسط ثم ذهبوا إلی بغداد و أقاموا فیها و نشروا العلم فیما یأتی:
أبو العلاء محمد بن علی بن أحمد الواسطی (ت 431 ه/ 1039 م) نشأ بواسط و قرأ بها القرآن الکریم بالقراءات علی یوسف بن محمد و أبی علی المعروف بغلام الهرّاس، و عبد السید عتاب الواسطی و آخرین، و سمع الحدیث من أبی محمد بن السقاء الواسطی و آخرین ثم رحل إلی «الدینور» و قرأ القرآن الکریم علی جماعة و عاد إلی بغداد و أقام فیها. تقلد القضاء بالحریم الطاهری من شرقی بغداد، و حدث أقرأ القرآن الکریم «و انتهت إلیه رئاسة الإقراء بالعراق» کما یقول الذهبی. جمع الکثیر من الحدیث و صنف. روی عنه أبو بکر الخطیب البغدادی فی کتابه «تاریخ بغداد مدینة السلام» کثیرا، و آخرون.
و أبو الحسن صدقة بن الحسین بن أحمد الواسطی الواعظ (ت 557 ه/ 1161 م) قرأ القرآن الکریم بالقراءات العشر بواسط علی الشیخ أبی الفتح المبارک بن زریق الحداد المقری‌ء و آخرین، و سمع الحدیث من
واسط فی العصر العباسی، ص: 341
أبی محمد عبد الرحمن بن الحسین الدجاجی، و من أبی الحسن علی بن المبارک بن نغوبا و غیرهما، و درس علوم العربیة و الوعظ، أقرأ القرآن الکریم بواسط و درّس النحو و تکلم فی الوعظ ثم رحل إلی بغداد سنة 553 ه/ 1158 م و أکثر فی طلب الحدیث و سماعه و کتابته، حدث ببغداد و وعظ، و بنی له رباط بقراح القاضی و سکنه إلی حین وفاته.
و أبو الغنائم حبشی بن محمد بن شعیب الشیبانی (ت 565 ه/ 1169 م) قرأ القرآن الکریم و النحو بواسط ثم قدم بغداد و أقام فیها إلی حین وفاته، قرأ النحو و اللغة فیها و درسهما، و حدّث. و قد أشار یاقوت إلی نشاطه العلمی ببغداد فقال: «کان عارفا بالنحو و اللغة العربیة، تخرج به جماعة من أهل الأدب کمصدق بن شبیب الواسطی و کان یحسن الثناء علیه».
و المقری‌ء أبو بکر محمد بن علی بن هبة اللّه الواسطی (ت 572 ه/ 1176 م) قرأ القرآن الکریم بواسط علی کبار المقرئین ثم رحل إلی بغداد و قرأ بها القرآن الکریم علی جماعة و أقام بها إلی حین وفاته. تقلد الإمامة بمسجد بالخاتونیة و کان یقری‌ء فیه، قال عنه ابن الدبیثی الذی کان معاصرا له: «کان صالحا منقطعا مشتغلا بالتوریق حسن الخط و المعرفة بوجوه القراءات» صنف کتابا فی القراءات.
واسط فی العصر العباسی، ص: 342
و أبو الحسن علی بن الأنجب العلوی، حفظ القرآن بواسط و قرأه بالقراءات العشر علی الشیخ أبی بکر بن الباقلانی و سمع الحدیث منه و من القاضی أبی الفتح محمد بن أحمد بن المندائی و غیرهما ثم قدم بغداد و درس الفقه لشافعی بالمدرسة النظامیة و سمع الحدیث. ثم تولی الإمامة بمسجد بسوق السلطان و حدث فیه، و قد أجازه الخلیفة الناصر لدین اللّه (575- 622 ه/ 1179- 1225 م).
و أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الطیبی، درس الفقه الشافعی بواسط علی مجیر الدین أبی القاسم محمود بن المبارک البغدادی ثم قدم بغداد و درس الفقه بالمدرسة النظامیة، ثم عین معیدا لمدرسها القاضی أبی علی بن الربیع الواسطی و لمن بعده. أجاز له الخلیفة الناصر لدین اللّه و روی عنه.
و أبو الخیر مصدق بن شبیب بن الحسین الواسطی (ت 605 ه/ 1208 م) قرأ القرآن الکریم و النحو بواسط علی أبی الحسن صدقة بن الحسین الواسطی، و سمع الحدیث و درّس النحو بواسط و حدّث ثم قدم بغداد و قرأ الأدب و النحو علی جماعة و سمع الحدیث.
واسط فی العصر العباسی، ص: 343
أقرأ الناس الأدب و النحو مدة و تخرّج به جماعة و کان عالما بالفرائض و قسمة الترکات و اللغة، و صار یشار إلیه فی النحو کما یقول ابن الساعی.
و من کبار العلماء الواسطیین الذین قدموا بغداد و نشروا العلم فیها مجد الدین أبو علی یحیی بن الربیع بن سلیمان بن حراز الواسطی الفقیه الشافعی (ت 606 ه/ 1209 م) قرأ القرآن الکریم بالقراءات العشر بواسط علی جده سلیمان ثم علی الرئیس أبی یعلی محمد بن سعید بن ترکان المقری‌ء، و سمع الحدیث من أبی الکرم نصر اللّه بن محمد بن مخلد الأزدی و أبی الجوائز سعد بن عبد الکریم الغندجانی و أبی عبد اللّه محمد ابن علی بن المغازلی، و أبی محمد أحمد بن عبید اللّه بن الآمدی و القاضی أبی العباس أحمد بن بختیار بن المندائی و آخرین، و درس الخلاف بواسط علی القاضی أبی یعلی محمد بن محمد بن محمد بن الفراء،
واسط فی العصر العباسی، ص: 344
و درس الفقه علی والده و علی أبی جعفر هبة اللّه بن البوقی. درّس الفقه بواسط و حدث و أصبح أحد الشهود المعدّلین.
قدم بغداد و درس الفقه بالمدرسة النظامیة، ثم تولی الإعادة للإمام أبی القاسم بن فضلان مع أنه کان «أبرع من ابن فضلان و أقوم بالمذهب و علم القرآن» کما یقول الذهبی. حدث ببغداد و تقلد القضاء ثم تولی التدریس بالمدرسة النظامیة و النظر فی أوقافها سنة 598 ه/ 1201 م.
وصف بأنه کان عالما بمذهب الإمام الشافعی و الأصول و الخلاف و التفسیر و القراءات و الحدیث و الفرائض و الحساب و قسمة الترکات.
«جامعا لفنون لم تجتمع لغیره» صنف تفسیرا للقرآن الکریم فی أربعة مجلدات کان یدرس، و اختصر «تاریخ بغداد مدینة السلام» و الذیل علیه
واسط فی العصر العباسی، ص: 345
لأبی سعد السمعانی.
و من الواسطیین الذین قدموا بغداد أبو حفص عمر بن محمد بن هارون المقری‌ء (ت 610 ه/ 1213 م) حفظ القرآن الکریم بواسط و قرأه علی کبار المقرئین، و سمع الحدیث و حدّث. ثم قدم بغداد سنة 553 ه/ 1158 م و سمع الحدّیث من مشاهیر المحدثین و حدث، و تولی الإمامة بمسجد ابن الشاشی الکبیر بمحلة الطیوریین أقرأ القرآن الکریم، کتب عنه ابن الدبیثی، و ابن النجار و أثنیا علیه.
و من کبار النحویین الذین قدموا بغداد أبو بکر المبارک بن المبارک بن سعید بن الدهان الواسطی النحوی المعروف بالوجیه (ت 612 ه/ 1215 م) حفظ القرآن الکریم بواسط و قرأه بالقراءات و سمع الحدیث من أبی سعید نصر بن سالم الأدیب، و أبی الفرج العلاء بن علی المعروف بابن السوادی و غیرهما و اشتغل …
واسط فی العصر العباسی، ص: 346
بالعلم. ثم قدم بغداد و التقی برجال الحدیث و درس الفقه و النحو ثم تولی تدریس النحو بالمدرسة النظامیة و أقرأ القرآن و تخرج علیه جماعة کثیرة منهم یاقوت الحموی الذی قال عنه: «و هو شیخی الذی به تخرجت و علیه قرأت» و له تصانیف فی النحو. و أشارت المصادر إلی أنه حدّث و أن له شعرا. و من کبار الفقهاء أبو العباس أحمد ابن محمود ابن أحمد الواسطی الفقیه الشافعی (ت 616 ه/ 1219 م) درس الفقه بواسط علی عمه أبی علی الحسن بن أحمد، و القاضی أبی علی یحیی ابن الربیع الواسطی و سمع الحدیث من أبی جعفر هبة اللّه بن یحیی بن البوقی، و أبی العباس هبة اللّه بن نصر بن مخلد الأزدی، و أبی العباس أحمد بن علی الحوزی، و أبی طالب سلیمان بن محمد العکبری، و أبی طالب محمد بن علی بن الکتانی و آخرین. و قرأ القرآن الکریم بالقراءات علی أبی بکر بن الباقلانی، ثم ذهب إلی بغداد و التقی بکبار رجال الحدیث، و درس الفقه
واسط فی العصر العباسی، ص: 347
«و حصل له معرفة المذاهب و الخلاف و یعلم فی المسائل» أفتی ببغداد و حدّث ثم عیّن معیدا فی المدرسة الفخریة، و تولی القضاء بالجانب الغربی من بغداد. صنف فی الفتاوی و کتب بخطه کثیرا فی الفقه و الحدیث و غیر ذلک.
و أبو محمد عبد القادر بن داود بن محمد الفقیه الشافعی (ت 619 ه/ 1222 م) درس الفقه بواسط علی الفقیه أبی القاسم مجیر الدین محمود بن المبارک البغدادی، و سمع الحدیث من القاضی أبی طالب بن الکتانی و آخرین، و قرأ القرآن الکریم بالقراءات علی أبی بکر بن الباقلانی، و حدث ثم قدم بغداد أقرأ و أفتی بالمدرسة النظامیة.
و أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن بدر الواسطی الفقیه الشافعی (ت 628 ه/ 1230 م) درس الفقه بواسط علی الفقیه أبی علی یحیی بن الربیع الواسطی و سمع الحدیث من أبی طالب بن الکتانی، و أحمد بن سالم البرجونی و آخرین ثم قدم بغداد و سمع الحدیث من کبار المحدثین ثم درس الفقه علی الشیخ أبی القاسم بن فضلان ثم علی أبی الحسن علی بن علی الفارقی، و أعاد له درسه بمدرسة «زمرد خاتون» والدة الخلیفة الناصر
واسط فی العصر العباسی، ص: 348
لدین اللّه (575- 622 ه/ 1179- 1225 م) ثم تولی التدریس بها بعد وفاة أستاذه سنة 604 ه/ 1207 م، أجاز له الخلیفة الناصر لدین اللّه و حدّث عنه، و عن شیوخه البغدادیین و الواسطیین.
و أبو الحسن علی بن الخطاب بن مقلد الواسطی الفقیه الشافعی (ت 629 ه/ 1231 م) قرأ القرآن الکریم بالقراءات بواسط علی الشیخ أبی بکر بن الباقلانی، و سمع الحدیث منه و من القاضی أبی طالب محمد بن علی الکتانی و آخرین ثم قدم بغداد و درس الفقه الشافعی و سمع الحدیث من کبار المحدثین، و حدث و أفتی و عیّن معیدا بالمدرسة الفخریة، و کان فاضلا فی المذهب و الخلاف.
و أبو العباس أحمد بن علی بن ثبات الواسطی (ت 631 ه/ 1233 م) الذی تقدم ذکره.
و أشهر من قدم بغداد من الواسطیین هو الإمام الحافظ أبو عبد اللّه محمد بن سعید بن محمد الواسطی المعروف بابن الدبیثی (ت 637 ه/ 1239 م) و قد تقدم ذکره.
و قد تردد فی المصادر ذکر عدد آخر من العلماء الواسطیین الذین
واسط فی العصر العباسی، ص: 349
تلقوا علمهم بواسط ثم ذهبوا إلی بغداد و أقاموا فیها و ساهموا فی نشر العلم و المعرفة هناک.
و إلی جانب ما تقدم نجد أن هناک جماعة من أهل بغداد کانوا قد قصدوا واسط لقراءة القرآن الکریم و سماع الحدیث من شیوخها ثم عادوا إلی بغداد، منهم:
علی بن محمد بن جعفر القلانسی البغدادی المقری‌ء (ت 356 ه/ 966 م) قرأ القرآن الکریم بواسط علی یوسف بن یعقوب الواسطی المقری‌ء.
و أبو القاسم عبید اللّه بن محمد بن الحسین بن الفراء الفقیه الحنبلی (ت 469 ه/ 1076 م) قرأ القرآن الکریم بالقراءات ببغداد، و درس الفقه و سمع الحدیث ثم ذهب إلی واسط و سمع الحدیث بها.
و أبو الحسین المبارک بن عبد الجبار بن أحمد المعروف بابن الطیوری (ت 501 ه/ 1107 م) الذی کان محدث بغداد و مسندها سمع الحدیث ببغداد من کبار المحدثین ثم ذهب إلی واسط و سمع الحدیث من
واسط فی العصر العباسی، ص: 350
القاضی أبی جعفر محمد بن إسماعیل العلوی و آخرین ثم عاد إلی بغداد و حدث عنهم.
و أبو الخیر المبارک بن الحسین بن أحمد العسال المقری‌ء الأدیب (ت 510 ه/ 1116 م) کان شیخ الإقراء ببغداد، قرأ القرآن الکریم ببغداد و سمع الحدیث ثم ذهب إلی واسط و قرأ القرآن الکریم علی الشیخ أبی علی الواسطی المعروف بغلام الهراس.
و أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد التمیمی المعروف «بحیص بیص» الشاعر (ت 574 ه/ 1178 م) الذی کان عالما فاضلا و له معرفة جیدة باللغة العربیة و أشعار العرب، سمع الحدیث بواسط من أبی المجد محمد ابن محمد بن جهور الواسطی و آخرین.
و الشیخ أبو غالب عبد الواحد بن مسعود بن عبد الواحد الشیبانی (ت 597 ه/ 1200 م) سمع الحدیث ببغداد ثم قدم واسط و سمع الحدیث بها من أبی طالب الکتّانی و آخرین.
و من کبار العلماء الذین ذهبوا إلی واسط و قرأوا القرآن الکریم و سمعوا الحدیث الشیخ أبو الفرج عبد الرحمن بن علی بن الجوزی (ت 597 ه/ 1200 م) قرأ القرآن بالقراءات العشر علی الشیخ أبی بکر بن الباقلانی و سمع الحدیث علی کبار المحدثین و حدث عنهم ببغداد.
واسط فی العصر العباسی، ص: 351
و ذکر الرحالة أبو عبد اللّه یاقوت بن عبد اللّه الحموی البغدادی (ت 626 ه/ 1228 م) أنه ذهب إلی واسط مرات عدیدة إلا أنه لم یذکر أنه مارس نشاطا علمیا فی هذه المدینة، و لکن من المرجح أن یاقوت کان قد اتصل بعلماء واسط و أدبائها و استفاد منهم فی تصنیفه لکتبه، فقد جاء بمصنفاته معلومات عن أدباء و شعراء و مدن واسط لم نجدها عند مؤلفین آخرین سابقین له، و قد اعتمدت المؤلفات المتأخرة کلیا علی مصنفاته فنقلت کل أو بعض ما أورده عنهم.
و من کبار العلماء الذین قدموا واسط و تلقوا العلم بها الحافظ أبو بکر محمد بن عبد الغنی بن أبی بکر بن شجاع البغدادی المعروف بابن نقطة (ت 629 ه/ 1231 م) سمع الحدیث ببغداد ثم قدم واسط سنة 605 ه/ 1208 م و سمع الحدیث من أبی الفتح محمد بن بختیار بن المندائی، و أبی طالب الهاشمی الواسطی و روی عنهما و قرأ القرآن الکریم علی أبی الحسن علی بن مسعود بن هیاب الواسطی المقری‌ء. ثم رحل فی طلب الحدیث إلی بلاد کثیرة و حدّث.
و أبو الحسن علی بن الأنجب بن ما شاء اللّه الجصاص الفقیه الحنبلی
واسط فی العصر العباسی، ص: 352
(ت 642 ه/ 1244 م) حفظ القرآن الکریم و قرأه ببغداد و سمع الحدیث و درس الفقه و الأدب و الخلاف ثم رحل إلی واسط و قرأ القرآن الکریم علی الشیخ أبی بکر بن الباقلانی، و سمع الحدیث من أبی الفرج أحمد بن المبارک بن نغوبا و آخرین ثم عاد إلی بغداد و حدث عنهم. روی عنه ابن النجار و أثنی علیه.
و مؤرخ بغداد محب الدین أبو عبد اللّه محمد بن محمود البغدادی المعروف بابن النجار (ت 643 ه/ 1245 م).
و أبو عبد اللّه محمد بن مقبل بن فتیان المعروف بابن المنی الفقیه (ت 649 ه/ 1251 م) سمع الحدیث ببغداد و درس الفقه و أجازه الخلیفة الناصر لدین اللّه، قصد أبا بکر بن الباقلانی بواسط و قرأ علیه القرآن الکریم بالقراءات العشر.
و محیی الدین یوسف بن عبد الرحمن بن علی بن الجوزی (ت 656 ه/ 1258 م) الذی کان قد تولی التدریس بالمدرسة البشیریة ببغداد و أستاذ دار الخلافة، قرأ القرآن الکریم بالقراءات العشر بواسط علی الشیخ أبی بکر بن الباقلانی. و غیر هؤلاء کثیر.
واسط فی العصر العباسی، ص: 353
أما طلاب العلم الذین قدموا واسط من مدن العراق الأخری و تلقوا العلم فیها فهم:
أبو سعد عبد اللّه بن محمد بن هبة اللّه … بن أبی عصرون التمیمی الشافعی (ت 585 ه/ 1189 م) الذی قدم من «الموصل» قرأ القرآن الکریم و سمع الحدیث و درس الفقه بالموصل و بغداد ثم قدم واسط و أقام بها مدة، درس الفقه و سمع الحدیث علی القاضی أبی علی الحسن بن إبراهیم الفارقی و تخرّج به. و قرأ القرآن الکریم علی الشیخ أبی بکر بن الباقلانی. درّس الفقه بالموصل و حلب و دمشق و حدث ثم تولی قضاء قضاة الشام و کانت له تصانیف کثیرة.
و قدم إلیها من «الموصل» أیضا أبو عمرو عثمان بن إبراهیم بن جلدک الموصلی الشافعی (ت 592 ه/ 1195 م) سمع الحدیث بالموصل و بغداد ثم قدم واسط و سمع الحدیث من القاضی أبی الفتح محمد بن أحمد بن المندائی، و أبی الفرج أحمد بن المبارک بن نغوبا و کتب عنهما. ثم رحل إلی بلاد کثیرة طلبا للحدیث و حدث.
و الحافظ أبو محمد عبد القادر بن عبد اللّه بن عبد الرحمن الرهاوی
واسط فی العصر العباسی، ص: 354
(ت 612 ه/ 1215 م) من أهل الموصل، رحل إلی بلاد کثیرة طلبا للحدیث ثم قدم واسط و سمع الحدیث من أبی العباس هبة اللّه بن مخلد الأزدی، و أبی طالب محمد بن علی بن الکتانی و أبی البقاء هبة الکریم بن الحسن بن حبانش، و أبی الفتح محمد بن عبد السمیع الهاشمی، و أبی الفتح محمد بن أحمد بن المندائی، ثم عاد إلی الموصل و حدث بدار الحدیث المظفریة ثم ذهب إلی حران و استقر بها إلی حین وفاته.
أما من «البصرة» فقد قدم إلیها أبو إسحاق إبراهیم البصری الشطی (ت 391 ه/ 1000 م) و سمع الحدیث بها من أبی الحسن علی بن حمید البزار، و أبی عبد اللّه بن محمد الحامدی.
و قدم إلیها من «البصرة» کذلک أبو عبد اللّه محمد بن عبد الرزاق بن محمد البازکلی (ت؟) الذی کان من بیت مشهور بالروایة و الحدیث، سمع الحدیث بواسط من أبی الحسن علی بن محمد بن الجلّابی المغازلی ثم غادرها إلی بغداد و أقام بها مدة یدرس الفقه بالمدرسة النظامیة.
و أبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن النهاوندی (ت 575 ه/ 1179 م) سمع الحدیث بالبصرة علی کبار المحدثین ثم قدم واسط و سمع الحدیث من أبی طالب محمد بن علی بن الکتانی و آخرین ثم غادرها إلی بغداد و قرأ القرآن الکریم، و سمع الحدیث ثم عاد إلی واسط و سمع بها الحدیث، و لما غادرها إلی البصرة مات فی الطریق،
واسط فی العصر العباسی، ص: 355
و قد أثنی علیه ابن الدبیثی و قال: سمعت معه الحدیث بواسط فی المرة الثانیة.
و الشریف أبو القاسم علی بن أفضل بن أشرف الهاشمی (ت 625 ه/ 1227 م) قدم واسط و قرأ القرآن الکریم علی الشیخ أبی بکر بن الباقلانی و آخرین ثم غادرها إلی بغداد سمع الحدیث من کبار المحدثین و حدّث.
و أبو السعود محمد بن محمد بن جعفر البصری الفقیه (ت 629 ه/ 1231 م) سمع الحدیث بالبصرة و قدم بغداد مرات عدیدة و درس فیها الفقه الشافعی و سمع الحدیث، ثم قدم واسط و سمع الحدیث من أبی جعفر هبة اللّه بن یحیی بن البوقی، و أبی طالب محمد بن علی الکتانی، درّس الفقه بالبصرة و تولی القضاء و حدّث.
و رحل إلیها من «تکریت» أبو عبد اللّه محمد بن الحسین بن القاسم التکریتی (ت 570 ه/ 1174 م) قدم بغداد سنة 516 ه/ 1122 م و التقی برجال الحدیث ثم قدم واسط و سمع الحدیث بها من أبی الکرم نصر اللّه ابن محمد بن مخلد الأزدی، و القاضی أبی عبد اللّه محمد بن علی الجلابی و آخرین، ثم رحل فی طلبه إلی بلاد کثیرة و حدّث.
و من «أربیل» قدم إلیها أبو عبد اللّه محمد بن إبراهیم بن مسلم (ت 633 ه/ 1235 م) قدم بغداد و التقی برجال الحدیث ثم قدم واسط أکثر من مرة و قرأ علی القاضی أبی طالب محمد بن علی بن الکتانی.
أما من «المدائن» فقد قدم إلیها أبو عمارة حمزة بن حیدرة بن علی العلوی (ت بعد 580 ه/ 1184 م) و سمع الحدیث من أبی العباس هبة اللّه
واسط فی العصر العباسی، ص: 356
ابن نصر اللّه المعروف بابن الجلخت.
و إضافة إلی ما تقدم فقد جذبت واسط عددا من طلاب العلم من المدن التی تقدم الکلام عنها، و من مدن أخری من العراق.
و لا بد من الإشارة إلی أن هناک عددا من طلاب العلم من أهل واسط کانوا قد رحلوا إلی مدن العراق الأخری و سمعوا الحدیث علی محدثیها و قرأوا القرآن الکریم و حدث البعض منهم فی تلک المدن.
مما تقدم یمکننا أن نستنتج ما یلی:
1- نظرا لمکانة بغداد العلمیة فإن العلماء الواسطیین الذین قصدوا بغداد لتلقی العلم فیها هم أکثر من علماء بغداد الذین قصدوا واسط لطلب العلم.
2- إن عددا من العلماء و القراء و المحدثین و الفقهاء و النحویین
واسط فی العصر العباسی؛ ص356
واسط فی العصر العباسی، ص: 357
الواسطیین درسوا بمدارس بغداد و مساجدها، و بذلک أسهموا فی الحرکة العلمیة فی هذه المدینة.
3- إن عددا من القراء و المحدثین و الفقهاء الواسطیین کانوا قد نالوا شهرة واسعة فقصدهم طلاب العلم من بغداد و مدن العراق الأخری للدراسة علیهم.
4- إن عدد طلاب العلم الواسطیین الذین غادروا واسط إلی مدن العراق المختلفة- عدا بغداد- کان قلیلا إذا ما قارناه بعدد الذین وفدوا إلیها من هذه المدن لطلب العلم فیها، و یدل هذا علی أن هذه المدینة کانت تأتی بعد بغداد من حیث الأهمیة العلمیة آنذاک و أنها کانت قد ورثت المرکز الثقافی الذی کانت تتمتع به کل من الکوفة و البصرة فی العصور العباسیة الأولی.
5- إن العلوم الدینیة و علوم العربیة هی التی جذبت طلاب العلم الواسطیین إلی بغداد و طلاب العلم من بغداد و مدن العراق الأخری إلی واسط، و ذلک لأن هذه العلوم هی التی نالت اهتمام العلماء فی هذه الفترة- کما ذکرنا سابقا-.

7- أشهر البیوتات العلمیة بواسط:

إن تقدم الحرکة العلمیة بواسط أدی إلی ظهور عدد من البیوتات العلمیة، برز أبناؤها بمختلف العلوم و کان لهم دور کبیر فی نشر العلم فی هذه المدینة و مدن أخری من هذه البیوتات «بیت السّوادی» الذی کان «مشهور بالکتابة و التنایة و التمیز». و أول من برز من أبناء هذا البیت أبو
واسط فی العصر العباسی، ص: 358
طالب محمد بن أحمد بن عثمان بن الأزهر المعروف بابن السّوادی (ت 445 ه/ 1053 م) سمع الحدیث بواسط و بغداد و حدث، کتب عنه أبو بکر الخطیب صاحب کتاب «تاریخ بغداد مدینة السلام» و روی عنه و أثنی علیه.
و برز من أبناء هذا البیت أیضا أبو الحسین المبارک بن محمد بن عبید اللّه بن السوادی الفقیه الشافعی (ت 492 ه/ 1098 م) الذی تقدم ذکره، وصف بأنه کان «إماما کبیرا فاضلا» و «من أرکان الفقهاء الحافظین للمذهب و الخلاف … له ید قویة فی النظر» سمع الحدیث بواسط و درس الفقه الشافعی، ثم قدم بغداد و سمع الحدیث و درس الفقه و رحل فی طلب الحدیث إلی البصرة و مصر و سمع بهما، ثم ذهب إلی أصبهان و حدّث بها. و أخیرا أقام بنیسابور و تولی التدریس بالمدرسة المشطبیة فیها.
و برز منهم کذلک أبو الحسن علی بن محمد بن علی بن أحمد بن عبید اللّه ابن السوادی الکاتب (ت 499 ه/ 1105 م) قرأ القرآن الکریم و سمع الحدیث، بواسط و حدث ثم غادر واسط إلی بغداد و الموصل و حدّث و کتب عنه الناس هناک و کان «فیه فضل و تمیز له شعر حسن» کما یقول ابن الدبیثی.
و أخوه أبو الفضل محمد بن محمد بن علی بن السوادی (القرن
واسط فی العصر العباسی، ص: 359
الخامس الهجری/ الحادی عشر المیلادی) الذی کان أحد الشهود المعدّلین بواسط، سمع الحدیث بواسط من أبی علی بن علان، و أبی غالب بن أبی صالح، و أبی تمام بن أبی خازم و حدّث، و کان «کثیر الدرس للقرآن کثیر المجاهدة» سمع منه الحدیث بواسط کل من أبی العباس هبة اللّه بن نصر اللّه بن محمد الأزدی الواسطی المعدّل، و أبی المفضل محمد بن محمد بن عبد الکریم المعروف بابن زنبقة الواسطی المعدل. و برز کذلک أخوه أبو عبد اللّه الذی حدث بواسط، کما کان أحد الشهود المعدّلین فیها.
و اشتهر من أبناء أبی الحسن علی بن محمد بن السوادی، أبو محمد الحسن بن السوادی (ت 566 ه/ 1170 م) الذی کان یلقب بالکامل، کانت له معرفة جیدة بالحساب و الجبر و المقابلة و الضرب و المساحة و الفرائض و قسمة الترکات، و قد درس علیه هذه العلوم بواسط جماعة و تخرّجوا به و أثنوا علیه- کما تقدم - و إلی جانب معرفته الجیدة بالعلوم العقلیة فقد ذکر ابن الدبیثی أنه سمع الحدیث بواسط من کبار المحدثین و حدث ثم قدم بغداد و سمع بها الحدیث أیضا. و حدث و روی عنه الناس و کان ثقة.
و کان ابنه الآخر الرئیس أبو الفرج العلاء بن السوادی (ت 556 ه/ 1160 م)
واسط فی العصر العباسی، ص: 360
«شاعرا ظریفا خلیعا مطبوعا» طرق کل أغراض الشعر التی کانت سائدة فی عصره و أبدع- کما یقول الأصبهانی - و الظاهر أنه کان قد سمع الحدیث بواسط و ربما سمعه ببغداد أیضا لأنه کان یتردد إلیها و یمدح کبار الموظفین فیها، فقد أشارت المصادر إلی أنه حدث بواسط و سمع منه جماعة.
ثم بیت الأزدی کان «معروف بالصلاح و العدالة و الروایة» و أول من اشتهر من أبناء هذا البیت أبو الحسن محمد بن محمد بن مخلد بن أحمد الأزدی المعروف بابن الجلخت (ت 468 ه/ 1075 م) الذی کان من «مشاهیر المحدثین» حدّث بمسند أحمد بن سنان القطّان الواسطی بواسط، و روی عنه الناس الحدیث. و روی کتاب «تاریخ واسط» لبحشل عن أبی الحسن علی بن الحسین بن علی الصلحی.
أما أولاده فأکبرهم هو الشیخ أبو الفضل هبة اللّه المقری‌ء (ت 481 ه/ 1088 م) الذی وصف بأنه کان «ثقة مکثر» و «عالی
واسط فی العصر العباسی، ص: 361
الإسناد» أقرأ القرآن بالمسجد الجامع بواسط و أملی الحدیث حدث بواسط و بغداد و کان «کثیر المشیخة، حسن المعرفة بالحدیث و الفقه و الفرائض و طرق القراءات و الحساب» ثم ابنه الثانی أبو البرکات فضل اللّه (کان حیا سنة 500 ه/ 1106 م) سمع الحدیث بواسط و بغداد و حدث بواسط و تولّی القضاء بها، سمع منه السلفی و قرأ علیه بواسط و روی عنه و وصفه بالصلاح و الدیانة.
أما ابنه الثالث فهو الشیخ أبو الکرم نصر اللّه (ت 536 ه/ 1141 م) سمع أباه و آخرین و حدث عنهم بواسط و کان «ثقة صالحا»، «عالی الإسناد» سمع منه السلفی بواسط و روی عنه. و یبدو أنه کان یتمتع بمنزلة علمیة رفیعة و شهرة واسعة، فقد قصده أبو سعد السمعانی من بغداد و کتب عنه سبعة أجزاء من الأحادیث ذات الإسناد العالی.
واسط فی العصر العباسی، ص: 362
و برز من أبناء بیت الأزدی الشیخ أبو العباس هبة اللّه بن نصر اللّه بن محمد بن الجلخت (ت 577 ه/ 1181 م) کان أحد المعدّلین بواسط، سمع الحدیث بواسط من کبار المحدثین و رحل فی طلبه إلی بغداد، و التقی بشیوخ الحدیث فیها، حدث بالکثیر بواسط و بغداد و قد قرأ علیه ابن الدبیثی ببغداد. و قال عنه: و کان «ثقة صحیح السماع» و ابنه أبو الفضل محمد بن هبة اللّه الذی کان أحد المعدّلین بواسط.
سمع الحدیث من جده أبی الکرم نصر اللّه و آخرین ثم قدم بغداد و سمع بها الحدیث و حدث بواسط و بغداد، سمع منه ابن الدبیثی بواسط و أثنی علیه.
و أبو المکارم علی بن عبد اللّه بن فضل اللّه الأزدی (ت 611 ه/ 1214 م) سمع الحدیث بواسط من کبار المحدثین و روی عنهم و کتب عنه ابن الدبیثی بواسط، و شهد عند القضاة سنین کثیرة ثم تولی القضاء بواسط.
قدم بغداد مرات عدیدة و حدث بها و سمع منه عدد من شیوخها.
ثم بیت ابن نغوبا الذی کان «بیت الروایة و الحدیث» کان جدهم
واسط فی العصر العباسی، ص: 363
أبو السعادات المبارک بن الحسین بن عبد الوهاب الواسطی المعروف بابن نغوبا (ت 538 ه/ أو 539 ه/ 1143 أو 1144 م) «شیخ متمیز یحفظ کثیرا من الحکایات و الأشعار» قدم بغداد و سمع الحدیث من کبار المحدثین ثم عاد إلی واسط و حدث بها، کتب عنه أبو سعد السمعانی بواسط و روی عنه و أثنی علیه.
أما أولاده فقد برز منهم أبو الحسن علی بن المبارک بن الحسین بن نغوبا الواسطی (ت 568 ه/ 1172 م) الذی کان أحد المعدّلین بواسط، سمع الحدیث من کبار المحدثین بواسط ثم رحل فی طلبه إلی بغداد و سمع من شیوخها و حدث و أقرأ بها ثم عاد إلی واسط و «حدث بها بالکثیر» کما یقول ابن الدبیثی الذی روی عنه مع آخرین.
و أبو الفرج أحمد بن المبارک بن نغوبا الواسطی (ت 587 ه/ 1191 م) سمع الحدیث بواسط و حدّث، سمع منه الحدیث جماعة من أهل بغداد بواسط عندما قدموا إلیها و رووا عنه ببغداد. و أبو نصر الحسین بن
واسط فی العصر العباسی، ص: 364
المبارک بن نغوبا (ت؟) الذی کان أحد المحدثین بواسط.
و اشتهر من أبناء الشیخ أبی الحسن علی بن المبارک بن نغوبا- الذی تقدم ذکره- الشیخ أبو بکر عبد اللّه (ت 602 ه/ 1205 م) الذی کان أحد المعدّلین بواسط، سمع الحدیث من جده أبی السعادات و من کبار المحدثین فیها ثم قدم بغداد سنة 544 ه/ 1149 م و سمع الحدیث من شیوخها، و حدث ثم عاد إلی واسط و حدث بها، سمع منه بواسط الإمام الحافظ ابن الدبیثی و روی عنه. ثم الشیخ أبو المظفر علی بن علی بن نغوبا (ت 611 ه/ 1214 م) الذی تولی القضاء بواسط سمع الحدیث بواسط من کبار المحدثین، ثم قدم بغداد مع والده و سمع بها الحدیث من مشاهیر المحدثین فیها ثم عاد إلی واسط حدث بها عنهم، ثم قدم بغداد و حدث بها عن شیوخه الواسطیین سمع منه الحدیث الإمام الحافظ ابن الدبیثی بواسط. ثم الشیخ أبو المعالی عبید اللّه بن علی بن نغوبا (ت 622 ه/ 1225 م) الذی تولی القضاء بواسط، سمع الحدیث بواسط و حدّث، ثم قدم بغداد مرات عدیدة و التقی بکبار المحدثین فیها، و حدّث بها. سمع منه الحدیث الإمام الحافظ ابن الدبیثی بواسط و بغداد. و کتب عنه المؤرخ ابن النجار ببغداد و روی
واسط فی العصر العباسی، ص: 365
عنه و أثنی علیه و کتب بالإجازة للإمام الحافظ أبی محمد بن عبد العظیم بن عبد القوی المنذری غیر مرة.
و الشیخ أبو القاسم نصر بن علی بن عبد اللّه بن نغوبا (ت 639 ه/ 1241 م)، الذی کان أحد المحدثین بواسط.
ثم بیت المندائی «بیت معروف بالقضاء و العدالة و العلم و الروایة» و أول من اشتهر من أبناء هذا البیت هو أبو العباس أحمد بن بختیار بن علی بن محمد المعروف بابن المندائی الواسطی (ت 552 ه/ 1157 م) الذی تولی القضاء بواسط و الکوفة، ثم تولی الإعادة بالمدرسة النظامیة ببغداد. کان عالما بالفقه الشافعی، و له معرفة جیدة بالأدب، و اللغة، و کتب السجلات و القضاء. حدث ببغداد و واسط، و وصف بأنه کان «ثقة صدوقا»،
واسط فی العصر العباسی، ص: 366
و قرأ علیه أبو سعد السمعانی مقامات الحریری. و کتب عنه.
و علی الرغم من شهرته بالعلوم المتقدمة فقد ذکرت المصادر أنه ألف کتاب «تاریخ الحکام بمدینة السلام» و کتاب «تاریخ البطائح» و قد مر ذکرها.
أما أخوه أبو السعادات علی بن بختیار ابن المندائی الواسطی (کان حیّا سنة 512 ه/ 1118 م) الذی تولی القضاء بواسط، فقد کان «شاعرا، کاتبا، له معرفة بالأدب، رقیق الطبع، حسن النظم». ذکر ابن النجار أنه قدم بغداد سنة 508 ه/ 1114 م و سنة 512 ه/ 1118 م و روی بها عن جماعة من شعراء واسط و أدبائها، کما روی بها شیئا من شعره، و سمع منه جماعة من أهل بغداد و کتبوا عنه. و یظهر أنه کان له دیوان شعر مدون، فقد قال الأصبهانی: «قرأت فی کتابه أنه قدم بغداد سنة ثمان و خمس مئة».
و کان أبو الفتح محمد بن أحمد بن بختیار بن المندائی الواسطی (ت 605 ه/ 1208 م) الذی تقدم ذکره من أشهر أبناء هذا البیت.
و اشتهر من أبناء أبی الفتح هذا أبو حامد محمد بن محمد المندائی الفقیه (ت 602 ه/ 1205 م) قدم بغداد و درس الفقه الشافعی، و سمع الحدیث من کبار المحدثین فیها، و قرأ مقامات الحریری، ثم عاد إلی
واسط فی العصر العباسی، ص: 367
واسط و تولی القضاء بها. و کان «یفتی و یشتغل بالعلم إلی أن توفی».
و کتب عنه جماعة. ثم أبو جعفر علی بن المندائی (ت 630 ه/ 1232 م) سمع الحدیث بواسط من کبار المحدثین، و حدث ثم قدم بغداد مرات عدیدة و سمع بها الحدیث من مشاهیر المحدثین و حدث بها عن شیوخه الواسطیین. ثم أبو العباس أحمد بن محمد بن المندائی (ت 642 ه/ 1244 م) الذی کان من رجال الحدیث أیضا، سمع الحدیث بواسط من کبار المحدثین و حدّث بها.
ثم بیت الآمدی کان معروفا «بالصلاح و الروایة و العدالة»، و أول من اشتهر من أبناء هذا البیت أبو محمد أحمد بن عبید اللّه بن الحسین الآمدی المعروف بسبط ابن الأغلاقی (کان حیّا سنة 537 ه/ 1142 م) الذی کان أحد المعدّلین بواسط وصف بأنه «شیخ فاضل عالم … من
واسط فی العصر العباسی، ص: 368
أهل العلم و القرآن» و «متحقق بالسنة»، سمع الحدیث بواسط علی کبار المحدثین و قرأ القرآن الکریم ثم قدم بغداد و قرأ القرآن، و سمع الحدیث، و حدّث، ثم عاد إلی واسط و أقرأ القرآن بها و حدّث، سمع منه أبو سعد السمعانی ببغداد و واسط و أثنی علیه. أما أخوه أبو الرضا المبارک ابن عبد اللّه الذی وصف «بالصلاح و الاشتغال بالعلم» فقد قدم بغداد و سمع الحدیث من کبار المحدثین ثم عاد إلی واسط و حدّث، کتب عنه أبو سعد السمعانی بواسط و أثنی علیه.
و اشتهر من أبناء أحمد الشیخ أبو المفضل محمد الآمدی (ت 578 ه/ 1182 م) الذی وصف بأنه کان من «أهل القرآن و التصوف و الحدیث» سمع الحدیث بواسط من کبار المحدثین، ثم قدم بغداد مع والده سنة 533 ه/ 1138 م، و سمع الحدیث و حدّث، ثم عاد إلی واسط و حدّث، قال ابن الدبیثی: «سمعنا منه بواسط کثیرا و کتبنا عنه» و أثنی
واسط فی العصر العباسی، ص: 369
علیه. ثم ابنه أبو الفضل الحسین بن محمد الآمدی (ت 611 ه/ 1214 م) الذی کان أحد المعدّلین بواسط، سمع الحدیث بواسط من کبار المحدثین ثم غادرها إلی بغداد و الموصل و بلاد الشام طلبا للحدیث، ثم عاد إلی واسط و کان یتنقل بین بغداد و واسط، حدث بواسط، و بغداد، و الموصل، و قرأ علیه الحدیث الإمام الحافظ ابن الدبیثی فی جامع القصر ببغداد، و روی عنه. و کان «عالما عارفا بالشروط».
و اشتهر من أبناء هذا البیت أیضا أبو الفضائل علی بن یوسف بن أحمد بن محمد بن عبید اللّه الآمدی الفقیه (ت 608 ه/ 1211 م) الذی تولی القضاء بواسط و الإشراف علی أعمالها، سمع الحدیث بواسط ثم قدم إلی بغداد و سمع الحدیث من کبار المحدثین و درس الفقه الشافعی بالمدرسة الثقیتة ثم عین معیدا فیها، و ظل معیدا بهذه المدرسة إلی أن تولی القضاء بواسط سنة 604 ه/ 1207 م. و لم یزل علی ولایته إلی حین وفاته.
و إلی جانب شهرته بالفقه فقد أشارت المصادر إلی أنه کان حسن الکلام فی المناظرة و له شعر و معرفة بالحساب.
واسط فی العصر العباسی، ص: 370
و إلی جانب هذه البیوتات التی اشتهرت فی الحدیث، و الفقه، و قراءة القرآن الکریم کان هناک بیت آخر له شهرة واسعة فی مجال الأدب و الشعر هو بیت دوّاس القنا الذی قال عنه الإمام الحافظ ابن الدبیثی: «بیت أهل فضل و أدب و شعر مشهورین بذلک».
و أول من اشتهر من أبناء هذا البیت أبو الحسن علی بن محمد بن علی التمیمی العنبری المعروف والده بدوّاس القنا (ت 522 ه/ 1118 م) قال عنه ابن النجار: «أدیبا فاضلا تام المعرفة و شاعرا مجودا» و ذکر له بعض المقطوعات الشعریة، و وضعه الأصبهانی فی مقدمة شعراء واسط فی عصره و قال عنه: «له شعر کثیر متین، لم یکن بواسط من یجری مجراه فی نظم الشعر» قدم بغداد بعد سنة 490 ه/ 1096 م و قرأ الأدب علی ابن زکریا التبریزی، و روی شیئا من شعره، و کتب عنه جماعة و مدح بعض کبار الموظفین ثم عاد إلی واسط. و قد ذکر الأصبهانی له بعض المقطوعات الشعریة رواها له نختار منها هذه الأبیات التی نظمها فی الغزل و هی من قصیدة مشهورة له کان یغنی بها بواسط:
هل أنت منجزة بالوصل میعادی؟ أم أنت مشمتة بالهجر حسادی؟
سألت طیفک إلماما فضنّ به و لو ألمّ، لأروی غلّة الصادی
یا ظبیة الحیّ، ما جیدی بمنعطف إلی سواک و لا حبلی بمنقاد
لولا هواک، لما استلمعت بارقة و لا سألت حمام الدوح إسعادی
واسط فی العصر العباسی، ص: 371
و لا وقفت علی الوادی أسائله بالدمع، إلا رثی لی ذلک الوادی
و کان ابنه أبو العباس أحمد (کان حیّا سنة 559 ه/ 1163 م) أحد الشعراء بواسط، یقول الأصبهانی: «له شعر صالح حسن» و یبدو أن شعر المدح کان قد غلب علی سائر الفنون الشعریة الأخری عنده، فقد قال الأصبهانی: «سمعته کثیرا ینشد قصائد فی الأکابر».
و اشتهر من أبناء أبی العباس هذا أبو الحسن علی بن أحمد بن دواس القنا (ت 612 ه/ 1215 م) کان «شاعرا حسن الشعر أدیبا فاضلا» قدم بغداد مرات عدیدة و قرأ بها الأدب، و سمع منه جماعة شیئا من شعره و کتبوا عنه، منهم الإمام الحافظ ابن الدبیثی، و لکنه لم یذکر شیئا من شعره، و قد أجاز هذا الشاعر لابن النجار جمیع ما نظمه أو سمعه و ذکر له فی کتابه «التاریخ المجدد لمدینة السلام بغداد» بعض أبیات فی الهجاء منها:
إنی أعالج أقواما إذا اختبروا کانوا ثیاب جمال تحتها صور
مقدّمین فلا أصل و لا حسب و لا نسیم و لا طلّ و لا ثمر
هم الصدور و لکن لا قلوب لها یا لیت قد نظروا ما کان لی نضر
من کل صدر ما لاقاه مادحه کانت مواهبه التقطیب و الضجر
واسط فی العصر العباسی، ص: 372
و یبدو أن أبا الحسن نظم هذه الأبیات بعد أن مدح بعض کبار الموظفین، إلا أنه لم ینل منهم شیئا، فقد ذکر ابن الدبیثی أن هذا الشاعر کان یقول الشعر و یمدح به الناس. و لم یکن أبو الحسن شاعرا و أدیبا فحسب، بل کانت له معرفة جیدة فی علم النجوم أیضا.
ثم أبو شجاع محمد بن أحمد بن دواس القنا (ت 616 ه/ 1219 م)، کان شاعرا و أدیبا فاضلا و له معرفة جیدة بالنحو و اللغة، قدم بغداد مرات عدیدة و قرأ الأدب علی کبار الأدباء فیها، و قرأ، اللغة ثم لازم الشیخ مصدق ابن شبیب الواسطی و قرأ علیه کثیرا من کتب الأدب و دواوین الشعر.
و یبدو أن أبا شجاع کان أحد الشعراء البارزین فی عصره و أنه برز فی شعر المدح کشعراء بیته. فقد ذکر الصفدی أنه مدح الخلیفة الناصر لدین اللّه و کبار رجال دولته. و یذکر ابن الدبیثی أنه أثبت مدة من جملة شعراء الدیوان ببغداد و کان یورد المدائح من شعره فی المواسم مع الشعراء، و کان حسن الشعر فی المدیح. روی ببغداد الکثیر من شعره وسع کل من ابن الدبیثی و ابن النجار و آخرین الکثیر من شعره بواسط و بغداد و أثنوا علیه.
واسط فی العصر العباسی، ص: 373
و هناک بیوتات علمیة أخری اشتهرت بواسط منها: بیت الشیخ أبی طالب محمد بن علی بن أحمد الکتّانی (ت 579 ه/ 1183 م) الذی کان من «بیت العدالة و الروایة» و کان أبو جعفر إقبال بن المبارک بن محمد بن الحسن بن العکبری الواسطی (ت 587 ه/ 1191 م) من «أهل بیت صالحین و قراء و محدّثین».
و وصف بیت القاضی أبو تغلب محمد بن محمد بن عیسی بن جهور الواسطی (ت 503 ه/ 1109 م) بأنه «بیت معروف بالعدالة و القضاء و الفضل و الرئاسة».
و کان الشیخ أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسن بن أبی زنبقة الواسطی (ت 601 ه/ 1204 م) من «بیت الحدیث» و الفقیه أبو القاسم عبد الرحمن بن یحیی بن الربیع بن سلیمان العدوی الواسطی (ت 602 ه/ 1205 م) من «بیت العلم و العدالة و القضاء». و الشیخ أبو طالب عبد الرحمن بن محمد بن عبد السمیع الهاشمی الواسطی (ت 621 ه/ 1224 م) من «بیت صالحین و مقرئین و رواة مشهورین».
واسط فی العصر العباسی، ص: 374
و کان «بیت البوقی» مشهورا «بالفقه و الرئاسة».

یتبین مما تقدم:

1- تقدم الحرکة العلمیة بواسط فی هذه الفترة.
2- مع أن أبناء هذه البیوتات برزوا فی مختلف العلوم و المعرفة، إلا أننا نلاحظ أنه کان هناک نوع من التخصص فی العلوم فبرزت بعض البیوتات فی قراءة القرآن الکریم، و بعضها فی روایة الحدیث، و بعضها بالفقه، و بعضها فی الأدب و الشعر.
3- إن هذه البیوتات أسهمت فی نشر العلم بواسط و مدن العالم الإسلامی الأخری.
4- إن الدور أسهمت هی الأخری فی نشر الثقافة إلی جانب المؤسسات العلمیة الأخری فمن المرجح أن دور هؤلاء العلماء کانت ملتقی رجال العلم فی هذه المدینة. و من الوافدین إلیها من رجال العلم.
5- تأیید ما أشرنا إلیه سابقا من أن العلوم الدینیة و علوم العربیة هی التی نالت اهتمام علماء هذه المدینة فی هذه الفترة.
6- إن أبناء هذه البیوتات کانوا قد درسوا علی آبائهم و أقاربهم، ثم للاستزادة من العلم درسوا علی علماء واسط و مدن أخری، مما یدل علی الروح العلمیة التی یتمتع بها علماء هذه المدینة.
واسط فی العصر العباسی، ص: 375

خلاصة البحث‌

هذه الرسالة محاولة لدراسة التنظیمات الإداریة و الحیاة الاجتماعیة و الفکریة بواسط منذ سنة 324- 656 ه/ 935- 1258 م. و قد قسمنا البحث إلی خمسة فصول، الفصل الأول یتعلق بالحیاة السیاسیة بواسط و قد تبین لنا أن هذه المدینة ظلت تشارک مشارکة فعالة فی معظم الأحداث السیاسیة المهمة التی وقعت فی العراق طیلة العصور العباسیة المتأخرة.
و أن ولاة هذه المدینة کانوا قد لعبوا دورا بارزا فی تلک الأحداث. و نظرا لأهمیة واسط العسکریة و الاقتصادیة، ففی أثناء النزاع الذی کان قائما بین أبناء البیت البویهی علی السلطة، أقام فیها عدد من أبناء هذا البیت و اتخذوها قاعدة لإدارة العملیات العسکریة ضد بغداد أو المشرق، کما أقام بها بعض أبناء البیت السلجوقی فی أثناء النزاع بینهم، و فی أثناء نزاعهم مع الخلفاء. و لما حاول أمراء الحلة المزیدیة، ولاة البصرة، و الأحواز مد نفوذهم إلی ولایة واسط فقد تصدی لهم أهل هذه المدینة و اشتبکوا معهم فی معارک انتهت معظمها بانتصار الواسطیین. و فی الوقت الذی استسلمت فیه مدن العراق الأخری نجد أن هذه المدینة وقفت فی سنة 656 ه/ 1258 م مع بغداد للدفاع عن الخلافة ضد اعتداء التتر مما أدی إلی قتل عدد کبیر من سکانها.
أما الفصل الثانی فقد کرس لدراسة تخطیط مدینة واسط و تطورها العمرانی و قد ظهر لنا أن واسط فی هذه الفترة اتحدت بمدینة کسکر
واسط فی العصر العباسی، ص: 376
و أصبحتا مدینة واحدة أطلق علیها اسم واسط، و أنها اتسعت علی جانبی دجلة اتساعا کبیرا، و أن هذه المدینة ظلت محتفظة بازدهارها العمرانی طیلة فترة البحث. و قد وجدنا أن هذه المدینة کانت تتألف من محلات و أنها کانت محاطة بسور، و قد زخرت بالمساجد الجامعة، و المساجد، و المدارس و الربط و الأسواق. و من خلال تتبعنا للنصوص التی وردت فی المصادر استطعنا أن نحدد مواقع بعض هذه المنشآت فی المدینة و تاریخ إنشائها، و معرفة الأشخاص الذین قاموا بانشائها.
و فی دراستنا للإدارة فی الفصل الثالث توصلنا إلی تحدید ولایة واسط، رغم أن المصادر أوردت روایات عدیدة و متباینة عن هذه الحدود، و قد وجدنا أن قسما مهمّا من الأحواز کان یقع ضمن حدود هذه الولایة، و من بین الحقائق التی توصلنا إلیها من خلال هذا الفصل هو أن العرب لم یطبقوا التقسیمات الإداریة الساسانیة القدیمة للمنطقة، و إنما ألغوا هذه التقسیمات و أحلّوا محلها تقسیمات إداریة جدیدة أعارت أهمیة کبیرة للمراکز الحضاریة العربیة الإسلامیة التی أخذت تلعب دورا مهمّا فی ذلک الوقت، فأصبحت واسط بموجبها مرکزا لإدارة منطقة واسعة، و قد احتفظت واسط بأهمیتها الإداریة هذه طیلة العصور العباسیة المتأخرة. و قد وجدنا أیضا أن الولاة کانوا علی رأس الجهاز الإداری فی هذه المدینة، و کانت هناک دوائر إداریة عدیدة تساعدهم فی الإدارة، و کان علی رأس کل دائرة إداریة موظف یتم اختیاره و تعیینه من بغداد، و أن الغالبیة العظمی من الولاة و کبار الموظفین کانوا من الأجانب فهم إما بویهیون أو سلاجقة أو أمراء ممالیک.
أما فی دراسة الحیاة الاجتماعیة فی الفصل الرابع فقد ظهر لنا أنه سکن بواسط إلی جانب العرب- سکان المدینة الأصلیین- عناصر أخری، فضعف شأن العرب فی هذه الفترة لاختلاطهم بهذه العناصر من جهة و لتسلط الأجانب من بویهیین و سلاجقة و استئثارهم بالسلطة من جهة
واسط فی العصر العباسی، ص: 377
أخری. کما سکن فی هذه المدینة إلی جانب المسلمین عدد من الطوائف الدینیة کانت علاقتهم بالمسلمین علاقة حسنة، إلا أن الأجانب لعبوا دورا مهمّا لقیام الفتن المذهبیة بواسط. و قد تبین لنا أن الثروة أصبحت هی الأساس الذی یحدد مرکز الشخص الاجتماعی، و أن عدم توزیع الثروة توزیعا عادلا فی هذه المدینة أدی إلی انقسام المجتمع إلی ثلاث طبقات هی: طبقة الخاصة، و الطبقة المتوسطة، و طبقة العامة، و أن کل طبقة من هذه الطبقات تضم فی صفوفها عدة فئات.
و من الأمور المهمة التی توصلنا إلیها فی الفصل الخامس هو تقدم الحیاة الفکریة فی هذه المدینة، فقد کانت أحد المراکز الثقافیة المهمة فی العالم الإسلامی آنذاک. إذ کثرت فیها المؤسسات التعلیمیة و تنوعت، و شهدت نشاطا علمیا واسعا. و ظهر فیها عدد من کبار القراء و المحدّثین و الفقهاء، و النحویین و الأدباء، کانوا قد نالوا منزلة علمیة کبیرة و شهرة واسعة، فشد الرحال إلیهم عدد من طلبة العلم من شتی أنحاء العالم الإسلامی للدراسة علیهم و الحصول علی إجازاتهم العلمیة. کما ظهر فیها عدد من العلماء اختصوا فی العلوم التاریخیة، و الجغرافیة، و الطب، و الصیدلة، و الفلک، و الریاضیات و علوم أخری، و قد وصلتنا بعض مؤلفاتهم فی هذه العلوم. و قد تبین لنا أن البیئة العلمیة بواسط لم تکن فی عزلة عن البیئات العلمیة فی العالم الإسلامی آنذاک، فقد وفد إلیها عدد من طلاب العلم لتلقی العلم فیها، کما غادرها عدد من أبنائها إلی مختلف المراکز الثقافیة فی العالم الإسلامی طلبا للعلم. و أن تقدم الحیاة الفکریة بواسط أدی إلی ظهور عدد من البیوتات العلمیة فی هذه المدینة، برز أبناؤها بمختلف العلوم المعروفة آنذاک. و من خلال تتبعنا للحیاة الفکریة فی العراق فی هذه الفترة وجدنا أن واسط قد ورثت الکوفة و البصرة لأن کلتا المدینتین قد فقدت مرکزها الثقافی الذی کانت تتمتع به فی العصور العباسیة الأولی.
واسط فی العصر العباسی، ص: 379

الملاحق‌

اشارة

واسط فی العصر العباسی، ص: 381
الوالی/ السنة محمد بن یزداد 324 ه/ 935 م
أحمد بن نصر القشوری 326 ه/ 937 م
أبو الحسین أحمد بن محمد بن میمون 329 ه/ 940 م
أحمد بن سعید الکوفی 331 ه/ 942 م
تکین الشیرزادی 332 ه/ 943 م
ینال کوشه 334 ه/ 945 م
أبو قرة الحسین بن محمد القنائی 359 ه/ 969 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 382
بختکین 360 ه/ 970 م
أبو غالب محمد بن أحمد الصریفینی 363 ه/ 973 م
محمد بن بقیة 364 ه/ 974 م
الحسن بن بشر الراعی 364 ه/ 974 م
قراتکین الجهشیاری 376 ه/ 986 م
أبو علی التمیمی 376 ه/ 986 م
أبو طاهر بن حماد 418 ه/ 1027 م
أبو طاهر باتکین بن عبد اللّه النشاوری 429 ه/ 1037 م
الملک العزیز أبو منصور خسرو فیروز بن جلال الدولة 420- 435 ه/ 1029- 1043 م
(تقلد الولایة مرتین خلال هذه الفترة)
واسط فی العصر العباسی، ص: 383
أبو الغنائم سعد بن محمد بن جعفر بن غسانجس 448 ه/ 1056 م
أبو سعید 495 ه/ 1101 م
قسیم الدولة البرسقی 501 ه/ 1107 م
عماد الدین زنکی 516 ه/ 1122 م
بک ابه قبل سنة 530 ه/ 1135 م
طرنطای المحمودی 530- 547 ه/ 1135- 1152 م
خطلبرس 547- 559 ه/ 1152- 1163 م
أرغش المسترشدی 562 ه/ 1166 م
یزدن قبل سنة 568 ه/ 1172 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 384
علاء الدین تنامش / 568 ه/ 1172 م
آل تنبه الشطرنجی / 575- 580 ه/ 1179- 1184 م
مجاهد الدین خالص / 580 ه/ 1184 م
تاج الدین علم الشریعة محمد بن أحمد البخاری / قبل سنة 592 ه/ 1195 م
ای به بن عبد اللّه الترکی المعروف بالشاهین / 600 ه/ 1203 م
أبو الفضل بن النمس / (والی و ناظر)/ 603 ه/ 1206 م
أبو المیامن علی بن أحمد بن امسینا (والی و ناظر)/ 604 ه/ 1207 م
أبو الفرج بن عباد / 610- 613 ه/ 1213- 1216 م
الشریف معد بن الحسین بن معد الموسوی / قبل سنة 616 ه/ 1219 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 385
أبو الحسن علی بن إبراهیم بن عبد الکریم الأنباری / قبل سنة 618 ه/ 1221 م
(والی و مشرف و ناظر)
کمال الدین أبو عبد اللّه محمد بن الحسین بن أحمد الفخری / 647 ه/ 1249 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 386
المشرف/ السنة أبو غالب عبد الواحد بن مسعود ابن عبد الواحد الشیبانی / 570 ه/ 1174 م
أبو المحاسن عبد اللطیف بن نصر اللّه بن علی الواسطی المعروف بابن الکیال / 598- 604 ه/ 1201- 1207 م
أبو الفضائل علی بن یوسف بن أحمد بن الآمدی الواسطی / 604- 608 ه/ 1207- 1211 م
أبو الحسن علی بن إبراهیم بن عبد الکریم بن الأنباری الواسطی / قبل سنة 618 ه/ 1221 م
أبو عبد اللّه محمد بن المرشد / أیام الخلیفة المستنصر باللّه 623- 640 ه/ 1226- 1241 م
مجد الدین أبو الفضل محمد بن خلید البغدادی / 636- 643 ه/ 1238- 1245 م
کمال الدین أبو عبد اللّه محمد بن حسین بن أحمد الفخری / 643 ه/ 1245 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 387
المشرف/ السنة عبد العزیز بن الطراح / 646 ه/ 1248 م
کمال الدین أبو عبد اللّه محمد بن الحسین بن أحمد الفخری (مرة ثانیة)/ 647 ه/ 1249 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 388
الناظر/ السنة أبو عبد اللّه بن الطیب / 376 ه/ 986 م
أبو محمد بن مکرم / 376 ه/ 986 م
أبو علی بن إسماعیل / 388 ه/ 998 م
أبو الغنائم سعد بن محمد بن جعفر بن فسانجس / 448 ه/ 1056 م
ابن فضلان الیهودی / حوالی سنة 453 ه/ 1061 م
ابن زریق / 479 ه/ 1086 م
أبو العباس أحمد بن محمد بن عبید بن أبی الجبر الملقب بمهذب الدولة (أمیر البطیحة) / قبل 508 ه/ 1114 م
شرف الدین أبو الغنائم حبشی بن محمد / بعد سنة 516 ه/ 1122 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 389
أبو الحسن علی بن هبة اللّه بن عبد السلام البغدادی / بعد 520 ه/ 1126 م
نصیر الدین تاج العرب / أیام الخلیفة المسترشد باللّه 512- 529 ه/ 1118- 1134 م
أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن سلیمان العباسی الحویزی / أیام الخلیفة المقتفی باللّه 530- 555 ه/ 1135- 1160 م
شرف الدولة أبو الحسن علی بن الحسن بن علی بن صدقة / قبل سنة 552 ه/ 1157 م
شمس الدین أبو الفضائل فاتن 554 ه/ 1159 م
شرف الدین أبو جعفر أحمد بن محمد بن سعید بن البلدی / 562- 563 ه/ 1166- 1167 م
عماد الدین أبو الیمن صندل بن عبد اللّه المقتفوی / حوالی من 563- 567 ه/ 1167- 1171 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 390
أبو المظفر عبد اللّه بن حمزة بن علی بن طلحة / أیام الخلیفة المستضی‌ء باللّه 566- 575 ه/ 1170- 1179 م
أبو غالب عبد الواحد بن مسعود ابن عبد الواحد الشیبانی / 570 ه/ 1174 م
أبو الحسن جعفر بن محمد بن فطیرا / قبل 589 ه/ 1193 م
أبو الشکر محمود بن أحمد بن سعادة بن امسینا الواسطی / 590 ه/ 1193 م
قوام الدین أبو طالب یحیی بن سعید بن هبة اللّه الواسطی ثم البغدادی المعروف بابن زیادة / قبل 594 ه/ 1197 م
أبو الفضل ابن النمس 603 ه/ 1206 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 391
أبو طالب جعفر بن ظفر بن یحیی ابن محمد بن هبیرة / 607- 610 ه/ 1210- 1213 م
أبو الفرج محمد بن علی بن عباد / 610- 613 ه/ 1213- 1216 م
شرف الدین أبو الفتوح عبد اللطیف بن علی بن علی بن البخاری / 611- 614 ه/ 1214- 1217 م
أبو الحسن علی بن إبراهیم بن عبد الکریم بن الأنباری الواسطی / قبل سنة 618 ه/ 1221 م
مجد الدین أبو عبد اللّه محمد بن زعرور البغدادی / قبل سنة 631 ه/ 1233 م
عماد الدین أبو المعالی یحیی بن المرتضی النیلی / قبل سنة 631 ه/ 1233 م
قوام الدین علی بن محمد بن غزالة المدائنی / 631 ه/ 1233 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 392
تاج الدین علی بن الشاطر الأنباری / 633 ه/ 1235 م
محمد بن علی بن سلمان القوسانی / 636- 637 ه/ 1238- 1239 م
أبو محمد أحمد بن یحیی بن الطباخ الواسطی / 637 ه/ 1239 م
کمال الدین أبو عبد اللّه محمد بن الحسین بن أحمد الفخری / قبل 643 ه/ 1245 م
محمد بن یحیی البصری / 643- 647 ه/ 1245- 1249 م
أبو محمد أحمد بن یحیی بن الطباخ الواسطی / 647 ه/ 1249 م
(مرة ثانیة)
شمس الدین علی بن الشاطر الأنباری / 647 ه/ 1249 م
(مرة ثانیة)
واسط فی العصر العباسی، ص: 393
صاحب الشرطة/ السنة الأبزاعجی / 345 ه/ 956 م
ابن العروقی / 366 ه/ 976 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 394
الشحنة/ السنة عز الدین أبو سعد أرغون بن عبد اللّه السعدی / 496 ه/ 1102 م
مظفر الدین أبو الفوارس قتلغ برس بن عبد اللّه الترکی الواسطی؟
طرنطای المحمودی / 530- 547 ه/ 1135- 1152 م
خطلبرس / 547- 559 ه/ 1152- 1163 م
اصبه / قبل سنة 596 ه/ 1199 م
مجیر الدین أبو الفضل جعفر بن أبی فراس النخعی / قبل سنة 627 ه/ 1229 م
بکتکین الناصری / 633 ه/ 1235 م
جمال الدین قشتمر الناصری / 637 ه/ 1239 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 395
حسام الدین أبو فراس محمد بن أبی فراس / أیام الخلیفة الناصر لدین اللّه 575- 622 ه/ 1180- 1225 م
و أیام الخلیفة المستنصر باللّه 623- 640 ه/ 1226- 1242 م
حسام الدین أیبک العراقی / 640 ه/ 1242 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 396
القاضی/ السنة أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد اللّه بن نصر الذهلی / عزل سنة 328 ه/ 939 م
العسکری / عزل سنة 329 ه/ 940 م
أبو الحسن أحمد بن عبد اللّه بن إسحاق الخرقی / 330 ه/ 941 م
أبو الحسن محمد بن الحسن بن أبی الشوارب / 334- 335 ه/ 945- 946 م (واسط و أماکن أخری)
أبو القاسم علی بن محمد التنوخی / قبل سنة 342 ه/ 953 م
أبو علی المحسن بن علی بن محمد بن داود التنوخی / 363 ه/ 973 م
محمد بن حماد بن إسحاق بن إسماعیل الأزدی / قبل 376 ه/ 986 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 397
أبو خازم محمد بن الحسن بن محمد بن الحسن الواسطی / 390- 411 ه/ 999- 1020 م
أبو تغلب عبید اللّه بن أحمد بن جعفر / 390- 410 ه/ 999- 1019 م
(فی الجانب الشرقی من واسط)
أبو تمام علی بن أبی خازم محمد ابن الحسن الواسطی / 411 ه/ 1020 م
أبو الطیب بن کماری / قبل سنة 422 ه/ 1030 م
أبو تمام علی بن أبی خازم محمد ابن الحسن الواسطی / 422- 434 ه/ 1030- 1042 م
(للمرة الثانیة)
أبو تغلب أحمد بن عبید اللّه العاقولی / قبل سنة 424 ه/ 1032 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 398
أبو القاسم علی بن إبراهیم بن غسان / 434 ه/ 1042 م
أبو بکر أحمد بن محمد بن منصور الأنصاری الدامغانی / قبل 463 ه/ 1070 م
أبو الحسین محمد بن أحمد بن عبد الصمد بن المهتدی باللّه / 464 ه/ 1071 م
أبو علی إسماعیل بن محمد بن أحمد بن الطیب بن جعفر بن کماری / قبل سنة 475 ه/ 1082 م
أبو المفضل محمد بن إسماعیل بن محمد بن کماری / 475 ه/ 1082 م
(تولی القضاء بعد والده)
أبو تغلب محمد بن محمد بن عیسی بن جهور الواسطی / عزل سنة 485 ه/ 1092 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 399
ابن حرز / قبل سنة 485 ه/ 1092 م
أبو علی الحسن بن إبراهیم بن علی الفارقی / 485- 513 ه/ 1092- 1119 م
محمد بن علی بن أحمد الدامغانی / 502 ه/ 1108 م
أبو الأزهر علی بن أحمد بن محمد بن علی الکتانی / قبل سنة 513 ه/ 1119 م
أبو المکارم علی بن أحمد البخاری / 513 ه/ 1119 م
أبو طاهر بن الکرخی / 522 ه/ 1128 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 400
أبو العباس أحمد بن بختیار بن علی بن المندائی الواسطی / 530 ه/ 1135 م
أبو یعلی محمد بن محمد بن الحسین بن محمد بن خلف الفراء البغدادی الحنبلی/ 537- 545 ه/ 1142- 1150 م
أبو عبد اللّه محمد بن علی بن محمد بن محمد بن الجلابی المعروف بابن المغازلی المالکی/ 541 ه/ 1146 م
أبو علی محمد بن طاهر بن محمد الخوارزمی / 546- 552 ه/ 1151- 1157 م
أبو محمد الحسن بن أحمد بن علی بن محمد الدامغانی / 553- 556 ه/ 1158- 1160 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 401
(للمرة الثانیة) أبو محمد الحسن بن أحمد بن علی بن محمد الدامغانی / 566- 582 ه/ 1170- 1186 م
أبو الحسن علی بن محمد المعروف بابن طغدی / 577- 578 ه/ 1181- 1182 م
أبو العباس أحمد بن علی بن طلحة بن عبد اللّه بن جامع / 578- 582 ه/ 1182- 1186 م
أبو الفتح نصر اللّه بن علی بن منصور الواسطی المعروف بابن الکیال / 584- 586 ه/ 1188- 1190 م
أبو المحاسن عبد اللطیف بن نصر اللّه بن علی الواسطی المعروف بابن الکیال / 586- 587 ه/ 1190- 1191 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 402
أبو الفضل عبد الرحیم بن نصر اللّه ابن علی الواسطی المعروف بابن الکیال / 594- 598 ه/ 1197- 1201 م
أبو المحاسن عبد اللطیف بن نصر اللّه الواسطی المعروف بابن الکیال (للمرة الثانیة)/ 590- 603 ه/ 1193- 1206 م
أبو الفتح محمد بن أحمد بن بختیار بن علی المندائی الواسطی / 603 ه/ 1206 م
أبو الفضائل علی بن یوسف بن أحمد بن محمد بن الآمدی الواسطی / 604- 608 ه/ 1207- 1211 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 403
کمال الدین أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن عبد الخالق بن المبارک / 627- 628 ه/ 1229- 1230 م
أحمد بن عنتر الهمامی / 629 ه/ 1231 م
علی بن البصری / 634 ه/ 1236 م
عبد المؤمن الکواز البصری / 643 ه/ 1236 م
عماد الدین زکریا بن محمد بن محمود القزوینی / 652- 656 ه/ 1254- 1258 م
و هناک إشارات إلی قضاة تقلدوا منصب القضاء بواسط فی فترة دراستنا، إلا أننا لم نجد أیة إشارة عن سنة تولیهم لهذا المنصب:
أبو البرکات فضل اللّه بن محمد ابن محمد بن مخلد الأزدی / (کان حیا سنة 500 ه/ 1106 م)
أبو علی بن بختیار الواسطی / (کان حیا سنة 508 ه/ 1114 م)
واسط فی العصر العباسی؛ ص403
واسط فی العصر العباسی، ص: 404
أبو ثعلب (کذا) محمد بن محمد ابن محمد بن الحسین الواسطی / (ت 530 ه/ 1135 م)
أبو الحسن علی بن عبد الرحمن ابن مناذر / (ت 563 ه/ 1167 م)
عبد المنعم بن مقبل الواسطی / (کان حیا سنة 550 ه/ 1155 م)
أبو حکیم إبراهیم بن دینار النهروانی / (کان حیا سنة 556 ه/ 1160 م)
أبو العباس أحمد بن منصور بن أحمد / (القرن السادس الهجری/ الثانی عشر المیلادی)
أبو البقاء هبة الکریم بن الحسن ابن الفرج بن حبانش الواسطی / (القرن السادس الهجری/ الثانی عشر المیلادی)
عفیف الدین الحسن بن أحمد بن عبد اللّه / (قبل 573 ه/ 1177 م)
أبو الفضل هبة اللّه بن علی بن قسام / (ت 575 ه/ 1179 م)
واسط فی العصر العباسی، ص: 405
أبو طالب محمد بن علی بن أحمد ابن الکتانی / (ت 579 ه/ 1183 م)
أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن الحسین الفراء / (ت؟)
أبو الحسن علی بن جابر بن زهر / (ت؟)
أبو حامد محمد بن محمد بن المندائی الواسطی / (ت 602 ه/ 1205 م)
أبو المکارم علی بن عبد اللّه بن فضل اللّه بن محمد بن محمد الأزدی / (ت 611 ه/ 1214 م)
جمال الدین أبو نصر محمد بن یحیی بن هبة اللّه بن فضل اللّه ابن النخاس الغرافی الواسطی / (ت 613 ه/ 1216 م)
واسط فی العصر العباسی، ص: 406
أبو المظفر علی بن علی بن المبارک بن الحسین بن نغوبا / (قبل سنة 611 ه/ 1214 م)
أبو المعالی عبید اللّه بن علی بن المبارک بن الحسین بن نغوبا / (قبل سنة 622 ه/ 1225 م)
أبو عبد اللّه محمد بن المرشد
(تقلد منصب القضاء أیام الخلیفة الناصر لدین اللّه/ 575- 622 ه/ 1880- 1225 م و عزل أیام الخلیفة المستنصر باللّه 623- 640 ه/ 1226- 1242 م)
عبد الکریم بن الحسین بن أبی زنبقة / (ت 638 ه/ 1240 م)
أبو عبد اللّه محمد بن علی بن غازی بن علی الحنفی / (ت 638 ه/ 1240 م)
ابن عبد الباقی الحنفی / (ت 652 ه/ 1254 م)
واسط فی العصر العباسی، ص: 407

قضاة مدن واسط

القاضی/ المدینة/ السنة أبو علی الحسن بن أحمد بن ماهان الصینی / الصینیة/ (ولد سنة 369 ه/ 979 م)
أبو المفضل هبة اللّه بن عبد اللّه بن محمد بن علی بن شلمة / الصینیة/ (بدایة القرن السادس الهجری/ الثانی عشر المیلادی)
أبو بکر محمد بن المبارک بن إسماعیل المعروف بابن الحصری / قریة عبد اللّه/ (قبل سنة 564 ه/ 1168 م)
أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن المبارک بن إسماعیل (بعد والده)/ قریة عبد اللّه/ (564 ه/ 1168 م)
واسط فی العصر العباسی، ص: 408
القاضی/ المدینة/ السنة
أبو العباس أحمد بن ثبات الهمامی الواسطی / الهمامیة/ (قبل سنة 631 ه/ 1233 م)
أبو الحسن علی بن المسیح المعروف بالسدید / الجازرة/ (؟)
أبو العباس أحمد بن علی بن أحمد الطیبی / الطیب/ حوالی سنة 500 ه/ 1106 م
أبو القاسم عمر بن الحسین بن أحمد الباسیسی / الغراف/ (؟)
أبو الحسن یحیی بن هبة اللّه بن فضل اللّه بن النخاس الواسطی الغرافی / الغراف/ قبل سنة 587 ه/ 1191 م
أبو الحسن علی بن أبی الفضل جابر ابن زهیر بن علی البطائحی / الغراف/ قبل سنة 594 ه/ 1197 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 409
القاضی/ المدینة/ السنة
أبو محمد فضل اللّه بن محمد بن محمد بن النخاس الغرافی / الغراف/ (؟)
أبو المعالی هبة اللّه بن فضل اللّه بن محمد بن النخاس الواسطی الغرافی / الغراف/ (؟)
عماد الدین أبو الحسن علی بن حمزة ابن علی / الغرافی/ (؟)
أبو الفضل جابر بن زهیر بن علی البطائحی / قریة ساقیة سلیمان/ (؟)
أبو الحسن علی بن جابر بن زهیر بن علی البطائحی/ قریة ساقیة سلیمان/ قبل سنة 594 ه/ 1197 م
أبو الحسن علی بن حراز بن سلیمان ابن حراز العدوی الواسطی / أعمال واسط/ قبل سنة 610 ه/ 1213 م
قاضی / الهرث/ (القرن السادس الهجری/ الثانی عشر المیلادی)
واسط فی العصر العباسی، ص: 410
المحتسب/ السنة أبو الأزهر علی بن أحمد بن محمد بن علی الکتانی الواسطی / قبل سنة 513 ه/ 1119 م
أبو طالب محمد بن علی بن أحمد بن محمد الکتانی الواسطی / قبل سنة 579 ه/ 1183 م
قوام الدین أبو الفضل نعمة اللّه بن علی بن الحسین الواسطی / قبل سنة 594 ه/ 1197 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 411
نقیب العباسیین/ السنة أبو عبد اللّه الحسین بن محمد الرشیدی / قبل سنة 568 ه/ 1172 م
أبو طالب محمد بن عبد اللّه الرشیدی الواسطی / قبل سنة 601 ه/ 1204 م
أبو محمد الحسن بن محمد الرشیدی الدراج (والد تاج الدین) / 602 ه/ 1205 م قبل سنة 646 ه/ 1248 م
تاج الدین محمد بن الدراج / 646 ه/ 1248 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 412
نقیب الطالبیین/ السنة أبو الحسن علی بن أحمد بن إسحاق العلوی العمری / 369 ه/ 979 م
أبو علی الجوانی / کان حیا قبل سنة 372 ه/ 982 م
یحیی بن ثابت بن حازم الرفاعی / 450 ه/ 1058 م
أبو الحسن علی بن عبد الرحیم الرفاعی / 519 ه/ 1125 م
مجد الدین أبو الغنائم هبة اللّه بن خمیس بن علی العلوی الواسطی / 652 ه/ 1254 م
واسط فی العصر العباسی، ص: 413

المصادر

أ- المصادر الخطیة:

الإسنوی:

أبو محمد عبد الرحیم بن الحسن (ت 772 ه/ 1370 م).
1- «طبقات الفقهاء» نسخة مکتبة المتحف العراقی برقم 22139.

ابن أبی عذیبة:

شهاب الدین أحمد بن محمد بن عمر (ت 856 ه/ 1452 م).
2- «إنسان العیون فی مشاهیر سادس القرون» نسخة مکتبة الدراسات العلیا بجامعة بغداد برقم 248.

البنداری:

الفتح بن علی بن محمد (ت 643 ه/ 1245 م).
3- «تاریخ بغداد» نسخة مکتبة الدراسات العلیا بجامعة بغداد برقم 1237 مصورة عن نسخة دار الکتب الوطنیة بباریس.

البلاذری:

أحمد بن یحیی بن جابر (ت 279 ه/ 892 م).
4- «أنساب الأشراف» نسخة مصورة بالفوتستات فی مکتبة الدراسات العلیا بامعة بغداد برقم (1634، 1644) 11 جزءا عن النسخة الأصلیة فی معهد المخطوطات العربیة فی الرباط رقم (68).
واسط فی العصر العباسی، ص: 414

ابن الجوزی:

أبو الفرج عبد الرحمن بن علی بن محمد (ت 597 ه/ 1200 م).
5- «المنتظم فی تاریخ الملوک و الأمم» 12 جزءا نسخة مکتبة المجمع العلمی العراقی برقم 779 عن الأصل الموجود فی مکتبة أحمد الثالث باستانبول.

ابن حمدون:

محمد بن الحسن (ت 562 ه/ 1166 م).
6- «التذکرة الحمدونیة» ج 12 نسخة مکتبة الدراسات العلیا بجامعة بغداد برقم 1282 عن الأصل الموجود بمکتبة أحمد الثالث باستانبول برقم 2948.

ابن الدبیثی:

أبو عبد اللّه محمد بن سعید بن یحیی بن علی الواسطی (ت 637 ه/ 1239 م).
7- «ذیل تاریخ مدینة السلام بغداد» نسخة مکتبة الدراسات العلیا بجامعة بغداد مصورة عن نسخة باریس، ج 1، ق 1، برقم 157، ج 1، ق 2، برقم 574، ج 2، ق 1، برقم 446، ج 2، ق 2، برقم 350. و نسخة المجمع العلمی العراقی برقم 629 و هی نسخة مصورة عن نسخة جامعة کمبردج.

الدمیاطی:

شهاب الدین أحمد بن أیبک بن عبد اللّه (ت 749 ه/ 1348 م).
8- «المستفاد من ذیل تاریخ بغداد» 8 أجزاء، نسخة مکتبة المجمع العلمی العراقی برقم 610 تاریخ.

ابن الرفعة:

نجم الدین أحمد بن محمد بن علی (ت 710 ه/ 1310 م).
9- «الرتبة فی الحسبة» نسخة معهد المخطوطات بجامعة الدول العربیة برقم 551.

السلفی:

أبو طاهر أحمد بن محمد الأصبهانی (ت 576 ه/ 1180 م).
واسط فی العصر العباسی، ص: 415
10- «معجم السفر» نسخة الدکتورة بهیجة الحسنی، و هی مصورة عن نسخة معهد المخطوطات بجامعة الدول العربیة برقم 28.

ابن الشعار:

أبو البرکات المبارک بن أبی بکر الموصلی (ت 654 ه/ 1256 م).
11- «عقود الجمان فی شعراء هذا الزمان» 8 أجزاء نسخة الدکتور بشار عواد معروف مصورة عن نسخة مکتبة أسعد أفندی باستانبول.

ابن الصلاح الشهرزوری:

أبو عمرو تقی الدین عثمان بن عبد الرحمن (ت 643 ه/ 1245 م).
12- «طبقات الشافعیة» نسخة مکتبة الدراسات العلیا بجامعة بغداد برقم 1289.

العینی:

بدر الدین محمود بن أحمد (ت 855 ه/ 1451 م).
13- «عقد الجمان فی تاریخ أهل الزمان» نسخة دار الکتب المصریة برقم 1584 تاریخ.

الغسانی:

أبو العباس إسماعیل (ت 803 ه/ 1400 م).
14- «العسجد المسبوک و الجوهر المحکوک فی طبقات الخلفاء و الملوک»، نسخة مکتبة المجمع العلمی العراقی برقم 431.

ابن الفقیه:

أبو بکر أحمد بن محمد الهمدانی (ت فی حدود 240 ه/ 957 م).
15- «البلدان» نسخة مکتبة المتحف العراقی برقم 3396 نسخة منسوخة عن الأصل الموجود بمشهد برقم (ق أ ه).

ابن قاضی شهبة:

أبو بکر بن أحمد بن محمد الأسدی (ت 851 ه/ 1447 م).
واسط فی العصر العباسی، ص: 416
16- «طبقات النحاة و اللغویین» نسخة المکتبة المرکزیة بجامعة بغداد برقم م خ 124.

الماوردی:

أبو الحسن علی بن محمد بن حبیب (ت 450 ه/ 1058 م).
17- «الرتبة فی طلب الحسبة» نسخة معهد المخطوطات بجامعة الدول العربیة برقم 24.

ابن مازة:

برهان الدین أبو المعالی الحنفی (ت 616 ه/ 1219 م).
18- «شرح أدب القاضی للخصاف» نسخة مکتبة الأوقاف العامة ببغداد برقم 3505.

ابن النجار:

محب الدین أبو عبد اللّه محمد بن محمود البغدادی (ت 643 ه/ 1245 م).
19- «التاریخ المجدد لمدینة السلام و أخبار فضلائها الأعلام و من وردها من علماء الأنام» نسخة مکتبة الدراسات العلیا بجامعة بغداد برقم 575 نسخة المجمع العلمی العراقی تقع بأربع مجلدات برقم 633، 634، 635، 636.

ابن نقطة:

أبو بکر محمد بن عبد الغنی البغدادی (ت 629 ه/ 1231 م).
20- «إکمال الإکمال» نسخة مکتبة المتحف البریطانی برقم 4586.
21- «التقیید لمعرفة رواة السنن و المسانید» نسخة مکتبة المتحف البریطانی برقم 836.

الواسطی:

أبو الغنائم نجم الدین محمد بن علی المعروف بابن المعلم الواسطی (ت 592 ه/ 1195 م).
22- «دیوان» نسخة الدکتور عبد الکریم توفیق العبود المصورة عن النسخة الأصلیة فی المکتبة الظاهریة بدمشق.
واسط فی العصر العباسی، ص: 417

ب- المصادر المطبوعة:

الأزهری:

أبو منصور محمد بن أحمد (ت 370 ه/ 980 م).
23- «تهذیب اللغة» 15 جزءا، (القاهرة 1964- 1967).

الإسنوی:

أبو محمد عبد الرحیم بن الحسن (ت 772 ه/ 1370 م).
24- «طبقات الشافعیة» 2 جزء تحقیق عبد اللّه الجبوری، بغداد (1391 ه/ 1971 م).

ابن أبی أصیبعة:

أبو العباس موفق الدین أحمد بن القاسم الخزرجی (ت 668 ه/ 1269 م).
25- «عیون الأنباء فی طبقات الأطباء» 3 أجزاء إصدار دار الفکر، بیروت (1376 ه/ 1956 م).

ابن الأثیر:

أبو الحسن عز الدین علی بن أبی الکرم محمد الجزری الشیبانی (ت 630 ه/ 1233 م).
26- «التاریخ الباهر فی الدولة الأتابکیة بالموصل» تحقیق الدکتور عبد القادر أحمد طلیمات (ط. دار الکتب الحدیثة فی القاهرة (1382 ه/ 1963 م).
27- «الکامل فی التاریخ» 13 جزءا، دار صادر، لبنان (1386 ه/ 1966 م).

الأیوبی:

محمد بن تقی الدین عمر بن شاهنشاه صاحب حماه (ت 617 ه/ 1220 م).
28- «مضمار الحقائق و سر الخلائق» تحقیق الدکتور حسن حبشی، عالم الکتب، القاهرة، (1968 م).

ابن الإخوة:

محمد بن محمد القریشی (ت 729 ه/ 1328 م).
29- «معالم القربة فی أحکام الحسبة» کمبردج 1937 باعتناء روبن لیوی.
واسط فی العصر العباسی، ص: 418

الأزدی:

محمد بن أحمد أبی المطهر (القرن الرابع الهجری/ العاشر المیلادی).
30- «حکایة أبی القاسم البغدادی» نشرة آدم متز، هیدلبرج 1902 م أعاد طبعه بالأوفسیت صاحب مکتبة المثنی ببغداد.

الأصبهانی:

أبو حامد محمد بن محمد القرشی (ت 596 ه/ 1199 م).
31- «خریدة القصر و جریدة العصر» القسم العراقی ج 1 تحقیق الدکتور جمیل سعید و محمد بهجة الأثری، ج 2، تحقیق الأثری (مطبعة المجمع العلمی العراقی) 1955، 1965، ج 3، م 1، ج 4، م 1، م 2، نشر وزارة الإعلام العراقیة سنة 1973، 1976.

الأصفهانی:

أبو الفرج علی بن الحسین (ت 356 ه/ 1966 م).
32- «الأغانی» 22 جزء الناشر دار الثقافة (بیروت 1957- 1961).
33- «مقاتل الطالبیین» منشورات المکتبة الحیدریة فی النجف (1385 ه/ 1965 م).

الإصطخری:

أبو إسحاق إبراهیم بن محمد (ت 346 ه/ 957 م).
34- «مسالک الممالک» طبع دی غویه (لیدن 1927 م).

الباخرزی:

أبو الحسن علی بن الحسن بن أبی الطیب (ت 467 ه/ 1074 م).
35- «دمیة القصر و عصرة أهل العصر» ج 1 تحقیق الدکتور سامی مکی العانی، مطبعة المعارف- بغداد (1391 ه/ 1971 م).

بحشل:

أسلم بن سهل الرزاز الواسطی (ت 292 ه/ 904 م).
36- «تاریخ واسط» تحقیق کورکیس عواد (مطبعة المعارف، بغداد 1387 ه/ 1967 م).
واسط فی العصر العباسی، ص: 419

البغدادی:

إسماعیل باشا بن محمد البابانی (ت 1920 م).
37- «هدیة العارفین فی أسماء المؤلفین و آثار المصنفین» مطبعة وکالة المعارف، استانبول 1955.
38- «إیضاح المکنون فی الذیل علی کشف الظنون» عنی بتصحیحه و طبعه رفعت بیلکة الکلیسی، مطبعة وکالة المعارف، استانبول (1366 ه/ 1974 م).

ابن بسام:

محمد بن أحمد (سنة وفاته لا زالت مجحهولة).
39- «نهایة الرتبة فی طلب الحسبة» تحقیق الدکتور حسام الدین السامرائی، مطبعة المعارف- بغداد 1968.

البکری:

أبو عبید اللّه بن عبد العزیز (ت 487 ه/ 1094 م).
40- «معجم ما استعجم من أسماء البلاد و المواضع» تحقیق مصطفی السقا 4 أجزاء، مطبعة لجنة التألیف و الترجمة و النشر، القاهرة (1364- 1368 ه/ 1945- 1949 م).

البلاذری:

أحمد بن یحیی (ت 279 ه/ 892 م).
41- «فتوح البلدان» نشر صلاح الدین المنجد (القاهرة 1957).

البنداری:

الفتح بن علی بن محمد البنداری الأصفهانی (ت 643 ه/ 1245 م).
42- «تاریخ دولة آل سلجوق»، مطبعة الموسوعات بمصر (1318 ه/ 1900 م).

بنیامین:

ابن یونه التطیلی النباری الأندلسی (ت 569 ه/ 1173 م).
43- «الرحلة» ترجمة عزرا حداد، المطبعة الشرقیة، بغداد (1364 ه/ 1945 م).

ابن تغری بردی:

جمال الدین أبو المحاسن یوسف (ت 874 ه/ 1469 م).
واسط فی العصر العباسی، ص: 420
44- «النجوم الزاهرة فی ملوک مصر و القاهرة» (القاهرة 1929- 1956).

التنوخی:

أبو علی المحسن بن علی بن محمد (ت 384 ه/ 994 م).
45- «کتاب جامع التواریخ المسمی نشوار المحاضرة و أخبار المذاکرة» 8 أجزاء، تحقیق عبود الشالجی، (بیروت 1971- 1973).
46- «الفرج بعد الشدة» ج 2، (القاهرة 1955).

ابن تیمیة:

تقی الدین أبی العباس أحمد بن عبد الحلیم الحنبلی (ت 728 ه/ 1327 م).
47- «الحسبة فی الإسلام» مطبعة المؤید، دمشق (1318 ه).

الثعالبی:

أبو منصور عبد الملک بن محمد بن إسماعیل (ت 429 ه/ 1037 م).
48- «یتیمة الدهر فی محاسن أهل العصر» 4 أجزاء، تحقیق محمد محیی الدین عبد الحمید، مطبعة السعادة، (القاهرة 1956).
49- «تتمة الیتیمة» تحقیق عباس إقبال، مطبعة فردین، طهران (1353 ه).

الجاحظ:

أبو عثمان عمرو بن بحر (ت 255 ه/ 868، 869 م).
50- «الحیوان» 7 أجزاء، تحقیق عبد السلام محمد هارون، ط 1، (مطبعة مصطفی البابی الحلبی و أولاده)، مصر 1938- 1945.
51- «رسائل الجاحظ- مناقب الترک-» تحقیق عبد السلام محمد هارون الناشر مکتبة الخانجی بالقاهرة، (1384 ه/ 1964 م).
واسط فی العصر العباسی، ص: 421

الجزائری:

نعمة اللّه (ت 1112 ه/ 1700 م).
52- «زهر الربیع» المطبعة المصطفویة (بومبی 1341 ه/ 1922 م).

ابن الجزری:

شمس الدین أبو الخیر محمد بن محمد (ت 833 ه/ 1429 م).
53- «غایة النهایة فی طبقات القراء» تحقیق برجشتراسر، (القاهرة 1932).

الجهشیاری:

محمد بن عبدوس (ت 331 ه/ 942 م).
54- «کتاب الوزراء و الکتاب» ط 1، (القاهرة 1938).

ابن الجوزی:

أبو الفرج عبد الرحمن بن علی بن محمد (ت 597 ه/ 1200 م).
55- «الأذکیاء» نشر المکتب التجاری للطباعة و التوزیع و النشر (بیروت بدون تاریخ).
56- «أخبار الحمقی و المغفلین» تحقیق علی الخاقانی، مطبعة البصرة، بغداد، (1386 ه/ 1966 م).
57- «صفة الصفوة» 4 أجزاء ط 1 (حیدر آباد الدکن 1355- 1357 ه/ 1936- 1938 م).
58- «المنتظم فی تاریخ الملوک و الأمم» الأجزاء 5- 10 (حیدر آباد الدکن 1357- 1358 ه/ 1938- 1939 م).

حاجی خلیفة:

مصطفی بن عبد اللّه (ت 1067 ه/ 1656 م).
59- «کشف الظنون عن أسامی الکتب و الفنون» باعتناء محمد شرف الدین بالتقایا و رفعة بیلکه الکلیسی، طبعة وکالة المعارف الترکیة (استانبول 1360- 1362 ه/ 1941- 1943 م).

ابن حبان:

محمد بن حبان البستی (ت 354 ه/ 1965 م).
60- «مشاهیر علماء الأمصار» بعنایة فلا یشهمر، مطبعة
واسط فی العصر العباسی، ص: 422
لجنة التألیف و الترجمة و النشر (القاهرة 1379 ه/ 1959 م).

ابن حجر:

أحمد بن علی العسقلانی (ت 852 ه/ 1448 م).
61- «لسان المیزان» حیدر آباد (1329 ه).
62- «الدرر الکامنة فی أعیان المائة الثامنة» تحقیق محمد سید جاد الحق، دار الکتب الحدیثة، مطبعة المدنی، القاهرة (1385 ه).

ابن حسول:

محمد بن علی بن الحسن (ت 450 ه/ 1058 م).
63- «تفضیل الأتراک علی سائر الأجناد» باعتناء عباس العزاوی، استانبول 1940 م.

الحسینی:

علی بن الحسین (القرن السابع الهجری/ الثالث عشر المیلادی).
64- «أخبار الدولة السلجوقیة» نشر محمد إقبال، لاهور 1933.

الحنبلی:

أبو الفلاح عبد الحی بن العماد (ت 1089 ه/ 1678 م).
65- «شذرات الذهب فی أخبار من ذهب» 8 أجزاء، نشر مکتبة القدس، القاهرة (1350- 1351 ه).

ابن حوقل:

أبو القاسم محمد بن علی النصیبی (ت 367 ه/ 979 م).
66- «صورة الأرض» جزءان، تحقیق کریمرز، (لیدن 1938- 1939 م).

ابن خرداذبة:

أبو القاسم عبید اللّه بن عبد اللّه (ت 300 ه/ 912 م).
67- «المسالک و الممالک» (لیدن 1889).

الخطیب:

الحافظ أبو بکر أحمد بن علی الخطیب البغدادی (ت 463 ه/ 1070 م).
واسط فی العصر العباسی، ص: 423
68- «تاریخ بغداد مدینة السلام» 14 جزء، مطبعة السعادة (القاهرة 1349 ه/ 1931 م).
69- «الرحلة فی طلب الحدیث» تحقیق نور الدین عمر ط 1، بیروت لبنان، (1395 ه/ 1975 م).

ابن خلدون:

ولی الدین أبو زید عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمی (ت 808 ه/ 1405 م).
70- «المقدمة» مطبعة الکشاف (بیروت بدون تاریخ).
71- «کتاب العبر و دیوان المبتدأ و الخبر» طبعة مصر (1936).

ابن خلکان:

شمس الدین أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهیم (ت 681 ه/ 1282 م).
72- «وفیات الأعیان و أنباء أبناء الزمان» 8 أجزاء، تحقیق الدکتور إحسان عباس، دار صادر، (بیروت 1969).

الخوارزمی:

أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن یوسف (ت 387 ه/ 997 م).
73- «مفاتیح العلوم» نشرته إدارة الطباعة المنیریة، القاهرة (1342 ه).

ابن خیاط:

أبو عمر بن خلیفة بن خیاط العصفری (ت 240 ه/ 854 م).
74- «تاریخ خلیفة بن خیاط» تحقیق الدکتور أکرم ضیاء العمری، مطبعة الآداب (النجف 1386 ه/ 1967 م).
75- «کتاب الطبقات» تحقیق الدکتور أکرم ضیاء العمری، (بغداد 1967).

الداودی:

شمس الدین محمد بن علی بن أحمد (ت 945 ه/ 1538 م).
واسط فی العصر العباسی، ص: 424
76- «طبقات المفسرین» جزءان، تحقیق علی محمد عمر، (القاهرة 1972).

ابن الدبیثی:

أبو عبد اللّه محمد بن سعید بن یحیی بن علی الواسطی (ت 637 ه/ 1239 م).
77- «ذیل تاریخ مدینة السلام بغداد» م 1، تحقیق الدکتور بشار عواد معروف، مطبعة دار السلام، بغداد 1974.

ابن دحیة:

أبو الخطاب عمر بن أبی علی حسن بن علی البلنسی (ت 633 ه/ 1235 م).
78- «النبراس فی تاریخ خلفاء بنی العباس» تحقیق عباس العزاوی، مطبعة المعارف، بغداد 1948.

الدینوری:

أبو حنیفة أحمد بن داود (ت 282 ه/ 895 م).
79- «الأخبار الطوال» تحقیق عبد المنعم عامر (القاهرة 1960).

الذهبی:

شمس الدین محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه/ 1347 م).
80- «تاریخ الإسلام و طبقات المشاهیر و الأعلام» 6 أجزاء، مطبعة السعادة (القاهرة 1367- 1369) ج 18، ق 1، تحقیق الدکتور بشار عواد معروف، مطبعة عیسی البابی الحلبی و شرکاه، القاهرة (1397 ه/ 1977 م).
81- «دول الإسلام» ط 2، مطبعة جمعیة دار المعارف العثمانیة (حیدر آباد الدکن 1364 ه).
82- «تذکرة الحفاظ» ط 3، حیدر آباد 1958.
83- «العبر فی خبر من غبر» تحقیق فؤاد سید و صلاح الدین المنجد، الکویت (1960- 1963).
84- «المختصر المحتاج إلیه من تاریخ الحافظ أبی عبد اللّه محمد بن سعید الدبیثی» 3 أجزاء تحقیق الدکتور
واسط فی العصر العباسی، ص: 425
مصطفی جواد، بغداد 1951، 1963، 1977.
85- «معرفة القراء الکبار علی الطبقات و الأعصار» جزءان، تحقیق محمد سید جاد الحق، ط 1، مطبعة دار التألیف، القاهرة (1387 ه/ 1967 م).
86- «المشتبه فی الرجال» تحقیق علی محمد البجاوی، (القاهرة 1962).
87- «میزان الاعتدال فی نقد الرجال» القاهرة (1325 ه).

ابن رافع السلامی:

أبو المعالی محمد (ت 774 ه/ 1372 م).
88- «منتخب المختار» انتخاب تقی الدین الفاسی المکی المتوفی سنة (832 ه/ 1428 م) تحقیق عباس العزاوی، بغداد 1938.

الراوندی:

محمد بن علی بن سلیمان (ت 599 ه/ 1202 م).
89- «راحة الصدور و آیة السرور» نقله إلی العربیة الدکتور إبراهیم أمین الشواربی و آخرین، مصر (1379 ه/ 1960 م).

ابن رجب:

زین الدین أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدین أحمد البغدادی (ت 795 ه/ 1392 م).
90- «ذیل الطبقات الحنابلة» جزءان، تحقیق الفقی، مطبعة السنة المحمدیة، (القاهرة 1952).

ابن رسته:

أبو علی أحمد بن عمر (کان حیا سنة 290 ه/ 902- 903 م).
91- «الأعلاق النفیسة» (لیدن 1891 م).

الروذراوی:

أبو شجاع ظهیر الدین محمد بن الحسین بن عبد اللّه (ت 488 ه/ 1095 م).
واسط فی العصر العباسی، ص: 426
92- «ذیل کتاب تجارب الأمم» تحقیق ه- ف آمدروز، مطبعة شرکة التمدن الصناعیة، مصر (1334 ه/ 1916 م).

الزبیدی:

أبو الفیض محمد مرتضی الحسینی الواسطی (ت 1205 ه/ 1791 م).
93- «تاج العروس من جواهر القاموس» ط 1، المطبعة الخیریة (مصر 1306).

ابن الزبیر:

القاضی الرشید بن الزبیر (ت القرن الخامس الهجری/ الحادی عشر المیلادی).
94- «کتاب الذخائر و التحف» تحقیق محمد حمید اللّه، مراجعة صلاح الدین المنجد (الکویت 1959).

ابن الساعی:

أبو طالب علی بن أنجب تاج الدین (ت 674 ه/ 1275 م).
95- «الجامع المختصر» ج 9، تحقیق الدکتور مصطفی جواد، بغداد 1934.
96- «مختصر أخبار الخلفاء» ط 1، المطبعة الأمیریة، مصر (1309 ه).

سبط ابن الجوزی:

أبو المظفر شمس الدین یوسف بن قزاوغلی (ت 654 ه/ 1256 م).
97- «مرآة الزمان» ج 8، طبعة حیدر آباد 1951- 1952، طبعة أنقرة 1968.

السبکی:

تاج الدین عبد الوهاب بن علی (ت 771 ه/ 1369 م).
98- «طبقات الشافعیة الکبری» (القاهرة 1964).

السخاوی:

محمد بن عبد الرحمن (ت 902 ه/ 1496 م).
99- «الإعلان بالتوبیخ لمن ذم التاریخ» مطبوع ضمن کتاب «علم التاریخ عند المسلمین» لفرانتس روزنثال، ترجمة الدکتور صالح أحمد العلی، بغداد 1963.
واسط فی العصر العباسی، ص: 427

ابن سعد:

محمد بن سعد بن منیع البصری (ت 230 ه/ 844 م).
100- «کتاب الطبقات الکبیر» 8 أجزاء، نشر ادوارد شخاو (مطبعة بریل، لیدن 1322 ه فما بعد).

ابن سعید المغربی:

علی بن موسی بن محمد (ت 685 ه/ 1286 م).
101- «بسط الأرض فی الطول و العرض» تحقیق الدکتور خوان فرنیط خینیس.

السلفی:

أبو طاهر أحمد بن محمد الأصبهانی (ت 576 ه/ 1180 م).
102- «معجم السفر» ج 1 تحقیق الدکتورة بهیجة الحسنی، بغداد، 1977.
103- «سؤالات الحافظ السلفی لخمیس الحوزی عن جماعة من أهل واسط» تحقیق مطاع الطرابیشی، دمشق (1396 ه/ 1976 م).

السمعانی:

أبو سعد عبد الکریم (ت 562 ه/ 1166 م).
104- «الأنساب» طبعة مرجلیوث (لیدن 1912) و طبعة (حیدر آباد، 6 أجزاء، 1962- 1966).
105- «التحبیر فی المعجم الکبیر» جزءان، تحقیق الدکتورة منیرة ناجی سالم، بغداد (1395 ه/ 1975 م).

السمنانی:

علی بن محمد (ت 499 ه/ 1105 م).
106- «روضة القضاة و طریق النجاة» تحقیق الدکتور صلاح الدین الناهی، بغداد 1970.

سهراب:

107- «عجائب الأقالیم السبعة» تحقیق هانس فون فریک (طبع فینا 1929 م).

السیوطی:

جلال الدین عبد الرحمن بن أبی بکر (ت 911 ه/ 1505 م).
108- «تاریخ الخلفاء» تحقیق محمد محیی الدین عبد
واسط فی العصر العباسی، ص: 428
الحمید، ط 3، مطبعة المدنی، القاهرة (1383 ه/ 1964 م).
109- «بغیة الوعاة فی طبقات اللغویین و النحاة» تحقیق محمد أبی الفضل إبراهیم، القاهرة (1964- 1965).
110- «طبقات الحفاظ» تحقیق علی محمد عمر، ط 1، مطبعة الاستقلال الکبری، القاهرة (1393 ه/ 1973 م).

الشابشتی:

أبو الحسن علی بن محمد (ت 388 ه/ 998 م).
111- «الدیارات» تحقیق کورکیس عواد، ط 2، مطبعة المعارف (بغداد 1966).

أبو شامة:

أبو محمد شهاب الدین عبد الرحمن بن إسماعیل المقدسی (ت 662 ه/ 1266 م).
112- «الروضتین فی أخبار الدولتین» جزءان، مطبعة وادی النیل، 1287- 1288.
113- «الذیل علی الروضتین» تراجم رجال القرنین السادس و السابع باعتناء محمد زاهد الکوثری (القاهرة 1366 ه/ 1947 م).

ابن شاکر الکتبی:

محمد بن أحمد (ت 764 ه/ 1362 م).
114- «عیون التواریخ» ج 12، تحقیق الدکتور فیصل السامر، و نبیلة عبد المنعم، بغداد، (1397 ه/ 1977 م).
115- «فوات الوفیات» تحقیق محمد محیی الدین عبد الحمید، مطبعة السعادة، مصر (1951 م).

الشنطوفی:

نور الدین أبو الحسن علی بن یوسف (ت 713 ه/ 1313 م).
116- «بهجة الأسرار و معدن الأنوار» مطبعة شرکة التمدن الصناعیة بمصر. (بدون تاریخ).

الشهرستانی:

محمد بن عبد الکریم (ت 548 ه/ 1153 م).
واسط فی العصر العباسی، ص: 429
117- «الملل و النحل» نشر محمد فتح اللّه بدران، مطبعة الأزهر، القاهرة، (1375 ه/ 1955 م).

شیخ الربوة:

شمس الدین أبو عبد اللّه محمد بن أبی طالب الأنصاری الدمشقی (ت 727 ه/ 1326 م).
118- «نخبة الدهر فی عجائب البر و البحر» لا یبزک 1923.

الشیزری:

عبد الرحمن بن نصر (ت 774 ه/ 1372 م).
119- «نهایة الرتبة فی طلب الحسبة» نشره السید الباز العرینی (القاهرة 1946 م).

الصابی:

أبو الحسن الهلال بن المحسن بن إبراهیم بن زهرون (ت 448 ه/ 1056 م).
120- «تحفة الأمراء فی تاریخ الوزراء» تحقیق عبد الستار أحمد فراج، دار إحیاء الکتب العربیة (القاهرة 1958).
121- «رسائل الصابی» تحقیق محمد یوسف نجم، الکویت 1961.

ابن الصابونی:

أبو حامد محمد بن علی (ت 680 ه/ 1281 م).
122- «تکملة إکمال الإکمال» تحقیق الدکتور مصطفی جواد، بغداد 1957.

الصفدی:

صلاح الدین خلیل بن أیبک (ت 764 ه/ 1362 م).
123- «نکت الهمیان فی نکت العمیان» تحقیق أحمد زکی، (القاهرة 1911).
124- «الوافی بالوفیات» ج 1، ط 2، باعتناء هلموت ریتر (1381 ه/ 1962 م)، ج 2.
باعتناء س. دیدرینغ، مطبعة وزارة المعارف، استانبول 1949، ج 3، ج 4.
باعتناء س. دیدرینغ، المطبعة الهاشمیة، (دمشق
واسط فی العصر العباسی، ص: 430
1953، 1959)، ج 5.
باعتناء س. دیدرینغ، مطابع دار صادر بیروت (1389 ه/ 1970 م)، ج 7.
باعتناء إحسان عباس، مطابع دار صادر بیروت (1389 ه/ 1970 م)، ج 8.
باعتناء محمد یوسف نجم، مطابع دار صادر بیروت (1391 ه/ 1971 م)، ج 9.
باعتناء یوسف فان أس، مطابع دار صادر بیروت (1393 ه/ 1973 م)، ج 12.
باعتناء رمضان عبد التواب، مطابع الجمعیة العلمیة الملکیة بعمان (1399 ه/ 1979 م)، ج 15.
باعتناء بیرندرانکه، بیروت (1399 ه/ 1979 م).

الصولی:

أبو بکر محمد بن یحیی (ت 335 ه/ 946 م).
125- «أخبار الراضی باللّه و المتقی للّه أو تاریخ الدولة العباسیة من 322- 333 م من کتاب الأوراق» نشره ج.
هیورث دن، مطبعة الصاوی، (القاهرة 1935).

ابن الصیرفی:

علی بن منجب (ت أواخر القرن الخامس الهجری/ الحادی عشر المیلادی).
126- «الإشارة إلی من نال الوزارة» تحقیق عبد اللّه مخلص، مطبعة المعهد العلمی الفرنسی، (القاهرة 1924 م).

ابن طباطبا:

أبو إسماعیل إبراهیم بن ناصر (القرن الخامس الهجری/ الحادی عشر میلادی).
127- «منتقلة الطالبیة» تحقیق محمد مهدی السید حسن الخرسان، ط 1، المطبعة الحیدریة، النجف (1388 ه/ 1968 م).

الطبری:

محمد بن جریر (ت 310 ه/ 922 م).
واسط فی العصر العباسی، ص: 431
128- «تاریخ الرسل و الملوک» 10 أجزاء تحقیق محمد أبو الفضل إبراهیم، مطبعة دار المعارف (القاهرة 1960- 1969).
129- «اختلاف الفقهاء» عنی بنشره: یوسف شاخت (لیدن 1933 م).

الطوسی:

أبو جعفر بن الحسن (ت 460 ه/ 1067 م).
130- «رجال الطوسی» تحقیق محمد صادق آل بحر العلوم، ط 1، النجف (1381 ه/ 1962 م).
131- «الفهرست» تصحیح و تعلیق محمد صادق آل بحر العلوم، النجف (1370 ه).

ابن عبد الحق:

صفی الدین عبد المؤمن البغدادی (ت 739 ه/ 1338 م).
132- «مراصد الاطلاع علی أسماء الأمکنة و البقاع» 3 أجزاء تحقیق علی محمد البجاوی، ط 1 دار إحیاء الکتب العربیة (القاهرة 1373- 1374 ه/ 1954- 1955 م).

ابن عبد ربه:

أبو عمر أحمد بن محمد (ت 328 ه/ 939 م).
133- «العقد الفرید» تحقیق أحمد أمین، أحمد الزین، إبراهیم الأبیاری، مطبعة لجنة التألیف و الترجمة و النشر، ط 2، (القاهرة 1948- 1953).

ابن العبری:

غریغوریوس الملطی، أبو الفرج بن هارون (ت 685 ه/ 1286 م).
134- «تاریخ مختصر الدول» المطبعة الکاثولیکیة (بیروت 1958).

عمرو بن متی:

135- «أخبار بطارکة کرسی المشرق من کتاب المجدل» روما 1896.
واسط فی العصر العباسی، ص: 432

العمری:

شهاب الدین أحمد بن فضل اللّه (ت 742 ه/ 1341 م).
136- «مسالک الأبصار فی ممالک الأمصار» تحقیق أحمد زکی (القاهرة 1924 م).

العیونی:

جمال الدین علی بن المقرب العیونی البحرانی (ت 631 ه/ 1233 م).
137- «دیوان» جزءان، تحقیق عبد الفتاح محمد الحلو، مطبعة البابی الحلبی و أولاده بمصر، (1383 ه/ 1963 م).

الغسانی:

أبو العباس إسماعیل (ت 803 ه/ 1400 م).
138- «العسجد المسبوک و الجوهر المحکوک فی طبقات الخلفاء و الملوک» تحقیق الدکتور شاکر محمود عبد المنعم، دار التراث الإسلامی للطباعة و النشر و التوزیع، بیروت (1395 ه/ 1975 م).

أبو الفدا:

الملک المؤید عماد الدین إسماعیل (ت 732 ه/ 1331 م).
139- «کتاب المختصر فی أخبار البشر» دار الکتاب اللبنانی (بیروت بدون تاریخ).

ابن الفرات:

ناصر الدین محمد بن عبد الرحیم (ت 807 ه/ 1404 م).
140- «تاریخ ابن الفرات» م 4، ج 1، تحقیق الدکتور حسن محمد الشماع، مطبعة حداد، بغداد (1386 ه/ 1967 م).

ابن الفقیه:

أبو بکر أحمد بن محمد الهمدانی (ت فی حدود 340 ه/ 951 م).
141- «مختصر کتاب البلدان» (لیدن 1885 م).

الفیروز آبادی:

مجد الدین محمد بن یعقوب (ت 817 ه/ 1414 م).
142- «القاموس المحیط» 4 أجزاء، (بولاق 1289 ه).
واسط فی العصر العباسی، ص: 433

ابن الفوطی:

کمال الدین عبد الرزاق بن أحمد (ت 723 ه/ 1323 م).
143- «تلخیص مجمع الآداب فی معجم الألقاب» ج 4، تحقیق الدکتور مصطفی جواد، دمشق (1962- 1967)، ج 5، باعتناء الحافظ محمد عبد القدوس القاسمی، لاهور (1359 ه/ 1940 م).

الفیومی:

أحمد بن محمد بن علی المقری (ت 770 ه/ 1368 م).
144- «المصباح المنیر» جزءان، ط 2، المطبعة الأمیریة (القاهرة 1939).

ابن قاضی شهبة:

أبو بکر بن أحمد بن محمد الأسدی (ت 851 ه/ 1447 م).
145- «طبقات النحاة و اللغویین» تحقیق الدکتور محسن فیاض، مطبعة النعمان، النجف 1974.

ابن قتیبة:

أبو محمد عبد اللّه بن مسلم الدینوری (ت 276 ه/ 889 م).
146- «الإمامة و السیاسة» تحقیق الدکتور طه محمد الزینی، الناشر مؤسسة الحلبی و شرکاه (القاهرة 1387 ه/ 1967 م).
147- «عیون الأخبار» القاهرة (1925- 1930).

قدامة:

واسط فی العصر العباسی؛ ص433
و الفرج قدامة بن جعفر الکاتب البغدادی (ت 337 ه/ 948 م).
148- «نبذة من کتاب الخراج و صنعة الکتابة» منشور ضمن کتاب «المسالک و الممالک لابن خرداذبة)، ط 1، دی غویه (لیدن 1889 م).

القرشی:

محیی الدین أبو محمد عبد القادر الحنفی المصری (ت 775 ه/ 1373 م).
149- «الجواهر المضیة فی طبقات الحنفیة» جزءان،
واسط فی العصر العباسی، ص: 434
حیدر آباد الدکن، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانیة (1332 ه).

القرطبی:

عریب بن سعد الکاتب (ت 366 ه/ 976 م).
150- «صلة تاریخ الطبری» مطبعة بریل، (لیدن 1897).

القزوینی:

زکریا بن محمد بن محمود (ت 682 ه/ 1283 م).
151- «آثار البلاد و أخبار العباد» دار صادر بیروت (1380 ه/ 1960 م).
152- «عجائب المخلوقات و غرائب الموجودات» تحقیق فاروق سعد، منشورات دار الآفاق الجدیدة، بیروت، ط 2، 1977.

القلقشندی:

أبو العباس أحمد بن علی (ت 821 ه/ 1418 م).
153- «صبح الأعشی فی صناعة الإنشا» 14 جزءا نسخة مصورة عن الطبعة الأمیریة، مطابع کوستا توماس و شرکاه (القاهرة 1963 م و ما بعدها).

القفطی:

جمال الدین أبو الحسن علی بن یوسف الشیبانی (ت 646 ه/ 1248 م).
154- «أنباه الرواة علی أنباه النحاة» تحقیق محمد أبی الفضل إبراهیم، القاهرة (1950- 1955).
155- «تاریخ الحکماء» باعتناء جولیس لیبیرت، لیبزک، (1903 م).
156- «المحمدون من الشعراء» تحقیق حسن معمری، منشورات دار الیمامة، الریاض (1390 ه/ 1980 م).

ابن القیسرانی:

محمد بن طاهر (ت 507 ه/ 1113 م).
157- «الأنساب المتفقة» (لیدن 1865 م).

ابن کثیر:

عماد الدین إسماعیل بن عمر القرشی الدمشقی (ت 774 ه/ 1372 م).
واسط فی العصر العباسی، ص: 435
158- «البدایة و النهایة فی التاریخ» 14 جزءا، مکتبة المعارف، بیروت و مکتبة النصر، (الریاض 1966).

ماری بن سلیمان:

159- «أخبار فطارکة کرسی المشرق من کتاب المجدل» روما 1899.

ابن ماکولا:

الأمیر علی بن هبة (ت 475 ه/ 1082 م).
160- «الإکمال فی رفع الارتیاب عن المؤتلف و المختلف من الأسماء و الکنی و الألقاب» 6 أجزاء، ط 1، مطبعة دائرة المعارف العثمانیة، حیدر آباد الدکن، الهند (1386 ه/ 1967 م).

الماوردی:

أبو الحسن علی بن محمد بن حبیب (ت 450 ه/ 1058 م).
161- «الأحکام السلطانیة و الولایات الدینیة» مکتبة و مطبعة مصطفی البابی الحلبی و أولاده بمصر (القاهرة 1380 ه/ 1960 م).
162- «أدب القاضی» ج 2، تحقیق محیی هلال السرحان، بغداد (1972 م).

مجهول:

(کان الکتاب منسوبا لابن الفوطی خطأ).
163- «الحوادث الجامعة و التجارب النافعة فی المائة السابعة» تحقیق الدکتور مصطفی جواد، مطبعة الفرات، بغداد (1351 ه).

مجهول:

164- «العیون و الحدائق» تحقیق نبیلة عبد المنعم داود، الجزء الرابع- القسم الأول، مطبعة النعمان، النجف، (1392 ه/ 1972 م)، و القسم الثانی مطبعة الإرشاد، بغداد (1973 م).
واسط فی العصر العباسی، ص: 436

مدیریة الآثار العامة:

165- «سجل البعثة العراقیة لحفریات واسط» ج 2/ 38 رقم التسلسل 427 السنة 1937، ج 3/ 38 رقم التسلسل 46 السنة 1939، ج 5/ 38 رقم التسلسل 99 السنة 1941.

المسعودی:

أبو الحسن علی بن الحسین بن علی (ت 346 ه/ 956 م).
166- «التنبیه و الإشراف» بریل، (لیدن 1893 م).
167- «مروج الذهب و معادن الجوهر» 4 أجزاء، تحقیق محمد محیی الدین عبد الحمید، ط 5، دار الفکر، بیروت، (1393 ه/ 1973 م) (و طبعة باریس 1861- 1876).

مسکویه:

أبو علی أحمد بن محمد بن یعقوب (ت 421 ه/ 1030 م).
168- «کتاب تجارب الأمم» جزءان، نشره ه. ف.
آمدروز، مطبعة التمدن الصناعیة، مصر (1332- 1333 ه/ 1914- 1915 م).

المقدسی:

شمس الدین أبو عبد اللّه محمد بن أحمد المعروف بالبشاری (ت 375 ه/ 985 م).
169- «أحسن التقاسیم فی معرفة الأقالیم» باعتناء دی غویه، ط 2، بریل، (لیدن 1906).

المقریزی:

تقی الدین أبو العباس أحمد بن علی بن عبد القادر (ت 845 ه/ 1441 م).
170- «المواعظ و الاعتبار فی ذکر الخطط و الآثار» المعهد الفرنسی للآثار الشرقیة (القاهرة 1913).

المنذری:

زکی الدین أبو محمد عبد العظیم بن عبد القوی (ت 656 ه/ 1258 م).
واسط فی العصر العباسی، ص: 437
171- «التکملة لوفیات النقلة» تحقیق الدکتور بشار عواد معروف، 4 أجزاء، مطبعة الآداب، النجف (1969- 1971)، ج 5، ج 6، مطبعة عیسی البابی الحلبی و شرکاه، القاهرة (1395، 1396 ه/ 1975، 1976 م)، ج 8 (مطبوع بالآلة الکاتبة)، مکتبة الدراسات العلیا، کلیة الآداب، جامعة بغداد.

ابن منظور:

أبو الفضل محمد بن مکرم الأنصاری (ت 711 ه/ 1311 م).
172- «لسان العرب» 14 جزءا، دار صادر- دار بیروت، بیروت (1374- 1375 ه/ 1955- 1956 م).

ابن نباتة:

جمال الدین بن نباتة المصری (ت 768 ه/ 1366 م).
173- «سرح العیون فی شرح رسالة ابن زیدون» تحقیق محمد أبو الفضل إبراهیم (القاهرة 1964).

ابن الندیم:

أبو الفرج محمد بن إسحاق (ت 385 ه/ 995 م).
174- «الفهرست» مکتبة خیاط (بیروت 1964 م).

النعیمی:

عبد القادر محمد الدمشقی (ت 927 ه/ 1521 م).
175- «الدارس فی تاریخ المدارس» جزءان، تحقیق جعفر الحسنی، مطبعة الترقی، (دمشق 1948 م).
شهاب الدین أحمد بن عبد الوهاب (ت 733 ه/ 1332 م).
176- «نهایة الأرب فی فنون الأدب» 18 جزءا نسخة مصورة عن دار الکتب (القاهرة 1954 م).

النیسابوری:

فرید الدین العطار.
177- «عطار نامة» تحقیق الدکتور أحمد ناجی القیسی، ط 1، مطبعة الإرشاد، بغداد، (1388 ه/ 1968 م).

هبة اللّه الشیرازی:

المؤید فی الدین (ت 470 ه/ 1077 م).
178- «سیرة المؤید فی الدین داعی الدعاة» نشر
واسط فی العصر العباسی، ص: 438
الدکتور محمد کامل حسین، (القاهرة 1949 م).

الهمدانی:

رشید الدین فضل اللّه (ت 718 ه/ 1318 م).
179- «جامع التواریخ» جزءان، ترجمة محمد صادق نشأة و جماعته ط دار إحیاء الکتب العربیة 1960 م.

الهمدانی:

محمد بن عبد الملک (ت 521 ه/ 1127 م).
180- «تکملة تاریخ الطبری» تحقیق البرت یوسف کنعان، المطبعة الکاثولیکیة (بیروت 1961 م).

ابن الوردی:

سراج الدین أبی حفص عمر بن مظفر (ت 749 ه/ 1348 م).
181- «خریدة العجائب و فریدة الغرائب» (القاهرة 1280 ه).

وکیع:

محمد بن خلف بن حیان (ت 306 ه/ 918 م).
182- «أخبار القضاة» 3 أجزاء، تحقیق عبد العزیز مصطفی المراغی، مطبعة الاستقامة (القاهرة 1947- 1950 م).

الیافعی:

أبو محمد عبد اللّه بن أسعد بن علی الیمنی المکی (ت 768 ه/ 1366 م).
183- «مرآة الجنان و عبرة الیقظان» 4 أجزاء، منشورات مؤسسة الأعلمی للمطبوعات (1970 م).

یاقوت:

شهاب الدین أبو عبد اللّه یاقوت بن عبد اللّه الحموی (ت 626 ه/ 1226 م).
184- «المشترک وضعا و المفترق صقعا» باعتناء و ستنفلد، جوتنکین (1846 م).
185- «معجم الأدباء» 20 جزءا تحقیق أحمد فرید رفاعی (القاهرة بدون تاریخ).
واسط فی العصر العباسی، ص: 439
186- «معجم البلدان» 5 أجزاء دار صادر- (بیروت 1957 م).

یشو عدناح:

(نهایة الجیل الثامن).
187- «الدیورة فی مملکتی الفرس و العرب» ترجمة القس بولس شیخو، مطبعة النجم (الموصل 1939 م).

الیعقوبی:

أحمد بن أبی یعقوب بن واضح الکاتب (ت 284 ه/ 897 م).
188- «البلدان» (لیدن 1892 م).

ابن أبی یعلی:

أبو الحسین محمد (ت 527 ه/ 1132 م).
189- «طبقات الحنابلة» 2 ج (القاهرة 1952 م) طبع محمد حامد الفقی.

أبو یوسف:

القاضی یعقوب بن إبراهیم الأنصاری (ت 182 ه/ 798 م).
190- «الخراج» ط 3، نشر المطبعة السلفیة و مکتبتها (القاهرة 1382 ه).

ج- المراجع الحدیثة:

أدی شیر:

السید أدی شیر.
191- «تاریخ کلدو و آثور» جزءان (بیروت 1912 م).

إسحاق:

رفائیل بابو.
192- «مدارس العراق قبل الإسلام» مطبعة شفیق، (بغداد 1955 م).

آل یاسین:

محمد مفید.
193- «الحیاة الفکریة فی العراق فی القرن السابع الهجری» (بغداد 1975 م)، رسالة مقدمة إلی کلیة الآداب و هیئة الدراسات العلیا فی جامعة بغداد لنیل
واسط فی العصر العباسی، ص: 440
درجة الدکتوراه آداب فی التاریخ الإسلامی (مطبوع بالآلة الکاتبة).

أمین:

أحمد.
194- «ضحی الإسلام» مطبعة لجنة التألیف و الترجمة و النشر (القاهرة 1952 م).
195- «فجر الإسلام» مطبعة لجنة التألیف و الترجمة و النشر (القاهرة 1935 م).

الأنباری:

عبد الرزاق علی.
196- «النظام القضائی فی بغداد فی العصر العباسی» مطبعة النعمان، النجف (1397 ه/ 1977 م).

براون:

ادوارد.
197- «تاریخ الأدب فی إیران» ترجمة الدکتور إبراهیم أمین الشواربی، القاهرة (1373 ه/ 1954 م).

تونجی:

محمد.
198- «المعجم الذهبی» (بیروت 1969 م).

جب:

هاملتون الکسندر روسکین.
199- «دراسات فی حضارة الإسلام» ترجمة الدکتور إحسان عباس و آخرون (نشر دار العلم للملایین، بیروت 1964 م).

الجمیلی:

رشید.
200- «دولة الأتابکة فی الموصل بعد عماد الدین زنکی» ط 1، دار النهضة العربیة للطباعة و النشر، (بیروت 1970 م).
201- «إمارة الموصل فی العصر السلجوقی» ط 1، مطبعة و أوفسیت الحدیثی، (بغداد 1980 م).

حسن:

إبراهیم حسن.
202- «تاریخ الإسلام السیاسی و الدینی و الثقافی
واسط فی العصر العباسی، ص: 441
و الاجتماعی» 4 أجزاء مکتبة النهضة المصریة (القاهرة 1964- 1967 م).

الحسنی:

عبد الرزاق.
203- «الصابئون فی حاضرهم و ماضیهم» ط 3، مطبعة العرفان، صیدا- لبنان (1382 ه/ 1963 م).

حسین أمین:

204- «تاریخ العراق فی العصر السلجوقی» مطبعة الإرشاد، بغداد (1385 ه/ 1965 م).

الخالدی:

فاضل.
205- «الحیاة السیاسیة و نظم الحکم فی العراق خلال القرن الخامس الهجری» مطبعة الإیمان، بغداد (1389 ه/ 1969 م).

خلیف:

یوسف.
206- «حیاة الشعر فی الکوفة» دار الکاتب العربی للطباعة و النشر، القاهرة، (1388 ه/ 1968 م).

الدوری:

تقی الدین عارف.
207- «عصر إمرة الأمراء فی العراق» ط 1، مطبعة أسعد، بغداد (1395 ه/ 1975 م).

الدوری:

عبد العزیز عبد الکریم.
208- «تاریخ العراق الاقتصادی فی القرن الرابع الهجری» ط 2، دار المشرق، (بیروت 1974 م).
209- «دراسات فی العصور العباسیة المتأخرة» مطبعة السریان، (بغداد 1945 م).
210- «مقدمة فی التاریخ الاقتصادی العربی» ط 2، دار الطلیعة للطباعة و النشر، (بیروت 1978 م).

دی بور:

ت. ج.
واسط فی العصر العباسی، ص: 442
211- «تاریخ الفلسفة فی الإسلام» ترجمة: محمد عبد الهادی أبو ریدة، مطبعة لجنة التألیف و الترجمة و النشر (القاهرة 1357 ه/ 1938 م).

دیموبین:

موریس جود فروا.
212- «النظم الإسلامیة» ترجمة صالح الشماع و فیصل السامر (مطبعة الزهراء، بغداد 1952 م).

دراور:

اللیدی.
213- «الصابئة المندائیون» ترجمة نعیم بدوی و غضبان رومی، مکتبة خیاط، (بیروت 1964 م).

رحمة اللّه:

ملیحة.
214- «الحالة الاجتماعیة فی العراق» مطبعة الزهراء، (بغداد 1970 م).

روزنثال:

فرانز.
215- «علم التاریخ عند المسلمین» ترجمة الدکتور صالح أحمد العلی، ط مؤسسة فرانکلین للطباعة و النشر، (بغداد 1963 م).

زامباور:

ادوار فون.
216- «معجم الأنساب و الأسرات الحاکمة فی التاریخ الإسلامی» جزءان، ترجمة الدکتور زکی محمد حسن و آخرین، مطبعة جامعة فؤاد الأول 1951 م.

الزبیدی:

محمد حسین.
217- «الحیاة الاجتماعیة و الاقتصادیة فی الکوفة فی القرن الأول الهجری» المطبعة العالمیة، (القاهرة 1970 م).
218- «العراق فی العصر البویهی» دار النهضة العربیة، (القاهرة 1969 م).

الزرکلی:

خیر الدین.
واسط فی العصر العباسی، ص: 443
219- «الأعلام» 10 أجزاء ط 2 (بدون تاریخ).

زکی:

أحمد کمال.
220- «الحیاة الأدبیة فی البصرة» دار المعارف بمصر (1971 م).

الزهیری:

محمود غناوی.
221- «الأدب فی ظل بنی بویه» مطبعة الأمانة بمصر (1949 م).

زیدان:

جرجی.
222- «تاریخ التمدن الإسلامی» 5 أجزاء، دار الهلال.

السامر:

فیصل.
223- «الدولة الحمدانیة فی الموصل و حلب» ج 1 مطبعة الإیمان، (بغداد 1970 م)، ج 2 مطبعة الجامعة، (بغداد 1973 م).

السامرائی:

حسام قوام.
224- «المؤسسات الإداریة فی الدولة العباسیة» مکتبة دار الفتح، دمشق (1391 ه/ 1971 م).

سرور:

محمد جمال الدین.
225- «النفوذ الفاطمی فی بلاد الشام و العراق» (القاهرة 1964 م).

سفر:

فؤاد.
226- «واسط، الموسم السادس للتنقیب» (القاهرة 1952 م).

سوسه:

أحمد.
227- «ری سامراء فی عهد الخلافة العباسیة» جزءان، ط 1، مطبعة المعارف، (بغداد 1949 م).

الطهرانی:

أغا بزرک.
واسط فی العصر العباسی، ص: 444
228- «طبقات أعلام الشیعة» القرن الرابع، و الخامس تحقیق علی تقی منزوی، دار الکتاب العربی، بیروت (1391 ه/ 1971 م).

العبود:

عبد الکریم توفیق.
229- «الشعر العربی فی العراق من سقوط السلاجقة حتی سقوط بغداد» دار الحریة للطباعة، (1396 ه/ 1976 م).

العلی:

صالح أحمد.
230- «التنظیمات الاجتماعیة و الاقتصادیة فی البصرة فی القرن الأول الهجری» ط 2، دار الطلیعة للطباعة و النشر (بیروت 1969 م).

العمری:

أکرم ضیاء.
231- «بحوث فی تاریخ السنة المشرفة» بغداد، مطبعة الإرشاد، 1972 م.

غنیمة:

یوسف رزق اللّه.
232- «تجارة العراق قدیما و حدیثا» ط 1، مطبعة العراق، (بغداد 1922 م).

غنیمة:

محمد عبد الرحیم.
233- «تاریخ الجامعات الإسلامیة الکبری» دار الطباعة المغربیة، (تطوان 1953 م).

فهد:

بدری محمد.
234- «العامة ببغداد فی القرن الخامس الهجری»، مطبعة الإرشاد، (بغداد 1967 م).
235- «تاریخ العراق فی العصر العباسی الأخیر» مطبعة الإرشاد، (بغداد 1973 م).

القزاز:

محمد صالح داود.
واسط فی العصر العباسی، ص: 445
236- «الحیاة السیاسیة فی العراق فی العصر العباسی الأخیر» مطبعة القضاء، (النجف 1971 م).

القمی:

الشیخ عباس (ت 1359 ه/ 1940 م).
237- «الکنی و الألقاب» 3 أجزاء، (النجف 1956 م).

کراتشوفسکی:

أغناطیوس یولیا نوفتش.
238- «تاریخ الأدب الجغرافی العربی» نقله إلی اللغة العربیة صلاح الدین عثمان هاشم، (1961 م).

کریستنسن:

آرثر.
239- «إیران فی عهد الساسانیین» ترجمة یحیی الخشاب، (القاهرة 1957 م).

الکلدانی:

القس بطرس نصری.
240- «ذخیرة الأذهان فی تواریخ المشارقة و المغاربة السریان» م 1 (الموصل 1905 م).

الدومیبلی:

241- «العلم عند العرب و أثره فی تطور العلم العالمی» ترجمة الدکتور عبد الحلیم النجار و الدکتور محمد یوسف موسی، ط 1، 1962 م.

لسترنج:

غی.
242- «بلدان الخلافة الشرقیة» ترجمة بشیر فرنسیس و کورکیس عواد، مطبعة الرابطة، (بغداد 1954 م).
243- «بغداد فی عهد الخلافة العباسیة» ترجمة بشیر فرنسیس، بغداد (1355 ه/ 1936 م).

لوبون:

غوستاف.
244- «حضارة العرب» ترجمة عادل زعیتر، مطبعة عیسی البابی الحلبی و شرکاه، (القاهرة 1969 م).
واسط فی العصر العباسی، ص: 446

المخزومی:

245- «الدرس النحوی فی بغداد» بغداد، وزارة الأعلام (1974 م).

ماسنیون:

لویس.
246- «خطط الکوفة» ترجمة تقی المصعبی، (صیدا 1964 م).

المعاضیدی:

عبد القادر سلمان.
247- «واسط فی العصر الأموی» ط 1، دار الحریة للطباعة، بغداد (1396 ه/ 1976 م).

محفوظ:

حسین علی.
248- «المتنبی و سعد» مطبعة الحیدری، طهران (1377 ه/ 1957 م).

معروف:

ناجی.
249- «عروبة العلماء المنسوبین إلی البلدان الأعجمیة فی خراسان» بغداد (1396 ه/ 1976 م).
250- «علماء النظامیات و مدارس المشرق الإسلامی» مطبعة الإرشاد، بغداد، (1393 ه/ 1973 م).
251- «مدارس واسط» مطبعة الإرشاد، (بغداد 1966 م).

ناجی:

عبد الجبار.
252- «الإمارة المزیدیة» دار الطباعة الحدیثة، (بغداد 1970 م).

النعیمی:

ناهدة عبد الفتاح.
253- «مقامات الحریری المصورة» بغداد (1389 ه/ 1969 م)، رسالة مقدمة إلی کلیة الآداب و هیئة الدراسات العلیا فی جامعة بغداد لنیل درجة ماجستیر آداب فی الآثار (مطبوع بالآلة الکاتبة).
واسط فی العصر العباسی، ص: 447

د- المراجع الأجنبیة:

ه- المقالات و البحوث:

جواد: مصطفی.

264- «أولیة الشرطة و أطوارها و أصنافها عند العرب» مجلة الشرطة و الأمن، العدد 1، 1963 م.
265- «قبیلة جاوان الکردیة» مجلة المجمع العلمی العراقی، م 4، ج 1، 1956 م.
266- «معجم مواضع واسط و أعیان واسطیون من حملة
واسط فی العصر العباسی، ص: 448
العلم و الأثر» مجلة المجمع العلمی العراقی، م 8، 1961 م.

الدوری:

عبد العزیز.
267- «نشوء الأصناف و الحرف فی الإسلام» مجلة کلیة الآداب، جامعة بغداد، العدد 1، السنة 1959 م.

زیات:

حبیب.
268- «معجم المراکب و السفن فی الإسلام» مجلة المشرق، ج 3، ج 4، 1949 م.

سالم:

منیرة ناجی.
269- «البیت السمعانی» مجلة المورد، م 5، عدد 4، السنة 1976 م.

الشبیبی:

محمد رضا.
270- «أصول اللهجة العراقیة» مجلة المجمع العلمی العراقی، م 4، ج 1، 1956 م.

الطعمة:

عدنان جواد.
271- «یولیوس روسکا و العلوم عند العرب» مجلة المورد، م 6، عدد 4، السنة 1977 م.

العلی:

صالح أحمد.
272- «منطقة واسط» مجلة سومر، م 26، 1970، م 27، 1971 م.
273- «إدارة بغداد و مراکزها فی العصور العباسیة الأولی» مجلة سومر، م 33، ج 1، السنة 1977 م.

عواد:

کورکیس.
274- «المخطوطات العربیة فی دور الکتب الأمریکیة» مجلة سومر، م 7، ج 2، السنة 1951 م.

علیان:

رشدی.
275- «أصحاب الروحانیات أو الصابئة المندائیون»
واسط فی العصر العباسی، ص: 449
مجلة المورد، م 5، عدد 2، السنة 1976 م.

العزی:

عزیز علی.
276- «عجائب المخلوقات للقزوینی» مجلة المورد، م 6، عدد 4، السنة 1977 م.

فرنسیس:

بشیر یوسف.
277- «المظاهر الفنیة فی عواصم العراق الإسلامیة القدیمة علی ضوء الاستکشافات الحدیثة» مجلة سومر، م 4، ج 1، السنة 1948 م.

فهد:

بدری محمد.
278- «تاریخ الشهود» مجلة کلیة الشریعة، عدد 3، السنة م 1967.
279- «ابن الدبیثی و کتابه تاریخ بغداد» مجلة المورد، م 3، عدد 3، السنة 1974 م.

مسکونی:

یوسف یعقوب.
280- «مدارس واسط» مجلة الکتاب المصریة، ج 3، م 3، السنة 1947 م.
281- «نصاری کسکر و واسط قبل الإسلام» مجلة النور، عدد 1، 2، 4، 6، السنة 1949 م.

المعاضیدی:

عبد القادر سلمان.
282- «التنظیمات الإداریة بواسط فی العصر العباسی» مجلة الأستاذ، عدد 2، السنة 1978 م.
283- «خطط مدینة واسط فی العصر العباسی» مجلة سومر، م 34، ج 1، ج 2، السنة 1978 م.

معروف:

بشار عواد.
284- «مظاهر تأثیر علم الحدیث فی علم التاریخ عند المسلمین» مجلة الأقلام، عدد 5، السنة 1965 م.
واسط فی العصر العباسی، ص: 453

فهرس الموضوعات‌

الإهداء 5
نطاق البحث و تحلیل المصادر 7
المقدمة 7
المصادر التأریخیة 12
التراجم 15
المصادر الأدبیة 18
المصادر الجغرافیة 19
المصادر الفقهیة 21
الفصل الأول: المقدمة (ملامح الحیاة السیاسیة بواسط فی العصور العباسیة المتأخرة) 23
الفصل الثانی: تخطیط مدینة واسط و تطورها العمرانی فی العصر العباسی 99
1- التطور العمرانی 101
2- تخطیط المدینة 102
3- المنشآت 110
واسط فی العصر العباسی، ص: 454
الفصل الثالث: إدارة واسط 121
1- تحدید ولایة واسط 123
2- التقسیم الإداری لولایة واسط 126
أعمال الصلح 130
أعمال واسط 132
أعمال الصینیة 133
أعمال الغراف 133
أعمال الشّرطة 134
3- علاقة واسط بالسلطة المرکزیة ببغداد 138
4- الوظائف الإداریة بواسط 139
الوالی 139
الشرطة 145
الشحنة 146
الناظر 148
المشرف 150
القضاء 150
الحسبة 160
نقابة العباسیین 163
نقابة الطالبیین 164
الفصل الرابع: الحیاة الاجتماعیة 167
عناصر السکان 169
الطوائف الدینیة 185
واسط فی العصر العباسی، ص: 455
أ- المسلمون 185
ب- أهل الذمة 191
طبقات المجتمع 200
الفصل الخامس: الحیاة الفکریة 221
1- المؤسسات التعلیمیة 223
أ- المساجد 223
ب- الکتاتیب 227
ج- المدارس 228
د- الربط 240
ه- الدور 242
2- العلوم الدینیة 243
3- العلوم العربیة 271
4- العلوم التاریخیة و الجغرافیة 295
5- العلوم العقلیة 309
6- الصلات العلمیة بین واسط و العالم الإسلامی 321
7- أشهر البیوتات العلمیة بواسط 357
خلاصة البحث 375
الملاحق قضاة مدن واسط 407
المصادر 413
أ- المصادر الخطیة 413
واسط فی العصر العباسی، ص: 456
ب- المصادر المطبوعة 417
ج- المراجع الحدیثة 439
د- المراجع الأجنبیة 447
ه- المقالات و البحوث 447

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.